يعتقد عدد من مساعدي الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي نصب رسميا في منصبه يوم 20 يناير 2021 أن أحد الملفات التي تتعلق بالسياسة الخارجية والذي سيحظى بنوع عالي من الأولوية لديه هو ذلك المتعلق بالاتفاق النووي 5 + 1 مع إيران الموقع في 14 يوليو سنة 2015 والذي انسحبت منه الولايات المتحدة بقرار من الرئيس السابق ترمب يوم الثلاثاء 8 مايو 2018، في حين تمسكت به الدول الأخرى وهي روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.
المعارضون لقرار واشنطن بالانسحاب من الاتفاق وفرض سلسلة متنامية من العقوبات على طهران أشاروا إلى مجموعة من التبعات الخطيرة المترتبة.
فدوليا، يضعف بشكل كبير الجهود الدبلوماسية المتعددة الأطراف لمفاوضات اتفاقيات عدم الانتشار والمحافظة عليها، والمفاوضات المتعلّقة بأسلحة كوريا الشمالية النووية خير مثال على ذلك. وقد شوهت هذه الخطوة الأمريكية أيضا مكانة واشنطن في النظام الدولي عبر تقويض مصداقيتها أولا كشريك موثوق به في الاتفاقيات الدولية. أما ثانيا، فمن خلال توجيه ضربة من المحتمل أن تقضي على مستقبل التعاون عبر المحيط الأطلسي في مسائل متعلّقة بالأمن الدولي، تم تفاقمها بفعل خداع ترمب لرؤساء الحكومات التابعين لحلفاء واشنطن الأوروبيين الأساسيين في اللّحظة الأخيرة من مناشداتهم لإنقاذ الاتّفاق.
أما إقليميا، فيسمح القرار الأمريكي لإيران بالخروج من الاتفاق وتنشيط برنامجها النووي وإطلاق العنان بالتالي لسباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، ستتمخض عنه عواقب وخيمة لا يمكن التنبؤ بها.
هناك الكثير من الأخبار والتصريحات منها غير المتجانسة بشأن تطورات هذا الملف المعقد والذي ستكون له تبعات ضخمة في منطقة الشرق الأوسط الكبير وكذلك على المستوى الدولي.
الباحث الأكاديمي وواضع الاستراتيجيات السياسية، جايرار شاليان، يرى أن “الحد من انتشار الأسلحة النووية يستهدف تأخير، بقدر المستطاع، إمكانية أن تصبح القوى المتوسطة، خاصة إذا ما كانت معادية للقوى النووية الكبرى، قادرة على امتلاك أدوات ردع. وبالنسبة للأقوى، يتعلق الأمر بالحفاظ على القدرة على إخضاع الأضعف”.
ويؤكد خبراء آخرون إن انتشار السلاح النووي بمفهومه الردعي يحد من عمليات استضعاف الآخرين من طرف الدول الكبرى ويسقط نظرية الهيمنة الأحادية، ما يجعله عاملا في الاستقرار لا الحرب.
في عالم متعدد الأقطاب، يبدو أن غياب النظام الأمني يدفع القوى المتوسطة إلى تعزيز ترسانتها العسكرية، إلى حد الحصول على السلاح النووي. ربما يحتضر النظام الحالي للحد من انتشار السلاح النووي القائم على عدم المساواة بين الدول الحائزة على القنبلة والدول التي لا تمتلكها.
رفضت الهند التوقيع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، بسبب طابعها التمييزي، إذ ترى نيودلهي أن المعاهدة تضفي ببساطة الشرعية على احتكار حيازة الأسلحة النووية وتكرسه من قبل الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”. كما رفضت الهند أيضا التوقيع على المعاهدة التي تحظر التجارب النووية. أما باكستان فقد بنت دائما سياستها وفقا لسياسة الهند: “لن توقع طالما أن الهند لم توقع”.
الخلفيات
تم إطلاق برنامج إيران النووي في عهد الشاه سنة 1957 بمساعدة أساسية من الولايات المتحدة في نطاق ما سمي برنامج أيزنهاور "الذرة من أجل السلام". في نفس الوقت تقريبا انطلق برنامج إسرائيل النووي ولكن بمساعدة أساسية من فرنسا التي شرعت في تشييد مفاعل ديمونا سنة 1958.
بدأ تشغيل مفاعل ديمونا في ديسمـبر 1963، وكانت طاقته آنذاك لا تتعدى 26 ميغاوات، مما يترجم إنتاجا بحوالي 8 كيلوغرامات من البلوتونيوم، وهذا يكفي لصناعة قنبلة نووية واحدة بقوة 20 كيلو طنا من المتفجرات. وفي السبعينيات رفعت إسرائيل طاقة الإنتاج القصوى لمفاعل ديمونا إلى حوالي 70 ميغاوات، بزيادة قدرها 44 ميغاوات، ولاحقا رفعت تل ابيب الكفاءة الإنتاجية للمفاعل لتصل إلى ما يقارب 100 ميغاوات.
في سنة 1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية. لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1968، جعلها تخضع رسميا للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة وهو أمر شكك في مصداقيته البعض. وطوال سنوات وحتى سنة 1979 وإنهيار حكم الشاه كانت هناك أخبار عن سعي طهران لتطوير سلاح نووي لتعزيز الدور الذي رسمه الشاه لإيران كقوة إقليمية أساسية بجانب إسرائيل تنوب عن الولايات المتحدة في مواجهة حركة القومية العربية الهادفة إلى توحيد المنطقة الشرق الأوسطية.
أثر الإطاحة بحكم الشاه وقيام الجمهورية في إيران سنة 1979، دخل البرنامج النووي في مرحلة سبات بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب.
في سنة 1981 أمر الزعيم الايراني خميني بإجراء بحوث في الطاقة النووية. وفي 1983، قدمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساعدة لطهران على صعيد التطوير النووي الكيميائي وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية. ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق تضرر مفاعل محطة بوشهر النووي وتوقف عن العمل.
في التسعينات وبعد توقف الحرب مع العراق تم تزويد إيران بخبراء في الطاقة النووية من طرف روسيا. وفي 1992، انتشرت أخبار في الإعلام الدولي عن وجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت التفتيشات حينها إلى أن الأنشطة سلمية. في سنة 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
في عام 2002 طلبت الوكالة الدولية، السماح لها بزيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك. وفي سنة 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، طهران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، وبعدها اصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
أصدرت الوكالة الدولية، في سنة 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية. لكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
في 2006، صوت أعضاء الوكالة الدولية على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، الذي فرض حظرا على تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج صواريخ بالستية. وردت إيران على هذا الإجراء بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي. وفي نفس السنة، أعلن الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، عن نجاح بلده في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3.5 بالمائة.
في عام 2009 تحدث بعض المسؤولين الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين، عبر وسائل الاعلام، عن قيام إيران ببناء مفاعل نووي في ضواحي مدينة قم، كما ذكر هؤلاء بأنه تحت الأرض ويبنى بكل سرية، دون أن تخبر به إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين نفت طهران ذلك واعتبرته مجرد ادعاءات.
في عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى وقود. وفي نفس السنة، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية بإجراء تعديلات على منشأة "أراك" لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات، في فيينا، أعلن عن التوصل لاتفاق نهائي، سمي اتفاق إطار، 5 +1 بخصوص برنامج إيران النووي.
يوم الثلاثاء 8 مايو 2018، أعلن الرئيس الأمريكي ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهدا بأن تفرض بلاده "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني".
بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطا أمريكيا للتوصل إلى "اتفاق جديد". وتضمنت هذه الشروط مطالب شديدة الصرامة بخصوص البرنامج النووي وبرامج طهران البالستية ودور إيران في الشرق الأوسط. وهدد بومبيو إيران بالعقوبات "الأقوى في التاريخ" إذا لم تلتزم بالشروط الأمريكية.
في شهر مايو 2020، قررت طهران تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي وشرعت في زيادة مخزوناتها من المنتجات النووية ورفع معدلات التخصيب.
سباق ضد الساعة
بتاريخ 6 سبتمبر 2020 ذكر مسؤولون أمريكيون، إن لدى واشنطن دليلا على أن إيران تقوم بتخزين اليورانيوم المخصب، المكون الرئيسي لصنع سلاح نووي، وتوقع خبراء نوويون أن طهران أصبحت الآن على بعد 3.5 أشهر فقط من "وقت الاختراق"، مما يؤشر لمدى اقتراب البلاد من امتلاك التكنولوجيا والمواد اللازمة لصنع سلاح نووي. كما أن لديها الآن الوقود اللازم لصنع قنبلتين منفصلتين، وفقا لتقرير أوردته "واشنطن فري بيكون" المختصة بالأمن القومي.
الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ذكرت يوم الجمعة 4 سبتمبر 2020، أن إيران ضاعفت تقريبا مخزونها من اليورانيوم المخصب بحيث تجاوز "10 أضعاف الحد المنصوص عليه في الاتفاق النووي، وفقا لمعهد العلوم والأمن الدولي، وهو مجموعة مراقبة نووية تتابع عن كثب عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
يحدد الاتفاق النووي مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بـ202.8 كيلوغراما، لكن إيران تجاوزت الحد المقرر بكثير، ويقدر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مخزون إيران من المادة بـ2442 كيلوغراما.
وقالت مجموعة معهد العلوم والأمن الدولي إن "وقت الاختراق المقدر لإيران اعتبارا من سبتمبر 2020 قصير يصل إلى 3.5 أشهر كما أن التطور الجديد هو أن إيران قد يكون لديها ما يكفي من اليورانيوم المنخفض التخصيب لإنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم لتصنيع سلاح نووي ثان، حيث يمكن إنتاج الثاني بسرعة أكبر من الأول، ويتطلب في المجمل ما لا يزيد عن 5.5 شهر لإنتاج اليورانيوم لصنع قنبلة.
مفاوضات
يوم 22 يناير 2021 ذكرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية نقلا عن مصدر من الأوساط الحاكمة في طهران أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن دخلت، على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، في محادثات مع الإيرانيين للتحضير لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي لعام 2015.
وحسب صحيفة "لوفيغارو" فإن المناقشات جرت في نيويورك بين الممثل الإيراني لدى الأمم المتحدة ماجد تخت رافانشي ومبعوث أمريكي في إدارة بايدن".
وكان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، قد دعا في مقال نشرته مجلة فورين بوليسي، بايدن إلى رفع العقوبات عن بلاده من دون شروط، إذا كان يريد إنقاذ الاتفاق النووي.
كما يذكر أن بايدن، الذي كان نائبا للرئيس باراك أوباما لدى إبرام اتفاق فيينا عام 2015، وبات الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة، ألمح لاحتمال عودة بلاده إلى الاتفاق النووي، في حال عادت طهران لاحترام كامل التزاماتها بموجبه، غير أنه أشار إلى أنه يريد توسيع المفاوضات مع طهران، لتشمل صواريخها ونفوذها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. من جهتها، قالت إيران إنها قد ترحب بعودة الأمريكيين إلى الاتفاق، لكن فقط بعد أن يرفعوا العقوبات عنها ورفضت التفاوض بشأن قضايا أخرى غير برنامجها النووي.
"القناة 12" الإخبارية الإسرائيلية من جانبها ذكرت أن إسرائيل اطلعت على هذه المحادثات. وكان موقع "والا نيوز" الإسرائيلي قد ذكر منتصف يناير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يقوم بتشكيل فريق لوضع استراتيجية للمحادثات الأولى مع إدارة بايدن بشأن البرنامج النووي الإيراني. وأفاد التقرير نقلا عن مصادر لم يسمها في مكتب نتنياهو أن الفريق سيضم مسؤولين يمثلون وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والجيش والموساد ولجنة الطاقة الذرية.
وحذر نتنياهو من عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي. وقال أثناء مؤتمر صحافي مع وزير الخزانة الأمريكي: "إذا عدنا إلى الاتفاق النووي، فإن ما سيحدث هو أن العديد من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط سوف تسارع إلى تسليح نفسها بأسلحة نووية. هذا كابوس وهذه حماقة. لا ينبغي أن يحدث ذلك".
حقل ألغام
يقدر خبراء ألمان أن مشاكل كثيرة ستواجه طهران وواشنطن في سعيهما للوصول إلى توافق حيث سيصطدم الرئيسان بايدن وروحاني بمعارضة شرسة في الداخل والخارج للعودة للاتفاق، خصوصا أمام أمر واقع جديد فرضته التركة التي خلفها ترامب. وسيتعين على الجانبين تقديم تنازلات متبادلة للخروج من المأزق خصوصا وأنهما يواجهان معارضة داخلية شديدة للاتفاق. غير أن إيران بدأت في المساومة في استباق لتسلم بايدن مقاليد السلطة. وبهذا الصدد كتب كيرستن كنيب في موقع "دويتشه فيله" يوم 23 نوفمبر 2020 "ما لبث الرئيس الإيراني حسن روحاني أن تحدث بحذر عن مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية، حتى تداول موقع "جهان نيوز" الإيراني المحافظ تصريحات لقائد "سرايا القدس" إسماعيل قاني، أكد فيها أن سمة السياسيين الأمريكيين هي الجهل، واصفا إياهم بالجبن لأنهم لم يخجلوا من التنكر لتوقيعهم أمام العالم (..) إنهم غير قادرين على التفاوض".
موقع "إس.تي.إن. شتوتغارته ناخريختن" الألماني نبه في 13 نوفمبر 2020 إلى "استمرار الخروقات الإيرانية بشأن البرنامج النووي"، مشيرا إلى أنه من الواضح أن طهران تريد تعزيز قدرتها على المساومة في المفاوضات". من جهته، أكد دبلوماسي ألماني اشترط عدم ذكر اسمه أن بلاده ترى فرصة للعودة إلى نهج مشترك بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن البرنامج النووي الإيراني بعدما تتقلد الإدارة الأمريكية الجديدة السلطة. وأضاف "مع تولي بايدن السلطة، ستتاح لنا الفرصة لاستخدام الاتفاق النووي مع إيران للغرض الذي وجد من أجله أي تقييد البرنامج النووي الإيراني".
من جهته، استبعد المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي احتمال إجراء محادثات جديدة مع الغرب رغم الرسائل الإيجابية لبايدن.
وقال خامنئي: "جربنا طريق رفع العقوبات وتفاوضنا على مدى سنوات عديدة، دون أن يتحقق لنا شيء من ذلك. (..) يتدخلون في الشؤون الإقليمية ويطلبون منا عدم التدخل. وبينما تملك بريطانيا وفرنسا صواريخ نووية يطلبون منا ألا نمتلك صواريخ. ماذا ستفعلون بها؟ عليكم تصحيح أنفسكم أولا". وفي تصريحات صحافية سابقة، أكد وزير الخارجية محمد جواد ظريف أن بلاده ستعود "تلقائيا" الى تنفيذ التزاماتها بموجب اتفاق فيينا عام 2015، في حال تم رفع العقوبات.
موقع "كروريي" الألماني وفي 18 نوفمبر 2020 كتب بشأن العلاقة التي تربط وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بجو بايدن وقال "ظريف يعرف بايدن شخصيا منذ أكثر من ثلاثين عاما، وكان يلتقي به لما كان يعمل كمندوب لبلاده في الأمم المتحدة بين 2002 و2007 في نيويورك.
صحيح أن الرئيس المنتخب يمكنه إلغاء عقوبات ترمب، غير أن العملية برمتها لن تكون سهلة. وفي الجانب الآخر، أظهرت تجربة ترمب للإيرانيين أن التزامات الرؤساء الأمريكيين يمكن إلغاؤها بجرة قلم من قبل أي رئيس آخر، ما يجعلهم بالتالي يفقدون ثقتهم في القادة الأمريكيين. ولكن على الرغم من كل هذه الصعوبات، فليست هناك في الواقع بدائل واقعية لاتفاق 2015، خصوصا وأن عقوبات ترمب لم تمنع إيران من مواصلة تطوير برنامجها النووي.
عودة إلى الصندوق
يوم 9 يناير 2021 صرح جايك سوليفان، الذي عينه جو بايدن مستشارا للأمن القومي أن واشنطن تريد إعادة إيران "إلى الصندوق".
ولفت سوليفان خلال قمة مجلس الرؤساء التنفيذيين التي تنظمها صحيفة "وول ستريت جورنال"، إلى أن إدارة بايدن تريد إعادة إيران "إلى الصندوق" من خلال الانضمام إلى الاتفاق النووي وإجبار طهران على الامتثال لشروط الاتفاقية الأصلية، وستكون الولايات المتحدة مستعدة لاحترام شروط اتفاق 2015.
وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإن بايدن سيحاول التراجع عن الضرر الذي يعتقد معسكره أنه حدث عندما سحب الرئيس ترمب الولايات المتحدة من الصفقة في عام 2018. وستؤدي العودة إلى هذا الاتفاق، والذي يعني رفع العقوبات عن طهران، وتسهيل أموال بمليارات الدولارات لطهران، إلى تمهيد الطريق"لمفاوضات متابعة" حول قضايا أوسع.
آنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الجديد صرح يوم 19 يناير 2021 خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، أن إدارة الرئيس، جو بايدن، ستسعى للتوصل إلى اتفاق نووي "أطول وأقوى" مع إيران.
ووصف بلينكن اتفاق 2015 بأنه سيكون "منصة" للانطلاق نحو اتفاق يشمل قضايا أخرى تمتد إلى برنامج إيران الصاروخي ونشاطاتها الخبيثة في المنطقة مضيفا أن واشنطن لا يزال أمامها "طريق طويل" للتوصل إلى اتفاق مع طهران.
الخبير في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ديفيد بولوك، يشير إلى جوانب "نظرية" كفيلة بأن يصبح الاتفاق النووي مع طهران أكثر قوة، بغض النظر عن مدى واقعيتها أو عمليتها.
وقال بولوك لموقع الحرة "ستكون هناك طريقة واحدة لجعل الاتفاق أقوى، وهي جعله أطول أو قد يكون في وضع قيود دائمة على برنامج إيران النووي".
ولفت بولوك إلى أن جعل الاتفاق أقوى يتطلب "الإصرار على جعل القيود أقسى على برنامج إيران النووي"، ويشير، على سبيل المثال، إلى أن القيود قد تكون بشأن "وسائل التكنولوجيا الأخرى المرتبطة بالأسلحة النووية".
وشدد بولوك على ضرورة "رفع أي محددات زمنية أو ظروف جغرافية، بشأن المواقع التي يمكن للمفتشين الذهاب إليها: المواقع العسكرية، والمواقع غير المعلن عنها"، وأن يكون ذلك "من دون إشعار مسبق. بتفتيش مفاجئ".
وبحسب بولوك، يمكن "تضمين قضايا هامة أخرى في الاتفاق، إلى جانب البرنامج النووي نفسه، الصواريخ الباليستية على سبيل المثال، والتي يفترض أن تحمل ببعض الحالات أسلحة نووية، يمكن تقييدها أو منعها بطريقة ما".
وأكد أنها "غير مشمولة أبدا في الاتفاق النووي الحالي".
"جميع هذه القضايا ممكنة، لكن إيران قالت فعلا إنها لن توافق على أي شروط جديدة من ذلك النوع"، قال بولوك.
وتابع أن إدارة بايدن "ستحاول التفاوض، لكنني لا أدري إن كانت إيران تنوي الحديث عن ذلك".
صفقة
الخبير في مركز الخليج العربي للدراسات، حسين إيبش، قال في حديث إلى موقع الحرة، إن "من الممكن إقناع الإيرانيين إذا كانت الشروط صحيحة. أعتقد بأنهم سيعتزمون العودة إلى نوع من الاتفاق الذي قاموا به سابقا والذي تضمن رفع العقوبات مقابل إرجاء برنامجهم النووي".
وأضاف "لكن حتى لو رغبوا بالعودة إلى ذات النوع من الترتيبات، أظن أن ذلك سيكون صعبا على صعيدين، الأول هو أن إعادة بدء المفاوضات ستكون صعبة، لأنك ستبدأ بشيء كالعودة إلى الامتثال باتفاق خطة العمل المشتركة السابقة، وسيكون عليك التفاوض حول ما يشكل ذلك الالتزام على الطرفين (..) وأي من العقوبات التي وضعها ترمب سيتم رفعها وأي منها لن تُرفع ".
ولفت إبيش إلى أنه سيتعين على الولايات المتحدة العمل بشكل متواز للتوفيق ما بين توصلها إلى اتفاق نووي مع إيران، وصداقاتها في المنطقة.
"سيكون ذلك صعبا جدا، أعتقد أن أفضل الطرق هو أصعبها، وهي اجتذاب إيران للموافقة على نوع من التفاهم بشأن الصواريخ والجهات الفاعلة التي تدعمها"، قال إيبش.
وأضاف "أعتقد أن الممكن هو بناء شيء يشبه اتفاق خطة العمل المشتركة يبدو أكثر شمولية للدول في المنطقة، هم لم يكونوا منخرطين أبدا المرة الماضية، وأظن أن لديهم حاجة للتوثق من أن مصالحهم قائمة دون تجاهلها".
وبحسب الخبير، فإن "طريقة فعل ذلك ستكون بإنشاء نوع من الإجراءات المتوازية، بما يشمل دول الشرق الأوسط، حيث تتم مشاورتهم باستمرار".
"الأهم هو أن لا تكون هناك مفاجآت. أعني أن أسوأ شيء بشأن فترة 2014 و2015 هو أن القوى الإقليمية (..) لم تفهم تماما ما الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة"، قال إيبش.
وشدد إيبش على ضرورة أن تفهم دول الخليج العربي وإسرائيل أن الولايات المتحدة لا تتجاهل مصالح أمنهم القومي الأساسية.
وتشير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن إسرائيل تصر على ضرورة أن تتناول أي صفقة ملف برنامج إيران للصواريخ الباليستية ودعمها للجماعات المسلحة المعادية في منطقة الشرق الأوسط.
ونقلت الصحيفة عن مديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد "بروكينغز"، سوزان مالوني، قولها إن إدارة بايدن يتعين عليها البدء بخفض التوترات مع إيران، تجنبا لعقبات عدة في طريقهم نحو التوصل لاتفاق.
"الدخول بمفاوضات معقدة للغاية مع إيران (..) ليس تماما الطريقة التي ستختارها أي إدارة بالفعل لبدء سياستها"، قالت مالوني.
وتتوقع الخبيرة أن تباشر الولايات المتحدة بمد الجسور المباشرة، ولو على مستوى منخفض، لترى أي نوع من الثقة المتبادلة يمكن بناؤها.
وتعتقد مالوني بأن الأشهر الستة المقبلة ستوفر فرصة لاستكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق مؤقت يضع إيران بموقع أقرب من الامتثال لالتزاماتها. وفي المقابل، تعود الولايات المتحدة إلى تخفيف بعض العقوبات المنصوص عليها في الصفقة الأصلية على أقل تقدير، بالتزامن مع استمرار عملية دبلوماسية تسمح بمحادثات تتعدى صفقة 2015 وبنودها.
وتنصح مالوني بأن تبدي إدارة بايدن لفتة إنسانية مبكرة إلى طهران، قد تتمثل بالتأسيس لقنوات للوصول "إلى السلع الإنسانية: الأدوية، والأجهزة الطبية، والغذاء".
وأشار الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، مارك دوبويتز، في حديث مع هآرتس إلى ظهور جبهة إقليمية موحدة ضد دخول الولايات المتحدة في صفقة نووية مع إيران.
وشدد دوبويتز على أنه يترتب على الولايات المتحدة أن تستمع إلى تلك الدول الواقعة في مرمة الصواريخ الإيرانية، والأكثر عرضة لتهديدات طهران.
أسس قيمية كاذبة
في العديد من دول العالم غير النووية يؤكد أن الأوان قد حانللحسم في هذا الموضوع والقول بصوت عال بأننا لسنا مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة الذرية لأنها تميز فيما بين الدول على أسس قيمية كاذبة. فهي تسمح للدول التي كانت تملك أسلحة ذرية قبل توقيع المعاهدة في عام 1965 بالاحتفاظ بترساناتها الذرية، بينما تحرم امتلاكها من قبل باقي الدول. وهذه قسمة ضيري، مهما قدم من أسباب موجبة.
وفى الوقت نفسه، وبنفس القوة، تؤكد هذه الدول "نحتاج إلى الرفض التام للأسلحة الذرية في جميع الدول، فهذا تعميم للشر وتحرك نحو دمار هذا العالم من قبل هذا المجنون أو ذاك الساديالنرجسي. ذلك أن تاريخ العالم الحديث قد أثبت بصورة قاطعة أنه لا يوجد نظام سياسي في أي بلد، بما فيها البلدان الديموقراطية العريقة، فيه من الحصانات والضمانات التي لا تسمح بوصول مجنون أو أحمق أو سادي إلى مركز اتخاذ القرار الحاسم بشأن استعمال أسلحة الدمار الشاملة.
إن الحديث الأمريكي عن خطورة انتشار أسلحة الدمار الشامل كلام حق، لكن يراد به باطل. فمن هو المسؤول الأول عن هذا الانتشار؟ أليس البائع الأول للسلاح في العالم؟ ثم ألا تشكل دول حليفة للولايات المتحدة، مثل إسرائيل، التي تضيق ترساناتها بأنواع أسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية والكيميائية وغيرها، تهديداً للأمن في منطقتها، حتى لا نقول الأمن العالمي؟ وكيف يسمح "بإعفاء" إسرائيل من الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار، في حين تمارس كل الضغوط الممكنة على دول المحيط للقبول والتوقيع، وهي غير نووية وغير قادرة، في المدى المتوسط على الأقل، على امتلاك التقنية التي تسمح لها بأن تصبح كذلك؟ إن الكيل بمكيالين في هذا المجال يفقد الكلام الأمريكي، الرسمي وغير الرسمي، الكثير من المصداقية.
الانتشار نووي
يتحدث كثيرون في الغرب عن مخاطر انتشار السلاح النووي في دول الجنوب وقلّما يعلنون الخشية من انتشاره في دول الشمال. تفيد الإحصاءات بأن فرنسا استقبلت 1500 باحث نووي من أوروبا الشرقية السابقة بين عامي 1990 و1991 وألمانيا حوالي 1900 باحث عام 1991 و4000 عام 1994. إسرائيل استقبلت ثلاثة ألاف باحث في المجال النووي خلال سنتين من انهيار الاتحاد السوفياتي وهم يعملون الآن في مختبراتها ومراكزها العلمية. ويقدر عدد الذين اختاروا الولايات المتحدة بثلاثين ألفاً من خيرة علماء وباحثي المعسكر الشرقي السابق.
هذه الدول المذكورة وصلت في برامجها النووية إلى مراحل تجعلها في غير حاجة ملحة لمثل هؤلاء العلماء. ولكن ما يخشاه الأمريكيون هو عدد العلماء الذين تمركزوا في دول من العالم الثالث على الرغم من الرقابة الشديدة في هذا المجال.
في 16 تموز 1994 أعلن برنت شميدبور مساعد وزير الخارجية الألماني للشؤون الاستخباراتية بأن تهريب المواد النووية من روسيا بلغ مستوى لا سابق له. وبعد شهر من هذا الإعلان تم ضبط 360 غراماً من البلوتونيوم عيار 239 في مطار ميونيخ في طائرة آتية من موسكو. وقد كشفت صحيفة دير شبيغل الألمانية عن قضية نووية مفادها أن موظفاً في البوليس الجنائي الألماني عقد صفقة مع رجلي أعمال إسباني وكولومبي لشراء 4 كيلوغرام من البلوتونيوم 239 بسعر 276 مليون دولار وأن الدولة الألمانية قد تكون وراء الصفقة. وما إعلان شميد بور المذكور وعمليات ضبط التهريبات إلا لذر الرماد في العيون، بحسب الصحيفة المذكورة في عددها الصادر في 10 أبريل 1995.
اليابان أيضا، الدولة الكبرى، اقتصاديا على الأقل، ليست بمنأى عن التفكير في الحصول على السلاح النووي. ولأول مرة منذ قنبلة هيروشيما أعلنت طوكيو، في أغسطس 1993، أنها تدرس إمكانبة إنتاج هذا السلاح بسبب خوفها من نشوء قوة كورية موحدة مستقبلا تملك هذا السلاح الخطير، عدا عن تنامي قدرات الصين الملفتة في هذا المجال. طبعاً الحساسية المفرطة للرأي العام الياباني حيال هذا السلاح، بسبب ما تعرض له عام 1945، يمنع القادة اليابانيين من الخوض في برنامج نووي ولكن إلى متى؟ على الرغم من قناعتهم المعلنة بأن نظاماً دفاعياً متكاملاً فعالاً يبقى غير ممكن في غياب الردع النووي. وتراقب طوكيو وسيول وبيونغ يانغ بعضها البعض عن كثب في لعبة قوة ثلاثية الجوانب في آسيا الشمالية الشرقية. الكوريتان تنظران إلى امتلاك طوكيو للبلوتونيوم كتهديد كاف، في حين أن اليابان تخشى توحد الكوريتين كما حدث لألمانيا.
إن انتشار السلاح النووي في دول العالم الثالث، تحديداً، يشكل إحدى الهموم الأساسية "للنظام الدولي الجديد" الذي أعلنه الرئيس جورج بوش في بداية العام 1992. وفي 12 مارس من العام نفسه حدد روبرت غايتس مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية السي.آي.إي لائحة البلدان التي تتجه نحو الحصول على أسلحة الدمار الشامل: فقط "مجموعة الدول المستقلة" والصين قادرتان على إصابة الأرض الأمريكية مباشرة. ولكن قد يتوصل آخرون إلى ذلك بعد عشر سنوات.
وبحسب تقديرات وليام بستر المدير الأسبق لوكالة الاستخبارات الأمريكية نفسها يحمل العالم الثالث تهديداً للولايات المتحدة والأمن العالمي بسبب انتشار الصواريخ الباليستية وما تحمله من رؤوس نووية وبيولوجية وكيميائية. فهناك على الأقل 25 بلداً نامياً تنتج أو تسعى لإنتاج مثل هذه الأسلحة، وهناك 15 منها ستتمكن من إنتاج هذه الأسلحة في العام 2000، الأمر الذي يشكّل تهديداً جدياً للقوات الأمريكية العاملة في العالم الثالث ولحلفائها. وقد سبق لستة بلدان نامية أن استعملت صواريخ باليستية في حروبها مصر، سوريا، إيران، العراق، ليبيا، أفغانستان، علماً أن هناك صواريخ ذات قدرة تدميرية لا يتطلب إنتاجها قدرات تكنولوجية عالية وكلفتها ليست مرتفعة كثيرا.
وفي 28 يوليو 1993 عرض مدير السي.آي.إي جيمس وولسي، وقتها، لوحة انتشار الأسلحة النووية أمام لجنة القضايا الخارجية في مجلس الشيوخ، مركزا على المخاطر المتأتية من كوريا الشمالية والعراق وإيران. وتوقع أنه بحلول العام 2000 ستتمكن دول عديدة من أن تطور بنفسها صواريخ باليستية قادرة على إصابة الأراضي الأمريكية.
عمر نجيب