في كتاب جديد للمحلّل الذي خدم سنوات طويلة في رتبٍ عاليةٍ في جهاز الموساد (الاستخبارات الخارجيّة)، يوسي ألفر، بعنوان “عقيدة الأطراف”، حول حلفاء إسرائيل في فترة الشاه بإيران، يؤكّد المؤلّف وهو يتحدّث عن سياسة دعم الأقلّيّات أوْ جيران العرب بهدف محاصرة وزعزعة أركان أعداء العدوّ الإسرائيلي، خصوصًا في الحقبة الناصريّة. علاوة على ذلك يعدّد بعض أركان الأطراف الذين تحالفوا مع العدوّ الإسرائيلي: تركيّا، وإيران الشاه، وإثيوبيا، والسودان والمغرب واليونان والموارنة في لبنان والكرد في العراق وجنوب السودان والأمازيغ. يُشار إلى أنّ مؤلّف الكتاب تبوأ بعد أنْ تقاعد من الموساد عدّة مناصب أمنيّة، لم يُكشف النقاب عنها، كما أنّه ترأسّ عدّة مراكز أبحاث إستراتيجيّة تابعة للدولة العبريّة.
وبحسب موقع (ISRAEL DEFENCE) فإنّ كتاب ألفر يُحاول تحليل وتكريس إحدى الرؤى الأمنيّة المركزيّة لإسرائيل في الماضي وهي التي يُطلق عليها المؤلّف اسم “عقيدة الأطراف”، حيث يُشير إلى أنّ الهدف من هذه السياسة كانت صدّ العدائيّة العربيّة للدولة العبريّة عبر تطوير علاقات مع دول عظمى بديلة عن الدول العربيّة، بالإضافة إلى تطوير علاقات مع حلفاء آخرين على مدار سنواتٍ طويلةٍ.
ويكشف مؤلّف الكتاب النقاب عن أنّ واضع هذه الدوكترينا، كان رئيس الوزراء الأوّل لإسرائيل، دافيد بن غوريون، والذي يعتبره الإسرائيليون مؤسس الدولة العبريّة، وقد ساعد بن غوريون في تطوير هذه الدوكترينا كلاً من مساعديه، يوسي شيلواح ورئيس الموساد الأسبق، أيسر هارئيل، لافتًا إلى أنّ هذه السياسة تمّ وضعها والبدء بتنفيذها في أوائل سنوات الخمسين من القرن الماضي، ولكنّه أكّد على أنّ هذه السياسة لم تُكتب على الورق، بل تناقلت من مؤسسةٍ لمؤسسةٍ بواسطة القادة خوفًا من اكتشافها، على حدّ تعبيره.
علاوة على ذلك، لفت المؤلّف إلى أنّ اعتماد هذه السياسة جاء كاستخلاص للنتائج من حرب العام 1948 ومن العدوان الثلاثيّ ضدّ مصر في العام 1956، بعد أنْ أعلن الرئيس المصريّ الراحل، جمال عبد الناصر، عن تأميم قناة السويس، كما أنّ بن غوريون لم يُحدد هوية وحدود الأطراف التي يتحتّم على إسرائيل التقرّب منها وعقد التحالفات معها. كما أشار إلى أنّ منفذّي هذه السياسة من جهاز الموساد قاموا بتطوير وبتنفيذ هذه السياسة خلال العمل على تطبيقها، أسيْ أنّهم قاموا بخطوات تلقائيّة غير مدروسة من ذي قبل، وهو الأمر الذي كان يُميّز سياسة إسرائيل في السنوات الأولى من تأسيسها، على حدّ تعبير ألفر.
وقال ألفر في كتابه الجديد أنّ الأطراف التقليديّة شملت ثلاثة شركاء. الدول غير العربيّة وغير المُسلمة، التي لها حدود مشتركة مع الدول العربيّة والإسلاميّة العدو لإسرائيل، والقسم الثاني، شعوب وطوائف غير عربيّة وغير مسلمة، التي تعيش في قلب الدول العربيّة المعادية للدولة العبريّة، وفي القسم الثالث، بحسب الكتاب الجديد، الدول العربيّة الموجودة في أطراف الشرق الأوسط، وهذه الدول التي هي قامت بالبحث عن التحالف مع إسرائيل، حسبما أكّد. وكشف الكتاب النقاب عن أنّ الإنجاز الأكبر والأهّم لهذه العقيدة السياسيّة، تمثلّ في عقد التحالف الإستراتيجيّ مع كلٍّ من إيران وتركيّا، حيث بدأت العلاقات الإسرائيليّة الإيرانيّة بين الأعوام 1956 وحتى العام 1958 واستمرّت أكثر من عقدين، حتى جاءت الثورة الإسلاميّة بقادة الإمام الخميني وانتصرت على الشاه في العام 1979.
أمّا فيما يتعلّق بالعلاقات الإستراتيجيّة مع تركيّا فقد استمرّت عدّة قرون إلى أنْ قرر الرئيس التركيّ، رجب طيّب أردوغان وفقها، بحسب تعبير المؤلّف. وشدّدّ القائد السابق في الموساد على أنّ العلاقات السريّة بين إسرائيل والمغرب كانوا وما زالوا مميّزين في استمراريتهم وفي حجمهم، حيث أنّ المغرب بصفتها دولةٍ عربيّة فتحت المجال أمام إسرائيل، أوْ كما يقول المؤلّف، فتحت الباب على مصراعيه أمام الدولة العبريّة لتدخل إلى العالم العربيّ، حيث تمكّنت إسرائيل من خلال هذه العلاقة من فهم الديناميكيّة التي تُميّز العالم العربيّ، مُشيرًا إلى أنّ قيام إسرائيل باستجلاب مئات ألآلاف من اليهود المغاربة كانت خطوة غير مسبوقة، بحيث عبدّت الطريق أمام تطوّر العلاقات الاستخباريّة العميقة جدًا بين المغرب وإسرائيل، بحسب تعبيره.
وبرأي مؤلّف الكتاب فإنّ العلاقات مع المسيحيين في جنوب السودان ومع الأكراد في العراق بدأت من منطلقات إنسانيّة، مؤكّدًا على أنّ العملية التي قادها الموساد في كردستان العراق، تُعتبر الحجر الأساسيّ الذي أسس للعلاقة المتطورّة والمُتقدّمة فيما بعد مع إيران الشاه. ولفت المؤلّف في كتابه الجديد إلى أنّه بالنسبة للفترة الحاليّة، فإنّ تفكك العراق، فإنّ الأكراد باشروا بالتفكير مرّة أخرى بالاستقلال وبدأت قصة الغزل معهم من جديد، على حدّ تعبيره.
وقال أيضًا إنّ تطبيق سياسة الأطراف مع الموارنة في لبنان بين الأعوام 1973 وحتى العام 1983 فشلت فشلاً مُدويًّا، موضحًا أنّ الهدف من هذه العلاقة كان صدّ انتشار حركة فتح في لبنان، على حدّ تعبيره.
وكشف النقاب عن أنّ أخر رئيس وزراء في إيران، شابور بختيارלقبل انتصار الثورة الإسلاميّة توجّه إلى رئيس ممثلية الموساد في طهران، إليعزر تسفرير، وقدّم له طلبًا بأنْ يقوم الجهاز الاستخباراتيّ الإسرائيليّ بتنفيذ عملية اغتيال الإمام الخميني، الذي كان آنذاك في العاصمة الفرنسيّة باريس. وأضاف ألفر، أنّ تسفرير قام بنقل الطلب إلى رئيس الموساد يتسحاق حوفي، الذي قام بدوره بعقد اجتماع سريّ شارك فيه كبار قادة الموساد الإسرائيليّ. وأضاف ألفر، الذي كان مُشاركًا في الجلسة عينها، أضاف قائلاً إنّ رئيس الموساد أبلغ الحضور في الجلسة السريّة بأنّه مبدئيًا يُعارض تنفيذ الموساد عملية الاغتيال، أمّا ألفر عينه فقال للمُشاركين إنّه يجد صعوبة في المُصادقة على الطلب الإيرانيّ، ولكنّه اليوم، تابع قائلاً، ما زال نادمًا على عدم موافقته على مخطط اغتيال الإمام الخميني، على حدّ تعبيره.
رأي اليوم