الفساد يتناقض مع السلوك السوي للإنسان، وتبريره انتكاس للفطرة السليمة.. ففي كل المجتمعات التي تعلي قيمةالحق وتعطي السيادة للقانون، لا يمكن للفاسد أن يجد مقاما في غير ظلمة السجن ولا سكنا إلا في وقير المحاسبة..
هناك تناقض فج بزعم البعض حول إمكانية الاستعانة بشخص تحوم حوله تهم الفساد – فقط - لأنه صاحب فكر ثاقبوثقافة واسعة، وهذا لعمري منطق أعوج وتفكير سقيم.. إذْ أن أول مراقي الإصلاح في البلد لا بد أن تكون في ثنائية: الضرب على يد الفاسدين وإشاعة الأمانة في التسيير..
وهذا يسقط زعم توظيف الفاسد بحجة الثقافة.. فالثقافة دون أخلاق تتحول إلى مجال عقيم، وأولئك الذين يخلطون عمدابين قيم الثقافة وأطماع المصالح إنّما يشوهون صورة المثقف صاحب رسالة القيم والأخلاق.. والمثقفون الزاحفون علىبطونهم في عبادة الحاكم وتبرير الطغيان وغسل الفاسدين من أدران خرابهم، إنما يذلون أنفسهم ويُحلون أبناء وطنهمدار البوار..
الأصل أن الرائد لا يكذب أهله، لكنّ هذا الرائد حين ينفق من سمعته وسعة ثقافته، على تبرير الفساد وتدوير المفسدينوتخليد الضياع الذي نعيشه في كل متاهات السياسة والتواءاتها.. فإنه يكذب أهله.
يكذبهم حين يحول نفسه إلى مهزلة، ويخون أمانة المعرفة حتى يسخرها لأذية مجتمعه، ويكذب حين يتلاعب بأمانالشعب ويبرر القرارات الخاطئة.
إنّ التواشج بين القيمي والمعرفي لا يمكن فصله بمجرد نزق البعض، لأن الاستثناء لا يصلح للقياس.. فالزمن يحول القيمإلى ثقافة راسخة، وتجذر الإيمان بثقافة معينة يحولها إلى ممارسات قيمية ذات دلالات هامة.. وهذا بالضبط ما نحتاجإلى التعامل معه بجدية، لأن أعسر مشاكلنا هي مشكلة مَوات الضمير والغدر بكل قيمة نبيلة.. فالمعرفة التي لا تمنعصاحبها من التطرف في النفاق والأنانية لا فائدة فيها، فالجاهل الخلوق خير من المثقف الخائن لقيم الأخلاق ولفطرةالضمير.
نحن لا نعارض النظام لأجل المعارضة، ولكننا نعارض الأخطاء الفادحة، والتجاهل المؤلم لأفعال الفاسدين وهروبهم منقبضة القانون والمساءلة.
وفي الْيَوْم ذاته الذي نرى فيه صوابا، سنعترف به ونشكر السعي الذي تسبب فيه ونعترف به لإخواننا في الحكومة أوفي الموالاة، لأن مسؤولية المثقف هي البناء والسعي إلى الإعمار.. لكننا أيضا نرفض مطلقا مهادنة الذين يمتحون المنطقتكسٌبا على حساب الحق، ويشنقون الحقيقة على أسوار المصالح الضيّقة تزلفا للمفسدين، ثم يُغفر لهم ما قد سلف منجنون تزوير النص والحقيقة، لأجل مجاز "فلان مثقف