رمضان في الغربة / الكاتب الصحفي سيدأحمد ولد أعمر ولد محم

خميس, 2021-04-15 21:00

في وسط مدريد  بالقرب من بوابة الشمس وفي ضحى السابع من رمضان الموافق لأوائل أكتوبر 2005؛ تزدحم الأرصفة المقابلة لواجهات المقاهي بالمرتادين والزوار؛ والنادل وصحبه بلباسهم الأنيق يقفون  بتواضع واستعداد في كل زاوية لخدمة الزبناء، وتشق مع رفاقك وبصعوبة طريق المشاة المحاذية للأرصفة في وجهتكم إلى هذه المؤسسة التي بفضلها أنت واثنين آخرين على هذا الصعيد لمواصلة دراستكم الجامعية العليا وقد تكفلت عنكم كل المصاريف عبر منحة شهرية مسلمة من غير تأخير ولا منّ ولا تسويف؛ لكنك لا تشعر أنك في رمضان ولا تحس أنك في أجوائه؛ وروائح الطهي وأدخنته تأتيك من كل جانب؛ ودخان السيجارة ورائحة القهوة النافذة وبخارها يحاصرك من كل اتجاه.

وفي المسكن الجامعي تبلغ القائمين أنك صائم؛ فيرحبون بك ويقول إن بإمكانك تناول الفطور والذي لا يتعدى وجبة غداء مؤخرة إلى وقت الإفطار. وتجلس إلى هذه المائدة العارية من مكونات الفطور المعهودة  من تمر ورطب وأطايب وحلويات؛ لكن مع ذلك أصدقاؤنا الإسبان لم يبخلوا شيئا قدموا أفضل ما عندهم، ونحن نشكرهم على خدمتهم.

وتتعرف في جلسات الافطار على إخوتك في الإيمان من السينغال وتونس ومصر والأردن وفلسطين وسوريا؛ ويقدم الأخير نفسه كأنه صاحب تجربة ويتقمص إلى حد ما دور الأخ الأكبر يحاول إعطاء دروس عن السلوك الواجب لاخوته الجدد؛ والسنغالي لطيف وقريب ولا يخوض كثيرا في النقاش والحديث؛ والمصري ودود مع ظرافة وثرثرة لغير ضرورة (وقد دعاني مرة إلى غرفته لاحتسي معه الشاي الأحمر)؛ أما التونسي فكان أكثرهم مودة وأحسنهم عشرة؛ كلمته أثناء الفطور أنني في حاجة إلى سلفة؛ وأنهى فطوره قبلي وهمّ بالمغادرة ؛ ثم نظرت إليه وكأن لسان حالي يقول له: ما مصير السلفة؟ فنظر إلي مبتسما وقال: أكمل فطورك وألحق بي في الردهة. وقد وفى بماوعد؛ وقد أوفيت بما استلفت؛ فشكرا له على مودته وعلى قربه.