اتساع الفوارق الطبقية والبطالة وانتشار الفقر والصراع العرقي قنابل موقوتة
كلما تقلصت المدة التي تفصل عن تاريخ 3 نوفمبر 2020 تاريخ إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية كلما كثرت التحليلات والمخاوف والتوقعات عما ستسفر عنه نتائجها، لأن الولايات تعيش فترة غير مسبوقة، منذ الحرب الأهلية ما بين سنة 1861 إلى 1865، من عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والتطاحن الطبقي والانقسام الداخلي، وكذلك لأنها تأتي في فترة يعيش فيها العالم مخاض مرحلة حاسمة في الصراع وراء نظام عالمي جديد يزيل عن الولايات المتحدة صفة القطب الوحيد المهيمن.
الولايات المتحدة في نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين تبدوا أكثر هشاشة من أي وقت سابق اقتصادها يتراجع أمام تقدم الصين والاتحاد الأوروبي، وعدد الدول المرشحة لمنافستها في عدة مجالات يتكاثر، حجم التعامل في التجارة الدولية بعملتها الدولار في تقلص متصاعد لصالح عملات اخرى، زيادة على ذلك فإن واشنطن عمليا مدينة للعالم بكمية اموال خرافية بعد أن غمرت خزائن بنوك دوله بأوراق خضراء لم تعد مغطاة سوى بالقوة بعد أن تخلى البيت الأبيض عن تغطيتها بالذهب كما كانت تنص على ذلك اتفاقية بريتون وودز.
داخليا تعاني الولايات المتحدة من مشاكل اتساع نطاق الفقر، وليس خافيا على أحد أن أقل من 10 في المئة من الأمريكيين باتوا يمتلكون أكثر من 92 في المئة من ثروات البلاد. أمام هذا الوضع ليس من المستغرب أن يصبح الأثرياء أكثر ثراء خلال العقود الأخيرة نظرا لميل البعض إلى الحكم على الأداء الاقتصادي الإجمالي على أساس سوق الأسهم. وفي حين استمرت أسعار الأسهم في بلوغ ارتفاعات غير مسبوقة، فإن هذه كانت أيضا حال معدلات البطالة الجزئية والبطالة في الولايات المتحدة، حيث يعيش نحو 30 مليون مواطن أمريكي حاليا في أسر تفتقر إلى القدر الكافي من الطعام، ويعيش أغلب أولئك المنتمين إلى النصف السفلي من جدول توزيع الدخل من راتب إلى راتب. في بلد تمزقه بالفعل فجوات تفاوت متزايدة الاتساع، لم يكتف الجمهوريون بخفض الضرائب المفروضة على أصحاب المليارات، بل نفذوا أيضا سياسات من شأنها أن تؤدي إلى فرض معدلات ضريبية أعلى على الأغلبية العظمى من أولئك المنتمين إلى الوسط.
ويعد عدم المساواة في الدخل في الولايات المتحدة الأعلى بين جميع دول مجموعة السبع "الولايات المتحدة، كندا، اليابان، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، وإيطاليا".
كما تضاعفت فجوة الثروة بين العائلات الأكثر ثراء وفقرا في الولايات المتحدة، حيث تشير البيانات إلى أن نحو 30 في المائة من العمال الأمريكيين يكسبون أقل من عشرة دولارات في الساعة، وهذا يعني أن دخولهم أقل من مستوى الفقر الفيدرالي، كما ازدادت فجوة الدخل والثروة بين السود والبيض بمرور الوقت، إذ نما الفارق في متوسط دخل الأسرة بين الأمريكيين البيض والسود من نحو 23800 دولار سنويا عام 1970 إلى 33 ألف دولار قبل عامين.
البروفيسور أرثر دين أستاذ قسم الاقتصاد سابقا في جامعة ليدز يقدر أن النمو الاقتصادي يتطلب درجة من عدم المساواة، لكنها درجة مقبولة مجتمعيا.
ويؤكد أن عدم المساواة ربما يمنح الاقتصاد الأمريكي ديناميكية ملحوظة ومميزة، لكن المشكلة عندما تتسع الفجوة إلى مستويات تعرض تلك الديناميكية للخطر، أو أن يؤدي عدم المساواة الاقتصادية إلى نشوء سلالة من أبناء الأثرياء يواصلون الاحتفاظ بالثراء بحكم علاقاتهم الأسرية، وليس بحكم الكفاءة.
ويقول "عندما يذهب أبناء الأثرياء إلى المدارس المميزة، لأنهم قادرون على دفع المصروفات التعليمية، ورغم ذلك يتخرجون بمستوى كفاءة متوسط، بينما لا يحظى الموهوبون من أبناء الطبقة المتوسطة أو الفقراء بتعليم جيد، لعدم قدرة الأسرة على تمويل العملية التعليمة، ورغم ذلك يواصلون التمتع بالموهبة والكفاءة، ثم نجد أبناء الأثرياء يظلون أثرياء رغم تدني كفاءتهم وأبناء الفقراء يظلون فقراء رغم كفاءتهم، وعليه فإن قدرة الاقتصاد على مواصلة النمو في الأجل الطويل تصبح محل شك".
السلام والحرب
نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية تستمد أهميتها كذلك من أن سياسة من يفوز بها سيكون لها تأثيرات عالمية من بينها خيار الحرب وإنهيار النظم الاقتصادية الدولية، وتطور الصراعات والحروب في كل القارات.
مجلة فورين أفيرز الأمريكية نشرت تحليلا يقول إن هناك مؤشرات عديدة تشير إلى أزمة في النظام العالمي، تنذر بنهاية هيمنة الغرب بقيادة الولايات المتحدة وصعود قوى أخرى منافسة.
إن هناك مظاهر عديدة للأزمة التي يشهدها النظام العالمي من ضمنها الاستجابة غير المنسقة لجائحة كورونا والأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي الوباء، وعودة السياسات القومية، وإغلاق الحدود بين الدول، وكلها مؤشرات على ظهور نظام دولي أقل تعاونا وأكثر هشاشة.
وأشارت إلى أن العديد من المراقبين يرون أن هذه التطورات تؤكد مخاطر السياسة التي ينتهجها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب والقائمة على شعار "أمريكا أولا" وتخليه عن دور بلاده في قيادة العالم وعن التزامها بتعزيز نظام دولي ليبرالي.
ووفقا للبحث فإن بعض المحللين يعتقدون أن الولايات المتحدة لا تزال قادرة على تغيير هذا الوضع، بعد خروج ترمب من البيت الأبيض، وذلك من خلال استعادة الإستراتيجيات التي استطاعت من خلالها بناء نظام دولي ناجح وحافظت عليه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى ما بعد الحرب الباردة، وبذلك تكون حقبة ترمب ووباء كورونا مجرد انحراف مؤقت عن المسار بدلا من أن تكون خطوة على طريق الفوضى الدائمة.
حالة استقطاب
ذكر برايان ميخائيل جنكينز كبير مستشاري مؤسسة راند إن الولايات المتحدة تعاني من انقسام عميق في الوقت الحالي، كما أن النظام السياسي في حالة استقطاب. وأصبح الخطاب السياسي العام يتناول نظريات مؤامرة غريبة، ويبدو أن هناك جهودا تبذل عبر الرسائل بهدف نزع شرعية انتخابات شهر نوفمبر. فالرئيس دونالد ترامب يرفض أن يقول إنه سوف يلتزم بنتائج الانتخابات. وتحدث أحد المسؤولين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن قيام تنظيمات يمينية ويسارية بشراء ذخيرة والاستعداد للعنف. ويحذر بعض الخبراء من نشوب حرب أهلية.
وأكد جنكينز في تقرير نشرته مؤسسة راند الأمريكية أن القلق الذي تعيشه الولايات المتحدة حقيقي وله ما يبرره. وربما يتميز كبار السن من الأمريكيين إلى حد ما بالقدرة على تجنب الانزعاج، فهم يتذكرون فترة الستينيات ومطلع السبعينيات المضطربة في القرن الماضي عندما كانت البلاد في حالة حرب في الخارج بالفيتنام وحالة حرب مع نفسها في الداخل. لقد كانت فترة عنيفة شهدت عمليات إعدام خارج نطاق القانون، وتفجيرا للكنائس، وتحديا صريحا للحكومة الاتحادية، وعمليات اغتيال وأعمال شغب، واستقالة رئيس لم يسبق لها مثيل، وحملة سياسية تمييزية واضحة تهدف إلى تولي مجلس النواب الأمريكي مسؤولية الانتخابات حيث يمكن لمؤيدي هذه الحملة في المجلس تحديد اختيار الرئيس الجديد.
وأضاف أن المؤسسات الأمريكية صمدت آنذاك، لكن هل سيمكنها الصمود مرة أخرى الآن؟ وما هي احتمالات اندلاع إرهاب داخلي في سياق الانتخابات الأمريكية؟.
وأضاف جنكينز إن الإجابة الأمينة هي أننا لا نعرف ما سوف يحدث، لكن من الممكن بحث بعض الاحتمالات وتخمين ما قد يحدث، وهذا لن يساعدنا في التنبؤ بالمستقبل، لكن قد يساعدنا في الاحتفاظ برباطة جأشنا.
فالخلاف حول الحد من تفشى فيروس كورونا والعنصرية في أمريكا قد يوضح ما يمكن أن نراه مع الانتخابات المقبلة. فليس من المحتمل بطبيعة الحال أن نشهد انتخابات هادئة فهناك احتجاجات مستمرة في أنحاء البلاد بسبب العنصرية وتصرفات الشرطة منذ شهر مايو 2020. ورغم أن معظمها كان سلميا، كانت هناك مواجهات عنيفة، وهجمات على الممتلكات الاتحادية، وأعمال سلب ونهب. وسعى المتطرفون من جانبي الطيف السياسي لبدء أعمال عنف. كما أن رجال الشرطة الغاضبين الذين يشعرون بالإرهاق تصرفوا بصورة مبالغ فيها أحيانا. ومن الصعب تخيل انتهاء كل ذلك فجأة يوم الانتخابات.
وحذر البعض من اندلاع حرب أهلية جديدة، ولكن هذا النوع من الصراع المسلح يبدو مستبعدا. ولكن هناك احتمالات تتراوح ما بين القيام باحتجاجات عامة تصحبها حالات عنف منفردة، وبين القيام بأعمال عنف واسعة النطاق وأعمال انتقامية في صراع سياسي طويل الأمد.
أما بالنسبة لعملية التصويت نفسها، فإن أي حالات سوء تفاهم يمكن أن تؤدي إلى مواجهات غاضبة وطوابير طويلة تنجح فقط في تعقيد وإبطاء العملية الانتخابية. وبعض الولايات تخشى من تواجد جماعات مسلحة في أماكن الاقتراع مع افتقارها لأي قوانين تحظر ذلك. والتهديدات بتفجير قنابل أمر عادي في مراكز الاقتراع. ومن الممكن اندلاع احتجاجات غاضبة إذا ما ظهر أنه تم حرمان أعداد كبيرة من الناخبين من حق التصويت.
و لا يمكن إغفال ما يمكن أن يحدث من تأجيل في إعلان نتيجة الانتخابات لأسباب مختلفة قد يحتاج حسمها اللجوء للقضاء، وما سوف يصاحب ذلك من احتجاجات ومواجهات من جانب أنصار المرشحين الجمهوري والديمقراطي.
وذكر جنكينز في ختام تقريره إن أي عنف قد يحدث وله علاقة بالانتخابات من الممكن أن تكون له تداعيات. فمن الممكن أن تظهر حملات إرهابية منظمة، وإذا حدث ذلك، فمن المحتمل أن يستمر لفترة أطول من الوقت. ففي أعقاب فترة ستينيات القرن الماضي المضطربة، قام عدد من الجماعات اليسارية المتطرفة وغيرها من العناصر الفاعلة بحملات تفجير استمرت لسنوات. وليس من المستحيل إمكانية أن تصبح هذه الفترة من القرن الحادي والعشرين عقدا مضطربا.
تشكيك في النتائج
تشكيك ترمب في نتائج الانتخابات وفرص قبوله لها في حالة الخسارة شاركه فيها خصمه، فيوم السبت 10 أكتوبر قال المرشح الديمقراطي جو بايدن، إن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يخسر بها الانتخابات هي “الغش”، ما أثار مخاوف رفضه إمكانية هزيمته في السباق الرئاسي.
ودعا بايدن الناخبين خلال إحدى محطات حملته الانتخابية في ولاية بنسلفانيا إلى “التحقق من التصويت، لأن الطريقة الوحيدة التي قد نخسر بها هي الغش”.
وأشار إلى ما وصفه بمحاولات ترمب التأثير على التصويت، بما في ذلك التشكيك في أمن الاقتراع عبر البريد ومحاولات التشجيع على ترهيب مراقبي الانتخابات.
من جانبه حذر ترمب في أول ظهور علني له منذ إصابته بمرض كوفيد 19 من فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن، وقال إن المرشح الديمقراطي غير قادر على حكم البلاد، وأضاف أن برنامج بايدن يعد “اشتراكيا” بل قد يكون “شيوعيا”، وسوف يغرق البلاد في أزمة.
وقال “أريد أن تعرفوا بأن بلدنا سيهزم هذا الفيروس الصيني الفظيع”، بينما هتف له مئات المؤيدين الذين وضع معظمهم الكمامات لكن دون الالتزام كثيرا بالتباعد الاجتماعي خلال الحدث الذي جرى في الهواء الطلق.
وأضاف في حديثه عن الفيروس الذي أودى بأكثر من 210 آلاف شخص في الولايات المتحدة وشكل ضربة لفرصه في الفوز بولاية ثانية في انتخابات الثالث من نوفمبر “سيختفي، إنه يختفي”.
خوف من الدماء
صحيفة الغارديان البريطانية، ذكرت يوم الأحد 11 أكتوبر 2020، أن السياسي الجمهوري الأمريكي تيد كروز أعرب عن خشيته مما يسميه “حمام دم”، أو خسارة فادحة للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية.
كذلك تحدث زميله السيناتور الجمهوري البارز توم تيليس بالفعل عن أن الاحتمال الأرجح وهو فوز جو بايدن بالرئاسة، وحتى ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية الجمهورية الموالي بشدة لترمب في مجلس الشيوخ، يتجنب الذهاب إلى البيت الأبيض بسبب تعامل ترمب المتهاون مع البرتوكولات المفترض اتباعها بشأن فيروس كورونا.
الصحيفة أشارت إلى أن هذه التصريحات خارجة عن المألوف من حلفاء ترمب، الذين يبذلون الجهود لحشد الدعم للرئيس الأمريكي قبل أيام فقط من الانتخابات، لا سيما وأن استطلاعات الرأي تظهر تراجعا لترمب أمام بايدن.
كذلك فإن هذه المخاوف الصادرة عن عديد من الجمهوريين الآخرين الذين تبدو عليهم بوادر النأي بأنفسهم عن ترمب وإدارته وسياساته، تعكس قلقا متزايدا داخل الدوائر العليا من الحزب الجمهوري من أن الانتخابات الرئاسية قد تحمل فوزا كبيرا للديمقراطيين ومرشحهم الرئاسي.
خوف من القادم: في هذا السياق، جاءت تصريحات تيد كروز، السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس والناقد السابق لترمب، في مقابلة مع برنامج "صندوق النعيق" على الشبكة التي تحمل نفس الإسم يوم الجمعة 9 أكتوبر.
قال كروز: “أعتقد أنه من المحتمل أن تكون انتخابات مروعة. وأعتقد أننا يمكن أن نخسر البيت الأبيض ومجلسي الكونغرس جميعا، وأنه يمكن أن يكون هناك حمام دم وفضيحة لا تقل في فداحتها عن فضيحة ووترغيت”.
“ووترغيت” هو اسم لأكبر فضيحة سياسية في تاريخ أمريكا، وحينها قرر الرئيس ريتشارد نيكسون التجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي المنافس في مبنى ووترغيت، وكان البيت الأبيض قد سجل 64 مكالمة، فتفجرت أزمة سياسية هائلة وتوجهت أصابع الاتهام إلى الرئيس نيكسون واستقال على أثرها في أغسطس عام 1974. وتمت محاكمته بسبب الفضيحة، وفي 8 سبتمبر 1974 أصدر الرئيس الأمريكي جيرالد فورد عفوا بحقه.
كروز أضاف أنه قلق من القادم، وقال إن “الأمور متقلبة، حتى إنها شديدة التقلب حتى الآن”، ومع ذلك فقد قال إنه يرى أيضا احتمالية قائمة بأن يعاد انتخاب ترمب “بهامش فوز كبير”.
أما السيناتور الجمهوري توم تيليس، أحد مساعدي ترمب الذين لحقتهم الإصابة بفيروس كورونا على ما يبدو خلال الفعالية التي عقدها البيت الأبيض منذ أسبوعين وتسببت في انتشار كبير للفيروس بين مقربين من ترمب، فإنه يواجه هو نفسه معركة صعبة لإعادة انتخابه سيناتورا عن ولاية كارولينا الشمالية، وأثار احتمال هزيمة ترمب خلال مناظرة له ضد منافسه الديمقراطي كال كننغهام.
جاء ذلك خلال قوله: “إن أفضل رقيب على رئاسة بايدن هو أن يكون للجمهوريين أغلبية في مجلس الشيوخ”، مشيرا بذلك عن غير قصد إلى أنه يعتقد أن فوز الديمقراطيين الشهر المقبل من المحتمل أنه قد أصبح أمرا محسوما. وأضاف تيليس: “الضوابط والتوازنات لها تأثير في الاتجاه العام بين المصوتين في ولاية كارولينا الشمالية”.
انتقادات أكثر لترمب: وفي أماكن أخرى، أصبح استياء الجمهوريين من ترمب أوضح من أن يخفى، خاصة بين المرشحين الذين يخوضون انتخابات محدودة في ولاياتهم الخاصة.
يأتي من بين هؤلاء السيناتور الجمهورية، مارثا مكسالي، عضو مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا والتي جاءت متأخرة في استطلاعات الرأي الأخيرة بهامش كبير عن رائد وكالة الفضاء السابق مارك كيلي، ودفعها ذلك إلى انتقاد ترمب علانية بسبب هجماته المتكررة على سلفها السيناتور الجمهوري جون ماكين. وقالت مكسالي في مناظرة عقدت خلال شهر أكتوبر: “بصراحة، أتضايق بشدة عندما يفعل ذلك”.
كما انتقد السيناتور الجمهور عن ولاية تكساس، جون كورنين، ترمب بحدة “لإثارة الارتباك” بشأن فيروس كورونا و”تركه الحذر” على الرغم من انتشار الوباء في جميع أنحاء البلاد.
المستنقع
جاء في تحليل كتبه كريستوفر كالدويل من واشنطن لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية نشر يوم 7 أكتوبر 2020:
ترشح ترمب للبيت الأبيض في 2016 بدعوى أن المؤسسات الأمريكية، العامة والخاصة، أصبحت فاسدة. لم يكن الأمر أن الطبقة الوسطى كانت تعاني اقتصاديا فحسب، بينما ازدهر من يسمون نسبة الـ1 في المائة. وإنما كان أيضا أن طبقة من القادة غير المنتخبين تسيء استخدام السلطة التي زعموا أنهم يمارسونها من أجل المصلحة العامة. شكَل الخبراء والقضاة والصحافيون ورؤساء المؤسسات نسبة بلغت 1 في المائة. كان هذا هو "المستنقع" الذي وعد بتجفيفه.
ينتمي خبراء الصحة العامة إلى هذه الفئة من الناس. عندما ضرب فيروس كورونا الولايات المتحدة، اشتبك ترمب مع النخب الطبية من جميع الأنواع: مع منظمة الصحة العالمية بشأن الأصل الصيني للمرض، ومع مراكز السيطرة على الأمراض بشأن الحكمة في تحرير علاجات مثيرة للجدل من الضوابط والقيود، وتقريبا مع الجميع حول فعالية الكمامات.
حقق ترمب بعض النجاح في معالجة فيروس كورونا. فرض قيود سفر مبكرة بين الولايات المتحدة والصين. لكن المرض زاد من حدة المشاعر السيئة بينه وبين النخب الأمريكية التي تلومه على انتشار المرض. نغمة من الشماتة ميزت الحديث عن أعداد القتلى في الصحف.
عزز فيروس كورونا انقساما آخر أقل نقاشا، بين الشباب وكبار السن. ترمب كان مرشح الذين خسروا من العولمة. لم تكن هذه الرسالة تعني الكثير بالنسبة للشباب الذين كانوا صغار السن بحيث إنهم لم يفقدوا أي شيء. في انتخابات 2016، حصل على 37 في المائة فقط من أصوات الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما.
الاحتجاجات على الصعيد الوطني التي شهدتها البلاد عام 2020 بسبب مقتل جورج فلويد، وهو رجل أمريكي أسود من مينيابوليس، على يد ضابط شرطة، أصبحت مصدرا آخر للانقسام. كان الأمريكيون محصورين في منازلهم لأشهر، وفي كثير من الحالات كانوا محرومين من مصادر رزقهم، وسط تحذيرات صارمة من السلطات العامة بأنه سيكون هناك عقاب على الانتهاكات. الآن، امتلأت الشوارع بشباب يتدافعون كتفا بكتف للاحتجاج على عنف الشرطة، ولم يتم تنفيذ أي عقوبات.
شيء ما أصيب بالاختلال في الولايات المتحدة في ذلك الوقت. أولا، بدا أن هناك مجموعة واحدة من القوانين لوسط أمريكا العتيق من داعمي ترمب المغرمين بأكل كميات كبيرة من الهمبرغر، ومجموعة أخرى للمنتقدين الديمقراطيين الواعين اجتماعيا الذين يحبون شرب قهوة ستاربكس.
يمكن إجراء مقارنة مع عمليات الإغلاق الأخيرة بسبب كوفيد - 19 في مدريد، حيث إن معظم سكان مناطق الطبقة العاملة المصابة بشدة محصورون في أحيائهم، في حين أن الذين يتجولون في شوارع معينة تصطف على جانبيها المقاهي في وسط المدينة ليسوا كذلك.
بالنسبة لمؤيدي ترمب، بدا أن إغلاق البلاد يسمح باستيلاء المتطرفين العرقيين على مدنها الكبرى. ثم تبخر أي إجماع حول عمليات الإغلاق الشاملة ولم تظهر أي علامات على العودة. بدت الحملة الرئاسية للديمقراطي جو بايدن معرضة للخطر بسبب هذه القضية، حيث تحاول تحميل ترمب المسؤولية عن التباطؤ الاقتصادي المرتبط بكوفيد - 19، حتى في الوقت الذي دعا فيه بايدن إلى تشديد الإجراءات الحكومية بشكل أكبر.
من الصعب معرفة ما إذا كانت إصابة الرئيس بفيروس كورونا ستغير مسار السباق الرئاسي. من الناحية النظرية، يمكن أن يستفيد ترمب من الأخبار، اكتساب التعاطف مع الضعفاء الذين هم عرضة لفيروس كوفيد، بينما يظهر أيضا صلابة بشرية يضرب بها المثل.
لكن الأدلة من المملكة المتحدة "بريطانيا" ليست مشجعة. كانت إصابة رئيس الوزراء بوريس جونسون بكوفيد - 19 خطيرة بما يكفي لتستدعي دخوله المستشفى، وتمتلك نطاق تواصل أوسع بكثير من ترمب. مع ذلك، سياساته لمكافحة الوباء تعرضت للهجوم بطريقة حماسية في البرلمان حتى أثناء فترة نقاهته. ضراوة الانتقادات الإعلامية لكبير المستشارين ومهندس "بريكست"، دومينيك كامينغز، بدعوى انتهاك قيود الإغلاق، أثارت الدهشة في الخارج.
مهما كانت الأشياء الأخرى التي قد يفعلها الفيروس، فهو لا يوفر حصانة سياسية للذين يصابون به. أي شيء تقريبا ممكن الحدوث. قد يتم تأجيل أو إلغاء المناظرات الرئاسية المتبقية، وهي نتيجة من غير المرجح أن تخيب آمال 69 في المائة من الأمريكيين الذين أخبروا شبكة "سي بي إس" أنهم وجدوا النقاش الافتتاحي في كليفلاند "مزعجا".
أسوأ عام في تاريخ أمريكا
يعقد مراسل مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية في الولايات المتحدة، جيمس فالوز في تحليل له بتاريخ 13 يونيو 2020، مقارنة تاريخية بين عامي 2020 و1968، ويحاول أن يستخلص من أحداث هاتين الحقبتين الزمنيتين المختلفتين بعض الدروس التي يرى أنها جديرة بإثارة قلق الأمريكيين في الوقت الحاضر:
يسترجع مراسل ذي أتلانتك أحداث أبريل من عام 1968، حين قتل مارتن لوثر كينغ الابن، أحد أعظم قادة النضال الأخلاقي الأمريكي، بالرصاص في ممفيس، عن عمر يناهز 39 عاما كان اغتياله حدثا مركزيا في التاريخ الأمريكي، لكنه كان حلقة واحدة فقط في سلسلة من الصدمات العنيفة التي ضربت الولايات المتحدة في تلك السنة الصاخبة. بعدها بعامين، قتل روبرت ف.كينيدي بالرصاص في لوس أنجلوس، بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في كاليفورنيا، وأصبح حصان رهان الحزب في السباق الانتخابي، وربما الأوفر حظا للفوز بكرسي الرئاسة. يعلق فالوز على ذلك الحادث قائلا: لا يمكن لأحد أن يعرف كيف كانت سيناريوهات "ماذا لو" ستتكشف. ولكن ربما لو لم يطلق عليه الرصاص، لما وصل نيكسون إلى سدة الرئاسة، ولما كانت هناك خمس سنوات أخرى من الحرب في فيتنام، و… لن نعرف.
حدث ذلك بعد أقل من خمس سنوات من تغير التاريخ الأمريكي برصاص لي هارفي أوزوالد الذي اغتال كينيدي، مثلما فعل جون ويلكس بوث الذي اغتال لينكولن قبل قرن من الزمان. كانت عمليات إطلاق النار ذات الدوافع السياسية كثيرة جدا في تلك الأيام، إذ قتل مالكولم إكس في عام 1965، ولحق به زعيم الحزب النازي الأمريكي جورج لينكولن روكويل في عام 1967، وفي وقت لاحق أُطلق النار على جورج والاس ما أصابه بالشلل في عام 1972. لدرجة أن الناس في تلك الآونة كانوا كلما سمعوا جملة "خبر عاجل" عن سياسي في نشرة إخبارية ساورهم الخوف لوهلة مما يمكن أن تحمله إليهم تلك الأنباء.
عندما يغزو الخوف القلوب، يتطلع الناس إلى رجل يدعي أنه قوي. وعندما تنحسر الثقة في النظام العادي، يرتفع نجم المرشحين الذين يؤيدون فرض "القانون والنظام".
لقد كانت الرياح التي هبت في عام 1968 محملة بما يشتهي ريتشارد نيكسون، مقارنة برياح اليوم بالنسبة لـ دونالد ترمب. والأهم من ذلك كله أن نيكسون، القادم من خارج النخبة الحاكمة، كان بمقدوره أن يصب جام انتقاده على كل ما هو خطأ في البلاد، بينما يتعين على ترمب، بصفته شاغل المنصب، الدفاع عن إدارته وسجله المثقل بمستوى قياسي من البطالة.
بيد أن الاحتجاجات والخوف من الفوضى، ولا سيما الخوف من الفوضى التي قد يشعلها السود الغاضبون، جذب الناس إلى نيكسون باعتباره المرشح الذي يدافع عن "القانون والنظام" في عام 1968، وقد كان يدرك ذلك تمام الإدراك.
أما دونالد ترمب فلم يستطع أن يتعامل مع هذه النقطة بعناية مثلما فعل نيكسون، ولكن يتعين عليه أيضا استيعاب أن رد الفعل العكسي ضد الفوضى، من الأشخاص الذين صنفهم على أنهم "الآخر" و"العدو"، هو أمله الرئيس بل أمله الوحيد في الانتخابات.
واختتم فالوز مقاله بالقول: وعد ترامب في خطاب تنصيبه بأن تتوقف "المذبحة الأمريكية" هنا والآن. لكن ما يظهر حاليا هو أنه يحاول وببلادة أن يزيد الطين بلة.
إعاقة الناخبين ..
ترتفع أصوات أمريكية كثيرة في الداخل مطالبة بمراجعة النظام الانتخابي الذي يتم من خلاله الاقتراع للرئيس، انطلاقا من أنه ليس نظاما ديمقراطيا يحقق رغبة الأمريكيين.
ذلك أنه وعلى خلاف بقية الانتخابات الرئاسية المباشرة في دول العالم، لا يصوت المواطن الأمريكي بشكل مباشر لاختيار الرئيس، إنما هناك عدد من الأصوات لكل ولاية يقع عليها حسم التصويت النهائي، وهذا ما يعرف بالكلية الانتخابية أو المجمع الانتخابي.
والمعروف أن عدد أصوات هؤلاء هو 535 صوتا، ويحتاج الفائز إلى 270 صوتا للفوز، ويعكس عدد أعضاء المجمع الانتخابي من كل ولاية، عدد المشرعين الذين يمثلونها في مجلس النواب بالكونغرس الذي يضم 435 عضوا، إلى جانب العضوين اللذين يمثلانها في مجلس الشيوخ وعددهم 100، ولدى العاصمة واشنطن التي لا تمثيل لها في الكونغرس ثلاثة أعضاء في المجمع الانتخابي.
والثابت أن المرشح الذي يفوز بأكثر الأصوات الشعبية في ولاية معينة، يحصد جميع أصوات مندوبي المجمع المخصصة لتلك الولاية.
هنا السؤال المثير هل يمكن أن يحصد مرشح بعينه غالبية الأصوات الشعبية ومع ذلك لا يجد طريقه إلى البيت الأبيض كرئيس منتخب؟
الجواب نعم والتاريخ الانتخابي الأمريكي شهد الكثير من تلك الحالات كان آخرها جورج بوش الابن عام 2000 والرئيس ترمب عام 2016.
جاء في تحليل كتبته كاتيكا روي الرئيسة التنفيذية لشركة بايبلاين إيكويتي للبرمجيات في صحيفة "فاينانشال تايمز" يوم الجمعة 9 أكتوبر 2020:
مع دخول السباق الرئاسي في الولايات المتحدة هذا العام مرحلته الأخيرة، هناك عقبة هائلة أمام الفكرة الثورية للحكم الذاتي تطل بوجهها القبيح: إعاقة الناخبين.
في حين تشير استطلاعات الرأي الحالية إلى وجود منافسة شديدة بين الرئيس الحالي دونالد ترمب والديمقراطي جو بايدن في عديد من الولايات المتأرجحة، إلا أن هذه الممارسة يمكن أن تحدد نتيجة الانتخابات.
اللامركزية المتأصلة في النظام الفيدرالي تلعب دورا رئيسا في استمرار الجهود المبذولة لمنع بعض الأشخاص من الإدلاء بأصواتهم. دستور الولايات المتحدة يمنح الولايات مسؤولية إدارة الانتخابات. السلطات القضائية المحلية هي التي تتولى إدارة التفاصيل العملية الأساسية لإجراء الانتخابات.
أوجد مقياس اللامركزية أكثر من عشرة آلاف دائرة انتخابية بأحجام وأشكال وأساليب مختلفة. إذا كان هذا يبدو ساحقا، فهذا لأنه كذلك. وهو جزئيا السبب الذي دفع قادة السياسة الأمريكية، على مر السنين، إلى تعديل الدستور البالغ من العمر 233 عاما، لتوفير عدد قليل من المعايير الفيدرالية بشأن عمليات التصويت. التعديل الـ15، مثلا، يحظر على الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات حرمان المواطنين من حق التصويت على أساس العرق واللون. التعديل الـ19 يفعل الأمر نفسه على أساس الجنس.
لكن على الرغم من هذه المحاولات لتشجيع انتخابات حرة ونزيهة، إلا أن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأمريكية منخفضة بالنسبة لديمقراطية غربية 56 في المائة في 2016، مقارنة بـ87 في المائة في الانتخابات العامة السويدية 2018 و76 في المائة في ألمانيا في 2017.
في الواقع، اخترع النظام السياسي الأمريكي بمرور الوقت تدابير بديلة، مثل اختبارات محو الأمية وضرائب الاقتراع، لحرمان الناخبين "غير المرغوب فيهم" غير البيض في الأساس من حق التصويت.
سعى قانون حقوق التصويت في 1965 إلى إنهاء ممارسات التمييز السرية بتفويض الرقابة الفيدرالية على العمليات الانتخابية في الولايات القضائية التي لها تاريخ من ممارسات التصويت التمييزية. نجح ذلك إلى حد بعيد. بين 1964 و1969، ارتفعت نسبة مشاركة الناخبين السود في الانتخابات الرئاسية من 6 في المائة إلى 59 في المائة في ولاية ميسيسيبي وحدها.
كان هذا القانون ناجحا للغاية لدرجة أن المحكمة العليا الأمريكية أصدرت قرارا في 2013 بأنه لم تعد هناك ضرورة لإنفاذه، لذلك أحبطوه. الحكم الصادر في قضية "مقاطعة شيلبي ضد هولدر" جعل "أكثر تشريعات الحقوق المدنية فعالية على الإطلاق، التي أقرها الكونغرس"، ضعيفا. ووصفت القاضية روث بدر غينسبيرغ - التي توفيت شهر سبتمبر 2020 القرار بأنه "إلقاء مظلتك بعيدا في عاصفة ممطرة لأنك لم تبتل".
كان تشبيهها في محله. بعد ساعات من صدور القرار، بدأت موجة جديدة من أساليب قمع الناخبين تجتاح الولايات المتحدة. بعد أربعة أعوام من صدور القرار، كان عدد الأمريكيين السود الذين أبلغوا عن تعرضهم للتمييز العنصري خلال العملية الانتخابية يفوق عدد الأمريكيين البيض أربعة أضعاف. كان عدد اللاتينيين الذين أبلغوا عن الأمر نفسه أكثر ثلاثة أضعاف، والأمريكيين الأصليين أكثر بمقدار الضعف.
من بين تدابير القمع الأكثر ضررا هي تطهير قوائم الناخبين، ومتطلبات تحديد الهوية الصارمة، والحرمان من حق التصويت. بعض الدوائر الانتخابية تزيل الأشخاص من قوائم تسجيل الناخبين باسم "صحة القوائم": بين 2014 و2016، تم حذف أكثر من 17 مليون ناخب من قوائم التسجيل لأنهم لم يصوتوا لعدة أعوام، أو لأن أسماءهم لم تتطابق تماما مع السجلات الحكومية الأخرى.
ثم هناك متطلبات إثبات هوية صارمة تفرضها 36 من الولايات. تبدو هذه معقولة لمنع تزوير الانتخابات، لكنها لا تضع في الحسبان 25 في المائة من المواطنين السود مقابل 8 في المائة من البيض الذين ليس لديهم بطاقة هوية تحمل صورة صادرة عن جهة حكومية.
كما يخسر السود حقهم في التصويت أكثر من غيرهم لأنهم أكثر عرضة للاعتقال والسجن، وتقيد أكثر من 95 في المائة من الولايات حق التصويت للمجرمين المدانين. ونتيجة لذلك، خسر 7.7 في المائة من الأمريكيين السود، مقابل 1.8 في المائة من غير السود، حقهم في التصويت.
في حين أن هذه الأساليب تعطي الانطباع بنزاهة الانتخابات، إلا أن هذا هو كل ما تقدمه: طبقة خارجية خادعة للياقة والآداب فوق ديمقراطية منقسمة عرقيا.
التجربة العظيمة للديمقراطية الأمريكية، التي كانت تشكل ذات يوم بصيص أمل في هذا العالم، تنحرف نحو نظام الحكم الاستبدادي. اليوم، تحتل أرض الأحرار المرتبة 25 من أصل 165 على مؤشر الديمقراطية العالمي، وهو ترتيب يغذي الاتجاه العالمي الأكبر. في 2019، سجل مؤشر الديمقراطية أدنى درجة منذ إنشائه في 2006.
عمر نجيب