الرهائن: بين الجزائر والكيان الصهيوني

أحد, 2025-10-05 20:19

حمل “أسطول الصمود” 17 جزائريا من بين 497 مشاركا من 46 دولة، احتجزتهم عناصر مجرم الحرب “نتنياهو” بعد الاستيلاء على سفن الأسطول الدولي.

وتعرض المحتجزون الجزائريون، على وجه التحديد، رجالا ونساء، لمعاملة من سلطات الكيان الصهيوني تتعارض مع أبسط قواعد الأخلاق، وعُلِم أنهم قرروا الإضراب عن الطعام احتجاجا على المعاملة اللّا إنسانية الحقيرة التي تعرض لها مدنيون مسالمون لا يحمل أي منهم حتى موسى حلاقة.

وكنت شخصيا أتوقع أن الكيان لن يمارس ساديته طويلا لأنه يدرك المستوى الذي وصلت له سمعته في كل دول العالم، ورحت بالتالي أنتظر تطور الأمور، مع ثقتي الكاملة في ثبات رجالنا وحرائرنا، وبأن أعصاب القيادة في الجزائر في صلابة صخور جرجرة والأوراس.

ولم أكن لأتجاهل أن دولة الاحتلال العنصري لا تملك أهم ضوابط دولة تحترم القانون الدولي الذي أنشأها، فقد اقتحمت قواتها سفن “أسطول الصمود” في المياه الدولية، ومن هنا لم أستبعد أسوأ التصرفات من الجانب الإسرائيلي، الذي كان بيان “حماس” الذكيّ، قبولا لمشروع الرئيس الأمريكي، مفاجأة غير سارة له، وهو الذي كان يتوقع رفض المقاومة وبالتالي استثارة الرئيس “ترامب”، والذي لا أثق في احترامه لوعوده، وتغاضيه المحتمل على عدم تطبيق وقف إطلاق النار الذي أعلن أنه أمر به الجانب الإسرائيلي.

ولأن قضية الأسرى والرهائن والتعامل معهم كانت قضية الساعة تذكرت دراسة توثيقية قدمها الأستاذ “أحمد عبد الله”، الباحث الجزائري في التاريخ، الذي ذكرنا بأسلوب تعامل الجزائر يومًا مع أسرى أو رهائن أو محتجزين إسرائيليين، وذلك في نص أعاد نشره أول أمس الأديب “إبراهيم قارعلي” على موقع التواصل الاجتماعي الـ”فيس بوك”، ورأيت أن عليّ، للأمانة وللتاريخ، وضعه تحت تصرف القراء، ليكتشفوا، مرة أخرى، إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل، والذي كان لطوفان الأقصى فضل رئيسي في فضحه أمام عالمٍ تمكن الصهاينة من خداعه لعدة عقود، وفي الوقت نفسه ليتضح منطق الدولة الذي تتعامل به الجزائر، بعيدا عن المزايدات والناقصات.

والباحث يعود بنا إلى حادثة اختطاف طائرة إسرائيلية عام 1968 من طرف فدائيين فلسطينيين فيقول:

في منتصف ليلة 23 يوليو 1968 (ويلاحظ التاريخ) أقلعت طائرة إسرائيلية من نوع “بوينغ “707، تابعة للشركة الإسرائيلية للطيران “العال” من مطار “ليوناردو دافنتشي” بروما نحو إسرائيل وعلى متنها 38 راكبا وطاقم قيادة الطائرة المتكون من 10 أفراد..

وبعد إقلاع الطائرة المذكورة بأقل من نصف ساعة قام ثلاثة عناصر فدائية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالاستيلاء على قمرة القيادة، وأرغموا قائد الطائرة على إبلاغ مركز المراقبة الجوية في روما أن الرحلة الجوية رقم 426 قد تم تحويلها من طرف “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” نحو العاصمة الجزائرية.

وأبلغت السلطات الإيطالية وزارة الخارجية الجزائرية بما حدث، فأوفد الرئيس الجزائري هواري بومدين فور إبلاغه بالخبر كلا من وزير النقل “رابح بيطاط” ومدير الأمن العسكري النقيب “قاصدي مرباح” والمدير العام للأمن الوطني “أحمد دراية” إلى مطار العاصمة الجزائرية للتعامل مع الحدث وربط الاتصال بالفاعلين قصد معرفة طلباتهم، وأكد الرئيس على ضرورة ضمان سلامة الركاب إسرائيليين أو غير إسرائيليين.

واجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي في جلسة طارئة مساء نفس اليوم بحضور الرئيس المدير العام لشركة “العال”.

وخلال الاجتماع اتخذت الحكومة الإسرائيلية جملة من القرارات منها:توجيه الحكومة الإسرائيلية شكوى لدى منظمة الملاحة المدنية الدولية ضد الجزائر، وتحريك اللوبيات الإسرائيلية داخل النقابة العالمية لقادة الطائرات المدنية، لمقاطعة الخطوط الجوية الجزائرية، بحجة أن الحكومة الجزائرية متعاونة مع الخاطفين.

ورغم الضغط الكبير الذي تعرضت له السلطات الجزائرية من طرف العديد من القوى الغربية قامت خلية الأزمة بالدخول في مفاوضات مع المجموعة التي اختطفت الطائرة لإقناعهم بالسماح لطاقم طبي بالصعود للطائرة قصد التأكد من أن جميع الركاب على أحسن حال، وكان تقرير الفريق الطبي الجزائري أن هناك حالة عنف واحدة فقط تعرض لها نائب قائد الطائرة، حين دخل أحد الفدائيين لقمرة القيادة، وأبلغ الطاقم أنهم قد استولوا على الطائرة، والمطلوب منهم الامتثال للأوامر حتى لا يقع أي عنف، لكن نائب القائد “ماوز فيريز” قام بمحاولة خطف المسدس من يد الفدائي الفلسطيني، إلا أن هذا الأخير كان أسرع منه فوجه له ضربة قوية بمقبض المسدس على مستوى الرأس فصرعه، إلا أن الجرح كان طفيفا بينما باقي الركاب في صحة جيدة، ولم يتعرضوا لأي نوع من أنواع العنف.

بعد التأكد من سلامة جميع الركاب، طلبت خلية الأزمة الجزائرية من الفدائيين السماح لعنصرين من عناصر الأمن العسكري الجزائري غير مسلحين، بالصعود للطائرة قصد التأكد من هوية جميع الركاب، ليقوم عناصر الأمن العسكري بضبط قائمة بأسماء وجنسيات جميع الركاب، فكان تقريرهم كالتالي:

1 – عدد ركاب الطائرة 38 شخص.

2  – عدد الإسرائيليين 15 مسافرا يضاف إليهم طاقم الطائرة المتكون من 10 عناصر.

3  – عدد الركاب من جنسيات أخرى 23 راكبا، من بينهم 5 رهبان مسيحيين كانوا متجهين لزيارة الأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين.

وأمر الرئيس بومدين خلية الأزمة أن تطالب بتحرير الرهائن غير الإسرائيليين، لأنهم غير معنيين مباشرة بالصراع، وتم ذلك وتكفلت الخطوط الجوية الجزائرية بعملية نقلهم نحو العاصمة الفرنسية باريس.

وبعد مفاوضات عسيرة دامت أربعة أيام، تمكنت خلية الأزمة من الاتفاق مع الفدائيين الفلسطينيين على تحرير النساء والأطفال الإسرائيليين الذي كان عددهم عشرة، نقلتهم الخطوط الجوية السويسرية نحو مطار “زيوريخ” بتاريخ 28 جويلية 1968.

والمهم هو أن الجميع عوملوا معاملة إنسانية لائقة.

ونتيجة للتعامل الجزائري الهادئ مع العملية برهنت المجموعة الفدائية عن حُسْن تفهمها من خلال إفراجها عن أكثر من ثلثي الركاب، وبدون شروط مسبقة، وبقي عندها 12 أسيرا، وعقد الفدائيون ندوة صحفية اشترطوا من خلالها على إسرائيل الإفراج عن مجموعة من المعتقلين الفلسطينيين التابعيين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

وفي البداية، رفضت السلطات الإسرائيلية الاستجابة لمطلب الفدائيين، واعتبرت الجزائر شريكا في تلك العملية، لأن للرئيس بومدين، كما قالت مصادرهم، علاقات طيبة جدا بقيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وبالتالي فهي لم تتعامل، كما زعموا، بالحزم المطلوب مع الفدائيين.

ونظرا لأنها أول عملية اختطاف طائرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث حدثت بعد عام واحد تقريبا من حرب 06 يونيو 1967 (وبعد نحو 11 عاما من أول حادث اختطاف للطائرات، والذي قامت به السلطات الاستعمارية الفرنسية باختطاف طائرة “أحمد بن بله” وزملائه في 22 أكتوبر 1956) أعادت الحكومة الإسرائيلية النظر في موقفها لتقرر الدخول في مفاوضات “غير مباشرة” مع السلطات الجزائرية، وعن طريق وسائط فرنسية إيطالية وأمريكية، بهدف الإفراج عن الرهائن الباقين واستعادة الطائرة المحتجزة.

وكما روى الباحث فإن الجزائر لم تستسلم لا للإغراءات ولا للتهديدات، وتصرفت على أساس أنها تقوم بعمل إنساني، ورفضت تسليم الفدائيين الفلسطينيين من منطق أنهم يجاهدون في سبيل تحرير بلادهم، ولم يرتكبوا أي عمل إجرامي  ضد ركاب الطائرة المحتجزة .

واستمرت المفاوضات لمدة 39 يوما، لتنتهي بقبول إسرائيل تحرير 24 فلسطينيا كانوا أعضاء في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مقابل استرجاع الطائرة وباقي المحتجزين لدى الفدائيين.

وفي الفاتح من سبتمبر عام 1968، أقلعت طائرة سويسرية من مطار الدار البيضاء بالجزائر العاصمة وعلى متنها 12 إسرائيليا تم تحريرهم في صفقة تبادل للأسرى تحت إشراف جزائري، لتكون الجزائر أول دولة ترغم إسرائيل على الإفراج عن 24 معتقلا فلسطينيا، مما أثار استياء الحكومة الإسرائيلية، التي اعتبرت الجزائر دولة خطيرة على أمنها، واعتبرت الرئيس بومدين زعيما عربيا يجب التخلص منه مهما كان الثمن..

******************

وأترك الباقي لخيالكم.

وذلك كان تقرير إطار جزائري كان قريبا من الأحداث، رأيتُ وضعه تحت تصرف القراء تاركا لهم تحديد من هم “الترويعيون” الحقيقيون، وأنا أفضل استعمال هذه الصفة بدلا من كلمة “الإرهابيين” التي فرض الشمال النصراني – العبراني استعمالها، لأنفي عنها البعد القدحي الذي يتناقض مع النظرة الإسلامية للكلمة.

قال تعالى في سورة الأنفال (60) بعد بسم الله الرحمن الرحيم: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ. صدق الله العظيم.

والسؤال: هل نحن الذين لم نفهم الآية أم أن العدوّ أعطاها المعنى الذي يريد.

 

دكتور محيي الدين عميمور كاتب ومفكر ووزير اعلام جزائري سابق