الأبعاد الدولية للنكسة الأمريكية في أفغانستان..... هل تقدم واشنطن على ركوب مغامرة جديدة لاستعادة هيبتها؟

أربعاء, 2021-09-08 13:49

بينما يبقى غالبية الملاحظين والسياسيين في العالم منشغلين ومنبهرين بالتطورات السريعة في أفغانستان وما أسفرت عنه من سيطرة حركة طالبان على جل أراضي البلاد خلال أيام قليلة وإنهيار الجيش الذي عملت واشنطن على تشكيلة خلال 20 سنة منفقة عشرات مليارات الدولارات، تطرح تساؤلات عديدة من بينها، هل ستحاول الإدارة الأمريكية عن طريق عملية عسكرية أو سياسية ضد خصوم لها استعادة جزء من هيبتها المتضررة في أفغانستان؟ وهل تخلت واشنطن عن مخطط تأجيج حرب داخلية في أفغانستان تحولها بها إلى صومال آخر؟. وكيف سيتصرف حلفاء الولايات المتحدة عبر العالم في مواجهة احتمالات تخلي واشنطن عن حمايتهم أو دعمهم بشكل جدي في مواجهة أخطار قد يواجهوها؟. أسئلة كثيرة لا تنضب.

تقديرات الأجهزة العسكرية والاستخبارية خاصة الأمريكية والبريطانية عما سيحدث بعد إنسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، سقطت تباعا وهناك توقعات بأن المسيرة ستكون مشابه في المستقبل كما أن هناك شكوكا كبيرة حول نجاح مشاريع الحلفاء في الناتو في إغراق أفغانستان في حروب أهلية داخلية، أو في إفشال طالبان في إدارة شؤون البلاد سياسيا وإقتصاديا للتغلب على الكوارث المتراكمة خلال 20 عاما من التدخل العسكري.

بعيدا عن أفغانستان شرعت أنظمة وكيانات ودول في مراجعةسياساتها وتحالفاتها على ضوء الإخفاقات الأمريكية في بلاد جبال الهندو كوش.

 

مقاومة بانشير

 

يوم الاثنين 6 سبتمبر 2021 أعلنت حركة طالبان، "السيطرة الكاملة" على وادي بانشير بعد ستة أيام من المعارك، حيث تشكلت مقاومة راهنت واشنطن والعديد من حلفائها أنها ستشكل معضلة ضخمة لطالبان وستشجع على بروز بؤر مقاومة لها في أرجاء أخرى من البلاد خاصة حيث توجد أقليات، وبذلك يمكن لواشنطن أن تؤكد أنها لم تهزم، وأن خصومها يغرقون في فوضاهم كما حدث في الصومال.

مصادر رصد عدة أفادت أن الرهان الأمريكي على القوى المعارضة لطالبان في وادي بانشير أو بنجشير كانت كبيرة حيث نسقت الأجهزة الأمريكية في الوقت الذي كانت وحدات طالبان العسكرية تتقدم نحو العاصمة كابل، عمليات نقل كثيفة للعتاد والذخيرة ووحدات من قوات النخبة في الجيش النظامي الأفغاني نحو منطقة بانشير، في حين تم إقامة غرفة عمليات مدينة بازاراكمركز الإقليم لتقديم الدعم خاصة الإستخباري وكشف تحركات قوات طالبان.

يوم السبت 4 سبتمبر 2021 وبعد نشر تقارير غربية عن الصعوبات الضخمة التي تواجهها طالبان في ولاية وادي بانشير ، وهي منطقة جبلية وعرة تقع شمال العاصمة كابل، وتمتد على طول 115 كيلومترا. رجح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، أن أفغانستان تتجه نحو حرب أهلية شاملة، بعد عودة حركة "طالبان" إلى الحكم.

وقال ميلي، في حديث إلى شبكة "فوكس نيوز" من قاعدة "رامشتاين" الجوية في ألمانيا، ردا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة أصبحت أكثر أمنا بعد انسحاب قواتها من أفغانستان، قال إنه "من السابق لأوانه الحديث عن ذلك الآن".

وأضاف: "حسب تقييماتي العسكرية، من المرجح أن تتحول الأوضاع في أفغانستان إلى حرب أهلية، ولا أعرف ما إذا كانت طالبان قادرة على تعزيز سلطتها وتشكيل حكومة".

وأعرب رئيس الأركان الأمريكي عن قلقه من خطر استغلال مختلف التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" و"القاعدة" غياب الاستقرار في أفغانستان لتحقيق مكاسب في هذا البلد.

وذكر: "أعتقد أن هناك احتمالية كبيرة لاندلاع حرب أهلية أوسع، ما سيقود إلى تهيئة ظروف من شأنها أن تؤدي فعلا إلى انتعاش "القاعدة" ونمو "داعش" والعديد من الجماعات الإرهابية".

وتابع: "ربما سترون انتعاشا للإرهاب ناجما من هذه المنطقة في غضون الأشهر الـ12 أو الـ24 أو الـ36 القادمة، وسنتابع ذلك".

وأقر ميلي بأن مهام ضمان أمن الولايات المتحدة وجمع البيانات الاستخباراتية في المنطقة ازدادت صعوبة نتيجة لإنهاء التواجد العسكري الأمريكي من أفغانستان، مضيفا:" سنضطر إلى إعادة إقامة بعض شبكات الاستخبارات البشرية وأمور أخرى، بعد ذلك عندما ستتوفر الفرص سنضطر إلى الاستمرار في تنفيذ ضربات عسكرية، إذا ظهر هناك خطر على الولايات المتحدة".

بعد ساعات قليلة من تصريحات المسؤول العسكري الأمريكي أفادت مصادر عديدة أن قوات طالبان تتقدم بسرعة في وادي بانشير وتوشك على استكمال السيطرة عليه. 

وكالة فرانس برس أفادت يوم الأحد 5 سبتمبر أن المقاومة المناهضة لطالبان برئاسة أحمد مسعود والتي تطلق على نفسها تسمية “جبهة المقاومة الوطنية” قد دعت في بيان إلى وقف إطلاق النار وذكرت إنها “اقترحت على طالبان وقف عملياتها العسكرية في بانشير … وسحب قواتها. وفي المقابل سنطلب من قواتنا الامتناع عن أي عمل عسكري”.

وردا على عرض مسعود، ذكر المتحدث باسم المكتب السياسي لطالبان إنه "لم يبق ما نتفاوض عليه مع أحمد مسعود بعد رفضه عرضنا للسلام قبل أسبوعين"، وذلك في إشارة إلى مساعي الحركة للسيطرة على ولاية بنجشير بطريقة سلمية في الفترة الماضية قبل أن تشن قبل أيام هجوما على المنطقة عقب رفض القيادات المحلية تسليمها دون قتال.

الناطق باسم المكتب السياسي لحركة طالبان أفاد كذلك إن الحركة تقترب من السيطرة على مركز ولاية بنجشير بعد سيطرتها على كافة مديريات الولاية، وأضاف أن أي قوات تنضم إلى الحركة في بنشجير لن تواجه أي مشاكل، مشيرا إلى أن إستراتيجية طالبان منذ بداية حملتها للسيطرة على البلاد هي ضمان الأمان لكل من ينضم إليها.

وشكلت الولاية رمزا لمقاومة الاحتلال السوفياتي، فقد صمدت نحو عقد من الزمان في وجه الجيش الأحمر من 1979 إلى 1989، كما كانت عصية على سيطرة طالبان إبان حكمها لأفغانستان بين عامي 1996 و2001. ولكن الغريب أنها كانت غير معادية للأمريكيين خلال 20 سنة من وجودهم.

الخلاصة أنه في يوم الاثنين 6 سبتمبر تبين مرة أخرى أن توقعات الخبراء العسكريين وغيرهم حول ما سيقع في بانشير تبخر.

 

التحدي الاقتصادي

 

بعيدا عن ساحة القتال تواجه طالبان معضلة اصلاح الوضع الاقتصادي الكارثي الذي تركه الاحتلال الأجنبي حيث وفي أواخر شهر أغسطس 2021، قالت المنظمة الدولية للهجرة إن نصف سكان أفغانستان -البالغ عددهم 40 مليون نسمة- من بينهم 10 ملايين طفل يحتاجون إلى مساعدات إنسانية منذ بداية عام 2021، وتوقعت ازدياد هذه الاحتياجات.

والمعروف أن إجمالي الناتج المحلي للفرد بأفغانستان سنويا لم يتجاوز 559 دولارا والبلاد في مقدمة قائمة أكثر الدول فقرا في آسيا على الرغم من تدفق المساعدات الخارجية والتحويلات المالية من المواطنين الأفغان الذين يعيشون في الخارج على مدى العقدين الماضيين.

 

الحنين إلى الماضي

 

في محاولة للتغطية على الانتكاسة الأمريكية والتشبث بالأمل فياستعادة الهيبة، صرح السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام،إن الولايات المتحدة ستعود في نهاية المطاف إلى أفغانستانبسبب تزايد التهديد الإرهابي في غياب الولايات المتحدة، مضيفا: "ستوفر طالبان ملاذا آمنا للقاعدة، التي لديها طموحات لإخراجنامن الشرق الأوسط ومهاجمتنا بسبب أسلوب حياتنا. سنعود إلىأفغانستان مثلما عدنا إلى العراق وسوريا". 

وقال إن "طالبان لديها رؤية للعالم لا تتوافق مع العصر الحديث. سيفرضون أسلوب حياة على الشعب الأفغاني من شأنه أنيجعلنا متألمين"، مشيرا إلى "أننا سنضطر إلى العودة لأنالتهديد سيكون كبيرا جدا". وأضاف  "لماذا عدنا إلى سورياوالعراق؟ لماذا لدينا 5000 جندي في العراق اليوم؟"، وأجاب: "بسبب تصاعد تهديد الخلافة واستعراض القوة خارج العراقوقتل الأمريكيين والفرنسيين ومهاجمة البريطانيين".

وأضح السناتور الجمهوري الأمريكي، في مقابلة مع إذاعة بيبي سي البريطانية يوم الأثنين 6 سبتمبر، أن الولايات المتحدة بعدما يقرب من عقدين، سحبت جميع قواتها من أفغانستان، بالكادبعد أيام، سقطت الأمة بأكملها في يد طالبان.

واكد غراهام: ان هذا سيكون وضعا يساعد علي تفشي السلوكالإسلامي المتطرف، لذلك لا يمكننا التعامل مع ذلك عن بعد. 

واقترح السيناتور الجمهوري ان تقوم الإدارة الامريكية بمساعدةالمقاومة في بانجشير، لان طالبان لن تستطيع إدارة أفغانستانبسبب كره الأفغان لها. 

واردف ليندسي: ان تنظيم داعش سيقوم بمهاجمة طالبان، وستنهار البلاد كليا خلال السنة القادمة، مما سيخلق فرصةسانحة لمهاجمة مصالح الغرب، وهو مما يترك لك احد خيارين، اماأنك تقول انها ليست مشكلتك وتترك الوضع يتفاقم، او ان تستبقبضربهم قبل أن يضربوك.

 

نحن وهم

 

فشلت الولايات المتحدة في أفغانستان، وآثار ذلك تظهر حاليا وستظهر مستقبلا وسيكون لها تأثير عميق على سلوك القوة التي توصف بالعظمى والأولى عالميا.

جاء في بحث نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن كتبه إليوت أكيرمان الضابط السابق في وحدات الـ"سي آي إي" وكالة الاستخبارات المركزية شبه العسكرية:

تطلبت كل حرب خاضتها الولايات المتحدة نموذجا اقتصاديا محددا يسهم في استمرارية تمويلها، وإمدادها بما يكفي من أفراد وأموال. ومثلا، تأمنت استمرارية الحرب الأهلية الأمريكية في الفترة من عام 1861 إلى 1865 بفضل قانونين لم يكونا مسبوقين تاريخيا، يتعلق أحدهما بالتجنيد والآخر بضريبة الدخل. على نحو مشابه، شهدت الحرب العالمية الثانية تجييشا وتحركا دوليا، وتضمن ذلك بالنسبة إلى الولايات المتحدة قانونا جديدا في التجنيد، ومزيدا من الضرائب وعمليات بيع أسهم الحرب. في المقابل، تمثل أول ما ميز حرب فيتنام، في قانون تجنيد لم يكن شعبيا على الإطلاق، بل أسهم في إطلاق الحركة المناهضة للحرب وسرع في وضع حد لذلك الصراع. 

واستطرادا، جاءت الحرب على الإرهاب كالحروب التي سبقتها بنموذجها الاقتصادي الخاص بها، إذ خيضت تلك الحرب بجيش كامل من المتطوعين، تأمنت رواتبهم بالدرجة الأولى عبر الاقتراض من الإنفاق العام أي ما يعرف بعجز الإنفاق العام. وينبغي أن لا يتفاجأ أحد من أن يكون هذا النموذج، بحكم تصميمه، صرف انتباه معظم الأمريكيين عن تكاليف النزاع، وأدخلهم في أطول حروبهم تاريخيا. في هذا الإطار، وضمن خطابه في 20 سبتمبر 2001، حين تحدث عن الطريقة التي ربما يعتمدها الأمريكيون في دعم جهود الحرب، دعا بوش الأمريكيين إلى المضي قدما قائلا "أسألكم أن تعيشوا حياتكم، وتعانقوا أطفالكم".

واستطرادا، خلّف ذلك النموذج في الحقيقة تأثيرا كبيرا في الديمقراطية الأمريكية، الأمر الذي لم يدرك تماما إلا بعد مضي 20 عاما. واليوم، مع انتفاخ وتعاظم العجز الوطني والتحذيرات من التضخم، من المفيد الإشارة إلى أن الحرب على الإرهاب غدت واحدة من أولى وأعلى النفقات التي وضعها الأمريكيون في بطاقات ائتمانهم الوطنية، وذلك بعد الموازانات المعتدلة التي تميزت بها حقبة التسعينيات من القرن العشرين، إذ شكل عام 2001، آخر عام لموازنة فيدرالية يمررها الكونغرس وتنتهي بفائض. وتمويل الحرب عبر الاقتراض من الإنفاق العام أتاح لذلك التمويل التزايد من إدارة رئاسية إلى أخرى، من دون أن يظهر سياسي واحد على الأقل ويتحدث عن مسألة "ضريبة الحرب" بمعنى فرض ضريبة هدفها تمويل الإنفاق على الحرب. وفي تلك الأثناء، جاءت أشكال أخرى من الإنفاق تمتد من برامج الإنقاذ المالية للرعاية الصحية إلى برامج تحفيز التعافي من الجائحة في الفترة الأخيرة، مع سجالات تستمر حتى انقطاع الأنفاس. 

استكمالا، إذا عمل الاقتراض من الإنفاق العام على تخدير الشعب الأمريكي وصرف انتباهه عن الأكلاف المالية للحرب على الإرهاب، فإن التحولات التكنولوجية والاجتماعية جاءت كي تحجب عن الأمريكيين الأكلاف البشرية المترتبة على تلك الحرب، إذ أسهم استخدام الطائرات المسيرة وغيرها من المنصات الحربية، في نمو وتطور الحرب المؤتمتة، ما أتاح للجيش الأمريكي تنفيذ عمليات القتل عن بعد. وزاد ذاك التطور في إبعاد الأمريكيين عن الوجه القاتم من أكلاف الحرب، سواء تمثلت تلك الأثمان في موت جنود أمريكيين، أو مدنيين أجانب. وفي الآونة ذاتها، أسهم غياب القانون المتعلق بالحرب، في السماح للحكومة الأمريكية أن تلزم حروبها لطبقة عسكرية مغلقة، فباتت جماعة يزداد انعزالها الذاتي عن المجتمع، ما فتح الباب أمام انقسام مدني عسكري عميق، لا يقل حدة عن أي انقسام عرفه المجتمع الأمريكي في مسار تاريخه.

بعد عقدين من السنين، تعاني الولايات المتحدة من الإنهاك جراء الحرب. وحتى لو أدت أمور كالاعتماد كليا على المتطوعين في تشكيل الوحدات العسكرية وغياب الضريبة الحربية، إلى إعفاء معظم الأمريكيين من تحمل أعباء الحرب، إلا أن ذاك الإنهاك آخذفي التكشف. وخلال ولاية أربعة رؤساء أمريكيين، احتفل الأمريكيون بداية ثم راحوا يعانون حروبا لا تنتهي، بل تحضر في خلفيات حياتهم. وشيئا فشيئا، تعكر المزاج الوطني عم الاستياء، وانتبه الخصوم إلى ذلك. واستنادا إلى ذلك، أسهم إنهاك الأمريكيين، وتنبه الدول المناوئة لأمريكا له، في تضييق الخيارات الاستراتيجية للولايات المتحدة. وبالنتيجة، تبنى الرؤساء الأمريكيون سياسات عدم الفعل، فتقوضت المصداقية الأمريكية. 

ثمة أمر يجعل الحرب على الإرهاب مختلفة عن الحروب الأخرى وقوامه أن النصر فيها لا ينجَز عبر تحقيق نتائج إيجابية على الإطلاق، بل يبقى الهدف محصورا في منع حصول نتائج سلبية. لا يتحقق النصر في تلك الحرب حينما تدمر جيش عدوك، أو تحتل عاصمته، إذ يظهر النصر حينما لا يحصل شيء أبدا. فكيف، ستعلن ساعتئذ النصر؟ كيف يمكنك إثبات شيء ما يكون سلبيابمعنى أن لا يحصل شيء؟.

 

نهاية شرطي العالم

 

كتبت نتاليا ماكاروفا، في "فزغلياد" يوم 2 سبتمبر 2021، حول الأسباب التي تجعل واشنطن تتخلى عن أسلوب تغيير العالم بالقوة.

وجاء في المقال: قال جو بايدن، في خطابه للأمة، إن "الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يضع خطاً تحت حقبة محاولات إعادة صياغة الدول الأخرى بالقوة".

وذكر بايدن إن الولايات المتحدة، بعد سحب قواتها من أفغانستان، يجب أن تركز على التحديات الجديدة، والتي تشمل، من بين أمور أخرى، الصين وروسيا. وأضاف: "لقد رفضت الاستمرار في حرب لم تعد في المصلحة الوطنية".

وفي الصدد، قال الخبير في الشؤون الأمريكية مالك دوداكوف إن "المؤسسة الأمريكية تدرك أنها لم تعد لديها القدرة على استخدام القوة لحكم العالم ولعب دور شرطي العالم".

وبحسبه، فإن الإمكانات العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة آخذة في التناقص تدريجيا. "فعصر العالم أحادي القطب يغدو من الماضي. الآن، العلاقات الدولية تسودها التعددية القطبية. لذلك، يعترف الرئيس الأمريكي جو بايدن بالواقع الموضوعي في خطابه".

لكن، وفقا لدوداكوف، "أمريكا لن تتوقف عن الدفاع عن مصالحها، إنما ستغير فقط أساليب العمل". "يدركون في الولايات المتحدة أنهم لم يعودوا قادرين على فرض قيمهم ومصالحهم على العالم بالقوة. يجب اللجوء إلى الطرق الموضوعة في المجال القانوني، الدبلوماسية والقوة الناعمة".

وقال: "ستستخدم الولايات المتحدة الآن أساليب أقل كلفة وتسبب ردة فعل أقل سلبية من قبل بقية العالم، خلاف الحروب التي خاضتها واشنطن على مدار الثلاثين عاما الماضية".

ووفقا لضيف الصحيفة، "من الواضح أن بايدن يرى روسيا والصين خصمين جيوسياسيين للولايات المتحدة". "تم التركيز بشكل كبير على منطقة جنوب شرق آسيا، حيث يعتزم الزعيم الأمريكي زيادة الضغط على الصين. ومن خلال ذلك، يعترف مرة أخرى بأن العالم بات متعدد الأقطاب".

 

دروس الهزيمة

 

كتب فياتشيسلاف كوستيكوف مدير مركز التخطيط الاستراتيجي، في "أرغومينتي إي فاكتي" يوم 2 سبتمبر 2021، حول الفوائد التي سوف تجنيها الولايات المتحدة وسواها من مراجعة دروس الهزيمة في أفغانستان.

وجاء في المقال ": إذا كان الغرب الجماعي يريد التعلم من فشل مهمته في "عصرنة" أفغانستان، فسيتعين عليه أن يتقبل المهمات الجديدة لسياسته الخارجية. وهي لن تقوم على ربط "هوامش العالم" بقاطرة التقدم الأوروبي، إنما على محاولة الجمع السلمي بين القيم المسيحية والإسلامية ومبادئ السياسة الأوروبية وممارسات الحضارات الشرقية.

هل الغرب الجماعي مستعد لقبول مثل هذا التغيير في سياسته الخارجية؟

في أول خطاب له بعد مغادرة أفغانستان، أعلن جو بايدن عن الحاجة إلى تغييرات جادة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. يبدو أن الرئيس الحالي يواجه إعادة تفكير صعبة ومؤلمة في التوازن بين رغبات الولايات المتحدة وقدراتها. لقد تضررت هيبة أمريكا بشكل خطير نتيجة الفشل الأفغاني، وسيتعين استعادتها ليس في اتجاه السياسة الخارجية، إنما في السياسة الداخلية من خلال حل المشكلات الاجتماعية الملحة. وقبل كل شيء مشكلة عدم المساواة الاجتماعية.

يبدو أن فشل "المهمة الأفغانية" سيجبر السلطات الأمريكية، كما حدث للاتحاد السوفيتي، على البحث عن بيريسترويكا خاصة بها. لقد حدد جو بايدن الخطوط العريضة الأولى: تحديث البنية التحتية المتقادمة ومكافحة الفقر. لهذه الأغراض، سيتم تخصيص 4.5 تريليون دولار.

ما هي تحديات التوجهات الجديدة للسياسة الأمريكية تجاه روسيا؟ لنتذكر أن ميزانية روسيا السنوية أقل بـ 15 مرة من ميزانية الولايات المتحدة. فإذا ما قام الأمريكيون بتعديل طموحاتهم في السياسة الخارجية وبدأوا في تحديث البلاد، فقد يزداد تأخر روسيا عنهم أكثر من ذلك.

 

هل تتجاوز أمريكا آثار انسحابها ؟

 

جاء في تحقيق نشر في العاصمة الألمانية برلين يوم 21 أغسطس2021: أعادت مشاهد دخول حركة طالبان الأفغانية العاصمةكابول واستيلائها على مفاصل السلطة في البلاد بشكل سريعللغاية، مع انسحاب القوات الأمريكية من البلاد، مشاهد مماثلةلخروج الولايات المتحدة من فيتنام.

ويشير الباحث هال براندز، وهو خبير في السياسة الخارجيةالأمريكية، إلى عدة أسئلة يرى أنه يجب طرحها بشأن كيفيةوصول حرب استمرت عشرين عاما إلى ذروتها بفشل ذريعومأساوي. لماذا انهار الجيش الأفغاني بهذه السرعة المذهلة؟ ماهي الأسباب الجذرية لفشل أمريكا في أفغانستان؟ ولكن السؤالالأكثر أهمية هو: كيف ستتعافى قوة عالمية عظمى من مثل هذهالهزيمة المذلة؟

وليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها الولايات المتحدة هذاالموقف، فعندما غادرت آخر مروحية أمريكية مدينة سايغون،عاصمة ما كان يعرف بدولة فيتنام الجنوبية، في عام 1975،خلفت الولايات المتحدة وراءها كارثة إنسانية مماثلة وواجهت أسئلةمماثلة حول التأثير العالمي لانتكاسة مدمرة.

ثم تحولت أمريكا من الهزيمة في فيتنام إلى النصر في الحربالباردة بعد عقد ونصف عقد من الزمان، وهو تحول قد يتعلم منهالمسؤولون الأمريكيون درسا اليوم.

ويقول براندز في تقرير نشرته وكالة "بلومبرغ" للأتباء إن أوجهالتشابه في الحالتين ليست دقيقة. فقد كانت عواقب الهزيمة أسوأفي فيتنام لأن تكلفة التدخل الأمريكي هناك، في الأرواح، فضلاعن الانقسام الداخلي، كانت أكبر حجما. وكان السياق مختلفاأيضا، فقد اقترب سقوط سايغون من نهاية التنافس بين القوىالعظمى، أكثر من بدايته، آنذاك.

ولكن العناصر الأخرى في فيتنام لها صدى مخيف تمثل فيالانهيار السريع لنظام صديق، والشكوك الناتجة عن ذلك فيمايتعلق بمصداقية الولايات المتحدة وكفاءتها، وقبل كل شيء، حتميةالتعافي.

والدرس الأول من تلك الفترة، بحسب براندز، هو أن العودةالأمريكية لم تحدث بسرعة، فعلى مدى نصف عقد من الزمان،بدت واشنطن في تراجع في كل موقع، تقريبا. واغتنم السوفييتالفرصة لدعم وكلاء الشيوعيين بقوة أكبر في أنغولا وإثيوبياوأماكن أخرى في العالم النامي. وأثار ذلك قلق حلفاء الولاياتالمتحدة، فقد تساءلت بلدان في مختلف أنحاء جنوب شرق آسيا،علنا في بعض الأحيان، عما إذا كانت حماية واشنطن تستحقالكثير بعد الآن.

كما أنها أحبطت معنويات أمريكا نفسها، ففي خلال أواخرسبعينيات القرن الماضي، كانت الولايات المتحدة قوة عظمىمذهولة، وغير واضحة، واستهلكها الشك في الذات. وقد لخصالرئيس الأمريكي آنذاك، جيمي كارتر، المزاج العام في وقت مبكرمن رئاسته عندما قال: "خلفت الحرب الفيتنامية أزمة أخلاقيةعميقة، مما أضعف الثقة العالمية في سياستنا ونظام حياتنا،وهي أزمة ثقة زاد من حدتها التشاؤم الخفي لبعض قادتنا".

ثانيا، كان التعافي من تداعيات ماجرى في فيتنام يتطلب النظرإلى ما هو أبعد من ذلك. وحتى قبل السقوط، أدرك الرئيسريتشارد نيكسون ووزير الخارجية هنري كيسنغر أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تعوض ما تعرضت له من نكسات على ساحة،بالتقدم على ساحات أخرى. ولكن النجاحات الكبيرة التي حققهاالاثنان، مثل الانفتاح الدبلوماسي على الصين وبدء الوفاق معالاتحاد السوفييتي، لم تنقذ فيتنام الجنوبية. لكنهما خففا منالتأثير العالمي للهزيمة، وساعد الانفتاح على الصين في وضعالولايات المتحدة على مسار النجاح في الحرب الباردة، في نهايةالمطاف.

ثالثا، ربما يؤدي الفشل أحيانا إلى خلق فرص غير متوقعة، وقدأدى انسحاب الولايات المتحدة من فيتنام إلى تسريع وتيرة الحربالأهلية داخل العالم الشيوعي، عبر إزالة المصدر الوحيد المتبقيللوحدة، وهو معارضة الوجود الأمريكي..

وقدم السوفييت التزامات جديدة، ومكلفة، في أنغولا وأمريكاالوسطى وأفغانستان، في حين أن توسعهم العدواني أخرجالولايات المتحدة أخيرا من حالة الدوار في مرحلة ما بعد فيتنام.

 

قانون طبيعي

 

ولكن التعافي في الولايات المتحدة لم يحدث تلقائيا. والدرس الأكثرأهمية هو أن الأمر تطلب جهدا متضافرا لإحياء القوة الأمريكية.

ويقول براندز إن التاريخ لن يكرر نفسه بنفس الدقة، ولكن هذهالتجربة لا تزال ذات صلة. وتقوم وزارة الدفاع "البنتاغون" بالفعلبمراجعة تقييماتها لسرعة إعادة تشكيل الشبكات الإرهابية فيأفغانستان، ويسخر أعداء الولايات المتحدة، مثل الصين، منأصدقاء واشنطن ويقولون إن الولايات المتحدة ستتخلى عن هؤلاءفي المرحلة التالية.

ومن المؤكد أن القلق يساور بعض هؤلاء الأصدقاء بشأن ثباتالقيادة الأمريكية. وفي أفغانستان، كما كان الحال في فيتنام، لايمكن لواشنطن أن تفلت سريعا من الفوضى التي خلفتها وراءها. ومع ذلك، يمكن أن تبقي الصورة الأكبر في الاعتبار. وقد يكونللهزيمة آثار مثيرة للسخرية، فقد تهدد الصين بمزيد من عدمالاستقرار على الحدود الغربية للبلاد، وقد تؤجج التشددالإسلامي الذي يهدد مشاريعها المتعلقة بمبادرة الحزام والطريقفي باكستان، وآسيا الوسطى.

والواقع أن ما يحدث خارج أفغانستان سوف يكون في نهايةالمطاف أكثر أهمية لمستقبل القوة الأمريكية مما يحدث داخلالبلاد. وإذا تمكنت الولايات المتحدة، خلال السنوات المقبلة، منتنفيذ جوانب رئيسية أخرى من جدول أعمال الرئيس جو بايدن،بما يتمثل في حشد تحالف واسع مناهض للصين، ووضع أطرأقوى للتعاون الديمقراطي، وتركيز الجيش الأمريكي على تحدياتالردع والدفاع غربي المحيط الهادئ، وبناء الشراكات التكنولوجيةاللازمة للحد من محاولة بكين للتفوق الرقمي، فإن إرث أفغانستانلن يلوح في الأفق بهذا الحجم.

ومع ذلك، لن يحدث ذلك بمفرده، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الضررالذي ألحقته أفغانستان سيتردد صداه في الخارج ليمتد إلىجوانب أخرى من السياسة الخارجية الأمريكية، بما في ذلكالعلاقات مع الأصدقاء والحلفاء الرئيسيين، من الهند إلى أوروباالغربية. وفضلا عن ذلك، لا يوجد قانون طبيعي يضمن عودةأمريكا من جديد.

وكان التعافي من تداعيات ما جرى في فيتنام يتطلب إعادة بناءالثقة بالنفس في الولايات المتحدة، وإعادة الاستثمار في أدواتالسلطة الرئيسية، ودحض التصور العالمي بأن واشنطن فيتراجع، واستعادة المبادرة من خلال سياسات جريئة ألقتبمنافسي أمريكا في موقف دفاعي. ويستغرق تنفيذ هذا النوعمن جدول الأعمال سنوات.

 

إسرائيل ونكسة واشنطن

 

نشر موقع The Electronic Intifada يوم 28 أغسطس مقالا للكاتب على أبو نعمة، ذكر فيه عدة فرص تحاول إسرائيل اغتنامها من سيطرة طالبان على أفغانستان بغرض تحقيق مصالحها، إلا أنه دحض بعض الفرص وأثبت وهميتها، ووصف البعض الآخر بأنها تنم عن وقاحة فجة... نعرض منه ما يلي:

كان الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد أفغانستان أول حربين شنتهما أمريكا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 بغرض الثأر. تبع ذلك غزو العراق عام 2003.

تم تسويق غزو العراق على أنه ضروري لتدمير أسلحة الدمار الشامل غير الموجودة وتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان. بينما تم تبرير الهجوم على أفغانستان بأنه ضروري للقضاء على تنظيم القاعدة وبناء نظام ديمقراطي وتحرير النساء الأفغانيات.

لكن الانهيار السريع للنظام الأفغاني، الذي أنشأته الولايات المتحدة في كابل، سيبقى عالقا في الذاكرة لعقود وشاهدا على تراجع القوة الإمبريالية الأمريكية.

كانت الأهداف الحقيقية للمحافظين الجدد، الذين هيمنوا على إدارة جورج دبليو بوش عندما اندلعت الحربان، هي إعادة تشكيل المنطقة وضمان الهيمنة الأمريكية العالمية للقرن القادم.

العديد من المحافظين الجدد الذين عملوا في الحكومة الأمريكية لم يروا أي فرق بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية وأرادوا أن تزعزع الولايات المتحدة استقرار وتدمير أي دولة ينظر إليها على أنها عقبة أمام القوة والتوسع الإسرائيلي. لكن الانسحاب الأمريكي المتسرع من أفغانستان يشبه انسحاب إسرائيل المهين من جنوب لبنان في عام 2000، بعد عقدين من الاحتلال الإسرائيلي الوحشي الذي فشل في سحق المقاومة المحلية.

في إسرائيل، يحاول بعض المحللين والمحللات إيجاد جانب إيجابي لتقدم طالبان السريع، والانهيار التام للجيش الأفغانيالذي أنفقت الولايات المتحدة على تدريبه وتجهيزه مليارات الدولارات.

قال يوسى ميلمان، كاتب عمود في صحيفة هاآرتس، أن "الدرس المهم الذي يجب على إسرائيل استخلاصه من هذا الوضع هو أن عصر التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط قد انتهى".

ومع ذلك، فهو يأمل في أن تتمكن إسرائيل من "الاستفادة بطريقة غير مباشرة" من خلال تقديم نفسها كحامية للأنظمة "السنية" الحليفة لأمريكا في المنطقة والتي قد تكون أكثر عرضة للخطر في أعقاب انتصار طالبان.

يؤكد ميلمان: "باعتبارها القوة الأقوى بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، يمكن لإسرائيل الاستفادة من هذا الواقع الناشئ وجعل نفسها العمود الفقري للدعم العسكريوالاستراتيجي للعالم السني، الذي يخشى إيران والإرهاب الأصولي الذي قد يرفع رأسه مرة أخرى".

لكن في الحقيقة وجهة النظر القائلة بأن إسرائيل يمكن أن تحل محل الولايات المتحدة هي وجهة نظر وهمية، لأنها تستند إلى فكرة أن قوة إسرائيل موجودة بشكل منفصل عن واشنطن.

فإسرائيل تعتمد اعتمادا كليا على الولايات المتحدة لتفوقها العسكري، فضلا عن دعمها السياسي والدبلوماسي. وهذا أمريفهمه القادة الإسرائيليون جيدا.

بعيدا عن كونه تفكيرا غير واقعي، فإن أمل ميلمان في أن تستفيد إسرائيل من فشل أمريكا في أفغانستان يتماشى مع روح رئيس الوزراء السابق نتنياهو الذي كان سريعا في حساب كيف يمكن لإسرائيل الاستفادة من هجمات 11 سبتمبر لصالحها.

قال نتنياهو ببرود في نفس اليوم الذي شاهد فيه العالم الطائرات وهى تصدم مركز التجارة العالمي: "إنه جيد للغاية، حسنا، ليس جيدا، لكنه سيولد تعاطفا فوريا لإسرائيل".

عيران ليرمان، الكولونيل في الجيش الإسرائيلي، أكد أن هيبة الولايات المتحدة قد لحقت بها ضربة قوية من كارثة أفغانستان.

وذكر ليرمان: "لمواجهة هذا التأثير قدر الإمكان، سيكون من الضروري للولايات المتحدة أن تثبت أنها قوة غير مستهلكة". والهدف الذي يقترحه لإعادة تنشيط القوة الأمريكية هو العدو الإقليمي الأول لإسرائيل، إيران. موضحا أن هناك استفزازات في البحر، إطلاق صواريخ بالوكالة على السعودية وإسرائيل، تخريبا إقليميا، ومشروعا نوويا عسكريا سريع التقدم، كل هذا يتطلب ردا قويا، وليس استسلاما مقيتا على طاولة المفاوضات. لكن في الواقع، إسرائيل هي التي تشن حربا علنية على إيران، حيث تهاجم السفن والمنشآت وتقتل العلماء.

أحد مسئولي المخابرات الإسرائيليين السابقين قال أيضا فيهذا الصدد إنه "من الممكن الاستفادة من الأحداث فيأفغانستان لصالحنا". وبحسب المسئول: "الاستسلام المهين للولايات المتحدة في أفغانستان قد يدفع الرئيس جو بايدن إلى التشدد ويقرر استعراض عضلات الولايات المتحدة تجاه إيران".

أما بالنسبة لآخرين، تعتبر أفغانستان فرصة ذهبية لإسرائيل وجماعات مصالحها للانخراط في مواقف منافقة.

كتب الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد مقالا اقترح فيه أن إسرائيل يمكن أن تسجل انقلابا دعائيا باستقبال بعض اللاجئات واللاجئين الأفغان. مضيفا أنه سيكون عددا "رمزيا" من 50ــ200 لاجئ ولاجئة فقط.

قال رافيد: "هناك أسباب أخرى، ليست إنسانية أو أخلاقية فقط". وأوضح: "أعتقد على المستوى السياسي أن إسرائيل تريد أن ينظر إليها على أنها دولة غربية ليبرالية". وسيكون استقبال حفنة من اللاجئين واللاجئات الأفغان جزءا من عملية التوسيم هذه.

إسحاق هرتزوغ، رئيس إسرائيل الحالي، قال في عام 2015: "لا يمكن لليهود أن يظلوا غير مبالين عندما يبحث مئات الآلاف من اللاجئين عن ملاذ آمن".

لكن الأمر به قدر هائل من الوقاحة، في إشارة إلى رفض إسرائيل السماح لملايين اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين المطهرين عرقيا بالعودة إلى ديارهم لمجرد أنهم ليسوا يهودا.

وعلى نفس المنوال، فإن اللجنة اليهودية الأمريكية، إحدى مجموعات الضغط الأمريكية لصالح إسرائيل، تستغل أيضا الوضع الأفغاني لتظهر كمنارة للعمل الإنساني. وهذه هى نفس اللجنة اليهودية الأمريكية التى بررت ودافعت عن القصف الإسرائيلي الهمجي لغزة في مايو 2021، والذي أسفر عن مقتل عشرات الأطفال ومحو عائلات بأكملها.

إنها نفس اللجنة اليهودية الأمريكية التي تدعى أنها تجد تعصب طالبان بغيضا، لكنها مثل الجماعات الصهيونية الأخرى تعارض عودة اللاجئات واللاجئين الفلسطينيين على أسس متعصبة بأنهم ليسوا يهودا.

على كل حال، القادة الإسرائيليون يلتزمون الصمت علنا بشأن أفغانستان، لكنهم بلا شك منشغلون بما تعنيه الأحداث هناك بالنسبة لهم. 

قال مصدر دبلوماسي إسرائيلي رفيع: "إن الاستسلام لإيران بعد الانطواء في أفغانستان قد يؤدى إلى سلسلة من ردود الفعل الكارثية ذات الآثار الضارة على الأجيال القادمة في أمريكا".

وأضاف المصدر أن "الولايات المتحدة هي الوحيدة التي تملك خيارا عسكريا مهما وذا مصداقية لا يتضمن وجود جنود على الأرض، لتدمير البنية التحتية النووية الإيرانية أو إلحاق أضرار جسيمة بها على الأقل".

إذن، وعلى الرغم من التبجح والصخب بشأن ضرورة اعتماد إسرائيل على ذاتها، لا تزال إسرائيل بحاجة إلى الولايات المتحدة لخوض حروبها وحماية مصالحها.

 

جوانب سلبية

 

كتب لازار بيرمان يوم 20 أغسطس 2021 في "تايمز أوف إسرائيل":

على الرغم من أن المأساة "هزيمة واشنطن في أفغانستان" تتكشف على بعد حوالي 4000 كيلومتر من إسرائيل، إلا أنه سيكون لها تداعيات مهمة عليها والخيارات التي سيتخذها شركاؤها وأعداؤها في الأشهر المقبلة. بالنسبة لإسرائيل، التي ربطت نفسها بشكل مريح بواشنطن لعقود، فإن الجوانب السلبية واضحة.

"بينما ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها ضعيفة، بأبسط العبارات، فهذا سيء لإسرائيل"، قال ميكي أهارونسون، العضو البارز في معهد القدس للاستراتيجية والأمن والمدير السابق للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.

إن الفكرة القائلة بأن جهاز المخابرات الأكثر قدرة في العالم يخطئ في قراءة بلد كان متورطا فيه عن كثب على مدى عقدين من الزمن لا يوحي بالثقة في قدرة أمريكا على قراءة وتشكيل المنطقة – خاصة بعد سلسلة من إخفاقات استخباراتية بارزة في العراق وإيران وليبيا وغيرها.

"عندما تعاني أقوى دولة في العالم من فشل مذل في السياسة الخارجية، فسيكون لذلك آثارا دولية بعيدة المدى، بما في ذلك لدولة مثل إسرائيل، التي استندت كثيرا في ردعها وأمنها القومي على مصداقية شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة”، قال جون حنا، عضو خبير في المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي.

عبر الشرق الأوسط، أضاف استيلاء طالبان على أفغانستان إلى الشعور المتزايد بالفعل بتقلص النفوذ الأمريكي في المنطقة.

“لقد أرادت الولايات المتحدة منذ بعض الوقت تغيير وجهة مواردها المادية. أرادت إعادة جنودها، وتريد التعامل مع قضية الصين وروسيا، مع المناخ، أزمة فيروس كورونا، الاقتصاد، وإيران”، قال يورام شفايتسر، عضو باحث في معهد الأمن القومي الإسرائيلي.

مضيفا: “الولايات المتحدة لم تهزم. يمكن أن نرى الأمر كما لو أن الولايات المتحدة قد هزمت حتى تعود الأبقار إلى الوطن، لكن الولايات المتحدة أرادت المغادرة. فعلت ذلك ببساطة 17 عاما على الأقل بعد فوات الأوان”.

“سيتطلع الجميع إلى التحوط من رهاناتهم”، قال موشيه ألبو، مؤرخ الشرق الأوسط الحديث والباحث في مركز دادو للدراسات العسكرية متعددة التخصصات.

“في الخليج، سيستنتجون أنهم لا يستطيعون الوثوق بأي شخص سوى أنفسهم”، قال ألبو.

وقال ألبو إن مصر تحاول أيضا تحقيق توازن في مواجهة عدم الثقة الأمريكية المتصورة لسنوات. تعتبر الصين مصر ركيزة وجودها في الشرق الأوسط، وأصبحت لاعبا رئيسيا في بناء مشاريع البنية التحتية العملاقة في مصر. ووسعت القاهرة أيضا علاقاتها العسكرية مع موسكو التي تبني أول محطة نووية مصرية كبيرة.

 

خلل الأمن القومي

 

جاء في تحليل نشر في لندن يوم الأحد 5 سبتمبر 2021: يتواصل الجدل داخل إسرائيل حول مكانة الأمن القومي فيها خاصة بعد أحداث أفغانستان، وأوجه الخلل فيه وانعدام استراتيجية واضحة لديها خاصة تجاه الفلسطينيين.

انضم يوسي بلوم هليفي، كاتب مؤرخ ومحلل منظومات لسلسلة طويلة من الخبراء الإسرائيليين يحذرون من “الحلقات الضعيفة في سلسلة الأمن القومي ومن الجمود المتواصل في الفكر والاخفاقات البنيوية التي تقود إسرائيل إلى خطر وجودي”. ويقول هليفي في مقال نشرته “معاريف” الأحد إن ما يجري في البلاد في الأشهر الأخيرة يذكر بالنورس بما ورد في كتاب عضو الكنيست العمالي الراحل لوبا الياف “بلاد الغزال”، الذي نشر قبل نحو سنة من حرب 1973. وقتها قال الياف بلغة المجاز في كتابه إن طائر النورس كان ينظر من علو طيرانه إلى السفينة، يغرد بغضب ويحذر مسافريها بينما على دفة القيادة يقف قباطنتها سكارى بخمر مجدهم وواثقين بأنفسهم وبمكانتهم، ويقودون سفينتهم في البحر العاصف مباشرة نحو التحطم على الصخور".

ويوضح هليفي أن الأمن القومي، بروح مذهب الباحث الإسرائيلي الراحل يهوشع هركابي هو جملة كاملة من المواضيع التي لا تتلخص في جوانب الحرب والاستراتيجية العسكرية. منوها إلى أن “قوة ومتانة الدولة متعلقتان بالميزان الذي بين المقدرات المستثمرة في القوة العسكرية وبين باقي المقدرات في العموم الوطني، والتي تضمن قوة صمود مواطني الدولة في وقت الأزمة، بما فيها الدفاع عن الجبهة الداخلية، ضمان الحركة في داخل حدود الدولة وخارجها، بما في ذلك قدرة نقل القوات في خطوط داخلية وخارجية، ضمان التوريد الجاري للغذاء، الطاقة والمياه، الحركة الحرة في البر، في الجو وفي البحر من البلاد ومن خارجها. كما يشير لحيوية حماية صحة الشعب، المعنويات الوطنية والأمن الشخصي للمواطنين في أوقات الطوارئ، وبشكل خاص في إسرائيل – إحباط الإرهاب النابع من تهديدات داخلية، في الوقت الذي تستعد فيه القوة العسكرية وتتجند للحرب ضد التهديد الخارجي”.

يرى الكاتب أن إسرائيل، في العقود الثلاثة التي انقضت منذ اتفاقات اوسلو، غيرت وجهها، انجازاتها الاقتصادية، العلمية والقومية، التي تثير الحسد والعجب في أوساط أمم العالم، تقف اليوم أمام أزمة اجتماعية واقتصادية عميقة تعرض للخطر وجودها وقد دخل إلى هذه المعادلة العرب في إسرائيل كعدو داخلي لها.

 

جمود مفهوم الاحتواء

 

ويعتبر هليفي أنه منذ حرب الخليج الأولى، ليس لقوة إسرائيل العسكرية قدرة على ردع العدو من إطلاق الصواريخ نحو الجبهة الداخلية المدنية، وأصبح التهديد ملموسا بسبب جمود “مفهوم الاحتواء” لدى الجيش الإسرائيلي، منوها لشيوع مفاهيم “ليس هناك من ننتصر عليه” و”لا حل للارهاب” الذي يسيطر على السكان المدنيين.

ويرى محذرا أيضا أن هزيمة العراق في 2003 واتفاقات السلام التي وقعت مع الأردن، مصر ومؤخرا مع دول الخليج، أدت إلى مفهوم خطير يقضي بأن تهديدات الحرب الشاملة ضد الجيوش النظامية انتهت من العالم. ويضيف “كنتيجة لذلك، في أثناء السنوات الثلاثين الأخيرة، فكك الجيش الإسرائيلي قسما كبيرا من القوات البرية ضمن جيش الاحتياط – القوة الأساس في قدرة الدولة على الدفاع عن وجودها بكل مقياس”.

ويضيف: “إذا نظرنا إلى وضع قوات الذراع البري سنكتشف أنه حيال القوة العسكرية الهائلة للجيش المصري في سيناء -والذي بني في ظل الخرق الواضح لاتفاقات السلام- تقف فرقة إسرائيلية لوائية واحدة فقط ستضطر عند الطوارئ إلى التصدي لبنية تحتية مصرية لوجستية واسعة النطاق من الوقود والوسائل القتالية التي تسمح بأن تلقي على النقب، في أقل من 12 ساعة موجة هجومي أولى تضم جيشا من ثلاث فرق مدرعة، وهذا لا يشمل الألوية المستقلة التي تنضم اليها في القتال.

ويزعم أن الصراع يقصر عن وصف ما يمكن أن يحصل في العودة إلى ما جرى في 1960 بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي استحكامات توافيق السورية في الجولان عندما فشلت الاستخبارات في تشخيص دخول فرقة مدرعة مصرية وقفت على خط الحدود في حدود سيناء ترافقها ألوية مشاة أخرى. واستذكر أن الجيش الإسرائيلي الذي تفاجأ وقتها نشر القوات بصعوبة وبعث على عجل بمعظم القوة النظامية إلى الجنوب وبالتوازي جند الاحتياط بأوامر طوارئ.

ويضيف هلفي إن الجيش المصري في سيناء أشد خطرا على إسرائيل من قنبلة إيران.

 

عمر نجيب

[email protected]