يعيشح الوطن العربي فراغا قياديا مرعبا يسبب له الكثير من المعاناة نظرا للفوضى التي تعمه. البيت بحاجة لمن يقوده وينظمه ويسهر على حسن أدائه وترتيب أدوار ساكنيه والرقي بأوضاعه. منذ أن غاب جمال عبد الناصر والساحة العربية فاقدة البوصلة وغير قادرة على استجماع قواها ولا تنظيم نفسها وتحديد بوصلتها. أنور السادات لم يكن قادرا على المحافظة على دور مصر القيادي بخاصة بعدما تقرّب من الكيان الصهيوني ووقع اتفاقية كامب ديفيد. ولم يستطع صدام حسين أن يملأ الفراغ، وكذلك حافظ الأسد، والشيء نفسه يقال عن السعودية الآن أن تقود العرب وأن تكون المرجعية السياسية للوطن العربي، لكنها لن تستطيع ولا تملك مقومات القيادة لاسباب عديدة.
اما مصر ليست معنية بقيادة الوطن العربي، وهي دائما منشغلة بهمومها الداخلية. وتسلم قيادة مصر ثلاث رؤساء حجّموها وفق قاماتهم القصيرة وهم أنور السادات وحسني مبارك وعبد الفتاح السيسي. لم يأت على مصر رئيس بحجم عبد الناصر، ولا يبدو أن الشعب المصري يدفع باتجاه العودة نحو الصدارة.
ولا شك ان العراق تملك إمكانات القيادة، لكنها تحتاج لسنوات للوقوف على أقدامها. وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا. وعندما نتجول في الساحة العربية، الخيار الأكثر حيوية ونضوجا أمامنا هو الجزائر. الجزائر دولة عربية كبيرة بمساحتها البالغة أكثر من مليوني كيلومتر مربع، وبسكانها البالغين أكثر من أربعين مليونا. وهي تمتلك جيشا قويا ومسلحا تسليحا جيدا وقادرا على حماية الجزائر والدفاع عن جوارها العربي إن شاءت. وهي ليست فقيرة على الرغم من مشاكلها الاقتصادية والمالية، وإنتاجها النفطي جيد ويشكل رافعة قوية لاقتصادها إن أحسن قادتها إدارتهم.
ش تملك الجزائر العديد من المقومات القيادية. فهي ذات جغرافيا واسعة جدا، وبعدد سكان لا بأس به وقدرات إنتاجية كبيرة. والجزائر تملك موارد طبيعية كبيرة ووضعها المالي والاقتصادي مقبول ولديها ثروات نفطية وشمسية كبيرة.
إنما من الضروري النظر بالملاحظات التالية:
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كبير في السن، وهو لم يعد مثلما كان في عهد الرئيس هواري بومدين. كان بوتفليقة في العهد السابق أحد أركان شخصيات التحرر العالمي، وكانت له صولة وجولة في مواجهة الاستعمار والاستكبار العالمي، ووصل إلى درجة رئاسة الجمعية العاملة للأمم المتحدة. فهل هو قادر الآن على العودة إلى ما كان عليه؟ لا يمكن لعربي يحابي الاستعمار ويتمسح بأهدابه أن يقود الأمة العربية. قائد الأمة العربية يجب أن يكون ضد الظلم والظالمين ومع إقامة العدالة بين الناس، وأن لا يكون معتديا بل نصيرا للحق بغض النظر عن صاحبه.
الجزائر بحاجة إلى إصلاحات إدارية جذرية، والمطلوب محاربة الفساد الإداري والمالي، والعمل بجد على رعاية مصالح كل المواطنين بدون استثناء وبدو أي انحياز لطرف دون آخر.
من المفروض أن يتبنى الرئيس الجزائري خطابا عربيا يتناغم مع تطلعات الأمة، شريطة أن يكون التطبيق العملي أفضل البراهين على صدقية الأقوال. زمن دغدعة العواطف والأحاسيس قد انتهى، وانتهت معه الفهلوية والارتجال والعشوائية. العرب ليسوا بحاجة لأفواه كبيرة وإنما إلى سواعد قوية. ودور الجزائر الآن حيوي جدا بسبب الهجمة الخليجية الوقحة على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. دول في الخليج تتطاول وتتواقح وتنحط في تصريحاتها وعلاقاتها مع الصهاينة، والشعب الفلسطيني بحاجة لمن يقف معه في وجه محاولات تصفية القضية الفلسطينية. في خضم هذه الوحشية الهمجية الخليجية، صوت الجزائر لم ينطلق. مطلوب من الجزائر مواقف علنية ومن أعلى الهرم بشأن فلسطين وشعبها في مواجهة السعودية والصهاينة والأمريكيين. لقد استصرخت الجزائر مرارا عبر وسائل إعلامها، وطالبتها بمواقف في مختلف المحافل وإزاء كل السياسات التي تمس فلسطين، لكن القيادة الجزائرية بقيت مبتعدة، وهذا لاجوز ولا يليق بالجزائر.
الجزائر بحاجة كبيرة إلى تطوير صناعتها النفطية سواء على مستوى استخرادج النفط والغاز أو على مستوى التصنيع والتسويق. هناك خسائر تلحق لاقطاع النفطي الجزائري ما يؤثر على قدرات البلاد في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
ضرورة إعطاء انتباه أكبر لاحتياجات غير العرب مثل الأمازيغ والطوارق، ويجب أن تثبت الجزائر من خلال هذا الانتباه أنها دولة العدالة ولا تميز بين مواطنيها. ونحن بالتأكيد نريد تجنب كل ما يمكن أن يسبب توترات داخلية.
من المطلوب رفع مستوى ممارسة الحريات والمشاركة السياسية لتكون الجزائر محط أنظار المثقفين والأكاديميين والمفكرين العرب ومكان تجمعهم
انطلاقا من نية تشكيل بؤرة قيادية عربية، مطلوب من الجزائر التحول إلى مركز استقطاب لمختلف القوى العربية العلمية والاجتماعية والاقتصادية،الخ من أجل رفع مستوى التفاعل العربي والبحث المستمر في أفضل السبل نحو انطلاقة عربية حقيقية لتحقيق التطلعات العربية.
من الفضروري تحويل الجزائر إلى مركز إعلامي وثقافي عالمي تجتمع على أرضه كل القوى والطاقات العالمية الفذة والمبدعة والتي بالتأكيد ستساهم في نضوج التجارب العربية.
مطلوب ألا تستمع الجزائر لدعوات إخراج الإسلام من السلم السياسي، لكن مطلوب منها إزالة كل السلبيات التي علقت بالإسلام نتيجة ممارسات منظمات ودول عربية مارقة على الدين الإسلامي. يبقى الإسلام ضاربا جذوره التربوية والثقافية والإيمانية في الساحة العربية، واستبعاده يعني استبعاد طاقات عربية هائلة قادرة على المساهمة بقوة في بناء الأمة.
على مستوى الدول، الجزائر هي المؤهلة لقيادة الوطن العربي، لكن لا توجد لديها قيادة طموحة تمسك بدفة السفينة. وعلى مستوى الأشخاص، السيد حسن نصر الله هو المؤهل لقيادة الوطن العربي، لكنه ليس رئيس دولة، وكثيرون في بلاده يحاربونه. وإذا لم تتوفر فرص قيادة الوطن العربي فإن إيران هي التي ستقود العالم الإسلامي بما فيه الوطن العربي.