هل توجد علاقة بين اتجاهات "الرأي العام"..

سبت, 2021-07-03 02:20

هل توجد علاقة بين اتجاهات الرأي العام، وبين الوعي النخبوي المتميز  لدى الكتاب في المواقع الاخبارية حول جرائم: الفساد المالي، السرقة، القتل، و الاغتصاب؟

 

سؤال طرح شقه الأول  أحد الأكاديميين في موقع "موريتانيا الآن" في بداية الأسبوع الماضي عن  الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي، وعما كتب في المواقع الاخبارية، وأجاب على سؤاله، لكن السؤال من الأسئلة المفتوحة - لا المغلقة - ومن هنا يمكن ان يطرح مجددا مع تحديد الظواهر المراد الاطلاع على موقف - مواقف الرأي العام  منها، وذلك  من اجل أن أقدم له  اجابة أخرى، وحسبها انها اجتهاد شخصي، ولعلي إن  اتوخيت التحليل، وتجنبت الاحكام القبلية،، تكون المشاركة مفيدة  في تقديم مقاربة في إطار تشخيص اولي للمواقف الفكرية المتاثرة بالعواطف الوطنية، وبالصدمة  جراء مظاهر الأعتداء على الأبرياء، كل ذلك  مثل القواسم المشتركة  لملامح الرأي العام المعبر عنه على الصفحات الافتراضية، والموجهة إلى حد ما في اتجاه مخصوص، ولم يخل من الدعاية المبطنة للتأثير على  الأوساط المتعلمة من خلال  ما اطلعت عليه  فيما كتبه الكتاب، والأكاديميون  عن قرب  أكثر مني للمجال الاجتماعي للحوادث التي وصمت بالجريمة الاجتماعية.

 و لعل قراءتي، تتسم بالملاحظات  الناقصة التي تنطلق من "النسبية" في المعرفة، والابتعاد عن الأحكام  القطعية في قراءة  الاجتهادات المتباينة في التحليلات، والمنطلقات، وفي النتائج التي غلب عليها الطابع القيمي من الاحكام المعيارية في كتابات  الزملاء، وهذا لا يبخس من الذي كتبوا - ويكتبون - وهو  جميل ومفيد، ومطلوب لتنوير الرأي العام، ولكنه يمثل مرحلة اولية من الكتابة  الاستطلاعية، الانطباعية إلى حد ما، كالتي تعكس آراء الكتاب، ولا تعكس بالضرورة اتجاهات الرأي العام الذي لازال - افتراضا - في حالة الصدمة من الأحداث  المؤسفة التي وقعت، ويلاحظ انها تزامنت مع تطورات سياسية اخرى..

 فهل هناك علاقة بينهما من جهة تأثير إحداهما على الأخرى، و توظيف بعضها لبعض عن قصد  في سبيل توجيه الرأي العام عن الظرفية السياسية المقتطعة من الفترة المتاحة في سحابة  الصيف السياسية التي لم تخفف  حتى من درجة الحرارة اليومية، والعطش، احرى المجاعات التي ضربت  حتى العاصمة  الاقتصادية  للبلاد "نواذيبو" !

 

 أما نواكشوط، فهناك أكثر من مبرر لجعلها على الحافة قبل  أن يتبعها البحر، أو تغمرها عواصف الصحراء تحت رمالها،،ولتبقى المظاهر "الاسمال"، ناطقة برمادية المجاعة من أجل تبرير طلب إسقاط المديونيات، وتهيئتها، كقاعدة خلفية ل"برخان" مع الأيدي الممدودة  للتسول في كل  العصور  نحن  في وحدة وجودية مع  المجاعة " فأنا بها،وكأنما عمري ملايين من السنوات"  - على حد تعبير نزار قباني -  ألذلك ترانا  نستمرئ أنفسنا، لعلنا نجد من يحلبنا تلقاء استدرار  العواطف للمؤسسات المالية  في باريس، ونيويورك، وفرانكفورت،  ولو أن ذلك يبقي استقلال البلاد  في " في مكانك در"،  وهو الاستقلال الذي دخل معنا في عمر المشيب  فوق الستين عاما، وتناسل شعر راسه، وتجعد جبينه، وسقط حاجباه  على الجفون،، ونحن  وإياه على العهد باقون، ومحاولاتنا اليائسة نرتقي بها بفضل نعمة المساحيق "الماكياج"  لتبييض الاصفر،والاسمر، والشفاء بالقاني الذي يعكس تقطع امعاء(31- 56%)من السكان تحت خط الفقر...؟!

 أما على مستوى التأثر بالمناخ السياسي المحدث -بالتضعيف -  من حولنا، فعندنا مناعة مستمدة - ربما -  من وحدة  الطقس والمتاخ  السديمين اللذين  تماهيا  لتحديد هوية المناخ شبه الصحراوي في بلادنا.

لذلك فما يغير المزاج الاجتماعي في البلاد من  "قذى"  العيون من الجرائم الاجتماعية، ربما يكون  مدعاة  لانتباه الباحثين الاجتماعيين، واساتذة علم الاجتماع، وذلك لتوظيف جهودهم الفكرية غير الضرورية، كالفحص على "الزائدة الدودية "حتى تتفجر كذلك الجرائم الاجتماعية، ولو أنها  في مثل هذه الأحداث يلجأ الى خبراء العلوم الإنسانية  من اجل تقديم فهم للمشاكل الاجتماعية، واكتشاف العلاقات بين الظواهر  الناتجة من التغير الاجتماعي غير الموجه، حينما  عزت عوامل التغير الاجتماعي المقصود  والمؤثر ايجابا، وحل محله المطالب الملحة للفرد في المجتمع الرعوي الذي انتقل قسرا إلى المدن التي تحولت الى قرى كبيرة على أطراف الأحياء النموذجية للمجتمع الاستهلاكي،، 

ولكن  هل يمكن للمعرفة في العلوم الإنسانية  بوحدها أن تساعد  في الحد من الجرائم،، إذا ما إتبعت الأولوية، استجابة لمطالب المجتمع في الاصلاح  التربوي، والاداري، والصحي، والمعيشي، وللحد من الاختلالات في استرجاع المال العام منذ العهد "المعاوي"؟

لأنه العهد الذي يؤرخ لكل الضائقات في مختلف مجالات الفرص للحياة الكريمة  للفرد في العمل، ولانتكاسة التطور  في المجتمع، وفرض سياسة التعليم  الاستلابي للهوية الثقافية، وفي غياب التنمية العلمية، واهمال إعادة التأهيل المهني للأفراد  من الفئات المتقدمة عمريا...!

ولعل هذه من الرهانات التي تشكل مفاتيح للبحث الاجتماعي عند الباحثين  لفهم، وتفسير،  ومواجهة  التحديات التي بدأت تطرق الاسماع، وتوزيع الأبصار من تراكم المشاكل الاجتماعية  التي تحتاج، ليس إلى الكتابة النخبوية المنفصلة، او اللصيقة بالواقع، طالها الاحتقان وصل سكينه العظم بما يجري من حوادث  يومية، وإن سعى كتابنا الى "تطعيمها"،  ب"الكلمة الاصلاحية"، وبعرض التوصيات في  "النظريات" الافتراضية في علم الاجرام ،والجزائية في  القانون، كالقصاص الفرعي في زمن "وسارق الزهر مذموم ومحتقر +++ وسارق الحقل لاتدري به البشر" - على حد تعبير جبران خليل جبران -

لكن ما الذي غاب عن التصورات الذهنية، وتدعو إليه الضرورة المنهجية في البحث الجاد من اجل  الاطلاع على سبر اتجاهات "الرأي العام" مما يجري في الوسط الاجتماعي من احداث، وهي ظواهر غير جذابة حتى لا نصفها بما هي عليه من تهديد عام لأفراد المجتمع، ونظمه الاجتماعية ، وقيمه الأخلاقية والثقافية؟

انه استطلاع الرأي العام، و ليس البحث عن مؤشراته في مجال "الدونكوشيتية"، التي ابتدعتها لجنة التحقيق البرلمانية في سبيل استرجاع المال العام، وكانت النتيجة الى هذا الوقت، أن  رفعت رؤوس الثارات، لأن اللجنة البرلمانية  لم تبدأ بافرادها، ولا برئيس البرلمان  الذي يشاع عنه الكثير في هذا المجال، ولأن محاربة الفساد المالي المطلوبة من الجميع تحتاج إلى التمسك بالحيادية،  وتحكيم خصائص القاعدة القانونية،كالعمومية، والشمولية، وتطبيقهما يقتضي البدء بالفساد المالي في عهد معاوية، والأصول موجودة في بواخر الصيد البحري، والصيدليات المنتشرة في المدن، وهي ذات هوية جهوية وقبيلة مخصوصة، وفي الشركات ، والعقارات، ومراعي الإبل وغيرها من الماشية.

 وكان تتبع الفساد المالي يقتضي ضرورة الرجوع إلى البرلمان الذي انطلق منه الانقلاب على حكم المرحوم ولد الشيخ عبد الله الذي فتح صندوقا ماليا لحرمه المصون، وأمر بسحب المال العام دون موافقة البرلمان..وكانت هذه القشة التي فصلت رأس نظامه. 

فهلا يحتاج البحث الحيادي الموضوعي الى مراجعة لمظاهر الجريمة الاجتماعية في الفساد المالي منذ باضت، وفرحت في  حكم"القبيلات" في عهد صاحب هذا التعبير الركيك.؟

إننا  نحتاج الى بحث لا ينتهج أسلوب اللجنة البرلمانية في التحقيق الذي إرادته للثأر من ولد عبد العزيز فيما يظهر خلال الوقائع وتطورات المتابعة القضائية...  

فبدون المراجعة الموضوعية، وتتبع جريمة الفساد المالي، يستعصي التعرف على اتجاهات الرأي العام  حول الجريمة الاجتماعية، كما يصعب تفسير  السلوك لدى  الفرد في المجتمع، وليس من قبيل الكتابة تلك المناكفات، و توجيه التهم جزافا للشرائح الاجتماعية - نظرا لعدم وجود الطبقات في المجتمع الموريتاني - التي سقط القناع في تجاوزها،  كما ادينت  القيم الأخلاقية في الثقافة، وفي  السلوك العام في  المجتمع .

ومن الملاحظات الأولية القفز على  هذه الاستدراكات ، وغيرها في الواقع الميداني، الذي لم نشاهد ملامحه في ما كتب عن ظاهرات الجريمة الاجتماعية التي تدين افراد الأمن  قبل غيرهم  نظرا لكونهم ناموا  على بطونهم على فراش  الاعتداء الجنسي، و السرقة، والقتل، كالتي وقعت  خلال الاسبوعين   .. 

 فهل هناك اجراء لمواجهة هذا التحدي العام ؟

نعم، ومنه:

أولا - اتخاذ الخطوات  العملية،  التي تبدأ في الشروع  بالاجراء  الأمني بتطويقه للأحياء في  المدينتين الكبيرتين: نواكشوط ، ونواذيبو بالمربعات الامنية،  والمراقبة في كل مداخل  الوحدات السكنية، والشوارع الضيقة، فضلا عن تعزيز الامن في الشوارع  الرئيسة  بالدوريات الأمنية، وهو الامر الذي يحتاج الى حوالي 100شرطي على الاكثر..

 

وثانيا -  ياتي دور الاعلام المكتوب، و المرئي، والمسموع وذلك  للتحسيس، ونشر الأخبار مع تحري الصدق، والأسلوب التنبيهي غير التخويفي، بل التوعوي، والقيام باجراء المقابلات، وفتح خط عام لاستطلاع آراء الناس في البرامج المخصصة، واتخاذ التدابير الأمنية في المنازل، والمحال التجارية الطرفية في الاحياء الشعبية، والاسواق، كسلوك وقائي في الاغلب،،

 و القيام بالمقابلات الشفوية لاستطلاع الرأي العام حول الاحداث في الأماكن العامة، كالاسواق، والمقاهي، والمطاعم، والاستراحات، والمنتزهات .

 

وثالثا -  يأتي دور  الاستبيان في الدراسة الميدانية التي يشرف عليها فريق مشترك من ذوي التخصصات المختلفة  في علم الاجتماع، والنفس، ومراكز البحث الامني، ومكتب الإحصاء السكاني،  وصندوق التنمية الاجتماعية، وغيرها، وذلك بهدف  اخذ  "عينات " عشوائية ضمن العينات القصدية  من طلاب المؤسسات التعليمية، والمعاهد. ومواقع الاعلام الرسمي، و الحر ، ودور النشر المختلفة.. 

وهذا الاستبيان ستوضع فيه الاسئلة المتعلقة بتعريف الظاهرة موضوع الدراسة، والعوامل المؤدية اليها  اجتماعيا، ونفسيا، وثقافيا، وقد يدخل عامل الامية في الموضوع، وتاثير المؤسسات، وبيئة المدينة، والقرية من حيث علاقات مرتكبي الجرائم  بتلك  البيئات الاجتماعية، وما اذا كانت دوافع السلوك الاجرامي فردية ، أو  من طرف خلايا تابعة لمنظمات الجريمة، او  جهات خارجية، أو من الداخل المحلي،،

 ولعل هذه  من اهم الخطوات   لتحديد المجرم، ودوافعه، ولربما تكون تلك الجرائم  مقدمات اولية لأخرى تالية، ستحدث كلما "اعتصرت" الظروف الاجتماعية الضاغطة على الفرد في مطالب معيشته، فهي من العوامل المؤثرة على السلوك، والموجهة إلى مجالات الانحراف في السلوك  على المستويين القريب ، والمنظور.

( يتبع )

 

د. إشيب ولد أباتي