#ألا_أطحين مع الفاضل محمد محمد آب (الحلقة الثانية)

ثلاثاء, 2017-01-24 01:29

أدْعوكَ سيدى بدايةً لرفع ستار المجاملة ما بيننا حتى نصبغ حوارنا بما يستحق من الشفافية لكي نُخرجه اقربَ ما يكون إلى الحقيقة.
ولانى لا أشك أن البحث عن الحقيقة هو قصدك ومسعاك، فإنى أدعوك أن تتقبل رأيى فيك برحابة صدرٍ منك، لأنى لا آمنُ أن تسري فيه عَدْوَى المرارة.
فالطحينُ ليس دائما ناعما، وإنما يعتريه الفساد أحيانا لأنه ليس معصوما من الخطإ..
أعترفُ بذلك.
كما أعترفُ أنك بإذن الله وعاءٌ نادر من أوعية العلم يمشى بين الناس بقدمين حثيثتي الخطو وراء كل شاردة من شوارد العلوم، إذ لا يخفى ذلك في وسع اطلاعك وكثرة قراءتك وقدرتك على الكتابة.
والنطق.
والنسخ.
واللصق.
لكنى إلى ذلك أرى ان بك خللا عندما يتعلقُ الأمرُ بترتيبِ بَيْتِ أفكارك، وسببُ ذلك الخلل في نظري هو ما أشرْتُ إليه في مكتوبِى السابق من انكَ تُفضِلُ ان تُفكر بغير عقلك على رجاحته، كما تُفضلُ ان تُغْمضَ عيْنيك – عافاك الله في بصرك – لتقرأ بعينيْ غيرِك من العُلماء..
وهذا الخلل في الترتيب المذكور لا يحتاجُ الباحثُ عنهُ في مقالك إلى عدسات تكبير لأن النظرة الأولى في اختيارك للعنوان تفضحُ ذلك.
فانظر إلى ما كتبتَهُ هنا:
((الرد الثمين على شبهات صاحب "أطحين" :
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
مقال للرد والتعقيب على ما كتب الأخ الفاضلMohamed Ould Bah 
وهو كالآتى:))

أولا: بغض النظر عن تشبثك بسمتِ الأقدمين ومُحاكاتهم في سجْعِ العناوين، أرى ان في تَثْمِينِكَ لمَثْمُونِكَ خُلُقاً لا يُرْضَى لمثلك لانه يعكسُ لغيرك فيكَ إحساسا زائدا بتضخُم "الأنا"، فانت هنا إنما تعطسُ ثم تُبادرُ نفسك بالتشميت.
يرحمك الله. 
وليس معنى ذلك أنى أريدُ تبْخيسَ بضاعتك الثمينة حقا.
والنادرة حقا.
معاذ الله.
لكنى اعتقدُ انه كان من الأنسب لك ان تدع لي ولغيرى من قرائك الناصحين اوغيرهم من (((المُجاملين))) على صفحتك الكريمة فُرصةَ الشهادة والمُجاملةِ لك بذلك.

ثانيا: قولك: ((الرد الثمين على شبهات صاحب "أطحين")) كان فيه غنىً لك عن قولك: ((مقال للرد والتعقيب على ما كتب الأخ الفاضلMohamed Ould Bah ))، أو تكتفى بالأخيرة دون الأولى لأن مثلك لا يحشو.

ثالثا: اما قولك: "وهو كالآتى" فكارثة حقيقيةٌ تسدُّ النَّفَسَ وتقتلُ شهية القراءة. وسدُّ النفَسِ لدى القُراء وقتْلُ الشهية فيهم لا يخدُم كاتبا عملاقا في مقامك يُحبُ الإطالة ويُجيدها.

رابعا: أنصحُك قبلَ ان أُسَاعِدك في ترتيبِ بَيْتِ أفكارك حول عصمة الأنبياء وأخطائهم أن تهتم بتهذيب عناوينك في المستقبل لأنها واجِهتُك الأولى إلى قرَّائك، وهذا من باب النصيحة فقط، لأنني اعتقدُ اننا سنَظلُّ لبَعضِنا مهما اختلفنا.
أما فيما يخص افكارك حول عصمة الأنبياء فقد ذكرتُ فعلا تناقضا لك فيها في كلامك هناك.. 
ولا داعي لاعادته لاني لا احب التكرار عادة.
ولأنه لا يزالُ موجودا على صفحتى لمن اراد الاطلاع عليه.
 وأخيرا لانى وجدتُ من التناقضِ في أفكارك هنا ما سيغنينى عن إعادة تناقضك هناك.
 من ذلك مثلا:
 أولا: "أن الأنبياء عليهم السلام لهم عصمة من الله تعالى تمنعهم من الوقوع في الخطأ ((على علم)) بذلك ليست لغيرهم من الناس وهذا معلوم من الدين بالضرورة"

استغربُ من بصير بالكلام في مقامك ان يكتب كلاما مثل هذا دون أي يفكر في مدى خطورته.. 

فأنت حين تكتبُ مثل هذا الكلام تتهمُ ابانا آدم عليه السلام، أوَلَ من عُلّم الأسماء، أنه ما كان على علم بضرورة اجتناب الاكل من الشجرة. وانت تعرف في نفس الوقت ان آدم عليه السلام كان يعلمُ من ذلك اكثر مما نعلمُ.
وانت حين تكتُبُ هذا الكلام تتهمُ نبي الله وكليمهُ موسى عليه السلام انه حين قتلَ، ما كان يعلُم ان القتل حرامٌ. وكأنك لم تستوعب احساسهُ عليه السلامُ بالذنب في قوله: "رب إنى ظلمتُ نفسى فاغفر لى.."
وانت حين تكتُبُ هذا الكلام تتهمُ نبي الله نوحا، انه حاشاه لم يفهم عن الله قوله، "إلا من سبق عليه القولُ منهم". فنادى ربَّه قائلا: "رب إن ابنى من اهلى"
ثم دعنا نهربُ من الظلام إلى النور فنسمى الاشياء بحقيقة اسمائها ولا نحاول الهروب منها بحجة التقديس والخوف على العامة، فنقع في مزالق هي أخطر علينا من ذلك. 
لأنه عندما يذكرُ الله سبحانه وتعالى ان آدم عليه السلام عصى ربه فغوى" ليس أدبا مع الله ان نتحايل على كلام الله محاولين ان نجد لآدم حسنَ مخرجِ احسنَ من المخرج الذى اختاره له الله.. والغريب اننا نعرف أن آدم نفسه لم يُحاول ذلك لنفسه بل اعترف بالذنب وتاب منه فقُبلت توبتهُ.  
ولأنه عندما يذكُرُ الله ان كليمه موسى عليه السلام وكز الرجُل فقضى عليه، لا ينبغي لنا ان نتحايل على الخبر محاولين ان نضعَ موسى في موقفٍ اقربَ إلى قلوبنا من الموقف الذى اختاره له الله جل وعلا خاصة واننا نعلمُ يقينا ان موسى نفسه قد اعترف بذنبه امام الخالق الجبار ثم استغفرَ منهُ "فغفر له".
هذا من جهة، ومن جهة أخرى انا لا أرى العلماء مُصيبن إطلاقا في تَمَنُّعِهم على العامة بالحقيقة خوفا على الدين منهم. لأن العالم الذى يفضلُ ستر الحقيقة على العامي، بدل ان يُنيرَ طريقهُ إليها يحملُ في نظرى لقب المُحتكر لعلمه على نفسه ولا يستحق لقب العالم الذى يتحلّى به.
ثانيا: قولك (( ذكرت هنا قصة نوح عليه السلام ونسبت له أشياء لا ينبغي نسبتها للأنبياء عليهم السلام إطلاقا وهي قولك "ومنهم من اتهم ربه في ابنه " وحاشى نوح عليه السلام))..
فانا أوافقك بعض الشيء ان عبارة "اتهم ربه في ابنه" لا تخلو من عنف لمن أراد ان يُعنِّفها بل بدا انها صالحة للشحن فى مصانع شحنك، وعموما استغفرُ الله منها ان كانت قد أفْهَمتْ سوءا ما أردتُ إليه.
على أنى لست أدرى ايَّنا لم يستوعب الدرس جيدا في قصة نوح عليه السلام.
فعلى الرغم من اننى لن اقنعك مهما فعلتُ برأيي في أن نوحا أخطأ في حق ربه بسؤاله عن سبب غرق من كان يعتقد انه ابنه، فإنى إلى ذلك سأكشِفُ لك عن نُكتة غريبة وغاية في الإعجاز القرآني قد تخُدُمُ ما أقوله أكثر مما تخدمك: وهي أن الله سبحانه وتعالى في معرض ذكره لقصة نوح ربط نفسه جل وعلا  في خطابه لنوح ثمانية مرات مرات في سورة هود عليهما السلام.
جاءت  منها في صيغة "الإرسال" و"الوحي" و"الصناعة" لأنها تتعلق بنوحٍ وحدهُ دون أهله وكانت كالتالي: "((ولقد ارسلنا نوحا إلى قومه))، ((واوحِيَ إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك)) و((وأصنع الفلك بأعيننا ووحينا )) ، و((تلك من انباء الغيب نوحيها إليك))..
أما الأربعة الأخرى فجاءت الأخرى فقد حرص القرآن ان تأتي بصيغة "الخطاب والقول "القول" لأنها تتعلقُ بنوح وأهله، وهنا مربط الفرس يا مولعا بمرابط الخيل، لأن "القول" غيرُهُ "الإرسالُ" ولأن القول غيرُهُ "الوحيُ".
أولها: "ولاتُخاطبنى في الذين ظلموا، إنهم مغرفقون"، وهذا تحذيرٌ مُسبقٌ من الله سبحانه حتى لا يأسف على مصير من كان يعتقد أنه ابنهُ..
 وثانيها: "ٌ ((قُلنا)) أحمل فيها من كلٍ زوجين اثنين واهلك إلا من سبق عليه القول"..
فصفة القول هنا جاءت في صيغة الجمع أي ((قلنا)) نحنُ الله. وهي غيرُها ((قال)) وهي غيرُها ((قيل)). ولذلك لم يكن اختيارُها على غيرها في هذا المقام عبثا:
1. لان الموقفَ موقِفُ تواصل وتراض بين الله وعبده فحظي العبدُ من الله بالخطاب المُباشر في صيغة "قلنا نحن الله لعبدنا نوح". 
2. ثم لأن المقام مقامُ تثبيت حجة، فكان قولُ الجماعة في صيغة قلنا "نحن" اقوى في تثبيت الحجة على نوح من قول الواحد في صيغتي ((قال)) او ((قيل)).
ثالثُها: عندما نادى نوح عليه السلام ربه ليَختار المُحاكمة على الرضى بما قسم الله له في مصير من كان يعتقد انه ابنه، جاءت الآية الثانية تقول: ((قال)) يا نوحُ انه ليس من اهلك". وقال غيرُها ((قُلنا)) وغيرُها ((قيل)).
ولم يكن اختيارُ ((قال)) لضمير اللفظ الغائب المُعبر عن الله الحاضر دائما عبثاَ، بل كان اختيارا مقصودا يُنبِّؤك عن استحالة المقام من مرحلة التراضى الى بداية مرحلة من الجفاء لم تحمل إلى نوح رسالة تحذير وتعنيف فقط، بل حرمتْهُ من متعة التواصل المباشر التي حظي بها في المرحلة السالفة مرحلة ((قلنا))..
رابعها: بعد ان استغفر نوحٌ عليه السلام ثم تاب من خطإ تجرأتَ أنتَ على تبرئته منه بعد ان ذكرهُ الله عنه واعترف هو نفسهُ به، جاء التعبير عن قبولِ توبته في صيغة "قيل" مبنية للمجهول. (((قيل)) يا نوحُ اهبط بسلامٍ منا وبركاتٍ عليك. .. (وقيل) تحمِلُ في بُعدها بُعدَ التواصُلِ في المسافة بين المتخاطبيْن مُقارنةً ب((قلنا)) و((قال)) السالفتين، ولذلك أيضا، لم يكن اختيارُها في هذا المقام عبثا لعمق دلالتها فيه.
 فانتبه لهذا التراوح العجيب بين الوحي والإرسال وبين الخطاب والقول من جهة، وببن قلنا وقال وقيل من جهة أخرى. هذا بالإضافة إلى دالَّة "الهبوط" المرتبطة عندنا بالتوبة بعد الخطإ فى القرآن في شأن آدم، لعل ذلك يُرِنُّ فيك جرس ما تُسَميه بنصفِ العلم.

الأستاذ محمد ولد الباه
                                                                                                 .........يتواصلُ