الأستاذ والوزير السابق سيدي محمد ولد محم يدون عن كلمة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه في ملتقى المبادرة الإبراهيمية

سبت, 2021-05-15 14:21

قرأت بعناية يستحقها الموضوع وتمليها مكانة الرجل العلمية كلمة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه في ملتقى المبادرة الإبراهيمية الذي نظمته وزارة الخارجية الأمريكية عن بعد، وهي المبادرة التي وقع على وثيقتها المؤسِّسة شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان والعديد من الشخصيات الفكرية المؤثرة في العالم، ولغايات معلنة تشكل تشكل في عمومها هدف المسلم المعاصر وأبجديات رسالته في استقطاب الآخر إلى "كلمة سواء".
كانت عبارات الشيخ دقيقة وفياضة بالمعاني والقيم النابعة من فهم عميق لهذا الدين، محاولاً رسم معالم العلاقة التي أراد الاسلام أن تقوم عليها العلاقة بين المجموعات البشرية عموما وديانات التوحيد تحديدا بما يجمعها من مشتركات يُشكل استثمارها الطريق الأوحد لسلام عالمي ننشده قبل الآخرين، وقيام عدالة نحن أحوج إليها وأرغب فيها من كل الآخرين، ونقيض ذلك هو تنمية التباين والتعارض والحدّة، والذي نرى نتائجه حروبا ودمارا وتخلفا نحن أكثر عرضة له كذلك من دون الآخرين، فنحن الأمة المستضعفة التي تُحتل أراضيها وتقسم دولها ويتداعى الأقوياء لحربها وتدنيس مقدساتها، ونحن الأمة الإستثناء في مجال الديموقراطية والحكامة والاستفادة من مواردها لأننا أسأنا فهم رسالتنا وأسأنا فهم العالم وبالقطع فإن العالم أساء كثيرا فهمنا خطأً أحيانا وعمداً في أحايين كثيرة، لذلك فالإبقاء على شعلة أمل بحُسن الفهم والتحاور والتقارب واستثمار المشتركات يشكل أكبر ضمان لمستقبل أفضل للعائلة الإنسانية الكبرى التي لا تملك سوى قدر واحد وحتمي هو التعايش على هذا الكوكب ومد جسور التواصل بين كل مكوناتها.
أخيرا أقطع بأن أغلب منتقدي الشيخ لم يقرأوا وثيقة "الأخوة الإنسانية" التي تشكل المبادرة إحدى تجلياتها بعد أن صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع واعتمدها العديد من الهيئات الدولية المختصة، (ولا جديد في الأمر مطلقا) وهي مبادرات لا يستساغ تعامل المسلمين معها باعتماد سياسة المقعد الفارغ مهما كان تأويلهم لغاياتها وأهدافها، وحضورهم فيها يشكل فرصة لتقديم أنفسهم كما هم لا كما يحلو لأعدائهم، والشيخ بعلمه وتجربته وعلاقاته الدولية يعتبر الشخصية الأمثل لهذا الدور، إذا استبعدنا متلازمة الأحادية في الفكر والموقف.
إن تناول مواضيع فكرية بهذا الحجم والأهمية من زاوية المواقف السياسية المتغيرة والآنية للدول، أو على ضوء أزمة في العلاقات الخليجية قد تصبح من الماضي في أي وقت أمر يجانب الصواب، والجدل مع الشيخ ونقده في نظري يجب أن يكون في مستوى طرحه الفكري ومكانته العلمية، دون نظر كبير لموقعه الوظيفي.