هل توجد علاقة بين اتجاهات الرأي العام (2)؟

سبت, 2021-07-10 03:23

هل توجد علاقة بين اتجاهات الرأي العام، وبين الوعي الننخبوي المتميز لدى الكتاب في المواقع الاخبارية حول جرائم: الفساد المالي، السرقة، القتل، والاغتصاب؟

وفي تحري الاجابة على سؤال المقال الأول،  تمت الاشارة الى الحلول الأمنية، والاحترازات  الوقائية، وطرق استطلاع الرأي العام ...

بينما نطرح  في هذا المقال التكميلي، السؤال التالي:

ما الذي يراد فعله  استراتيجيا في مواجهة هذه التحدي الداخلي الذي يواجه مصائر الافراد في مجتمعنا الموريتاني، ويعرض للممتلكات الخاصة من استلاب؟

إنه يستدعي  اتخاذ الاجراءات التالية التي تتعلق بالحاجة الى تفعيل :

أ - مجالات الرعاية الاجتماعية، ومنها إيواء المعوزين، والعجزة، والمرشدين التي لاتخلو منهم المدن الكبيرة مثل نواكشوط، ونواذيبو...

ب- وإيجاد  أماكن مخصصة لاستضافة المهاجرين من الأخوة الأفارقة، وغيرهم ممن ليس لديه  قدرة على المبيت الليلي، ولمدة ثلاث ليال مع الغذاء، والراحة البدنية، والنفسية،،

 ومن المتوقع إيجاد تمويل وطني، كالعطاءات الخيرية،  وكذلك تمويل دولي يعزز هذه الجهود الوطنية، والانسانية،، ومن المهم معرفة أن القيمة المالية المدفوعة في هذه المشاريع الاجتمعاية الحمائية، أقل كثيرا من جهة التأثير  على الميزانية العامة التي تعتمد على المشاركة الجماعية للمواطن، وذلك لحماية النظام العام، ودرء  كل ما يزعزعة  الامن، والاستقرار، ويجنب المجتمع التضحية بحياة المواطنين المعرضين للجريمة الاجتماعية، كما أن من الأهمية بمكان،  تبني هذه الحلول العملية، ووضعها حيز التنفيذ، وطلب المشاركة فيها وطنيا ودوليا من" الشركاء " باعتبارها وسيلة للحد  من الجريمة الاجتماعية في إحدى دول التي تعاني من المجاعة كظاهرة عابرة للمجتمعات، كما في الدعاية الرسمية في المؤسسات الانسانية..

ج - الإسراع في  إيجاد مجالات العمل  للشبيبة الموريتانية العاطلة عن العمل، وهي تعاني على مستوى الأفراد، وأسرهم  من تدمير ذاتي، ومعنوي.

 و فتح مجالات للاقتراض المالي من المصارف العامة والخاصة في المدن ،وليس في العاصمتين السياسية والاقتصادية، فحسب، وتكون القروض المالية لمواطني كل مدينة، و قرية، ولكن لذات الفئات  العاطلة عن العمل ، والفقيرة، وإن تخصص هذه  القروض، وتوزع على مجالات الانشطة الاقنصادية،،

 وقد لايتجاوز تمويل المشروع الخاص في البداية  مليون إلى مليوني اوقية حسب نوع المشروع، ومردوديته على صاحبه، وعلى  الدورة الاقتصادية في مختلف المناطق،، وقد يسترجع القرض المالي بالتقسيط شهريا بعد ستة اشهر من الإعفاء من دفع  التقسيط عند استلام القروض، و يسترجع رأسمال المشروع، خلال سنة او سنتين،،  ويفتح مجال الاقتراض أكثر من مرة وبنسب مالية اكثر، وذلك للتشجيع، فضلا عن كونه يخلق فرصا عديدة للعمل حتى لغير المقترضين، مما يعزز قيم الاعتماد على الذات، والاكتفاء ،وتنشيط دورة الاقتصاد المحلي،الأمر الذي من شأنه أن يجدد الثقة لدى الافراد في الحاضر والمستقبل،و لدى الفئات الشبابية، ويحسن من  سبل العيش  الكريم للمواطن  في وطنه..

د - إعادة النظر  في السياسة التربوية، والزامية  التعليم  لاستكمال المرحلة الإعدادية، وفتح معاهد لإعادة التأهيل، والتكوين المهني للكبار .. 

ه -  اعتماد سياسة الترحيل الإجباري بعد نهاية العقوبة لكل أجنبي امتهن  السرقة وغيرها من الجرائم...

و -  يشترط  على الاجنبي من أجل الدخول الى البلاد، ان يكون عنده مبلغا ماليا لا يقل عن مائة الف أوقية، حتى يضمن به  استئجار سكنا، والإعاشة اللائقة  قبل ان يجد عملا، لأن  هذا المبلغ المالي يساعده  على الإعاشة  ريثما يتحصل على عمل في المدينة التي استقر فيها...

ز -  استبعاد، او الحد على الأقل من الاحتقان الاجتماعي بين فئات المجتمع " الآلي"، كمجتمعنا الذي لم تصل فيه العلاقات، والاحتقان الناجم عن الحيف، "الظلم الاجتماعي"  إلى ما وصلت اليه  المجتمعات الطبقية المعاصرة،،

 ومن مظاهر الجرائم في وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمعنا، هذا التجاوز الاعلامي، حتى  لمظاهر الصراع الطبقي في المجتمعات الطبقية..وهو من مظاهر التنجي على وحدة المجتمع، ومنه ما يجري من إلصاق  التهم جزافا  قبل الحصول على الأدلة  المؤكدة  على فاعلي الجرائم  في بلادنا،و ولعله يشكل تحريضا على ارتكاب  السلوك غير السوي، و احترافه،، ولذلك لا مجال لأن تناط الجريمة  بغير مرتكبها " ولاتزر  وازرة  وزر أخرى" - صدق الله العظيم -.

 ومن هنا ياتي التنبيه  على خطورة تعميم السلوك الإجرامي على الأسرة، أو الشريحة،، فهذا في حد ذاته اجرام آخر في حق وحدة المجتمع  العام.

فالتحري للمعلومة الصحيحة مطلب، والسمو بالفهم  الى الوعي الذي يقتضي مراعاة الحساسيات الاجتماعية، وعدم  "شيطنة" الشرائح الاجتماعية الفقيرة، لا " الهشة ": كمفهوم يدمر المعنويات ويلصق الصفة بالنظام الاجتماعي العام، وتبرر من جهة على ارتكاب الجريمة الاجتماعية،  وتحدد لها هوية سابقة لأوانها بلون من الجسم الاجتماعي العام..

وهي من المفاهيم التي  تعبر عن بيئة فكرية غير واعية بخطورة  توظيف المفاهيم ، وكونها تدفع الى زعزعة نظم المجتمع، وتبرر الدعوة لإسقاطها،كنظام الاسرة، وتفكيك العلاقات بين فئات المجتمع، وشرائحه المستهدفة احيانا بهذا الأسلوب المستغرب من جهات واعية من الحراك السياسي، وهدفها الظاهر،  هو :

 توظيف قوى الأمن العام  للصدام مع الشرائح الاجتماعية، وذلك يفقدهما - الوعي السياسي، و قوى الأمن العام -  وظيفتهما في توعية المواطن، وحمايته ،والدفاع عن السلامة العامة..

ولنا ان نتساءل نيابة عن القارئ حول قيمة البحث الاجتماعي، فما هي قيمته في هذا الوقت؟

إن البحث الاجتماعي هو إجراء بحثي، يهدف لمعرفة الظواهر، ودوافع القائمين بالسلوك الذي يهدد الأفراد، ونظم مجتمعنا،،

ومن أهداف البحث  العامة توخي الإصلاح في الاجتماع، وتصويب منظومة القيم التي استحدثت، وكان من تداعياتها غير المنتظرة صعوبة إشباع حاجات الأفراد  دون تجاوز لمنظومات الضبط الالزامي من القوانين الحمائية للمواطن، والممتلكات الخاصة، والعامة، ومن هنا تأتي الضرورة الملحة ليشمل استبيان البحث الميداني كل الظواهر ومنها "الفساد" المالي الذي اتخذ كأداة سياسية لتصفية الحسابات حسب بعض ما تروج له وسائل التواصل الاجتماعي ولكنا من جهة، وكوننا  مراقبين عن بعد، لا نتبنى  مواقف، كهذه، بقدر ما يهمنا رصد الاتجاهات في الراي العام..

لذلك تستدعي الضرورة الى إخراج ظاهرة محاربة الفساد المالي من الخصوصية الظاهرة إلى العمومية التي تشمل الفساد، كيفما كان مرتكبه، كما ذكرنا آنفا..

ونؤكد أن لا إمكانية للتعرف على "الرأي العام"،وإجراء  الإصلاح ما لم يضف  "الفساد" المالي إلى ظواهر الجريمة الاجتماعية، لانه جزء من كل، وهو الاختلال بالنظام العام، وكذلك إخراج محاربة مظاهر الفساد المالي  من طابع الثارات لنظام حكم سابق تم إسقاطه بأسلوب ملتبس، كما حصل مع نظام المرحوم ولد الشيخ  الله ،،

ولكن ألا  يلاحظ أن "الذباب" الإلكتروني المسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي في بلادنا، يكاد ان يموه الصورة الخارجية للرأي عام يهدف زعزعة الاستقرار وإشعال الاحتقان القبلي، و الشرائحي ..؟

وهو بذلك يتناسى بعض المعطيات التي ينبغي استحضارها،  وأهمها الحاجة إلى  تحصين مجتمعنا مما يخطط له، لأنه:

مجتمع في مرحلة انتقالية حساسة، رغم ما  تواضع، اعتاد  عليه من  التحمل، والمصابرة  في اطار التفاعل الاجتماعي خلال  الحقب التاريخية التي راكم اثناءها تراثه القيمي، وكانت دعاماته الروحية، قد رسخت قيم التسامح، والتعايش السلمي، والمشاركة العملية  في تسيير النظام العام منذ الحكم الملكي  في مملكة "غانا"، حيث كان ألملك أسمر البشرة، ، بينما كان  وزراؤه بيض البشرة  على حد تعبير المؤرخين..

  وبعد الفتوحات الاسلامية سجل المؤرخون دور  الاحلاف الصنهاجية في تعزيز الوحدة الاجتماعية بالقوة العسكرية  خلال المائة الثانية للهجرة، ولا شك أن ذلك  النهوض المجتمعي، ساعد على انطلاقة النهضة العامة على عهد المرابطين في الخمسين سنة الاخيرة من القرن الخامس للهجرة.

 إن هذا التراث الوطني  القومي الأخلاقي، والروحي هو بوصلة العقل الجمعي لمجتمعنا، وثقافة الأمة العربية المشتركة..

 أما الصراعات  القبلية التي كانت جزءا من الأحداث  الاستثنائية، فليست من التاريخ الحي الذي يغمر  الوعي الجمعي،، وقد حدثت  في فترات متقطعة، وكانت قصيرة،  وتوالت  بعد حرب" شرببة" وهذه الاخيرة لم يبحث عن دور  الإبعاد الخارجية فيها، كتبت دخل الاستعماري الذي احتل أجزاء من بلادنا منذ القرن الخامس عشر،،

 وما حصل أثناء ذلك  من صراعات داخلية، كانت نتيجة التدخل الاستعماري، وهو صراع مدفوع بالرغبة في السيطرة على ثروات البلاد، الامر الذي يحمل الى التاويل ان الصراع القبلي  ناتج من الصراع  السببي الرئيسي في دور  القوى الاستعمارية التي كانت تدفع به - بالصراع القبلي -  من اجل اتساع نفوذها، من خلال إضعاف النفوذ الموازي التابع للطرف الاستعماري الآخر...

ومع ذلك فقد بقي المجتمع محكوما بقيم التسامح، والتراحم، والترفع  عن الضغائن والاحقاد،، وقد حصنته من التفكك منظومته  ألاخلاقية في الثقافة العامة للعرب والمسلمين عموما على حد سواء، لذلك، فالدارسون في مجالي علم الاجتماع، وعلم الإنسان، لا شك أن  انزاعجهم أقل تجاه محاولات  الاحتقان الموجه في الاتجاه الخطأ نحو الوحدة  الاجتماعية،، لأنهم على ثقة  من تغلب دور  القيم التراثية  التي تعزز الوحدة الاجتماعية على قيم الظواهر العرضية المتمثلة في الجريمة الاجتماعية، والدعاية المغرضة  لتأجيج الصراع بين الشرائح الاجتماعية...

وستستعيد نظم المجتمع    دورها خلال  التفاعل الاجتماعي الايجابي الضامن للصيرورة التاريخية، والتطور  الحضاري المتميز لمجتمعنا المشتبث بانجازاته التاريخية في هذه البلاد، كالحفاظ على وحدته، ووجوده الحضاري، ومظاهر تجديد دورة التطور الحضاري،،

 وسيبقى ثابتا كما الجبال في وحدتنا الترابية  التي لم تزعزعها الأهواء، والتيارات الدورية عبر العصور، وتوالي الستين، و اثناء فصول السنة، ولو بلغت حد العواصف القاصمة، التي اصابتها احيانا بمظاهر التعرية، تماما كالذي تعاني منه أنظمة المجتمع جراء سوء التسيير احيانا، وتباطئ منجزات الاستقلال الوطني بكل معانيه، وما يتطلبه ذلك من التطور، والتنمية، والنهضة بالمشروع الوطني العام الذي  هو مطلب عام، ويستحقه مجتمعنا لدرء  التحديات الخارجية العديدة،،

 ولكن هل للحراك الاجتماعي السياسي  أن يعي دوره  في هذا المجال،  قبل أي اجراء مطلوب من النظام السياسي؟

(يتبع)

د. إشيب ولد أباتي