تتوالى أخبار استسلام الدول العربية، لا سيما تلك التي لم تحارب لحماية فلسطين ومنع الإسرائيليين من احتلالها واستيطانها وتهويدها بالتدريج، وآخرها، حتى الساعة، دولة الإمارات العربية المتحدة.
فبين ما نُكب به العرب في هذا العصر أن آبار النفط والغاز التي تفجرت في شبه الجزيرة العربية وسواحلها قد استولدت دولاً من غاز وأخرى من نفط، لا يملك “شيوخها” ما يحمون به أرضهم، لذلك “لزَّموها” لمن يستطيع استثمار ثروات أرضها وبحرها، مقابل أن يمنحهم لزوم الوجاهة والحضور الدولي والإستعلاء على أخوتهم الفقراء، الذين كانوا حتى الأمس يتعلمون منهم كيف يعيش أثرياء المصادفة ويتمتعون بما وهبهم الله من نعمه، فأغناهم بعد فقر، وعززهم بعد فاقة وجعلهم ملوكاً وأمراء لهم دول وجيوش وحرس شرف وخدم وحشم، وعلاقات دولية مع “الكبار”، ومطارات فخمة وفسيحة وممتدة في قلب الصحراء لاستقبال ضيوفهم من الملوك والرؤساء وحملة الرسائل العاجلة المنبهة إلى المخاطر.
وها أن دولة الإمارات العربية المتحدة التي اصطنعها النفط قد بدأت تمارس سياستها الخاصة وقرارها الخاص، مستقوية بثروتها وقدرتها على توزيع الرشى على “دول القرار”، وكذلك على إيفاد بعض المرتزقة التي اصطنعت منهم جيشاً بطيران حربي جبار ومدفعية ثقيلة وسفن حربية وزوارق مسلحة، وصواريخ تخترق الفضاءات البعيدة وصولاً إلى أهدافها-مصدر الخطر المحتمل: في اليمن، جنوبا بالأساس، وشمالاً لتأمين الحماية … توكيداً للإدعاء بأنها أرض الأجداد.
ويمكن للشيخ محمد بن زايد أن يدعي أنه بهذا الإعتراف إنما يضمن حق الفلسطينيين في تحرير بلادهم ومساعدتهم مباشرة، بالمال والسلاح عوضاً عن هدر الوقت عبثاً، بينما دولة العدو الإسرائيلي تزداد قوة وقدرة على رفض عروض السلام، حتى لو لامست الإستسلام.
في سابق العصر والأوان، وبعد إقامة دولة الإمارات من تجميع سبع مشيخات صحراوية كان بينها “دبي” التي جعلها شيخها محمد بن راشد مشروع “هونغ كونغ” جديدة، للتبادل تجارة ومعلومات وأسراراً عن دول قاصديها للعمل والإرتزاق.
في سابق العصر والأوان “رحب” العرب بعنوان مصر وسوريا والعراق بالدولة الوليدة، وأسهموا- بشكل أو بآخر- في مساعدة الشيخ زايد على التخلص من شقيقه “شخبوط” الذي كان تولى السلطة، وهو الجاهل بأصول الحكم وبضرورة العلاقات مع الغير لحماية الذات، والذي كان يحتفظ بعائدات النفط في مقعد يجلس عليه ليكون الأعلى بين الحاضرين، فلما تعاظمت الثروة جعل مقعده كنبة يجلس عليها نهاراً ويمضي ليله فوقها وهو مطمئن إلى أن خيرات أرضه وبحره في أمان.
…ها قد جاء إلى الحكم من يفهم السياسة، ومن يعرف كيف يحمي نفسه وثروة أرضه وبحره، وذلك بطلب الأمان من “الأقوى” و”الاقدر” على التعامل مع أصحاب الثروات الخرافية وتوفير “الحماية” لهم من الأشقاء الطامعين كما من الأصدقاء المحتلين الذين قد يهددون العروش المذهبة بالخطر الشقيق، بوهم اصطناع الغد الأفضل.. كأنما ثمة غد أفضل مما نحن فيه؟
لقد ذهبت “البراءة” مع “زايد الخير”، وجاء الأبناء الذين ينصب اهتمامهم على شراء المستقبل، وتزيين الأرض وتحضيرها بالقصور والحدائق والجامعات (ولو كان طلابها من أبناء رجال الأعمال والموظفين في الدولة الأغنى من أهلها وأهل أهلها وجيرانها مجتمعين)..
لم يبق غير الكوفية والعقال، وقد خلع العرب الفقراء، في المشرق والمغرب، تراث الأجداد، وتركوه ليكون دليل الوجاهة والثروة وحسن الإدارة عند أهل النفط والغاز، الذين باتوا الآن حرس الغد الإسرائيلي.
طلال سلمان / رئيس تحرير صحيفة السفير