تلاقت عدة مصادر اعلامية دولية من ضمنها فرانس برس ورويترز ووكالة الانباء الالمانية "د ب أ" وكذلك عدة صحف عربية ودولية، في التأكيد بتقلص احتمالات نشوب معارك كبيرة جديدة في ليبيا سواء بين قوات حكومتي بنغازي وطرابلس أو بين القوات المصرية المؤيدة للجيش الوطني الليبي الذي يقوده اللواء خليفة حفتر من جانب والتركية التي تدعم حكومة الوفاق في طرابلس والتي استقدمت لها أنقرة حوالي 12 الف من المسلحين من ساحة المعارك ضد الجيش العربي السوري في بلاد الشام ودعمتهم بحوالي 850 من وحدات النخبة في الجيش التركي من جانب آخر.
جملة من التحركات والتصريحات السياسية الاقليمية والدولية والتطورات على الأرض الليبية، أصبحت ترجح مع انتهاء النصف الأول من سنة 2020 فرضية تواصل ما يسميه بعض المراقبين حالة لا سلم ولا حرب، أي تجمد الوضع العسكري على ما هو عليه منذ انسحاب الجيش الوطني الليبي إلى خط دفاع سرت الجفرة بعد أن أجبره على ذلك التفوق العسكري للوحدات المسلحة التابعة لطرابلس خاصة فيما يخص تعداد الرجال والسيطرة الجوية بفضل طائرات "بدون طيار" التركية.
عسكريا اصبحت القوات التابعة لحكومة السراج تواجه مشكلة طول خطوط امدادها ومواصلاتها مع قواعدها الخلفية الرئيسية في طرابلس ومصراتة ما بين 480 و 350 كيلومتر في مناطق شبه صحراوية مكشوفة للطيران، زد على ذلك انقسام كتائب مصراته بين مؤيد ومعارض للتدخل التركي، ورفض ارسال وحدات عسكرية لها إلى جبهة مدينة سرت الساحلية حيث يحتشد منذ اسابيع حوالي 5400 مسلح قدموا ما الساحة السورية. وحسب مصادر رصد ألمانية اصبح المسلحون الليبيون الموالون لحكومة السراج والذين يوجدون على خطوط القتال المتقدمة أقلية في الكثير من المواقع.
قضية ولاء قوات مصراته تعتبر عاملا هاما في ساحة الصراع الليبية حيث أنها تعد أكبر قوة عسكرية منظمة في الغرب الليبي، وتمتلك ما يمكن تشبيهه بجيش صغير يقدر بأزيد من 17 ألف مقاتل، و5 آلاف عربة مسلحة، وعشرات الدبابات والسيارات المصفحة، ناهيك عن صواريخ أرض أرض متوسطة المدى، فضلا عن صواريخ أرض جو مضادة للطائرات سام 7 من بقايا اسلحة جيش ليبيا قبل تدخل الناتو سنة 2011.
لكن كتائب مصراتة التي تضم عشرات وربما مئات الكتائب، تواجه انقساما حادا بين مؤيد لحكومة الوفاق بقيادة السراج وأخرى تريد التوصل إلى تفاهمات مع حكومة بنغازي برئاسة عبد الله الثني والجيش برئاسة حفتر. الانقسام في كتائب مصراته يبقى بعيدا عن الانفجار في الوقت الحالي، وهناك عدة اجنحة وعلى رأس احدها وزير الداخلية الجديد فتحي باشاغا الذي لديه نفوذ على لواء المحجوب وكتيبة الحلبوص الأكثر تسليحا، وهو موال سابق لحكومة الإنقاذ السابقة 2014 ـ 2016، جناح أخر على رأسه لواء الصمود بزعامة صلاح بادي أحد قادة فجر ليبيا. هذا الانقسام تواصل حتى بعد طرد كتائب طرابلس لقوات مصراتة الموالية للغويل في 2017، كما تعرضت لنكسة أخرى بعد تراجع "القوة الثالثة" التابعة لها، والمكلفة بتأمين الجنوب من كل من محافظتي الجفرة وسط، وسبها جنوب غرب إلى مدينة مصراتة.
المزيج المتعدد للقوات التابعة لتحالف أنقرة طرابلس واحتمالات تبدل ولاءاتها يشكل في نظر مراقبين عسكريين ألمان نقطة ضعف للمشروع التركي، ومن أجل ان تتغلب حكومة اردوغان على هذا الخلل عليها أن تجلب إلى ليبيا ما بين 18 و 25 الف جندي من قواتها النظامية مع توفير غطاء جوي واسع النطاق بكل ما يعنيه ذلك من توفير دعم وخط امداد دائم من تركيا وعبر المتوسط.
بعيدا قليلا عن الميدان العسكري سجل مراقبون أن حدة زخم التهديدات الصادرة من انقرة ضد خصومها في ليبيا أو خارجها قد تقلص بشكل كبير منذ بداية شهر يوليو 2020، إذا لم يكن الأمر ينطوي على عملية تضليل فإنه يعكس ادراكا من حكومة اردوغان أن هناك حدودا للقوة وأنه يجب ترك المجال مفتوحا للتراجع مع الحفاظ على ماء الوجه.
يشير مراقبون إلى أن سياسة الرئيس اردوغان جمعت ضد انقرة صفا طويلا من الخصوم خاصة وأنه بالغ في تقدير قدرات بلاده الاقتصادية والعسكرية وتصور أنه يمكن مع بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين أن يشرع في إعادة امجاد الامبراطورية العثمانية.
سرعة توسع خطوط مد نفوذ تركيا في عدة مناطق بالشرق الأوسط ومعاكستها لروسيا في سوريا وتحركاتها في لبنان لدعم القوى المحلية المدعومة من واشنطن في مواجهة نفوذ سوريا ومركز حزب الله اللبناني، ودعمها العلني لجمهورية أذربيجان ضد جمهورية ارمينا الحليفة لموسكو زد على ذلك جهودها لإضعاف نفوذ الكرملين في الجمهوريات السوفيتية السابقة التي تعتبر أنقرة أن سكانها ينتمون للقومية التركية جعلها في خط صدام مباشر مع روسيا. دعم حكومة تركيا لبعض القوى السياسية التي تصنف ضمن ما يسمى حركات الاسلام السياسي في الأردن والسودان وتونس والجزائر ومصر، وكذلك تدخلها عسكريا في شمال العراق ألب عليها غالبية دول الخليج ودق جرس انذار للعديد من الحكومات العربية خاصة في منطقة المغرب العربي. وإذا اضيف إلى ذلك عداؤها مع اليونان وجزء من دول الاتحاد الأوروبي التي ترى بعضها أن تركيا تقوم بدور المتعاقد من الباطن مع واشنطن لتنفيذ مخططات معينة في منطقة الشرق الأوسط صنع لها مزيدا من الخصوم.
التهدئة
يوم الاحد 19 يوليو 2020 صرح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، في لقاء مع قناة "إن تي في" التركية: "لسنا مع تصعيد التوتر في ليبيا. ليس لدينا أي خطة أو نية أو تفكير لمجابهة أي دولة هناك، للحكومة الوطنية الليبية حق الدفاع عن نفسها. وتركيا حتما ستواصل تقديم دعمها لهذه الحكومة".
وحول قصف قاعدة الوطية الجوية، قال: "نوايا الذين قالوا بوقف إطلاق النار وتحقيق السلام في ليبيا، كانت واضحة عندما قصفوا مطار معيتيقة ورددوا: يجب أن يكون حكم ليبيا بأيدينا، وحشدوا عسكريا في سرت والجفرة".
وأشار إلى أن تركيا والحكومة الوطنية الليبية تربطهما اتفاقية تعاون عسكري موقعة في ديسمبر2019، وفي إطارها يقدم الدعم التركي.
وأوضح أن الوجود التركي في ليبيا حقق التوازن، قائلا: "عند حديثي مع نظرائي في أمريكا وأوروبا، يعترفون لنا بهذا. ونحن لا نسعى لنيل التقديرات، بل لحل الأزمة، ودفع العملية السياسية، وفق قواعد الأمم المتحدة، ومخرجات مؤتمر برلين".
وأضاف: "عند النظر إلى المشهد العام هذا، يتضح عدم وجود نية لدينا بمواجهة مصر أو فرنسا أو أي بلد آخر في ليبيا".
تجدر الإشارة أن حكومة طرابلس ومجلسها الرئاسي اصبحا بدون شرعية بعد 18 شهرا بموجب اتفاق الصخيرات الذي نص على ضرورة مصادقة مجلس النواب الليبي على تلك التشكيلة بعد أن يتم التوافق عليها خلال الأجل المحدد اعلاه.
يوم الاثنين 20 يوليو دعا أحمد داود أوغلو، رئيس حزب المستقبل ورئيس الوزراء التركي الأسبق، الرئيس رجب طيب أردوغان إلى العمل على تفادي الصدام مع مصر في ليبيا.
وخاطب حليف الرئيس التركي السابق، وخصمه اللدود في الوقت الحالي أردوغان قائلا: "فلتجلس وتتحدث مع مصر إذا لزم الأمر". ونقل موقع "تركيا الآن" عن داود أوغلو قوله في حوار تلفزيوني: "لا بد أن أتحدث عما يجري وراء الكواليس. مواجهة بين مصر وتركيا في ليبيا لن تكون جيدة من أجل تركيا. لكن ليس من الصواب أن ننسحب من ليبيا لأن مصر أو غيرها أرادت ذلك. يجب استخدام قدرة تركيا بحكمة".
وأسدى رئيس الوزراء التركي الأسبق نصائح لرئيس بلاده عن كيفية إدارة المعركة بطريقة "حكيمة" في ليبيا، مشيرا إلى ضرورة تحسين "العلاقات مع تونس والجزائر. والمحافظة على الخط الغربي، فرنسا ليست الممثل الوحيد للاتحاد الأوروبي في ليبيا، لتحسن العلاقات مع إيطاليا وألمانيا. لتأخذ في الاعتبار عواقب زيادة فعالية الولايات المتحدة وروسيا. إجلس صراحة وتحدث مع روسيا، وقل لهم عندما نتعاون في سوريا لا تطلقوا علينا النار في ليبيا. ولو توصلت إلى نتيجة معقولة، فلتجلس وتتحدث مع مصر إذا لزم الأمر".
موازاة مع لهجة التهدئة ويوم 22 يوليو نقلت صحيفة "زمان" عن مصادر مطلعة في الحكومة التركية أنه تم الانتهاء من إعداد خطة عسكرية ودبلوماسية للتعامل مع قرار البرلمان المصري بإرسال قوات إلى ليبيا. وذكرت الصحيفة التركية على لسان هذه المصادر أن أنقرة "تراقب تبعات قرار البرلمان المصري عن كثب". كما نقلت عن المصادر التركية أن أنقرة "مستعدة للرد على أي هجوم تتعرض لها قواتها المتواجدة في ليبيا مهما كان الطرف الذي قام بالهجوم".
وشددت هذه المصادر على أنه إذا أرسلت "مصر قوات عسكرية إلى ليبيا فإن تركيا لديها خطة لزيادة قواتها ومعداتها العسكرية الموجودة في ليبيا للوقوف في وجه القوات المصرية".
وفي السياق ذاته، ذكر الكاتب الصحافي جتينار جتين في تقرير نشر بموقع "خبر ترك"، أن تركيا ستتابع كافة التحركات العسكرية داخل ليبيا في الفترة المقبلة متابعة وثيقة بنفسها".
ولفت جتين إلى الزيارة التي قام بها زعماء 14 قبيلة ليبية إلى مصر منتصف يوليو 2020 لطلب التدخل العسكري المصري في ليبيا، مشيرا إلى أن موافقة البرلمان المصري على التحرك في ليبيا "من المتوقع أن يزيد من حدة التوترات في المنطقة خلال الفترة المقبلة".
مستلزمات
في توقيت متقارب ذكرت مصادر رصد المانية وحسب تقارير قدمت لحكومة ميركل في برلين، أن انقرة ابلغت قطر خلال زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي آكار والوفد المرافق له للدوحة يوم الأحد 19 يوليو أن التحرك العسكري لقوات حكومة السراج ضد خط سرت الجفرة سيتأجل على الأرجح حتى بداية سنة 2021 حتى تتضح سياسة البيت الأبيض يعد الانتخابات الرئاسية الامريكية في نوفمبر 2020. حكومة أنقرة اصبحت تقدر أن الرئيس ترمب ورغم دعمه على أكثر من صعيد سياسة تركيا ليس مستعدا في الوقت الحالي للذهاب بعيدا في مواجهة مع الخصوم على الساحة الليبية أو في سوريا، كما قدر الرئيس اردوغان أن هناك اخطارا تواجه تركيا بعد أن اصبح صف من القوى الدولية حتى من شركائها الاوروبيين في حلف الناتو يرغبون في الحصول على فرصة لتلقينها درسا يحد من زخم رغبتها في فرض واقع معين في المتوسط والشرق الأوسط واعادة العثمانية في صورة محدثة.
مشكلة أخرى تواجه تركيا وحكومة السراج بعد توقف صادرات النفط وعدم الحصول على زهاء 9 ملايير دولار منها، وهي توفير الاموال لدفع مرتبات جنود القوات الموالية لطرابلس من الليبيين وكذلك المسلحين القادمين من سوريا إضافة إلى مختلف الكتائب والتنظيمات العسكرية الموزعة في غرب ليبيا.
الجيش التركي
في العاصمة الالمانية برلين وفي نطاق البحث عن التطورات المحتملة على الساحة الليبية يشار إلى أن قدرات الجيش التركي القتالية وفعالية وحداته لا تزال تعاني وبعد اربع سنوات بشكل خطير من عمليات التطهير التي طالته أثر محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016.
فحسب مجلس أوروبا، قلصت عمليات التطهير حجم القوات بواقع الثلث مما أثار مخاوف حلف شمال الأطلسي، وأضاف المجلس وهو أكبر منظمة أوروبية معنية بحقوق الإنسان، وتضم 47 دولة بينها تركيا إن أكثر من 125 ألف شخص من مختلف شرائح المجتمع التركي فصلوا من وظائفهم حتى التاسع من ديسمبر 2016، وألقي القبض على قرابة 40 ألف شخص.
وأوردت الدراسة إلقاء القبض على 140 صحفيا وإغلاق 177 مؤسسة إعلامية غير أن 11 منها أعيد فتحه لاحقا. واغلقت أكثر من ألفي مدرسة وجامعة ومدرسة داخلية.
وتوضح البيانات التي تحصي جميع حالات العزل من الجيش من يوليو إلى أكتوبر 2016، أن قرابة نصف الجنرالات الأتراك أقيلوا في حين زاد العسكريون الجدد الذين جرى التعاقد معهم 20 في المئة.
وقالت الجمعية البرلمانية للمجلس في دراستها "فصل عدد من أفراد القوات المسلحة التركية أدى إلى تقلص عسكرييها بواقع الثلث".
ويرفض المسؤولون الأتراك بشدة أي تلميح إلى أن ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي قد أصيب بالضعف. ويقولون إن الجيش أصبح أكثر ولاء وفاعلية بعزل مجموعة الضباط الذين حاولوا الاستيلاء على السلطة في 15 يوليو.
وأظهرت الدراسة التي أعدها مجلس أوروبا والذي يقول خبراؤه القانونيون، إن نطاق التطهير غير دستوري أن أعداد القوات المسلحة التركية انخفضت في أكتوبر 2016 إلى 355212 من 518166 قبل محاولة الانقلاب. وبلغ عدد الجنرالات في أكتوبر 201 انخفاضا من 358 في أول يوليو.
خبراء غربيون يقولون أنه إذا كان الجيش قد اصبح أكثر ولاء للحكومة فهو في نفس الوقت يمكن أن ينقلب عليها إذا ادت سياستها إلى تكبيده خسارة كبيرة وهذا خطر ماثل على الساحة الليبية وحتى في شمال سوريا وبين اذربيجان وأرمينا. ويشار أنه خلال شهر مايو 2020 اتهم حزب العدالة والتنمية، الذي يقوده أردوغان، المعارضة البرلمانية، ممثلة بحزب الشعب الجمهوري، بالدعوة إلى انقلاب عسكري.
وفي الصدد، لفت الباحث السياسي التركي كريم هاس الانتباه إلى حقيقة أن الوضع مع الفيروس التاجي أبرز في تركيا مشاكل لم تكن على هذه الدرجة من الوضوح في السابق. وقال: "استياء السكان من القرارات والإجراءات التي تتخذها السلطات لدعم الاقتصاد التركي الذي يعاني قبل الوباء تدهورا سريعا أمر واضح. يتراجع دعم حزب العدالة والتنمية ودعم أردوغان نفسه. وبهذا المعنى، يصبح البحث عن عدو جديد طريقة واضحة لتوطيد السلطة وإعادة الدعم لها". وصورة العدو الخارجي، كما يلاحظ هاس، لم تعد فعالة كما كانت من قبل. لذلك، يتم البحث عن خطر داخلي، بصورة مصطنعة.
وأضاف: "حقيقة أن السلطات نفسها تنشر مثل هذه الشائعات، تفسر ذلك. وهكذا هو الأمر. وتجدر الإشارة إلى الشائعات والرسائل التي ظهرت في الصحافة الموالية للحكومة حول انقلاب محتمل قبل أشهر قليلة من أحداث يوليو 2016". ويتذكر هاس أن أردوغان وصف بعد ذلك محاولة الانقلاب الفاشلة بأنها "هدية من الله"، أتاحت له تطهير صفوف الجيش التركي.
البحث عن الطاقة
يقول عدد كبير من المحللين حتى هؤلاء الذين يصنفون كأنصار لأنقرة أن اتفاقها مع حكومة طرابلس على تحديد الحدود البحرية وهو أحد عوامل تدخلها في الشمال الأفريقي يشكل خرقا للعديد من الاتفاقيات الدولية وأنه سيضعها على سكة مواجهة مباشرة مع اليونان وقبرص ومالطا ومن ورائهم كل الاتحاد الأوروبي.
ويرى الدكتور بشير عبد الفتاح الخبير المصري في الشؤون التركية والباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة في مقابلة مع "دويش فيله" الالمانية، أن تركيا لا تعترف بجزيرة كريت ولا ترى قبرص وبالتالي فهي ترى أن حدودها المائية تمتد حتى الحدود المائية الليبية ما يعني أن إقليم شرق المتوسط يمكن اقتسامه مناصفة مع ليبيا استنادا إلى مبدأ "الجرف القاري" وليس مبدأ الحدود البحرية أو المياه الإقليمية، وهذا الجرف القاري يمتد لمسافة 200 ميل بحري، فإذا كان عرض المتوسط يقترب من 400 ميلا بحريا فيمكن للطرفين تقاسمه متجاهلين بذلك كلا من قبرص واليونان".
ويضيف الخبير في الشؤون التركية أن ما يهم تركيا في ليبيا عدة اعتبارات أولها تأمين مصدر للطاقة، "فتركيا دولة غير منتجة للطاقة وتستورد 95 في المئة من احتياجاتها منها ما يكفلها سنويا نحو 50 مليار دولار وتريد وقف هذا النزيف على الطاقة وأن يكون لها منابع نفط وغاز"، كما أن تركيا لديها فقط 12 ميلا بحريا وفقا لاتفاقية البحار لعام 1982 كحدود بحرية ليس متوفر بها أي مصادر للطاقة لذا تريد التوسع في الجرف القاري لعلها تجد بغيتها، "خصوصا وأن المسح الذي جرى لهذه المنطقة أكد وجود منابع نفط وغاز تتمركز في المثلث الواقع بين قبرص وإسرائيل واليونان، أي شرق وجنوب قبرص وليس شمالها القريب من تركيا.
ويضيف عبد الفتاح بأن التموضع العسكري التركي في ليبيا هو رغبة تركية قديمة لتضمن لنفسها فرصة في جهود إعادة الإعمار والتي قد تحقق جزءا من التوازن للاقتصاد التركي المهزوز، فضلا عن النفط الليبي في أراضي ليبيا، ويضاف لكل ذلك "دعم الإخوان المسلمين والميليشيا الموالية لها بما يخدم مشروع أردوغان لإحياء العثمانية الجديدة ودعم جماعات الإسلام السياسي بالمنطقة، والاقتراب من الحدود المصرية وإرباك وإزعاج القاهرة".
الدخول الى ليبيا
جاء في تحليل كتبته يوم 22 يوليو 2020 نتاليا ماكاروفا وأناستاسيا كوليكوفا، في "فزغلياد" منح البرلمانيون المصريون، يوم الثلاثاء 21 يوليو، الرئيس عبد الفتاح السيسي تفويضا بإرسال قوات إلى ليبيا. وفي الصدد، قال رئيس مركز الدراسات الإسلامية بمعهد التنمية المبتكرة، كيريل سيميونوف، لـ"فزغلياد"، إن القاهرة جادة بما فيه الكفاية. ويشعر المصريون بدعم الإمارات، ولكن الكثير يعتمد هنا على ما إذا كان الحلفاء سيقدمون الأموال للحملة العسكرية. فليس لدى مصر ما يكفي من الموارد المالية.
أما المحلل السياسي غيفورغ ميرزايان فيرى أن أنقرة والقاهرة تنظران إلى بعضهما البعض منذ فترة طويلة بعين المنافسة الإقليمية. وقال لـ"فزغلياد": "وفي هذا السياق، سيكون من المفيد للمصريين ضرب أتباع تركيا في ليبيا من أجل إظهار أن مصر تستعيد مكانتها كأقوى دولة عربية في الشرق الأوسط. أي الدور الذي خسرته مصر بعد الربيع العربي".
ويضيف أن مصر لا تمضي إلى العملية في ليبيا لطموحات مبيتة كما يفعل أردوغان، إنما لأسباب أمنية. فإذا خضع الجزء الشرقي من ليبيا لسيطرة حكومة الوفاق ونفوذ تركيا، فستقوم على طول الحدود الغربية مع مصر معسكرات الإخوان المسلمين.
ومن خلال استعراضها القوة في ليبيا، يمكن لمصر أن تقتل عصفورين بحجر واحد: إثبات قوتها في المواجهة مع تركيا، وإرهاب إثيوبيا. إلا أن من المستبعد أن تتكلل خطوة مصر في ليبيا بالنجاح الكامل. فأن يسيطر الجيش المصري على شرق ليبيا، لا يعني أن يتمكن السيسي من السيطرة على البلد بأكمله.
وفي رأي كيريل سيمينوف أن الحملة الليبية بالنسبة لمصر تحمل مخاطر كبيرة. فقال: "ربما أراد خصوم القاهرة إقحامها في حرب لتقويض النظام الحاكم في مصر. كما أن مشاركة مصر يمكن أن تثير جولة جديدة من التصعيد وتتسبب في عواقب لا رجعة فيها على ليبيا. في هذه الحالة، هناك احتمال كبير جدا لحدوث صدام مباشر بين مصر وتركيا، وهذه بالطبع نتيجة لا يتمناها أي طرف. لذلك، سيفعل دبلوماسيو الدول ذات النفوذ في المنطقة كل شيء لمنع حدوث ذلك".
في المانيا يوجد تقدير مخالف، حيث يشار إلى أن المعركة في ليبيا أي ما يوصف بالعتبة الخلفية لمصر لا تتطلب من القاهرة مصاريف كثيرة ولا قوات كبيرة، فالقواعد الجوية موجودة في شمال وغرب مصر على اعتاب الحدود الليبية والقوى الموجودة على الساحة والمعادية لحكومة بنغازي عبارة عن مليشيات أكثر من أن تعتبر جيوشا وتسليحها غير متجانس ولا ثقيل، فهناك عدة آلاف من سيارات الدفع الرباعي جلها تقريبا من طراز تيوتا مسلحة بمدافع متوسطة وخفيفة وليس هناك عمليا لا مدفعية ميدان ولا دبابات ثقيلة والسلاح الجوي رمزي أكثر من أي شيء آخر، ولتوزن تركيا التدخل المصري إذا حدث يجب أن تنقل عشرات آلاف الجنود وكميات ضخمة من العتاد الثقيل والذخائر وذلك عبر مئات الأميال البحرية وهي لا تملك تلك القدرة. الأمل الوحيد لأنقرة هو أن تتدخل واشنطن بقوة لمساندتها بالاسطول السادس وبفرض عقوبات وحظر سلاح على مصر.
التدخل الأمريكي المطلوب
جاء في تقرير نشره معهد واشنطن في 24 يناير 2020 بعنوان مصالح روسيا المتنامية في ليبيا اعدته آنا بورشفسكايا وهي زميلة أقدم في معهد واشنطن. المعروف أن معهد واشنطن يشكل جزء من مؤسسات البحث التي تقدم النصح للإدارة الأمريكية.
"يعامل الكرملين ليبيا حاليا بصورة علنية كنقطة مركزية أخرى لأنشطته في الشرق الأوسط. فبعد سنوات من الإهمال الأمريكي، تحولت هذه البلاد إلى ساحة حرب بالوكالة، ويتنافس الرئيس فلاديمير بوتين بلهفة ليصبح صانع القرار الرئيسي.
تاريخيا، كان الدخول إلى موانئ المياه الدافئة في شرق البحر الأبيض المتوسط ذا أهمية كبرى بالنسبة للحكام الروس كجزء من جهدهم لجعل البلاد جهة فاعلة من "القوى العظمى" في السياسة الأوروبية. فخلال "مؤتمر بوتسدام" عام 1945، حاول جوزيف ستالين دون جدوى أخذ الوصاية على إقليم طرابلس في ليبيا. وعلى الرغم من تلك المحاولة الفاشلة، برزت ليبيا كعميل أسلحة مهم للاتحاد السوفياتي. وفي سبعينيات القرن الماضي، انفتح معمر القذافي أكثر فأكثر على موسكو، التي وفرت آلاف العناصر وكميات هائلة من المعدات العسكرية لتعزيز أنشطته، بما فيها بناء قواعد صاروخية أفضل.
إن كفاح الحالة المتعادلة مع الغرب بشأن تحديد المواقع الجيوستراتيجية والحصول على موارد الطاقة والموانئ يستمر في توجيه تفكير الكرملين اليوم. فقد بدأ بوتين بإعادة إحياء العلاقات مع ليبيا بعد فترة وجيزة من توليه منصب الرئيس في عام 2000، وتحسنت هذه العلاقات بشكلٍ ملحوظ بعد لقائه مع القذافي في طرابلس عام 2008. وبعد فترة وجيزة، ألغت موسكو معظم ديون ليبيا البالغة حوالي 5 مليارات دولار مقابل عقود تركزت على النفط والغاز والأسلحة والسكك الحديدية. كما منح القذافي للأسطول الروسي إمكانية الوصول إلى ميناء بنغازي.
بيد، إن الحملة بقيادة حلف "الناتو" في ليبيا عام 2011، كلفت روسيا مكانتها بعد ان كانت قد دخلت منذ فترة طويلة إلى ليبيا وأنفقت مليارات الدولارات على العقود. إلا أن أكثر ما أفزع موسكو هو موت القذافي المروع والسابقة التي اعتبرها الكرملين "ثورة ملونة" بقيادة الولايات المتحدة. وفي عام 2012، بدأ بوتين جهدا متضافرا لاستعادة إمكانية الدخول إلى ليبيا، وفي الوقت نفسه توسيع القدرات البحرية الروسية بشكل عام. وفي مايو 2013، أي قبل عامين من تدخله في سوريا، أعلن بوتين عن قوة عمل روسية دائمة في البحر المتوسط.
وإذا تمكنت موسكو من تعزيز مكانتها في ليبيا على المدى الطويل، فسوف تكسب نفوذا ملحوظا على أوروبا ويتاح لها الدخول أكثر فأكثر إلى الشرق الأوسط وأفريقيا. وسيكون ميناءا طبرق ودرنة العميقان في ليبيا مفيدين للقوة البحرية الروسية من الناحيتين اللوجستية والجيوستراتيجية، لاسيما بالاقتران مع طرطوس في سوريا. وستشكل الاستفادة القصوى من موارد الطاقة الواسعة في البلاد إنجازا بارزا آخر يمكن أن يفتخر به بوتين.
وفي حين تميل موسكو بشدة نحو حفتر، إلا أنها أقامت روابط أيضا مع حكومة السراج. ويتماشى هذا النهج المزدوج مع استراتيجية بوتين الإقليمية، التي تستلزم إقامة اتصالات مع جميع الجهات الفاعلة الرئيسية من أجل وضع نفسه كصانع قرار.
قد يكسب بوتين بفضل مكانته في ليبيا وسوريا تأثيرا إضافيا على تركيا. فإذا اشتدت عدائية أنقرة في ليبيا كثيرا، فبإمكانه الضغط عليها في سوريا، مما يثير احتمال زيادة الارتباط بين الأنشطة الروسية على كلا الجبهتَين في الأشهر المقبلة.
باختصار، تستفيد موسكو من البقاء ببساطة في ليبيا ومن تأمين دخولها عبر الجماعات العسكرية الخاصة. لذا يجب أن تبحث الولايات المتحدة وحلفاؤها عن سبلٍ لكبح أنشطة هذه الجماعات الروسية. وفي النهاية، فإن واشنطن هي الوحيدة التي لديها نفوذ كاف للتوصل إلى حل حقيقي للنزاع الليبي.
ذكر تقرير آخر لمعهد واشنطن قبل مؤتمر برلين حول ليبيا الذي انعقد في 19 يناير 2020:
إن التردد الأمريكي فيما يتعلق بمعركة طرابلس قد سمح للروس باكتساب النفوذ في الجانب الجنوبي من حلف شمالي الأطلسي. كما أنه أثار نقطة احتكاك غير ضرورية مع تركيا، وكذلك بين أنقرة وحلفاء آخرين للولايات المتحدة في شرق البحر المتوسط. وأصبح المجال ضيقا اليوم أمام واشنطن لمنع وقوع المزيد من أعمال العنف في ليبيا والحد من نفوذ موسكو هناك. ولتحقيق ذلك، عليها أن تدعم بالكامل الجهود التي تقودها ألمانيا لإقناع جميع الأطراف الخارجية ذات الصلة - بما في ذلك تركيا وخصومها الإقليميون - بالالتزام بوقف إطلاق النار ووقف عمليات نقل الأسلحة. ويجب أن يهدد المسؤولون الأمريكيون أيضا باستخدام صلاحيات العقوبات القائمة ضد منتهكي اتفاق وقف إطلاق النار بعد التوقيع عليه.
وسوف تتعثر مبادرة برلين دون مشاركة الولايات المتحدة، لأن الوقائع على الأرض تؤدي إلى المزيد من العنف وتزيد التوترات بين الحلفاء الأمريكيين في المنطقة. إن الطريقة المثلى لكبح تدخل موسكو لا تتمثل في استمالة حفتر، بل في الضغط على الدول الأخرى الداعمة له، وخاصة الإمارات ومصر. إذ تسعى هذه الدول إلى إقامة علاقات إيجابية مع واشنطن، ويجب الاستفادة من هذه الرغبة كوسيلة ضغط للحصول على دعمها لعملية برلين ووقف إطلاق النار الذي تمس الحاجة إليه.
عودة برنارد ليفي
مع اقتراب شهر يوليو 2020 من نهايته جرت احداث توشر على أن هناك محاولات لتكرار أحداث معينة في ليبيا مثل التي وقعت سنة 2011. فقد ظهر برنارد ليفي من جديد وهذه المرة في غرب ليبيا حيث حكومة السراج والقوات المدعومة من طرف تركيا. الكشف عن وصول المفكر الفرنسي برنارد ليفي الصهيوني، لمدينة مصراتة قادما من تركيا على متن رحلة جوية، ولد جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، ووصف في تعليق ساخر بأنه “القائد الحقيقي لثورة فبراير 2011”. حكومة طرابلس حاولت التنصل من مسؤولية الزيارة وقالت انها فتحت تحقيقا.
وسائل إعلام ليبية ذكرت أن ليفي، سيتجول في مدينتي الخمس وترهونة، إضافة إلى مدينة مصراتة، وسيلتقي بالقيادات العسكرية والسياسية المحلية في هذه المناطق.
وكان المفكر الفرنسي اليهودي برنارد ليفي، قد ظهر في ليبيا عام 2011 إلى جانب قادة المعارضين للقذافي، ولعب دورا كبيرا من وراء الستار، حيث استشاره الرئيس الفرنسي حينها نيكولا ساركوزي، قبل التدخل العسكري في ليبيا، بل وينسب له دور في إقناع ساركوزي بالقيام بدور رئيسي في جهود الإطاحة بالنظام الليبي السابق.
ونقلت صحيفة “المرصد” عن مسؤول بمطار مصراتة قوله إن برنارد ليفي دخل المدينة بتأشيرة صادرة عن وزارة الخارجية في حكومة الوفاق الوطني، وأن طائرته حصلت على إذن بالهبوط من وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا.
مهندس الخراب
يوم السبت 25 يوليو وفى حديث لـوكالة انباء "روسيا اليوم" قال الباحث المصري المتخصص في الأمن القومي أحمد رفعت، تعقيبا على زيارة برنارد ليفي لمدن ليبية، إن الأخير "مهندس الخراب من البوسنة إلى كردستان إلى سوريا وليبيا".
وأضاف الباحث أن ليفي لم يلعب في ليبيا إلا "دورا مشبوها في خرابها إلى حد دمارها الشامل وقتل رئيسها وسلب أموالها وبنكها المركزي فحسب بل بلغ من كشف الوجه إلى حد تأليف كتاب "الحرب بغير أن نحبها" عن ذلك يعترف فيه بدوره في جلب الجيش الفرنسي إلى ليبيا والذي انتهى إلى قتل مئات الألاف وتشريد أضعافهم خارج البلاد وداخلها وأصبحت مهددة بخطر التقسيم".
وتابع قائلا: "الآن ليفي الذي لا يخفي صهيونيته في ليبيا.. لا يصل إلى هناك إلا كمقدمة لمؤامرة جديدة... واختياره لمصراتة مع مدن أخرى كلها خاصته لحكومة السراج دون إعلان عن وساطة يوحي كما لو كانت زيارة لـ "الجبهة" يطمئن بها على قواته وكأنه أحد قيادات طرابلس يؤكد أبعاد المؤامرة، وأن أجواء 2011 عادت من جديد مع ما يجري من دعم كامل لمعسكر تركيا الإخوان لدعم بايدن في الانتخابات الأمريكية، كلها اشارات لعودة المباراة من جديد بين قوي تقسيم ونهب الوطن العربي وبين القوى الشريفة التي لن تقبل بذلك ولن تقبل بغير هزيمته".
تزامنا مع زيارة ليفي أعلن الجيش الأمريكي يوم الجمعة 24 يوليو إن روسيا ترسل على ما يبدو المزيد من المعدات العسكرية إلى مسلحيها في ليبيا، بما في ذلك مدينة سرت، في انتهاك لحظر الأسلحة.
وقالت قيادة أفريقيا بالجيش الامريكي إن هناك أدلة متزايدة من خلال صور الأقمار الصناعية لطائرات الشحن العسكرية الروسية، بما في ذلك قيام طائرات آي إل 6 بنقل إمدادات إلى مقاتلين من مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة.
وقالت قيادة أفريقيا في بيان نشر على موقعها على الإنترنت ”يظهر نوع المعدات وحجمها نية للحفاظ على قدرات قتالية هجومية“.
ونفت روسيا وحليفها الجيش الوطني الليبي تصريحات سابقة للجيش الأمريكي بأن موسكو أرسلت طائرات مقاتلة لدعم قوات حفتر هناك.
يوم السبت 25 يوليو 2020 وصلت حاملة الطائرات الأمريكية النووية دوايت أيزنهاور ومعها 12 سفينة حربية إلى البحر الأبيض المتوسط حيث ستجري مناورات.
تبادل وسائل الضغط
في الصراعات أو الحروب شبه الدولية الدائرة على ساحتي بلاد الشام أو شرق منطقة المغرب العربي أي على الساحة الليبية، يتم تبادل الأدوار بين الاطراف المتصارعة وخاصة تلك التي توصف بالمتعاقدة من الباطن. فعلى الساحة السورية كان الدور التركي محوريا خاصة فيما يخص جلب المحاربين حوالي 182 الف حسب الامم المتحدة من أكثر من 80 دولة في العالم للقتال ضد الجيش العربي السوري.
إسرائيل كان لها دورها في جنوب سوريا لتسليح ودعم التنظيمات والمليشيات المسلحة حتى تلك التي كانت الادارة الأمريكية تصنفها ارهابية. وفي حين أن انقرة استخدمت جيشها البري النظامي للدخول إلى الاراضي السورية في الشمال والشرق والقيام بإحتلال وتتركيك المناطق الخاضعة لسيطرتها، اعتمدت تل أبيب على قواتها الجوية لقصف المواقع السورية، وقدمت بذلك اسنادا مباشرا للقوات التركية كما وفرت لأنقرة معلومات عن تحركات القوات السورية ونقط ضعفها المحتملة، وقد تعاون الجانب التركي والاسرائيلي مع القوات الأمريكية في كل مرة كانت تتدخلت بشكل مباشر لضرب المواقع السورية ومراكزها الصناعية والبحثية كما اكدت ذلك عدة مرات صحف أمريكية في مقدمتها نيويورك تايمز والواشنطن بوست.
يفيد تقرير للمرصد الاوروبي لمحاربة التطرف:
علاقة النظام التركي الحاكم، برئاسة رجب طيب أردوغان، بالجماعات الإرهابية في المنطقة، وعلى رأسها تنظيم داعش، ليست خفية. حيث كشفت دراسة لفريق بحث من جامعة كولومبيا الأمريكية، بقيادة ديفيد فيليبس، مدير برنامج بناء السلام والحقوق في معهد جامعة كولومبيا لدراسة حقوق الإنسان، والتي صدرت في نوفمبر 2014، إن الحكومة التركية وفرت لتنظيم داعش التعاون العسكري والأسلحة والدعم اللوجيستي والمالي والخدمات الطبية.
وبحسب دراسة أخرى للمركز الأطلنطي "مركز بحثي في واشنطن"، بعنوان “شبكات الدولة الإسلامية في تركيا”، تعود إلى أكتوبر 2016، فإن البنية التحتية العابرة للحدود، والتي استخدمت لنقل المجندين والإمدادات إلى تنظيم داعش من تركيا، مبنية على تنظيم القاعدة والشبكات الإرهابية منذ عقود عديدة والمتمركزة في العديد من المدن التركية، وكانت تستخدم سابقا كطريق ثانوي للإرهابيين للانضمام إلى التنظيمات الأخرى.
وتشير الدراسة إلى أنه منذ بداية الصراع في سوريا، سافر المواطنون الأتراك ذهابا وإيابا، في كثير من الأحيان للانضمام إلى الجماعات الفرعية الناطقة بالتركية المناهضة لبشار الأسد، وأبرزها جبهة فتح الشام وهي فرع القاعدة الذي أعيد تسميته في سوريا، والذي كان يدعى سابقا "جبهة النصرة".
ويضيف البحث الأوروبي:
في ظل هذه العلاقة الوثيقة التي جمعت الرئيس التركي بتلك التنظميات الإرهابية في المنطقة، بينما تقترب الحرب في سوريا على نهايتها، بعد فشل ما يسمى دولة الخلافة وسقوط تنظيم داعش، والانتصارات التي حققها النظام السوري واستعادة معظم الأراضي السورية، من سيطرة التنظميات والجماعات المتطرفة، بات لابد من البحث عن مأوى جديد لهذه العناصر التي تنتمي إلى طيف واسع من الأيديولوجيات الإرهابية، ناهيك عن آلاف المرتزقة ممن يعملون لصالح تركيا على الأراضي السورية، والذين يمكن للرئيس التركي توظيفهم لتحقيق أهداف توسعية في بلدان أخرى من المنطقة مثلما هو الحال في ليبيا أو ربما إرسال بعضهم إلى أذربيجان لدعم تطلعاته بتوسيع نفوذه في القوقاز.
فعلى سبيل المثال، يشير تقرير صادر عن البنتاغون، صيف سنة 2019، إلى أن عدد مقاتلي داعش يتراوح بين 14000 و18000. فيما قدر المحللون والمسؤولون الأمريكيون العدد بنحو 10000 عندما أعلن التنظيم دولته المزعومة في يونيو 2014.
ويقول كولن كلارك، أستاذ العلوم السياسية والزميل لدى مؤسسة راند للأبحاث، في الولايات المتحدة، إنه عندما ينتهي صراع ما، إما من طريق القوة أو التسوية أو التفاوض، فمن المرجح أن يتفرق الإرهابيون في اتجاهات عديدة.
ويصنف كلارك تلك الجماعات إلى مجموعات من بينهم من يسمون “العملاء الأحرار” أو المرتزقة المحتملين الذين يمنعون من العودة إلى بلدانهم الأصلية. والذين من المتوقع أن يشكلوا مجموعة من الإرهابيين العديمي الجنسية ممن سيسافرون إلى الخارج بحثا عن المسرح التالي لعملياتهم، اليمن أو ليبيا أو غرب أفريقيا أو أفغانستان، لحماية واستمرار وتوسيع حدود ما يسمى الخلافة.
تشير دراسة نشرتها شركة الأبحاث تيلور أند فرانسيس، مقرها لندن، في أغسطس 2016، بعنوان “الدولة الإسلامية وعلاقاتها بالشبكات الجهادية التاريخية في أذربيجان” إلى أنه قبل الحرب السورية، كانت الجماعات الإرهابية في أذربيجان مرتبطة في المقام الأول بالتمرد في شمال القوقاز. ومع ذلك، أدت الحملات الأمنية المشددة على الجماعات السلفية بعد تفجير مسجد أبو بكر عام 2008 إلى رحيل العديد من هذه العناصر التي شكلت طليعة الجماعات الأذربيجانية التي انضمت إلى القاعدة في سوريا.
الرابط في القوقاز
على ساحة بلاد الشام اتبعت موسكو مع دمشق سياسة القضم التدريجي للأراضي التي تخضع للقوى المناهضة لهما، موازاة مع ممارسة سياسة العصا والجزرة لإجبار انقرة على التراجع خطوة تلو الاخرى كما حدث ويحدث في جيب ادلب ومناطق اخرى شرق الفرات وذلك مع تجنب صراع مباشر ينسف أمل الكرملين في تلغيم علاقات أنقرة مع واشنطن، او يكسر تردد الرئيس ترمب فيما يخص التورط أكثر في الحرب السورية.
على الساحتين السورية والليبية استفادت موسكو من الصراع الدائر بين اذربيجان المدعومة من طرف انقرة وواشنطن وتل أبيب وأرمينيا المدعومة من طرف روسيا والتي تفوقت عسكريا حتى الآن على أذربيجان للضغط على الرئيس أردوغان، ووضعه أمام معضلة القتال على جبهات عدة.
في الوقت الذي نجح الدعم التركي في دفع الجيش الليبي إلى الانسحاب إلى خط سرت الجفرة وبدأت فكرة السيطرة على الهلال النفطي الليبي تداعب ساسة أنقرة، بدأ الضغط على جبهة اذربيجان ارمينيا.
يوم 14 يوليو 2020 وفي كلمة له عقب ترؤسه اجتماع الحكومة قال الرئيس التركي أردوغان. أدان بشدة الهجمات التي شنتها أرمينيا ضد أذربيجان، يوم الأحد 19 يوليو، قائلا: "أدين بشدة الهجمات التي شنتها أرمينيا ضد أذربيجان الصديقة والشقيقة". وأضاف: "تركيا لن تتردد أبدا في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان". وأوضح أن الاعتداء على حدود أذربيجان بالأسلحة الثقيلة هو مؤشر على أنها تتعرض لهجوم متعمد.
وأشار أن هجمات أرمينيا ضد أذربيجان تتجاوز الحدود بهدف إطالة أزمة إقليم "قره باغ" الأذري وخلق منطقة صراع جديدة.
وأعرب الرئيس التركي عن قلقه من تحول التوتر المستمر منذ احتلال إقليم "قره باغ" الأذري إلى صراع بفعل هجمات أرمينيا "الممنهجة والمتهورة".
وأشار أردوغان أن تركيا ستستمر في أداء واجب الدفاع عن أذربيجان الذي بدأ به أجداده لعدة قرون في منطقة القوقاز.
وأكد أن من واجب تركيا بذل أقصى جهودها عبر علاقاتها السياسية والدبلوماسية والاجتماعية في المنطقة والعالم، لدعم أذربيجان التي تربطها مع تركيا علاقات أخوة وصداقة قديمة.
وذكر أردوغان أن عدوان أرمينيا العاجزة عن حل مشاكلها الداخلية على أذربيجان هو إساءة لشعبها بالدرجة الأولى.
ودعا الرئيس التركي دول المنطقة لإظهار موقف صادق ومبدئي ضد عدوانية أرمينيا وسلوكها الذي يثير عدم الاستقرار في المنطقة منذ احتلالها للأراضي الأذرية التي تضم إقليم "قره باغ".
وتمنى أردوغان الرحمة من الله للشهداء الذين استشهدوا دفاعا عن وطنهم والشفاء العاجل للجرحى.
وتقول انقرة أن أرمينيا تحتل منذ عام 1992، نحو 20 في المئة من الأراضي الأذرية، التي تضم إقليم "قره باغ" يتكون من 5 محافظات، و5 محافظات أخرى غربي البلاد، إضافة إلى أجزاء واسعة من محافظتي "آغدام"، و"فضولي"، والمعروف أن هذه المقاطعات تضم اغلبية أرمينية.
يوم الاثنين 27 يوليو 2020: ذكر موقع "إنسون خبر" التركي أن القوات التركية قد وصلت إلى أذربيجان لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة، ونشر الموقع فيديو عبر صفحته على "تويتر" ويظهر الكثير من القوات التركية والمركبات والحافلات التى تقل الجنود.
وكان موقع وزارة الدفاع الأذربيجاني قد أعلن عن إجراء تدريبات تكتيكية واسعة النطاق بين أذربيجان وتركيا بمشاركة القوات البرية والجوية لكلا البلدين، وفقا لاتفاقية التعاون العسكري بين البلدين.
وتشمل المناورات المشتركة أفراد عسكريين ووحدات مدرعات ومدفعية، بالإضافة إلى وحدات طيران عسكري ودفاع جوي حصلت عليها من إسرائيل بموجب اتفاقية تعاون عسكري، ووفقا للخطة، ستجري التدريبات التي تشارك فيها القوات البرية في الفترة من 1 إلى 5 أغسطس في باكو ونختشيفان، وستجرى التدريبات بمشاركة الطيران العسكري في الفترة من 29 يوليو إلى 10 أغسطس، في باكو ونختشيفان وغانجا وكردامير ويفلاش.
في نفس التوقيت تقريبا أطلق الجيش الروسي مناورات ضخمة بمشاركة 150 ألف جندي في أرمينيا بمنطقة قريبة من الشريط الحدودي مع أذربيجان، وذلك في أول رد من موسكو بعد أن أعلنت أنقرة توفير الدعم العسكري الكامل لحليفتها أذربيجان ضد أرمينيا.
ووفقا لوزارة الدفاع الروسية، فإن المناورات أطلقت بتعليمات من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في منطقة قريبة من الحدود الواقعة بين أرمينيا وأذربيجان، بغرض قياس مدى جاهزية القوات الروسية.
ووصفت وزارة الدفاع الروسية المناورات بأنها "روتينية"، ونفت أن يكون لها أي صلة بالأعمال التي تقوم بها القوات التركية في منطقة القوقاز، مشيرة إلى المناورات تجري بمشاركة 150 ألف جندي، بالإضافة إلى 400 طائرة حربية.
كان وزير الخارجة الروسي، سيرجي لافروف، قد دعا الطرفين قبل أيام لوقف إطلاق النار، وتقليل التوتر في المنطقة، وأن بلاده مستعدة للوساطة بين الطرفين إذا طلبا.
العثمانية الجديدة
جاء في تحليل نشرته صحيفة "غازيتا رو" الروسية كتبه أليكسي غريازيف يوم 20 يوليو 2020:
منذ بداية تفاقم الصراع الأذربيجاني الأرمني، اتخذت روسيا موقفا مع الصلح، وامتنعت عن توجيه الاتهامات لأي جهة. بينما تصرفت تركيا، شريكة موسكو الاستراتيجية بشكل مختلف تماما، فأعلنت وقوفها غير المشروط إلى جانب أذربيجان. وهكذا، يعد التعاون بين أنقرة وباكو، نموذجا قياسيا لتطبيق عقيدة السياسة الخارجية التركية في الفضاء ما بعد السوفييتي.
تراهن تركيا على التفرد بزعامة البلدان الناطقة بالتركية. وهنا، تتصادم مصالح أنقرة مباشرة مع مصالح موسكو. فالبلدان الناطقة بالتركية أذربيجان وأوزبكستان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان، أجزاء من الفضاء ما بعد السوفييتي، حيث تأمل روسيا في الحفاظ على نفوذها.
ومن الواضح أن تركيا، انطلاقا من افتراض أن سياستها العثمانية الجديدة يمكن أن تواجه معارضة من روسيا، عاجلا أم آجلا، تقوم بتوجيه "ضربات استباقية" في أكثر النقاط حساسية لموسكو.
ومنذ العام 2014، يجري تعزيز العلاقات بين أنقرة وكييف. فترفض تركيا الاعتراف بنتائج الاستفتاء، التي أصبحت أساسا لانضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا. ولا تزال جالية تتار القرم في أوكرانيا تلعب دورا رئيسيا في ترتيب العلاقات الأوكرانية التركية.
إلا أن من السابق لأوانه الحديث عن انتصار غير مشروط للعالم التركي في الفضاء ما بعد السوفييتي. ومع ذلك، فمن المستبعد أن تتخلى تركيا عن خططها لبناء العالم التركي، خاصة في ظل القيادة الحالية ذات الطموحات الامبراطورية.
عمر نجيب
[email protected]