
في نطاق محاولتها لمنع تعديل النظام الدولي القائم على أحادية القطب تركب مجموعة السبع الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مختلف المخاطر مما يضع العالم على شفى حفرة أزمة اقتصادية ضخمة وحرب عالمية ثالثة. قادة هذه المجموعة من الدول الصناعية الغربية التي شكلت في غالبيتها عبر القرون القليلة الماضية جوهر القوى الاستعمارية خلال الفترة الأكثر إيلاما وسوادا في تاريخ البشرية، يسعون لمواصلة الاغتناء والسيطرةعلى مقدرات بقية دول المعمور ويرفضون قيام نظام دولي متعدد الأقطاب يسمح لغالبية سكان العالم بالعيش في ظل ظروف كريمة وعادلة.
تمارس الدول الغربية بدرجات مختلفة من الشدة سياسة الفوضى الخلاقة في وضد بقية أقطار العالم، فتدعم تقسيم الدول القوية حتى تلك المرشحة مستقبلا لمنافستها، وتشتت جهود النهضة الاقتصادية للدول الأخرى إن قدرت أنها لا تخدم مصالحها، وتشن الحروب مباشرة أو بالوكالة، وتدعم الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ومحاولات تصفيته، ولا تعارض جهود تل أبيب لإقامة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. وتقاوم وتحارب حق الدول في امتلاك مختلف الأسلحة والقدرات العلمية تحت غطاء حماية الأمن الدولي وقوانين ومعاهدات تسميها دولية حيكت على قياس مصالحها.
ولكن ككل كيان يصل إلى ما يعتبر حده الأقصى من القوة، يكون الأفول حتميا، وهذا الانحدار يتم بتراكم العوامل الداخلية والخارجية في آن واحد، والخطر الكامن في مراحل هذا الانحدار هو المغامرات التي يتم ركوبها على أمل عكس مسار التاريخ.
ساعة القيامة (بالإنجليزية: Doomsday Clock) ساعة رمزية أحدثها عام 1947 مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو. تنذر هذه الساعة بقرب نهاية الجنس البشري وبعض الكائنات الأخرى في العالم بسبب الصراع الجاري بين الدول النووية وغيرها، حيث إن وصول عقارب الساعة إلى وقت منتصف الليل يعني قيام حرب نووية يقال أنها سوف تفني البشرية، ويشير عدد الدقائق التي قبل منتصف الليل إلى مدى احتمال نشوب حرب نووية.
تغير توقيت الساعة 27 مرة منذ وضعها، استجابة للأحداث الدولية، في 14 يناير 2012 حركت إلى خمس دقائق قبل منتصف الليل بسبب عدم الجدية في مكافحة انتشار السلاح النووي، والنزاعات العالمية، وأحداث الربيع العربي، وخطر سقوط الأسلحة النووية بأيدي إرهابيين أو احتمال قيام نزاع مسلح واسع النطاق في الشرق الأوسط بالإضافة إلى أخطار التغير المناخي. وفي مطلع عام 2013 تمت مراجعة التوقيت للنظر في إمكانية التغيير إلا أنه لم يغير، أما التعديل ما بعد ذلك فقد كان بتحريك الساعة دقيقتين ونصف بحيث أصبحت على بعد دقيقتين ونصف من منتصف الليل وذلك في 2017 بسبب فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مما قد ينذر بكارثة كونية وشيكة، وقد قدمت مرة أخرى في يناير 2018 بمقدار 30 ثانية نتيجة لتهديدات الصراع بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بالإضافة إلى خطر ارتفاع درجة حرارة الأرض.
في شهر سبتمبر 2025، بقيت عقارب "ساعة يوم القيامة" عند موقعها الذي تم تحديثه في يناير 2025، حيث تم ضبطها على 89 ثانية (دقيقة واحدة و29 ثانية) قبل منتصف الليل، وهو نفس التوقيت الذي تم إعلانه في تحديث سابق في عام 2023.
قبل إنهيار الاتحاد السوفيتي نهاية عقد التسعينات من القرن العشرين قال وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كيسنغر، أنه في عالم متعدد الأقطاب، ينبغي أن يكون الهدف جذب أكبر عدد ممكن من الحلفاء المهمين وإبقاء الخصوم الرئيسيين معزولين. إذ كنت في علاقة مثلثة (الولايات المتحدة، الاتحاد السوفيتي، والصين) وهم خصوم أقوياء فإن من الأفضل الانحياز إلى الأضعف لاحتواء الأقوى. وبما أن الولايات المتحدة بعيدة جغرافيا عن القوى الكبرى الأخرى، ولأنها لم تكن تملك طموحات إقليمية كبيرة في أوراسيا، فقد فضلت كثير من الدول المهمة هناك التحالف مع الولايات المتحدة بدلا من الاتحاد ضدها.
لكن ترامب نجح في تعريض هذه الميزة الكبيرة للخطر، خاصة عبر خلافه مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حيث إن تصرفاته ساعدت على تقريب الهند أكثر إلى روسيا والصين وكوريا الشمالية، مما قوض جهدا أمريكيا استمر نحو ثلاثة عقود لاستقطاب نيودلهي كقوة موازنة لصعود بكين. كان الكثيرون يدركون أن نموذج ترامب المفضل للحكم العالمي —مؤتمر الزعماء الكبار- لن ينجح، لكنهم لم يتوقعوا أنه سيدمره بنفسه ويترك الولايات المتحدة في موقع الامبراطورية التي تراكم عناصر السقوط.
الهاوية
نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في شهر أبريل 2025 مقالا لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ستيفن والت، قال فيه إنه كان يعتقد أن رئاسة جورج دبليو بوش كانت كارثة في السياسة الخارجية وأن سنوات باراك أوباما الـ8 في منصبه كانت مخيبة للآمال، وأن ولاية دونالد ترامب الأولى كانت فوضى عارمة، وأن سنوات جو بايدن الـ4 شابتها هفوات استراتيجية وأخلاقية مدمرة.
غير أنه شدد أنه "للأسف، لم يستغرق ترامب ومن عينهم سوى أقل من 3 أشهر ليتفوقوا عليهم جميعا في جنونهم في السياسة الخارجية.
وأوضح الكاتب أنه لا يعتقد أن ترامب يتصرف نيابة عن قوة أجنبية، أو أنه يريد بوعي جعل الولايات المتحدة أقل أمنا وازدهارا، ولكنه يتصرف كما لو كان كذلك. وأكد على أنه يمكن للمرء أن يقول إنه يتبع هذا الدليل العملي من 5 خطوات لإفساد السياسة الخارجية الأمريكية:
الخطوة 1:
إذا كنت تريد تدمير بلد، فعليك أن تبدأ بالتأكد من عدم قدرة أحد على منعك من القيام بأشياء غبية ومدمرة. لذا، عليك تعيين أشخاص غير أكفاء، أو موالين بشكل أعمى، أو معتمدين كليا على رعايتكم، أو يفتقرون إلى الشجاعة أو المبادئ، والتخلص من أي شخص قد يكون مستقلا، أو ملتزما بالمبادئ، أو بارعا في عمله. وكما أشار والتر ليبمان بحكمة: "عندما يفكر الجميع بنفس الطريقة، لا أحد يفكر جيدا"، وهذا يسهل على قائد مضلل دفع بلد إلى الهاوية. وساعد غياب المعارضة الداخلية القوية بوش على ارتكاب خطأ فادح في غزو العراق عام 2003. إذا كنت ترغب في إفساد السياسة الخارجية لبلدك، فإن تجاهل الأصوات المعارضة والاعتماد على الأتباع هو نقطة انطلاق جيدة. في الواقع، الخطوة الأولى حاسمة للبرنامج بأكمله: إذا كنت ستفعل الكثير من الأشياء الغبية، فأنت لا تريد أن يتمكن أي شخص من معارضتك أو تقييدك.
الخطوة 2:
ولأن السياسة الدولية تنافسية بطبيعتها، فإن الدول تكون أفضل حالا مع الكثير من الشركاء الأصدقاء وعدد قليل نسبيا من الأعداء. لذا، فإن السياسة الخارجية الناجحة هي التي تزيد من الدعم الذي تحصل عليه من الآخرين وتقلل من عدد المعارضين الذين تواجههم.
وبفضل موقعها الجغرافي الملائم جدا، نجحت الولايات المتحدة بشكل ملحوظ في الحصول على دعم من حلفاء مهمين في أجزاء أخرى من العالم، وكانت أفضل بكثير في القيام بذلك من معظم خصومها. كان العنصر الرئيسي لهذا النجاح هو عدم التصرف بعدوانية أو عدوانية مفرطة، حتى مع ممارسة نفوذ هائل. على النقيض من ذلك. جميع القوى العظمى تلعب لعبة قاسية في بعض الأحيان، لكن القوة العظمى الذكية تلف قوتها العسكرية بقفاز مخملي، حتى لا تثير معارضة غير ضرورية.
ماذا يفعل ترامب بدلا من ذلك؟. في أقل من 3 أشهر، أهانت إدارة ترامب حلفاءنا الأوروبيين مرارا وتكرارا، وهددت بالاستيلاء على أراض تابعة لأحدهم (الدنمارك). وافتعلت معارك لا داعي لها مع كولومبيا والمكسيك وكندا والعديد من الدول الأخرى.
قامت الإدارة بتفكيك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وانسحبت من منظمة الصحة العالمية، وأوضحت بجلاء أن حكومة أكبر اقتصاد في العالم لم تعد مهتمة بمساعدة المجتمعات الأقل حظا. هل يمكنك التفكير في طريقة أفضل لتلميع صورة الصين بالمقارنة؟.
تجاهل ترامب بلا مبالاة التحذيرات المتكررة من الاقتصاديين من مختلف الأطياف السياسية، وفرض مجموعة من الرسوم الجمركية الغريبة على قائمة طويلة من الحلفاء والخصوم. كان حكم وول ستريت على قرار ترامب الجاهل فوريا – أكبر انخفاض في سوق الأسهم لمدة يومين في تاريخ الولايات المتحدة – مع ارتفاع توقعات الركود بشكل كبير. لم يكن هذا القرار المتهور استجابة لحالة طوارئ أو فرضه آخرون على البلاد، بل كان جرحا ذاتيا سيزيد من فقر ملايين الأمريكيين، حتى لو لم يمتلكوا سهما واحدا من الأسهم.
الخطوة 3:
يحب ترامب تصوير نفسه كقومي متحمس (مع أنه يبدو مهتما بالإثراء الشخصي أكثر من مساعدة البلاد ككل)، لكنه لا يدرك أن الدول الأخرى لديها أيضا مشاعر وطنية قوية بنفس القدر. عندما يواصل ترامب انتقاد قادة الدول الأخرى، أو يهدد بالاستيلاء على أراضيها، أو حتى الحديث عن ضمها، فإنه يثير الكثير من الاستياء القومي، وسيكتشف السياسيون في هذه الدول سريعا أن الوقوف في وجهه سيجعلهم أكثر شعبية في الداخل. وهكذا، فإن محاولات ترامب الخرقاء للتنمر على كندا وإذلالها قد أغضبت الكنديين وأعادت إحياء الحزب الليبرالي، تحديدا لأن رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو وخليفته، مارك كارني، قد لعبا بورقة القومية بفعالية كبيرة. من النتائج المباشرة انخفاض عدد الكنديين الراغبين بزيارة الولايات المتحدة.
الخطوة 4:
يدرك القادة الحكماء للدول القوية أن الأعراف والقواعد والمؤسسات يمكن أن تكون أدوات مفيدة لإدارة العلاقات فيما بينهم والسيطرة على الدول الأضعف. ستعيد القوى العظمى صياغة القواعد أو تتحداها عند الضرورة، لكن القيام بذلك كثيرا أو بشكل متقلب سيجبر الآخرين على البحث عن شركاء أكثر موثوقية. الدول التي تكتسب سمعة بأنها مخالفة للقواعد بشكل مزمن – مثل كوريا الشمالية أو العراق في عهد صدام حسين – ستعتبر خطرة، ومن المرجح أن تنبذ أو تحتوى.
ترامب وأتباعه لا يفهمون أيا من هذا، فهم يعتقدون أن المؤسسات والأعراف الدولية مجرد قيود مزعجة على قوة الولايات المتحدة. ويعتقدون أن عدم القدرة على التنبؤ يبقي الدول الأخرى غير متوازنة ويزيد من نفوذ الولايات المتحدة. إنهم لا يدركون أن المؤسسات التي تشكل العلاقات بين الدول قد صممت في الغالب مع وضع المصالح الأمريكية في الاعتبار، وأن هذه الترتيبات عادة ما تعزز قدرة واشنطن على إدارة الآخرين. إن تمزيق القواعد أو الانسحاب من المنظمات الدولية الرئيسية يسهل على الدول الأخرى إعادة صياغة القواعد بطرق تصب في مصلحتها.
علاوة على ذلك، فإن عدم القدرة على التنبؤ أمر سيئ للأعمال التجارية – لا تستطيع الشركات اتخاذ قرارات استثمارية ذكية إذا استمرت السياسة الأمريكية في التغير بين عشية وضحاها – واكتساب سمعة عدم الموثوقية يمنع الآخرين عن التعاون مع الولايات المتحدة في المستقبل.
الخطوة 5:
في العالم الحديث، تعتمد القوة الاقتصادية والقدرة العسكرية ورفاهية السكان في المقام الأول على المعرفة. إن التفوق العلمي والتكنولوجي لأمريكا هو السبب الرئيسي في كونها أقوى اقتصاد في العالم لعقود، وهو سبب قوتها العسكرية الهائلة للغاية. إن الحاجة إلى مؤسسة بحثية قوية هي سبب ضخ الصين تريليونات الدولارات في هذا القطاع وإنشاء عدد متزايد من الجامعات والمنظمات البحثية ذات المستوى العالمي. لذلك، فإن الرئيس الذي أراد للولايات المتحدة أن تكون عظيمة، سيبذل قصارى جهده لإبقائها في طليعة التقدم العلمي والابتكار.
ماذا يفعل ترامب بدلا من ذلك؟ بالإضافة إلى تعيين الأميين العلميين في مناصب حكومية رئيسية، مثل روبرت ف. كينيدي جونيور، فقد أعلن حربا مفتوحة على المؤسسات التي غذت خلق المعرفة والتقدم العلمي في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. إنه ليس مجرد قرار استهداف جامعات كولومبيا أو هارفارد أو برينستون أو براون لأسباب مشكوك فيها للغاية. كما أغلقت الإدارة معهد السلام الأمريكي، وفككت مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، وطهرت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، ودمرت المؤسسة الوطنية للعلوم، وهددت بحجب مليارات الدولارات من أموال البحوث الطبية. والنتيجة؟ إغلاق برامج البحث العلمي وإلغاء برامج الدكتوراه، مما يعني أن البلاد ستمتلك عددا أقل من الباحثين المؤهلين في المجالات الرئيسية في المستقبل. سيبحث العلماء الأجانب عن شركاء آخرين، وستتعرض قدرة أمريكا على جذب أفضل العقول للدراسة والعمل هنا للخطر. في الواقع، من المرجح أن يهاجر بعض العلماء المقيمين في الولايات المتحدة إلى دول لا يزال عملهم يحظى فيها بالدعم والاحترام الكافيين. ترامب يغذي عنصرا أساسيا من قوة الولايات المتحدة وهيبتها ونفوذها في آلة فرم الحطب.
بالإضافة إلى تعيين الأميين العلميين في مناصب حكومية رئيسية، فقد أعلن ترامب حربا مفتوحة على المؤسسات التي غذت خلق المعرفة والتقدم العلمي في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية.
وليست العلوم الطبيعية أو الطب فقط هي التي تحتاج إلى الحفاظ عليها. إن استهداف علماء الاجتماع، وبرامج دراسات المناطق، والعلوم الإنسانية أمر خطير أيضا، لأن هذه المجالات البحثية هي التي يستمد منها مجتمعنا أفكارا جديدة لمعالجة المشكلات الاجتماعية. هنا أيضا تفحص الأفكار والمقترحات السياسية الجديدة، وتنتقد، وتدحض، أو تعدل. أي دولة تسعى إلى العظمة سترغب أيضا في أن يجري علماء من مختلف الأطياف السياسية تحقيقات حول السياسات الاقتصادية والممارسات السياسية والظروف الاجتماعية القائمة، ويناقشونها، حتى يتمكن المواطنون وقادتهم من تحديد ما هو فعال وما هو غير فعال، واقتراح حلول بديلة وتقييمها. وعندما يسكت السياسيون أو يهمشون الأصوات المعارضة من مختلف الأطياف السياسية، تزداد احتمالية تبني سياسات حمقاء، ويقل احتمال تصحيحها عند فشلها. لهذا السبب، يهاجم المستبدون الجامعات وغيرها من مصادر المعرفة المستقلة عند محاولتهم ترسيخ سلطتهم، حتى لو أدى ذلك حتما إلى زيادة غباء البلاد وفقرها.
يخلص الكاتب للقول إن نظام ترامب ينتهك معظم ما نعرفه عن كيفية اتخاذ القرارات، وكثيرا مما نعرفه عن السياسة العالمية. إنه يرحب بالتفكير الجماعي، ويفضل الطاعة العمياء للقائد على النقاش السياسي الصادق. إنه يتجاهل الميل الطبيعي للدول إلى الموازنة بين التهديدات، ويخاطر بتنفير حلفائه الحاليين أو حتى تحويل بعضهم إلى خصوم. إنه يتجاهل القوة الراسخة للقومية، ويرفض ما يعلمه التاريخ وأساسيات الاقتصاد عن الأثر المدمر للحمائية. فبدلا من أن تعيد هذه الأخطاء عظمة أمريكا، ستجعلها أفقر وأقل قوة وأقل احتراما وأقل تأثيرا حول العالم.
دعم مطلق
ترتبط الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ارتباطا وثيقا بالعلاقات التاريخية والثقافية، بالإضافة إلى المصالح المشتركة، ووفقا لما جاء في المؤشرات الرسمية الأمريكية فقد تلقت إسرائيل فيما بين عامي 1946-2023 ما يقارب الـ 158 مليار دولار من المساعدات .. وبحسب مصادر أخرى ومنها بيانات " الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية " فإن حجم المساعدات أكبر بكثير مما جاء في التقديرات الرسمية إذ وصل إجمالي المساعدات الأمريكية الملتزمة بها لإسرائيل في الفترة ذاتها نحو 260 مليار دولار .. " وقد بدأ هذا الدعم الأمريكي لإسرائيل منذ إنشائها عام 1948، إذ كانت أمريكا أول دولة اعترفت بقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ ذلك الوقت أمتد تاريخ طويل ومتواصل من الدعم السياسي والعسكري والإقتصادي، وشمل التعاون المشترك في مجالات التعليم والصحة والطاقة والبحث وغير ذلك من المجالات الاقتصادية.. ويعكس حجم الدعم السياسي والمساعدات الخارجية الأمريكية لإسرائيل مقدار الاهتمام الذي توليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة لتثبيت وجود دولة الاحتلال في الشرق الأوسط، التي تعتبرها الولايات المتحدة شريكا حيويا في المنطقة تجمعها به أهداف إستراتيجية مشتركة " – موسوعة – الجزيرة".
تشتت الوهم
منذ 7 أكتوبر 2023 عندما بدأت ملحة طوفان الأقصى من قطاع غزة لم تتوقف تل أبيب أو واشنطن ومن تابعهما طوال الأربعة وعشرين شهرا الماضية عن الحديث عن قرب القضاء على المقاومة الفلسطينية وخطط ما بعد الحرب وتحويل غزة إلى ريفيرا الشرق الأوسط وإخضاع القطاع تارة لسيطرة إسرائيل وأخرى لسلطة رام الله أو مصر أو قوة تابعة للأمم المتحدة أو لواشنطن أو لقوات عربية، أو لسلطة يديرها توني بلير رئيس الحكومة البريطانية السابق، الاقتراحات لا تنتهي وهي بكل بساطة تعكس الفشل العسكري في هزيمة المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، وفشل قوة عسكرية بحجم ما تملكه تل أبيب بالدعم الأمريكي يعني هزيمتها رغم تدمير القطاع وقتل أكثر من 66 الف من سكانه وغالبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
يوم الأحد 28 سبتمبر 2025 ورغم التعتيم الإعلامي شنت كتائب القسام هجوما هو الأضخم على موقع إسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023 وذلك طبقا لما أورده الإعلام الروسي.
ووفقا لبث مصور "اقتحم مجاهدو القسام موقعا إسرائيليا مستحدثا، بقوام فصيل مشاة واستهدفوا عددا من دبابات الحراسة من نوع ميركافاه 4 بعدد من عبوات الشواظ وعبوات العمل الفدائي وقذائف الياسين 105".
كما استهدفت قوة الإسناد القريب في "كتائب القسام"، عددا من المنازل التي يتحصن بداخلها جنود الجيش الإسرائيلي لتثبيتها، بـ 6 قذائف مضادة للتحصينات والأفراد ونيران الأسلحة الرشاشة.
واقتحم عدد من مقاتلي القسام المنازل وأجهزوا على عدد من الجنود الذين تحصنوا بداخلها من مسافة صفر.
وأشارت القسام إلى أن مجاهديها دكوا المواقع المحيطة لمكان العملية بعدد من قذائف الهاون لقطع النجدات، كما تم دك موقع العملية بعدد من قذائف الهاون لتأمين انسحاب المقاتلين.
واستكمالا للعملية، أوضحت القسام أنه فور وصول قوة الإنقاذ الإسرائيلية، قام أحد الاستشهاديين بتفجير نفسه في جنود الجيش وأوقعهم بين قتيل وجريح.
اليمن الأسطورة
أقر لاري جونسون، المحلل السابق في المخابرات المركزية الأمريكية أن ما ينجزه اليمن في دعمه لنضال غزة يتجاوز حجم الأسطورة حيث أجبر القوات الأمريكية على الانسحاب من خليج عدن والبحر الأحمر وأوقف الهجمات الأمريكية بينما واصلت صنعاء قصف إسرائيل بالصواريخ والمسيرات وفرض حصار عليها من البحر الأحمر رغم القصف الجوي الإسرائيلي.
في 25 سبتمبر 2025 تناول الإعلام الإسرائيلي مواصلة اليمن بقيادة أنصار الله اختراق منظومات الدفاع الجوية، كما تحدث ضباط سابقون عن إصرار الحكومة على خوض حرب لا يمكن تحقيق النصر فيها بقطاع غزة.
تحدث مراسل الشؤون العسكرية في القناة 13، أور هيلر، عن استقبال إسرائيل السنة العبرية الجديدة بانفجار مسيرة في فندق بمدينة إيلات، هو الثاني خلال أسبوع بعد هجوم ضرب مطار رامون، مما عكس فشل الرصد والاعتراض في سلاح الجو. وقال هيلر إن الحوثيين "يضغطون بشكل مستمر على منظومة الرصد والاعتراض الإسرائيلية بحيث يجعلونها عاجزة عن التعرف على مسيراتهم المفخخة". والأمر نفسه، تحدث عنه ألموغ بوكير مراسل الشؤون السياسية بالقناة 12، بقوله إن مدة التحذير من المسيرة "كانت قصيرة" وإن الجيش "يبحث حاليا إمكانية رصد هذه المسيرات بشكل أبكر، بعدما كشف التحقيق الأخير أن الطائرة كانت على ارتفاع منخفض بحيث لا يمكن اعتراضها".
أما قائد منظومة الدفاع الجوي السابق العميد احتياط ران كوخاف، فقال إن الموقع الجغرافي لليمن والتحليق المنخفض لهذه المسيرات "جعل الحوثيين يمسكون بنقطة ضعف إسرائيلية".
ومن جانب آخر، قالت هيئة البث الإسرائيلية إن 50 شخصا أصيبوا يوم الأربعاء 24 سبتمبر جراء سقوط مسيرة في مدينة إيلات جنوبي إسرائيل.
وتناولت وسائل الإعلام الإسرائيلية أيضا الحرب المستمرة على غزة، والتي قال الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات عاموس يدلين، إن حكومة بنيامين نتنياهو ضيعت فرصة وقفها واستعادة الأسرى مخالفة بذلك 80 في المئة من الإسرائيليين.
وقال يدلين إن الحكومة قررت تحميل إسرائيل مزيدا من الخسائر في صفوف الجنود والأسرى، والأموال حتى تواصل الحرب الوحيدة التي لا يمكنها تحقيق النصر فيها.
كما أشار إلى المشكلة الكبيرة التي تواجه إسرائيل بعدما انضمت دول (صديقة) إلى قائمة المعترفين بالدولة الفلسطينية المستقلة مثل فرنسا وكندا وبريطانيا.
ولفت رئيس شعبة الاستخبارات السابق إلى أن هذه الدول "ستملي الآن على إسرائيل ما يجب أن تكون عليه هذه الدولة، والأخطر أن الحديث عاد من جديد عن حق العودة الذي لن يقبل به أي إسرائيلي".
وحذر يدلين من أن الرد بضم المنطقة "ج" في الضفة الغربية وغور الأردن الذي قال إنه محل إجماع داخل إسرائيل "سيستدعي ردا جديدا من هذه الدول لكنه سيكون عمليا هذه المرة".
نكسة في لبنان
تواجه تل أبيب نكسة أخرى وهذه المرة في لبنان حيث تتلاشى محاولاتها مع واشنطن لنزع سلاح حزب الله خاصة بعد تبعات الهجوم الإسرائيلي على قطر.
يوم 27 سبتمبر 2025 أكد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في مناسبة إحياء الذكرى السنوية الأولى لإغتيال حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، أن المقاومة "لن تسمح بنزع سلاحها وأنها تعافت، وستخوض مواجهةً كربلائية" إذا اقتضى الأمر، معقبا: "سنواجه أي مشروع يخدم إسرائيل ولو أُلبس اللبوس الوطني".
وتطرق الشيخ قاسم إلى تصريحات الموفد الأمريكي توم براك التي قال فيها إن "واشنطن تريد نزع سلاح حزب الله وإنها لن تسلّح الجيش ليواجه إسرائيل"، معقبا أن "نزع السلاح يعني نزع القوة تلبية لمطلب إسرائيل ولتحقيق أهدافها".
كذلك، دعا إلى "تطبيق اتفاق الطائف الذي ينص على إنجاز التحرير بما في ذلك الاستعانة بالمقاومة"، مطالباً بتطبيق اتفاق الطائف لجهة إجراء انتخابات على أساس إلغاء القيد الطائفي وانتخاب مجلس للشيوخ.
وأضاف "يريدون من الجيش اللبناني مقاتلة أهله، ونحن نشدعلى يديه لمواجهة العدو الحقيقي، ونحن معه دائماً".
وأوضح أن "القضية الفلسطينية هي القضية المركزية والعظماء في غزة وفلسطين يواجهون الاحتلال نيابة عن العالم"، مؤكدا أنه "في تكاتف الأنظمة والشعوب والمقاومة في مواجهة الاحتلال قوة للأمة وخاصة أن إسرائيل لم تحقق أهدافها طيلة عامين".
وشدد الأمين العام لحزب الله على أن المقاومة واجهت حربا كبيرة عالمية بالأداة الإسرائيلية والدعم الطاغوتي الأمريكي والأوروبي الذي لم يكن له حدود، لافتا إلى أن "الهدف كان إنهاء المقاومة في فلسطين ولبنان وفي كل هذه المنطقة لتبقى إسرائيل وتتوسع وتأخذ ما تريد".
حرب حتمية
تقدر غالبية كبيرة من المحللين والسياسيين في الغرب أن حربا غربية ضد إيران ستندلع قبل نهاية سنة 2025، لأن التحالف الغربي يدرك أن طهران تملك أو سوف تمتلك خلال فترة وجيزة السلاح النووي، وسيكون ذلك بداية لكسر احتكار إسرائيل له في كل المنطقة الشرق أوسطية.
جاء في تقرير نشرته وكالة رويترز يوم 28 سبتمبر 2025:
قال دبلوماسيون ومحللون إن إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، التي رفعت بموجب اتفاق نووي عام 2015 يعيد القوى الغربية إلى المربع صفر فيما يتعلق بكيفية احتواء ومراقبة البرنامج النووي الإيراني.
كانت القوى الأوروبية فرنسا وبريطانيا وألمانيا،المعروفة باسم الترويكا الأوروبية، تأمل في أن يدفع التهديد بإعادة فرض العقوبات إيران إلى الرضوخ لمطالب مثل السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة بالعودة على نحو سريع إلى المنشآت النووية التي قصفتها إسرائيل والولايات المتحدة في يونيو 2025، واستئناف المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن أنشطة طهران النووية.
لكن على الرغم من تكثيف النشاط الدبلوماسي في اللحظات الأخيرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، فإن الترويكا الأوروبية قالت إن إيران لم تقدم سوى النزر اليسير للحيلولة دون دخول آلية إعادة فرض العقوبات حيز التنفيذ يوم الأحد في الساعة 0000 بتوقيت غرينتش، بعد شهر من بدء عملية الثلاثين يوما.
وقال مشرع إيراني ينتمي للتيار المحافظ في الساعات الأخيرة من المفاوضات، اشترط عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية المحادثات، “آلية إعادة فرض العقوبات هي الرصاصة الأخيرة للغرب. فبمجرد أن يضغطوا على الزناد، لن يتبقى لهم شيء”.
وأضاف “العصا التي كانوا يضعونها فوق رؤوسنا، بمجرد استخدامها ستزول. لن يكون لديهم أي نفوذ بعد الآن”.
وصرح إريك بروير، الباحث في مبادرة التهديد النووي، “استخدمت الولايات المتحدة ’ورقتها الرابحة’ في قصف المواقع الإيرانية الرئيسية. وعلى الرغم من أن البرنامج النووي قد تضرر بالتأكيد، إلا أنه لم يتم القضاء عليه”.
وتابع “إيران ليست مستعدة لتلبية الشروط الأمريكية للتوصل إلى اتفاق. لكن من الواضح أن الولايات المتحدة لا تزال بحاجة إلى اتفاق من أجل أي حل مستدام. لذا فقد عدنا من نواح عديدة إلى نقطة البداية”.
وتدعي القوى الغربية إنه لا يوجد مبرر مدني لتخصيب إيران لليورانيوم بمستويات متقدمة، خشية أن تكون طهران تتجه نحو امتلاك أسلحة نووية.
في أعقاب شن إسرائيل لهجمات جوية على إيران، أقر البرلمان الإيراني تشريعا يعلق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ويشترط موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني على عمليات التفتيش.
وأعلنت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية عن اتفاق خلال شهر سبتمبر كان من المفترض أن يمهد الطريق نحو استئناف كامل لعمليات التفتيش، لكن لم يحدث تقدم يذكر منذ ذلك الحين.
لكن على النقيض مما كان عليه الحال قبل عقد من الزمن، فإن القوى الكبرى منقسمة بعد أحداث مثل الحرب في أوكرانيا، الأمر الذي يجعل من الصعب الضغط على إيران للتوصل إلى اتفاق.
وذكر دبلوماسي من الترويكا الأوروبية “تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية محدود بالفعل ويمكن أن يتقلص أكثر، لكنني لا أعتقد أنها ستقدم على خطوة مثل الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي”.
وأضاف أنه لا يعتقد أن الصين أو روسيا ستقبلان أن تسارع إيران إلى امتلاك قنبلة نووية، وتابع “وإذا فعلتا ذلك، فلن تقبل إسرائيل”.
وصرح علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية “بالنسبة للإيرانيين، كان تطوير البرنامج النووي نقطة نفوذهم الرئيسية قبل الحرب، أما الآن فهي غموضه”.
وأضاف “لكنها مناورة محفوفة بالمخاطر. إذا حاولت إيران إحياء عناصر برنامجها وتم اكتشافها على الرغم من غياب مفتشي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية) على الأرض، فإن ذلك سيزيد من القلق بشأن نواياها”.
الصواريخ
السلاح النووي ليس نقطة الخلاف الوحيدة بين إيران والغرب.
نهاية شهر سبتمبر 2025 أكد المتحدث باسم هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، العميد أبو الفضل شكارتشي، أن تنمية قدرات البلاد في إنتاج السلاح المتطور مستمرة رافضا تدخلات الولايات المتحدة بشأن تحديد مدى الصواريخ الإيرانية. وطمأن، أنه لا قلق في المجال العسكري، مؤكدا أن خط إنتاج أي سلاح متطور لم يتوقف أثناء الحرب على البلاد وما زال الإنتاج مستمرا. وأضاف "ماضون في تطوير الأسلحة المتقدمة في المجال الصاروخي، ولن نسمح لأي قوة بالتدخل في هذا المسار".
وشدد شكارتشي على أن الطاقة النووية حاجة وطنية وثمرة دماء آلاف الشهداء، معلنا عدم التراجع عنها مطلقا.
وأكد أن إيران ستواصل طريق المقاومة، مشيرا إلى أن هذا الطريق هو الذي أوصل الشعب الإيراني إلى النصر حتى الآن، ومذكرا أن تجربة دول كليبيا أثبتت أن نزع السلاح والتراجع أمام القوى المتغطرسة لا يجلبان إلا الدمار.
ورأى شكارتشي أن الولايات المتحدة مضطرة للانسحاب من منطقة غرب آسيا، وهذا الاستنتاج الاستراتيجي باتت العديد من دول المنطقة تؤمن به.
عمر نجيب