قال حافظ إبراهيم في قصيدته: الزلزال
نبئاني إن كنتما تعلمان *** ما دهى الكون أيها الفرقان
غضب الله أم تمرّدت الأرض*** فانحنت على بني الإنسان
رب طفل قد ساخ في باطن الأر ض ينادي :أمي ,أبي ,أدركاني
بيروت الجوهرة ,نعلم أن تاريخ نشأتك يفوق ال 5000سنة وأنكِ من أقدمِ المدن في العالم وندرك أن بك تنوع حضاري لا مثيل له تدلّ عليه الآثار:الفينيقية والهيلينية والرومانية والعربية والعثمانية الكل في تعايش عجيب.
وإذا كانت صيدا قد عُمّرتْ بعد طوفان 1200-2000قبل الميلاد فكذلك أنتِ ستُبْني مساجدُك وساحاتُ حريتك ومدارسُك ومستشفياتُك,الجميع سيخرج أقوي وأجمل.
بيروت يا أمَّ الشّرائعِ ومُرْضِعة العلومِ لا خوف عليك فلئن كان قدّرَ عليك ضيقٌ في كل مرّة فقدرُك انك باقية ما بقي الزمانُ والمكانُ والشهود عليه كثر.
لن تموتي يا بيروت مهما قسي المصابُ وتهدّمت الصوامع فأنت مهد الحضارة وقد علمنا التاريخُ أنه كلما تغوّلَ عليكِ العدوُّ رأي من عجائبك ما لم يكن في الحسبان.
بيروت أنت معجزة العرب حقا لا تلين عزيمة رعاتكِ فألفهم يغلبون ألفين وهكذا تعلمنا منكِ أنك تبعثين الحيرةَ في العدوّ بعد تحرير شبعا و تدفعينه فيحتمي بالجدار رغم تفوقه في العتادِ.
ففي سنة 635للميلاد، فتحكِ القائُد معاوية بن ابي سفيان في زمن خلافة عمر بن الخطاب و رممكِ وحصّنك بقلاع ٍ من الهجمات الرومية المتكررة و جلب إليك قوماً من الفرس وأسكنهم فيك مثلما فعل بغيرك من مدن الشام .
وكذلك كنت رباطا انطلقت منه الجيوش العربية في عهد معاوية من خلال أسطول شديدٍ علي العدوّ فتح به جزيرة قبرص في زمن الخليفة عثمان بن عفان.
ومع ثاني الخلفاء العباسيين :أبي جعفر المنصور ظهر فيكِ عدد من العلماء البارزين : عبد الرحمن الأَوزاعي، المعروف باسم "الإمام الأوزاعي" المتوفى سنة 773، وقبره لا يزال موجوداً فى الجهة الجنوبيّة على ساحل البحر، في منطقة تحمل اسمه، وهذا القبر مقصدٌ للناس الذين يزورونه ويتبركون به.
ولم يذقْ "يوحنا زيميسياس" ملك البيزنطيين طعم العافية فيكِ ولم ينيّفْ علي سنة واحدة حتي تمّ إخراجه علي أيدي العبيديين.
ويعلمُ الصّليبيون أيام ( يوحنا الأول سيد إبلين )أنّكِ كنت عصية عليهم في عهد صلاح الدين الأيوبي.
ومع منتصف القرن التاسع عشر أصبحت بيروت مركز الثقافة والفكر العربي فنشأ بها تنوعٌ بوجود الأوروبيين والأمريكيين .
فكانت شركات المياه والغاز بإدارة غربية وفتح الأمريكيون المدارس والجامعات (الجامعة الأمريكية في بيروت :1907).
وأنشأ الفرنسيون مرفأ بحريا لنقل البضائع بينها ومارسليا.
وفي سنة 1975 اندلعت الحرب الأهلية أو الخارجية كما ينعتها البعض واحتلت اسرائيل لبنان وعم الخراب والفوضى بيروت وتتالت التفجيرات وأعمال العنف على المدينة لكنها بقيت صامدة بفعل قوة أهلها حتى انتصرت.
ولم تتوحد البلاد إلا سنة1990 حيث انتهت الحرب الأهلية وتم توحيد بيروت وأصبحت من جديد مركزا تجاريا وثقافيا بفضل جهود أبنائها بعد اتفاق الطائف ولتصبح بيروت باريس الشرق من جديد.
موجبه أن لا خوف عليكِ فكل الذي حصل بمثابة تمرين وليظهر للمتربصين أنه ليس باستطاعتهم قهر لبنان بعدما قويّ عوده وتمرّس على المحن والتجارب كافة :مرّها وحلوها.
وقبل أن أنهي أشير إلي زيارة عبد القادر الجزائري لبيروت سنة1860 حيث كان يقوم بمهمة التصالح بين إخوته في الدّم والدّين.
لا شكّ والوضع اليوم علي ما هو عليه أن هذه المحنة ستقوي شجاعة الإخوة وتكسبهم مناعة أمام كل اعتداءٍ يقوم به العدوّ الذي لا يملك قوة تدمير تضاهي ما حصل لو كانت أم القنابل وسيفكر مليا قبل أي قرار بالمساس ببيروت التي أضحت ولله الحمد عصيّة علي العدوّ.
ولنا معكِ يا بيروت موعدٌ في خماسية قادمة تكونين فيها قد أضفت القا إلى ألقك وجمالا إلي جمالكِ .
وسلام عليك يوم تعودين كما كنت جنة الطليان!
أدام الله عافيته على الجميع...
محمد يحيي ولد العبقري