الدكتورة هدى عبد الناصر، ورؤيتها حول المبادرة في المبادأة (2) د/ إشيب ولد أباتي

سبت, 2021-05-29 01:39

في  مقال سابق  تطرقنا للرؤية التفاؤلية في تفكير الاستاذة الجامعية "هدى عبد الناصر" التي راهنت على التغيير الاجتماعي والسياسي في مواجهة الاحتلال الصهيوني في فلسطين،،وتمت الإشارة الى المبادأتين اللتين قام بهما الشهيد سليمان خاطر، واحمد القدامسي،،وكان لهما صدى كبيرا في وعي المواطن العربي، وشكلتا رأيا عاما، عبرعن تجاوبه مع هذه التضحية، و الافتداء من أجل الدفاع عن شرف الأمة العربية في ابعاد الصهاينة عن التنزه على قطعة من ارضها،،
كما أن المناسبة الراهنة، جديرة بأن تستعيد بها الذاكرة تلك الرؤية التفاؤلية، وأجمل المواقف الجريئة في زمن " التطبيع" والانبطاح، وللأسف تراجع مشروع الأمة في تحرير فلسطين من البحر الى النهر.
أما هذه المناسبة العظيمة للأمة في الحرب الأولية "التجريبية" ــ على حد قول السنوار، القائد لوحدة من القوة السياسية، والعسكرية الفلسطينية ــ فقد كانت مبادأتها عظمية في توقيتها في ذكرى احتلال القدس، وفي اختيار موقعها، وفي شكل دفاعاتها بتلك الرشقات الصاروخية التي اطلقت من غزة  على الصهاينة في القدس،، وشكلت ــ المبادأة ــ فعلا جريئا يرتقي  من جهة  التموضع، والوصف  في العلوم الاجتماعية ــ  إلى " الأثرة" : التضحية، الأفتداء، والإقدام على فعل من أجل النصر، ومقاومة العدو الصهيوني بالسبق للضربة العسكرية التي ماكانت تدور في تفكير قادته، ولا افراد مجتمعه، وكانت ردود افعالهم أرتجالية، عبرت عن الخوف والأحتماء بالملاجئ، ودفاع  هستيري ترجم الانفعال النفسي لدى العسكريين،، وكان النصر لنا في هذه المعركة، والهزيمة للعدو،وذلك في الجولة الأولى التي ستتبعها اخريات، ستكون امضى، وأشد تأثيرا على الصهاينة، وأجدر بالأنتصارالعظيم لأمة تستحقه، لإستعادة مكانتها في الحاضر بين المجتمعات المعاصرة المتحررة من الاحتلالات الاستعمارية..
فالأثرة: كانت بمعنى التضحية بالنفس لساكنة مدينة " غزة " بكاملها في سبيل تحرير أمة عاجزة عن مقارعة العدو بالسلوك الذي يردعه، وهو السلوك الموجه بالوعي الفردي المعبر عن الوعي الجمعي لأمة تختلف في وعيها السياسي على كل شيء، إلا أن فلسطين العربية  محتلة ــ مغتصبة، مستلبة، هٌجرَأهلها العرب  من طرف غزاة مستوطنين، قدموا من خارج الحدود، وفرضوا انفسهم  بقوة السلاح، وكانت  فلسطين مقبرة لطوابيرمن أبريائها، وفدائيي العرب معا، والهزائم العسكرية المتتالية، وتخاذل الأنظمة السياسية المهترئة  ــ وهي التي توحدنا جميعأ مسلمين، ومسيحيين، قوميين، واسلاميين، تقدميين يساريين، ولبراليين منفصلين عن الواقع بوعيهم الزائف، مثقفين، وأنصاف أميين، قبليين، وجهويين، وإقليميين، وملكيين، وجمهوريين داخل الحواضر، أو في بوادي وطننا العربي الواحد، وفي مهاجرنا الطوعية، والاجبارية،، ولأن احتلال فلسطين، وتحريرها هما المعياران لواقعنا في محاسنه، وفي مساوئه، وفي نظرة الآخر لنا من جهة تقدمنا، وعصرنتنا، وفي تخلفنا، وقطيعتنا مع مجتمعات القرن الواحد والعشرين في استقلالاتها الوطنية، وغياب معنى لاحتفالاتنا قبل تحرير فلسطين..
والأثرة بصفة عامة، هي: الاستجابة للقيم، وقواعد السلوك التي تحفظ  للفرد، والمؤسسة الاجتماعية نظامها، وللشرف القيمي للأفراد في الدفاع عنها، والاخلاص لها،، ومن هذا المنطلق ارتفعت نسبة  ظاهرة الانتحار في صفوف القيادات في الجيش الالماني، وضباطه ــ حسب دراسة سابقة اجراها "دوركايم" العالم الاجتماعي الفرنسي ــ وقد كان الأسلوب الاختباري للوعي بقواعد، وقيم المؤسسة، ومدى اخلاص افرادها لها، ينحصر بوضع " مسدس" في مكتب المطلوب منه القيام بالواجب التضحوي، فإن تقرب بحياته الشخصية من اجل قضية أكبر من مصالحه الذاتية،، نال شرف الجندية، وتمت ترقيته، وسجل من شهداء الجيش الوطني، لأن المبادأة التي قام بها اعطت معنى عظيما للأثرة، كاستجابة مطلوبة للأمة الألمانية التي عٌدت قواعد جيشها معيارا للطموح في الأخلاص، والدفاع عن الأمة التي خاضت بجيشها حربا كونية ضد أعدائها في الحرب العالمية الثانية. 
والأثرة: في الحرب الاخيرة التي تدور رحاها السياسية من اجل سرقة نصرها، كما سرقت نتائج ثورة 1936 التي دامت ستة اشهر، وعمت جميع فلسطين، وكادت أن تقضي على الاحتلال الانجليزي في فلسطين، فقام الانجليز بخديعة الثوار بتقديم الوعود الكاذبة ل"عبد العزيز آل سعود" المتآمر مع اعداء الأمة،، وكما سرق انتصارنا في حرب 73 المجيدة، واجهضت انتفاضتا القدس بذات الاسلوب الخداعي، والتواطؤي للعملاء من قادة سياسيين، هم  وكلاء للصهاينة، والامبريالية.
 وكانت تلك الثورات والانتفاضات،  استجابة لمطالب أمتنا في هزيمة العدو، واخراجه من فلسطين كل فلسطين، ولعل المواجهة  الأخيرة الرائعة، عبرت عن مستوى من التحدي الذي لم يكن متوقعا في أن يواجه به فصيل سياسي، وعسكري، واقليمي، ماعجزت عنه  الأمة  في فلسطين منذ 120 عاما،، ولذلك تدافعت المبادرات أكتافا على الاكتاف  في طوابير، تعبيرا صادقا عن المواقف الأصيلة لوحدة الهدف، واستشعار الانتصار، وواجب المشاركة في صنعه، وارتفع صوت المعركة الواحد بالكاد لأربعمائة مليون عربي  في كل قطر عربي، ومن اصدقاء الأمة، وشرفاء واحرار العالم، والجميل أنها مبادرات من:
1 ـ  الشعب العربي الفلسطيني في مدنه  الشاطئية، وقراه فى النقب، ومدن الضفة، وهذه الوحدة في الدفاع عن فلسطين، يكررها الأحفاد من الجيل الثالث، والرابع  الذي يدافع عن القدس، كما دافع أجدادهم عن القدس في ثورة البراق في العام 1920، وفي ثورة القسام في العام 1936.
2 ـ  الجماهير العربية التي كانت استجابتها عفوية في المظاهرات اليومية التي وحدت الأمة العربية في عواصمها السياسية التي كانت رمزا للأختلافات،والتباينات في المواقف والرؤى،، لكنها توحدت على موعد من القدر من نواكشوط الى صنعاء، ومن الرباط الى الكويت، ومن طرابلس الغرب المحتلة من طرف  ثوار "الناتو"ــ طيلة عشر سنوات ــ بقيادة " ليفي" الصهيوني، و" ساركوزيه"، وعملائهما  الذين اختفوا حين امتلأت الساحة الخضراء في طرابلس بالمتظاهرين المنادين بالقدس قبلتنا، وفلسطين عربية، وهي المظاهرة التي استعادت حضور القذافي رحمه الله، واخلاصه للقدس ــ التي أتخذها كلمة السر لثورته في العام 1969 ــ وفلسطين، وهي الشعارات التي غيبت تأثير الحاضرين من امثال "محمد بن المغريف"، و"مصطفى عبد الجليل "، و" شلقم" صاحب الدموع التماسيحية في المحافل الدولية،، كما كانت المظاهرة  في مدينة "عدن" اليمانية  احياء لرسالة ثوارها، وقادة ثورات اليمين العظيم، وقد غيبت عملاء امريكا المحتجزين في فنادق الرياض،،
3 ـ مواقف فكرية عظيمة، ملأت المواقع الافتراضية، ووسائل الاعلام الرسمي المنافق بالأمس القريب، والاعلام المتأمرك  مثل الجزيرة وأخواتها،،وكذلك غنى ل"غزة"، وفلسطين، رموز " التطبيع" الخياني في عهد معاوية ولد سيدي احمد الطائع،، وقيادات الأحزاب  الحاكمة المطبعة أنظمتها مع الكيان الصهيوني تلقاء الاعتراف بشرعية سيطرتها على قطعة من الأرض العربية..
ونحن حين نشير الى الانعطافة في وعي المطبعين، والموالين لأنظمة " التطبيع"، إنما ننوه بالتراجع عن الخطإ، والشجاعة الأدبية في تصحيح بوصلة الوعي لدى الفرد الذي دفعه ــ في وقت سابق ــ القصور في الرؤية السياسية، أو المنفعة الشخصية في التفريط  بثوابت الأمة في التحرير، وخوض معاركها الكبرى التي ستفرض نفسها على الأمة  قريبا، وبشائر النصر تلوح  في الأفق حين قادت المبادأة الاخيرة الى هذه المبادرات عظيمة المضمون، وجميلة المظاهر، وجليلة المواقف الفكرية المتقدمة التي استندت  إلى الوعي الجمعي المختزن في الذاكرة، والقيم، واستنهاض الهمم، ومواصلة مشاريع الوعي في الفكر القومي، وتجاربه التحررية الرافعة للمشروع النهضوي من أجل  التحرير، والتقدم  للأمة، وللأجيال المقبلة، وهو استحقاق طالما شكل ــ وسيشكل ــ نهضة من نهضاتها التي تحافظ على وجودها الحضاري، بل تقدمها  الفاعل بين الأمم ،،
والسؤال الذي يبحث عن الاجابة من الجميع هو: هل تؤسس المبادرات الراهنة، لمبادآت لاحقة، ويكون التفاعل لجماهير أمتنا فارضا القطيعة مع اشكال "التطبيع"، بل فارضا اكثر من ذلك  فتح جبهات القتال مع العدو الصهيوني على عديد الجبهات، فيقاتل العربي " وظهره الى الحائط، وليس أمامه  إلا النصر" على حد تعبير عبد الناصر؟