تدوينة لي : د. بدي ولد ابنو/ مدير معهد الدراسات والأبحاث العليا في إبروكسيل وأستاذ بجامعة دوفين في باريس

اثنين, 2015-11-23 17:13

إذا اعتبرنا مع كثير من المؤرخين أن مفهوم الغرب وُلد مع كارل الكبير (شارلمانيْ) فإن ولادته كانت تعني مستوى ما من تجاوز ـ أو تأجيل ـ صراع الفضائين اللاتيني والجرماني. وذلك قبل أن يأخذ هذا الصراع بمعنى ما، سبعة قرون بعد كارل الكبير، شكْـلَ الحروب الدينية (البروتستانتية /الكاثوليكية) ثمّ شكْـلَ صراع السكلارية أو"العلْمنة" الذي مازال بشكل ما مستمرا. صحيح أن مملكة شارلماني كانت في مواجهة عرضية مع أمويي الأندلس. ولكنها كانت تعتبر نفسها حليفة للعباسيين في بغداد (رسائل شارلماني إلى هارون الرشيد) ولممثليهم في اسبانيا (إمارات برشلونة وسرقسطة ووشقة). أكثر من ذلك ظلّ شارلماني، بحماسه الديني الكاثوليكي المعروف، يَعتبر تحالفَه مع العباسيين موجها ضد الأرثودكسية البيزنطية (يتعلّق التحالف مثلا بحماية الحجاج الكاثوليك إلى القدس من اليزنطيين إلخ). وهو ما يعطي مفهوم الغرب الكارولونجي معنى أكثرثخونة حين نعيد إلى الأذهان إصرار شارلماني على أن لا يكون فقط وريث الجرمنة ولكن أيضا وريث ضحيتها الأمبراطورية الرومانية الغربية. تماما كما أن الأرثوكسية البيزنطية تُمثلُ استمرارا وقطيعة معا للامبارطورية الرومانية الشرقية. بعبارة ثانية فإن ميلاد مفهوم الغرب كان في هذا الأفق، سلبا وإيجابا، نتاج صراعات مسيحية داخلية على امتلاك "المعنى" أكثر مما كان تعبيرا عن صراع مسيحي إسلامي.  

 

 خلْفَ التعقيد الحالي لمفهوم الغرب تقف إشكاليات مركّبة مرتبطة أساسا بالتحولات الجيوستراتيجية الحالية. وهو ما يفسرّ بمستوى ما عودة الأدبيات التي تحاول صياغة سرديات جديدة (أو مستعادة بهدف استثمار جديد) تتجاوز مفهوم غرب امبراطورية شارلماني (الكارولينجية) دون أن تلغيه (لنتذكر مثلا كتاب الفرنسي فيليب نمو "ماهو الغرب ?" سنة 2004 والنقاشات التي دارت حوله خصوصا بعد ترجمته السريعة إلى الانجليزية وصدوره في الولايات المتّحدة سنة 2005). إنها تبحث عن رسم إيديولوجي لمفهوم "الغرب" ينسجم مع المتطلبات الدعائية للمرحلة الحالية. هذه المحاولات تجمعها غالبا الرغبة في دمج جنوب وشرق المتوسّط في سردية ميلاد الغرب ونفي هذا الجنوب وهذا الشرق في نفس الوقت. هذا الدمج الإلغائي يقف على مجموعة من الاختزالات المتضافرة التي أصبحتْ جزءا من لامفكرٍ فيه يُـبنْين جزءا من الصور النمطية التي تستنْـفرها الدعاية السائدة. لا يتعلّقُ الأمر فقط بالأطلسية التبريرية ولكن كذلك بالعديد من التيارات الانكماشية في العالم الاسلامي التي تتوهم أنها منتجة لخطاب هي فقط أحد مستهلكيه.