هل من قبيل الصّدفة أن يتزامن الكشف عن وضع خطّة أمريكيّة لاغتِيال الرئيس بشار الأسد، مع كشف الجِنرال الإسرائيليّ أمير برعام قائد المِنطقة الشماليّة عن خططٍ أُخرى لاغتِيال السيّد حسن نصر الله وفي الأُسبوع نفسه؟
لا نعتقد أنّها الصّدفة المحضَة، وإنّما التّطابق بين النّوايا العُدوانيّة والإجراميّة للحليفَين الأمريكيّ والإسرائيليّ، وعجزهما المُطلَق عن هزيمة أهم عُضوين في محور المُقاومة الذي باتت قوّته المُتنامية تُشَكِّل قلقًا مُتَضخِّمًا لهُما.
في حالةِ الرئيس الأسد، ادّعى الرئيس دونالد ترامب أنّ أجهزته الاستخباريّة، وضعت خطّةً بطَلبٍ منه، لتصفية الرئيس السوري جسديًّا، ولكنّ وزير دفاعه في حينها جيمس ماتيس اعترض على هذه الخطّة، وهذا قمّة الكذب، فلا نعتقد أن وزير الدّفاع يُمكن أن يتعدّى على رئيسه، ويُحبِط خطّته، لولا أنّ احتِمالات نجاح مِثل هذه الخطّة كان محدودًا، إنْ لم يَكُن معدومًا، وأنّ النّتائج التي يُمكن أن تترتّب عليها، فشَلًا أو نجاحًا ستكون كارثيّةً، مُضافًا إلى ذلك أنّ ترامب طرد الوزير المذكور من الخِدمة بعد أسابيع معدودة من تاريخ هذه الواقعة، أيّ أنّه أزال العقبة الرئيسيّة في طريقِ التّنفيذ، وأتى بوزير دفاع “يَبصُم” على جميع طلباته وتعليماته، لو كانت هذه الرّواية صحيحة.
***
ما يُقلِق الإدارة الأمريكيّة الحاليّة ليس وجود الرئيس الأسد على قمّة الدولة السوريّة، وإدارته للأزَمة بنجاحٍ طِوال السّنوات التسع الماضية، وإنّما أيضًا صُمود المُؤسّسات السوريّة، وخاصّةً الأمنيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، وتماسكها رُغم الحَرب والحِصار معًا، رغم عشرات، وربّما مِئات المِليارات التي جرى رصدها لتغيير النّظام.
المندوبة الأمريكيّة في الأمم المتحدة كيلي كرافت قالت اليوم “إنّ السّلام في سورية لن يتحقّق قبل أن يُغيّر النّظام أُسلوبه وتركيبته الأمنيّة والسياسيّة ويتخلّى كُلِّيًّا عن عُلاقته مع إيران، وهدّدت من “أنّ بلادها ستستخدم سِلاح العُقوبات لمنع عمليّة إعادة الإعمار”.
عندما تُقدِم الدول التي تدّعي التحضّر والديمقراطيّة والتمسّك بالقانون على سِياسة الاغتِيالات، فإنّ هذا دليلٌ ضعف، وليس دليلُ قوّة، ولُجوءٍ إلى أساليب البلطَجة والإجرام التي تتبنّاها عِصابات المافيا الخارجة عَن القانون.
الجِنرال أمير برعام المذكور آنفًا قال اليوم في حديثٍ لصحيفة “إسرائيل اليوم” المُقرّبة جدًّا من نِتنياهو “أنّ الجيش الإسرائيلي وضع عشَرات الآلاف من الجُنود في حالةِ تأهّب في الجبهة الشماليّة تحسّبًا لإقدام “حزب الله” على قتل العديد من الجُنود انتقامًا لمقتل أحد شُهدائه في غارةٍ إسرائيليّة في جنوب دمشق، هذا عِقابٌ في حدّ ذاته، يُكلِّف الخِزانة الإسرائيليّة ملايين الدّولارات، علاوةً على الخسائر النفسيّة والمعنويّة في صُفوف الجيش الإسرائيلي.
السيّد نصر الله سيُنفّذ وعده وينتقم لشهيده، والتّهديدات الإسرائيليّة باغتِياله لم تتوقّف مُنذ أكثر من عشرين عامًا، ولم تعد تُؤثِّر في شَعرةٍ من لحيته البيضاء، هو مِثل غيره من جميع المُجاهدين والمُناضلين مَشروعُ شهادة، قد يتقدّم موعدها أو يتأخّر، ولكنّها قادمةٌ حتمًا، ويتمنّاها صاحِبها في أيّ لحظة.
أمّا الدولة السوريّة فلن تتخلّى عن إيران التي دعمتها وساندتها لأنّها لم تَكُن أبدًا من النّاكرين للجَميل، ولن تُفلح كُل العُقوبات الأمريكيّة في منع عمليّة إعادة الإعمار، ولأنّ هُناك إرادة وشعبًا حيًّا مُبدعًا مِعطاءً، ودول صديقة حليفة مِثل روسيا والصين وإيران لن تتردّد في تقديم الدّعم المطلوب ماليًّا أو لُوجستيًّا.
***
السيّد حسن نصر الله لا يعيش في خندقٍ، أو منزلٍ تحت الأرض، ولا يَمُر أسبوع دون أن يستقبل الوفود أو الشخصيّات اللبنانيّة والعربيّة، وتُوثّق هذه اللّقاءات عدسات التّلفزة، وأحيانًا حيّةً على الهواء مِثل خِطاباته التلفزيونيّة الدوريّة.
الانتِظار الإسرائيلي للانتقام قد لا يطول كثيرًا، وإنْ طال، فلمُضاعفة الألم والارتِباك، ولكنّه سيأتي في نِهاية المطاف.. والأيّام بيننا.
عبد الباري عطوان