اتجاهات الرأي العام، في المواقع الاخبارية في كتابات المثقفين، واهل الرأي حول مجتمع البيظان: البناء الاجتماعي، النظام، العلاقات.(3)

سبت, 2021-07-17 04:49

لقد تفضل  الدكتور  احمد هارون ولد الشيخ سيديا بالكتابة عن مجتمعه، ومناقشتي لطرحه الفكري، لا علاقة لها بالمناكفات  التي تدور في علاقته بالنظام، حتى يكون القارئ على علم  بموضوع النقاش، وخلفياته، والآراء التالية، ستوضح  الى اي حد سيكون النقاش خارج دائرة آراء الذباب المناهض للآراء السياسية، وإنما يتعلق بما جاء في  مقاله عن" مستقبل مجتمع البيظان" حيث طرح عدة تساؤلات دون الإجابة عليها، ولعل النقاش سيبقى معلقا حتى يتمكن الدكتور أحمد من الإجابة عليها، وفي الفقرة الرابعة من العناوين، عرض لبعض الصفات التي رآها مميزة لمجتمع البيظان...
لكني أشير الى الدكتور احمد هارون  إلى الفجوة العميقة  في كتابته جراء غياب تعريفه للظاهرة التي كانت موضوع بحثه،،وهذا  لا ينسجم مع الباحث الجاد، فالموضوع إما ان يعرف بهويته من جهة النوع، او الجنس، أو الفصيلة، او بالتمثيل، وهو أخس  التعريفات -عند المناطق-  بمعنى أضعفها، و من قبيل التعريف بالتمثيل، التعريف بالصفات، كتعريف المجتمع الموريتاني ب"مجتمع البيظان"،،
ولعله تعريف خارجي، ولو سلمنا ان هذا اللون من صفات افراده ، فهل هي شاملة لكل من لونه يميل إلى البياض، او الاصفرار، او الاحمرار الرمادي..واما الباقون فمن أي مجتمع  ينتمون اليه؟
فلعل المتداول هو الانتماء  بالمولد، كحيز جغرافي، قانوني، او احد الابوين من مواطني البلاد التي ولد فيها الانسان..
 وهناك تعريفات عديدة مرتبطة بتحديد الهوية على اساس القواسم المشتركة، ومنها المكان، والتاريخ المشترك، والثقافة العالمة، او الشفوية"الحسانية" على سبيل المثال، ومنظومة القيم الأخلاقية، والقيم الدينية، والانساق الثقافية، ولهذا فإن مجتمعنا الموريتاني، هو :
1-مجتمع  يشكل بناء اجتماعيا  منذ آلاف السنين، ولم يؤثر على بنائه الاجتماعي، استقباله للهجرات الوافدة من الشمال، او الجنوب، او الشرق، كما لم يقض على بنائه، تمدد بعض قبائله خارج المجال الجغرافي الحالي الذي يحدد هوية المجتمع في اطار الدولة التي قامت منذ 1960م. 
أما البناء الاجتماعي، فقد تأسس منذ ألفي سنة قبل الميلاد حسب الموسوعة الإسلامية في التاريخ على اساس الثنائية العرقية، فملك"غانا" كان أسمر البشرة، بينما كان وزراؤه بيض البشرة على حد تعبير المؤرخين..
ولكل من الوحدتين الاجتماعيتين  نظامها الاجتماعي،،،
2-وهنا يلاحظ أن النظام الاجتماعي في مجتمعنا السابق، لم يختلف في شيء عن الأنظمة الاجتماعية في المجتمعات العربية، والافريقية، وغيرها من جهة أنها قائمة على اساس  مجموعة من النظم الاجتماعية، كنظام الأسرة، ونظام الجماعات المحلية، والجماعات القروية، وسكان المدن القديمة، والوحدة العامة التي   تتوزع على تعددية قبلية، ونمط الانتاج الرعوي، وملكية الاراضي - وهي من جرائم النظام الاستعماري الذ ي اراد ان يعرقل بها اي تطور محتمل يتعلق بالاصلاح الزراعي - وتاريخية التجارة الداخلية،و البينية، وإقامة المد ن على أطراف الأودية، والطرق التجارية، فهذه من مؤشرات تطور المجتمع بالنظر إلى  الحركة العمرانية، والتفاعل بين الجماعات القروية..
ولعل تعدد الغزوات من جهة البحر أدت إلى التغلغل في اقاصي  البلاد خلف الجبال، وفوق مساحات شاسعة من الصحراء، فلربما العامل الخارجي ادى إلى  استئناف الحياة خارج المدن،، وتدمير المدن التاريخية - اوليلي،اودغشت، أرتنيني- آزوكي - دليل قاطع على دور الحملات في تدمير بناء المجتمع، واستئناف حياته الاجتماعية،  وفق معطيات بيئية واجتماعية أخرى.. 
وتقديرا ان لكل مجتمع مستانف نظمه الحياتية الأولية ، المتميز حسب الظروف، وتباين البيئات  عن مجمع المدن، وأن كان ذلك لا يمكن الباحث الاجتماعي، او الانتروبولوجي من المعلومات التي يجزم من خلالها على تاثير  الأحداث التاريخية على هرمية المجتمع، ولا على طابع الحافظة  على العلاقات الاجتماعية في إطار التوازنات التي تميل إليها المجتمعات الآلية..
 وقد  يكون من المفترض اشتراك المجتمع العام في الخصائص، ولعل هذا التنظيم العنقودي هو الذي تميز به كل مجتمع بجماعاته الصغيرة، والمتوسطة عن غيره من المجتمعات الأخرى. .
وفي ذلك التنوع العلائقي عناصر تساعد على التميز الوظيفي لكل وحدة اجتماعية عن اخرى حسب رأي علماء الاجتماع، فالاستقرار الوظيفي العلائقي ساعد على التكيف الاجتماعي، وتطوره تطورا بنيويا من الداخل- كالنمو الداخلي لعناصر اليد من أصابع، وكف -
بينما الاتجاه الصراعي في علم الاجتماع، رأى في الصراع مصدرا للدفاع عن الوجود الموضوعي للمجتمع، ولعل منها الصراعات القبلية المدمرة، لكن من جهة اخرى ينظر اليها في إطار تعزيز اللحمة، وتعزيز العلاقات الداخلية...  
ولعل هذا ليس مهما بالنسبة للدكتور احمد، لكن هذه المعايير التحليلية للأبنية الاجتماعية، والعلاقات التنظيمية، هي التي تجيب على أسئلته التي بقيت معلقة..وليس هو وحده من يتجاهل هذا  التأطير النظري في دراسة المجتمعات فأصحاب النزعات السياسية، و الإصلاحية، لايبالون بما عليه المجتمع، وانما يقفزون الى ما ينبغي ان يكون عليه في الحاضر ،او المستقبل، وهذا واضح من عنوان مقال الدكتور  احمد عن "مستقبل مجتمع البيظان الى اين"؟
لكن السؤال الذي يورطهم  كثيرا، هو كيف القفز بالمجتمع عبر حرق المراحل من اجل القضاء،  ليس على  "العلاقات الآلية"، إلى "العلاقات العضوية" بل اكثر من ذلك اعادة بناء المجتمع، ونظمه؟
لقد حاول الماركسيون خلال تجربة حكمهم في "كومبوديا"Kambodza
القيام بعملية نقل سكان  الأحياء من المدن، وتوزيعها فى مدن اخرى، وكانت المآسي مفزعة في هذا البلد جراء هذا التدمير للمجتمع، وتفكيك الروابط الإنسانية بين أفراد الأسرة الواحدة، وكان مدمرا  لهذه السياسة الإجرامية في حق مجتمع يراد له التطور بطريقة وحشية .. 
ومجتمعنا الموريتاني لم تساعده أنظمة الحكم  السياسي في تطوير علاقاته بين وحداته، وكذلك بناء علاقاته مع الدولة خارج  منظومة العلاقات السابقة التي ورثها النظام الاستعماري الفرنسي لخلفه، كعلاقات الأول بشيخ القبيلة الذي جمع "العشر"، والأفراد الذين خدموا في الجيش، او الشرطة،او العسس المخبرين، اوالحراسات، فهؤلاء ورث أبناؤهم ذات العلاقات مع أنظمة الحكم،،
و غلبت العلاقات الأولية القرابية،القبلية،العرقية،، على التدبير داخل المؤسسات العامة، كالتوزير على اساس القرابة، والجهة، والانتماء المذهبي، والشرائحي، والعرقي، فضلا عن العلاقات الخاصة بما فيها الرشوة،،
و كان التوظيف حسب مراعاة  العلاقات السابقة معمولا به، ولعله لازال،، كالتوظيف على اساس القبيلة، والجهة، والتنوع العرقي، وقد ادخل عهد معاوية، توظيف"النماذج" على اساس الشرائح الاجتماعية،،
وقد تواضعت الانظمة على هذا المعيار، كما يتم حاليا التوظيف على   أساس القبيلة، وانحصر منذ اول اقامة الحكم السياسي التحديثي على الأسر التي استوزر اباؤها، ثم ابناؤها، وتوسع إلى أن شمل أفراد الأسرة..
 ولا رغوة  أن يتم التوظيف على اساس الشرائح الاجتماعية، لأنها جزء من تركيبة  المجتمع، ولا خطأ في تعيينهم، بل لعله  رؤية متقدمة على نمط الوعي السياسي العام، ويأتي للحد من الاحتقان ، وتوجيه البوصلة في اتجاه يعبر عن القناعة العامة من جهة ضرورة التعايش السلمي، وان موريتانيا للجميع، ووطن للجميع، وتستوعب كل أبنائها،ولها مستقبل واعد اذا ارتقى الجميع بوعيه من اجل القضايا الأكبر من محاولة الاستئثار التي تعبر عن عقول في وعي الطفولة،،،
واخيرا: 
ما هي خصائص المجتمع الموريتاني؟ 
(يتبع)
الجميع ومشاركتهم في الحياة السياسية...  
وكلها تجمع بين قيم منظومة العلاقات الوظيفية في المجتمع الحديث والمعاصر من جهة التخصصات العلمية، فلا يمكن تعيين شخص ما في مستشفى على اساس انه من قبيلة كذا دون ان يكن طبيبا،  ولعل نسبة التوظيف بالنظر إلى الكفاءة، والتخصص، يتناسب مع التطور البطيء في التغير الاجتماعي الأفقي الذي قد تطرأ عليه عوامل تعجل بوتيرة التحديث في المجتمع...وهذا التصور مرتبط بمعدل التفاؤل عند الباحثين.
4-هناك من الصفات العرضية  التي عرضها الدكتور هارون، باعتبارها خصائص ثابتة، ويحتاج الأمر منه إلى مراجعة للدراسات الاجتماعية ، والانتروبولوجية الخاصة بالخصائص، والصفات العامة التي يمكن أن ينظر إليها كظواهر ثانوية ، لاتراعى في مجال تحديد المتغيرات الرئيسة،او الثانوية التابعة،  ك"الجمود" الذي وصف به  العلاقات، في حين كان ينبغي التركيز على البناء،والنظام بدلا من العلاقات التي تظهر وتختفي من حين لآخر، كالذوق ، والقيم الجمالية، مثال:  ظاهرة تسمين الفتيات التي اختفت بالكاد .
 ويفترض أن يكون التركيز على المتغيرات الرئيسة  التي تختلف عن الصفات العرضية الخارجية...
5-فأي  تنظير يتعلق  بالمجتمع، هو مطلوب  لتوجيه الرأي العام على الاقل حول مستويات التحديث، وكذلك مستويات التخلف الاجتماعي،لكن  ذلك يتطلب البحث الوصفي، وليس القيمي، المعياري..

6-والسؤال الموضوعي،  ما هو المشروع الإصلاحي الجزئي، او التغييري  الشامل الذي يشكل رافعة للتحديث في مجتمعنا الموريتاني يا سيادة الدكتور هارون...؟
ثم الا ترى أن التغير الاجتماعي في رتابته التي هي من تداعيات النظام السياسي الذي هو في علاقة النتيجة بالسبب، الاحتلال الفرنسي المباشر الذي تم تبريره لأسباب، تتعلق بتبرئة من افتحوا رحمهم الله بقبول الأمةر الواقع، ولعل ان يكون فيه انقاذا للمجتمع من الصراعات القبلية، والعرقية التي كانت موجودة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؟

د/ إشيب ولد أباتي