في العقود الأخيرة كما السابقة، اجتاحت صنيعة الإنسان، الإنسان ومن حوله، واكتوى وكوى بها، وربط وارتبط بها، فلطالما فعلها بيديه ودبر لها بعقله ووظفها بجسمه ونشرها بلسانه، فالتكنولوجيا مثال الحال ولسانه على ذلك، فقد أصبحت قرينة النفس وشقيقة الروح وتكاد تكون الروح بذاتها.
فما أود الحديث عنها ومن منظور التجربة في عالم التواصل الإجتماعي هو الوجه الحقيقة للإنسان فى ظل سرعة رتم الحياة اليومية التى تواجهنا وفى عصر التقدم والتكنولوجيا الذى لا يتوقف عن تواصل الصراع بين الماضى والحاضر،
موضوع العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا موضوع قديم وذو أبعاد أكاديمية وهو ما سنتجاوزه إلى التجربة الواقعية في مجال التواصل الإجتماعي وكنتاج لتلك الطفرة التكنولوجية التي طغت على الإنسان ووجوده، فمعلوم أن الوسيلة في الأغلب إزدواجية الإستخدام وثنائية النتائج، فالتكنولوجيا كوسيلة هي كذلك.
فالتكنولوجيا كوسيلة أو أداة لا تأرق كثيرا كما في يقال :" يجب ألا نقلق كثيرا بخصوص أثر التكنولوجيا، لأنها ليست أكثر من أداة "، وهو ما يجرنا إلى الموضوع وبيت القصيد الذي ننوي إثارته والتطرق إليه، فما دامت "الأداة" مجرد محَرك لا دخل له في المحرك من أجله فهذا يعني "براءته" الجزئية من النتائج، ويبقى المدان الأول والأخير هو ذاك الفاعل.
إن استخدام الشبكة العنكبوتية وخاصة مواقع التواصل الإحتماعي وتحديدا تلك التي تدعم الكتابة للجمهور ( محليا كـ" فيسبوك"، المواقع الإلكترونية والمدونة و "تويتر" جزئيا )، يطرح عدة تساءلات ويفتح الباب على عدة إشكالات، فالمتابع لبعض مستخدمي تلك المواقع يلاحظ ذاك التناقض الباهر الذي يتمتع به البعض، حيث يظهر سلوكا مغايرا لواقعه ويباهي بأخلاقه ويدعي ما ليس فيه، هذا في حالة عدم التخفي، أما حين يتوارى و يتخفى خلف ستار فيُظهر ذاك الشخص الشرير الذي لا يخاف ولا يخشى ولا يداهن ولا يهادن، وكقارئ ومن شدة الإستغارب لا يمكنك أن تربط بين " الشخصيين" الوهي والواقعي لتناقضهما.
فبعضهم يستخدم حسابين حقيقي ومستعار، يسب ويشتم و يقرع الناس والخصم وكل من لا يهوى بالمستعار، ويتخذ من الآخر صورة النبيل الواثق الذي لا يلتفت إلى نبح الكلاب وقافلته تسير، بيد أنها تتوقف عند الإستعارة..!!
فمن يختارون اسماء مستعارة ليكتبوا بها ويتواروا خلفها كما لو انها أقنعة لهم، تسقط أو تبقى. ومهما بدا هؤلاء الكتّاب، الكبار في أحيان، «مخاتلين» و «خداعين» فهم يعبرون عن رغبة حقيقية في التخفي والهرب او اللعب العبثي ... بعضهم سرعان ما يكشف أمرة بنفسه وبعضهم يكشفهم الآخرون الذين قد يكونون القراء أو النقاد.
لكن ومما اتفقت عليه العرب والعجم- واثبته الواقع- قولهم : الطبع أملك.
وقال حفص بن النعمان : المرء يصنع نفسه فمتى ما تبله ينزع إلى العرق
قالوا: من تَطبّعِ بغير طبعه نَزَعَتْه العادةُ حتى تردَّه إلى طَبْعه كما أنّ الماءَ إذا أَسْخَنته ثم تركته " ساعة " عاد إلى طَبعه من البرودة والشجرةَ المُرّة لو طليتها بالعسل لا تُثمر إلا مُرًّا.
وقال العرجيّ:
يا أيّها المتحلّي غير شيمته --- ومن شمائله التّبديل والملق
ارجع إلى خلقك المعروف ديدنه --- إنّ التخلّق يأتي دونه الخلق
وكل ذلك يردنا إلى الإشكال ويؤدنا إلى طرح التساءل الأهم : هل المستعار هو الوجه الحقيقي للإنسان وذاك الحقيقي مجرد مستعار..؟؟!!