ردد البعض من مشيعيي المرحوم نزار بنات لمثواه الأخير في مدينة الخليل يوم الجمعة الموافق 25/6/2021، والذي كان قد توفي أثناء محاولة إعتقاله من قبل قوة من المؤسسة الأمنية الفلسطينية شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”، الأمر الذي ربما يكون قد أشعل الضوء الأحمر في تل أبيب وواشنطن وبروكسل وغيرها من العواصم التي إستثمرت كثيراً في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، قبل أن يُشعله في رام الله.
وحيث لا يمكن إعتبار ترديد هذا الشعار من قبل البعض أمراً عابراً، لا سيما وأنه قد جاء في أعقاب إظهار أحد إستطلاعات الرأي المحلية أن غالبية الشعب الفلسطيني ترى أن حركة حماس أجدر بقيادة الشعب الفلسطيني من القيادة الحالية، وفي أعقاب توقيع عدد ليس قليل من الأكاديميين الفلسطينيين على مذكرة تطالب الرئيس بالإستقالة بعد معركة سيف القدس، الأمر الذي فيما يزيد من قلق هذه العواصم على مستقبل التسوية السياسية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهو يوجب على النظام الفلسطيني الذي نشأ من نشأة السلطة الفلسطينية بعد توقيع إتفاقية أوسلو العام 1993 تصويب مساره وشرح غايته ومراده للشعب الفلسطيني لحشد حبهم ودعمهم والتفافهم حوله.
إذ تدرك مؤسسات التقدير في هذه العواصم أن التآكل المطرد لشرعية النظام السياسي الفلسطيني لم يكن البتة نتيجة مقتل الناشط السياسي بنات، بل هو نتيجة لعدم تحول السلطة التي اوجدها الإتفاق الى دولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية، الأمر الذي يضع كل من تل أبيب وواشنطن وبروكسل وموسكو وبكين والأمم المتحدة والعواصم العربية الكبرى في العالم العربي وكل من إستثمر في ما يسمى بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي أمام خيارين إثنين، إما الإعتراف بأن هناك دولة ناقصة في المنطقة عليهم المسارعة بالإعلان عن ميلادها، وإما عليهم الإستسلام والخضوع للرواية الصهيونية في فلسطين التي تقول أن هناك شعب زائد في المنطقة إسمه الشعب الفلسطيني يجب التخلص منه أو إجباره على الإستسلام للأمر الواقع وقبول البقاء دائما تحت الإحتلال والإضطهاد والتفرقة العنصرية.
من جهته النظام في رام الله لم يَعد الشعب الفلسطيني بسلطة حكم ذاتي محدود او بسلطة بلا سلطة كما كان يردد دائماً المرحوم صائب عريقات، بل وعد الشعب الفلسطيني بدولة مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لنص وثيقة الإستقلال العام 1988، الأمر الذي يجعل من دعوة الشعب الفلسطيني أو البعض منه لسقوط النظام المتمثل في السلطة أو حتى سقوطه فعلاً، أقل كلفة للشعب الفلسطيني من بقاء الوضع القائم على حاله، لا سيما وأن تل ابيب وباقي أطراف المجتمع الدولي هي من تتحمل مسؤولية فشل مسيرة التسوية، الأولى نتيجة لرفضها المعلن السماح للفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية على حدود العام 1967، والثانية لفشلها في عدم إلزام إسرائيل بالقانون الدولي كاساس ومرجع للتسوية السياسية.
وعلى ذلك يخطئ أيما خطأ كل من يبني دعوته لإسقاط النظام في فلسطين على أساس الخطيئة أو الجريمة التي إرتكبتها الوحدة الأمنية التي تسببت في موت الناشط السياسي بنات في الخليل يوم الأربعاء الماضي، كما يخطئ النظام ومؤيدوه ايما خطأ إذا ما أسسوا خطتهم الدفاعية عن النظام بالإكتفاء بإتهام الآخر بالمؤامرة، علاوة على مقارنة فعل الوحدة الأمنية المسؤولة عن القتل بفعل غيرها من الأجهزة الأمنية التي لا تلتزم بالقانون، لأن مناط المقارنة هنا واحد وهو عدم إحترام القانون، الأمر الذي يتناقض مع الدستور الذي يقوم عليه النظام الفلسطيني برمته.
إذا ما العمل؟ أو كيف يمكن الخروج من المأزق الحالي؟
ربما تساعد الخطوات التالية على تخفيف الإحتقان في الشارع الفلسطيني وتوجيه جهد الفلسطينيين نحو مقاومة الإحتلال والتطهير العرقي في القدس وبيتا ومعظم المناطق الفلسطينية.
المسارعة في إنهاء التحقيق والكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة.
ضخ دماء جديدة في جسم المؤسسة الأمنية خاصة على صعيد المحافظين.
المبادرة بحملة إعلامية واسعة لشرح وتوضيح العقيدة الوطنية للمؤسسة الأمنية التي تقوم عليها العقيدة الأمنية.
تحميل الإحتلال الإسرائيلي وشركائه من المجتمع الدولي مسؤولية فشل التسوية السياسية في المنطقة.
عمل كل ما يلزم لتحقيق المصالحة وتطوير إستراتيجية وطنية جامعة للشعب الفلسطيني.
العميد أحمد عيسى المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي