تسود في كل الدول العربية احتجاجات سلمية ترفع مطالب مشروعة وسبب هذه الإحتجاجات هي عدم إكتراث الحكام للحركات الشعبية وتصعيدهم للسلوك الذي تشكو منه الشعوب وانسداد قنوات الحوار أو التعبير في كل البلاد العربية.
حدث ذلك في مصر وسوريا والعراق والبحرين والجزائر والسودان والمغرب وغيرها.
من ناحية أخري , يمارس الحكام العرب أقصي درجات العنف ضد الإحتجاجات السلمية بينما لا نجد مثيلاً لهذا السلوك في إسرائيل والدول الديموقراطية الغربية, كما يحدث نفس السلوك في دول كبري مثل الصين وروسيا لأنها دول دكتاتورية .
فإذا كان من السهل تفسير أسباب الاحتجاجات الشعبية العربية كما ذكرنا فإننا نقدم تفسيراً لعنف الرد الحكومي العربي وإذا كانت بعض الدول يتمتع فيها المواطنون بحرية التعبير نظرياً , فإن كل الدول العربية تمنع أي قدر من حرية التعبير وتفرض وصاية كاملة علي المواطن العربي, ومن يجرؤ علي التعبير فإن مصيره معروف وهو القتل أو الإعتقال والتعذيب أو الإختفاء القسري أو التضييق عليه في كل شيء , فالخوف من هذا المصير يدفع الناس إلي الإحجام عن التعبير حتي يظن المراقب أن الاحجام سببه طوعي وليس الخوف من القهر والإذلال . ولتفسير سلوك المواطن السلمي في الإعلان عن شكواه ومطالبته بالتغيير مقابل القمع الدموي من جانب الحاكم العربي رغم نص كافة الدساتير العربية علي ملامح وخصائص الديموقراطية في هذه الدساتير ومن اهمها حرية التعبير والحريات والحقوق الأخري].
ولتعميق الفكرة يجب أن نقدم كيف ينظر المواطن إلي الحاكم وكيف ينظر هذا الحاكم إلي هذا المواطن . فالحاكم يستمد شرعيته الحقيقية من هذا القهر ويعتقد أن المواطن يجب قهره حتي يسهل حكمه وأن المواطنين هم مجرد رعايا وأن الحاكم هو الذي شكل المؤسسات ووضع الدستور والقوانين ويعتصم بطائفته الحاكمة, ولذلك فإن كل الدول العربية تحكمها الطوائف السياسية , والطائفة العربية جذرها عدد قليل من قيادات الأحزاب أو النظام الأسري أو العسكري, وهذه الطوائف تمارس الحكم بلا رقابة وبمطلق الحرية وأن القوانين لضبط سلوك المحكوم وليس الحاكم , وقد نقل عن السادات رحمه الله أنه كان يقول كل شيء بالقانون إشارة إلي انه يتدثر بالقانون الذي يحقق رغبته في مصادرة أملاك الدولة او قهر المواطنين رغم أنه كان يفخر بانه أدخل الإنفتاح السياسي والإقتصادي حتي يقارن نفسه بعبد الناصر علماً بان الإنفتاح الإقتصادي كان بابا لخلق اللصوص تحت مسمي رجال الأعمال, كما أن الإنفتاح السياسي أغري البعض بانه مدخل إلي الديمقراطية ولكن تزوير الإنتخابات كان تقليداً مصرياً أصيلاً منذ ما قبل عام 1952 حتي في عهد عبد الناصر الذي تمتع بشخصية طاغية.
وقد ترتب علي هذا النمط من الحكم الطائفي عدم الإعتماد علي الكفاءة وإنما تقريب الموالين للحاكم وحدهم ولتذهب مباديء تكافؤ الفرص والدولة القانونية إلي أصولها في الدول الديموقراطية . ولذلك فإن كل النظم العربية هي نظم حكم وليست نظماً سياسية . وقد كشف الحراك في السودان والجزائر والعراق ولبنان حقائق مذهلة ولكنها ليست مفاجئة, وهي تضامن الطوائف ضد الإحتجاجات والحراك تمسكا بمزاياها ووضعها الطائفي.
فالمواطن العربي يري الفجوة تتسع بين تصريحات الحاكم ودستوره وبين سلوكه وانفراده بالقرار وهيمنته علي كل المقادير والثروات وأن يبدد هذه الثروات دون رقيب أو محاسب ويتصرف في البلاد والعباد وكأنها ضيعة خاصة. لا تختلف في ذلك نظم الحكم العربية جميعاً سوي لبنان الذي يقوم الحكم فيه علي أساس الطوائف الثلاثة وهي الشيعة والسنة والموارنة علي ان يتولي الشيعة رئاسة مجلس النواب , وأن يتولي السنة رئاسة الوزراء ويتولي الموارنة رئاسة الجمهورية وقد حدد دستور لبنان نظام التوازن الطائفي .
والحاكم العربي لا يعترف بالشعب وينظر إليه من فوق وأن الشعب ليس له حقوق وإنما عليه واجبات فهو دافع الضرائب والمطلوب منه الولاء للحاكم بطريقة عمياء , ولابد أن يسود الجهل والحماقة هذا الشعب, وإذا اكتشف الحاكم أن هناك مواطناً له عقل ويفكر تولي تجهيله او إذهاب عقله أو سجنه ويتولي الإعلام هذه المهمة وتكمل الداخلية الباقي أو يرحل هذا الفاعل إلي الخارج حتي لا يكون خطراً علي السلطة ويوقظ المجتمع الذي خدره الإعلام.
ومادامت شرعية الحاكم يدعمها الخارج وتعتمد علي قدرة أجهزته علي القهر وإذهاب العقل وتغييبه , فالكفاءة لا قيمة لها والولاء هو العملة الوحيدة المقبولة . ويكون المعارض هو العدو اللدود للحاكم والوطن كله, فيتحول الجميع إلي خشب مسندة فاقدة العقل والإدراك ولا مجال لعاقل أو ناقد والتهم جاهزة ومتكررة في جميع الدول العربية . ولذلك ليس صدفة أن تتمتع الدول العربية بخبراء التعذيب والإنسانية وسحق إنسانية المعتقل حتي يكون عبرة لغيره.
وهذا هو التفسير المعقول لعصبية الحاكم من الاحتجاج الجماعي رغم برامج قتل الإنسانية في المواطن واستئناسه, ولذلك يشعر بعض الحكام بالدهشة من أنه رغم جهوده لرفعة البلاد كما يعتقد إلا ان الشعب ناكر للجميل ولابد أنه أداة في مؤامرة دبرها أعداؤه في الداخل والخارج . ولذلك لخص مبارك هذه الحقيقة خلال ثورة يناير حين أنكر التزوير والفساد واستطالة الحكم واتجاهه إلي التوريث وأن البديل هو الفوضي والمؤامرة ولذلك اعتبر ثورة يناير غريبة علي الشعب الذي ظنه بقراً لا يشعر ولا يثور وأنه من الغريب أن يثور الشعب رغم جرعات تنويمه وتحذيره وجهود الزعيم لرفاهيته. ولذلك تحلي بالصبر حتي تمر العاصفة وعصف بهؤلاء العصاة الجاحدين المغرر بهم . ولذلك يبرر الحاكم العربي قسوته في قمع الاحتجاج السلمي الجماعي علي أساس أنه الوحيد الحارس لأمن الوطن ولابد أن يفعل كل شيء لقمع المتمردين المغرر بهم.
فكيف يمكن تحقيق نقطة اللقاء بين الشعوب والحكام العرب وهل يمكن أن يستمع الحكام لشعوبهم ويعودون إلي جزء من الصواب زهز يظن أن تراجعه يمكن أن يشجع الشعب علي الفتك به.
هذه هي الاشكالية التي لابد أن تنصرف لحلها جهود العقلاء في المنطقة العربية خاصة وأن الحكام يدافعون عن بقائهم وربما كان الخارج هو صاحب قرار تنصيبه وإبقائه في منصبه وأن رغبة الخارج هي استمرار الحاكم العربي في وظيفة سحق الشعوب ولن يقبل هذا الخارج بأي تسوية لا تخدم مصالح الخارج .
لقد نجح الحاكم العربي وهو أقل عناصر الأمة إدارة وتعليما في إغفال التعليم وبناء الأمة وهو الذي أشاع قيم المحسوبية والولاء بدلاً من الكفاءة .ولهذا وضعت خطة لاصلاح العلاقة بين الحاكم والمحكوم في المنطقة ونشرتها منذ فترة قصيرة لعلها تكون موضع مناقشة واهتمام.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب ودبلوماسي مصري