
هناك فرق كبير بين قوانين الجنسية العربية والأجنبية وفى أوروبا نظم ديمقراطية تميز تمييزا قاطعا بين الدولة والحكومة وبين حق أى مواطن فى أن يختار أعضاء المؤسسات بما فيها الحكومة بحرية كاملة وفق نظام انتخابى وبيئة قانونية صحية. والمواطن جزء من الشعب والشعب هو الركن الاساسى فى الدولة ومن حقه بل ومن واجبه أن يختلف مع الحكومة وأن ينضم إلى الاحزاب المعارضة التى تقدم نفسها للشعب على إنها أفضل من الحزب الحاكم والفيصل بين الفريقين هو صناديق الانتخاب الحرة الشفافه. فالمعارضة جزء أساسى فى النظام السياسى ولا يتصور قيام هذا النظام بغير معارضة والأصل
ان المنصب العام يشغله الأقدر على اقناع الناخبين دون تدليس أو مراوغه بأحقيته بالمنصب ولذلك فان النظم الديمقراطية تعتمد نظام الانتخاب الحر فى تشكيل المؤسسات كما تعتمد نظام الاستفتاء للحكم على بعض السياسات والقرارات فى الأمور الحساسة والخطيرة وهذا هو شأن الدساتير الأوروبية جميعا.
ومادامت الحكومة هى التى تقرر تطبيق قانون الجنسية الصادر عن برلمان توافرت فيه كافة الضمانات الديمقراطية الحقيقية والقانون هو الذى يمنح الجنسية للاجنبى ويدخله فى الجماعة الوطنية عن طريق التجنس. وهناك شروط قاطعة بين الوطنى المتمتع بالجنسية الأصلية بناءا على أن هذا المواطن مولود فى إقليم الدولة وينتمى إلى والدين مصريين فحاز بذلك ركني الاقليم والنسب. والجنسية الأصلية تدل على انتماء المواطن إلى الجماعة الوطنية وليس جواز السفر إلا وثيقة تعكس هذه الحقيقة ولا تملك الحكومة شيئا فمادامت لا تمنح للمواطن الأصلى الجنسية فلا سلطان لها على هذه الجنسية وترتيبا على ذلك فالحكومة لا تملك سلب المواطن جنسيته أو سحبها أو اسقاطها وهذا لايمنع أن بعض الدساتير تقرر بعض العقوبات فى حالة العطب الوطنى للمواطن مثل خيانة جماعته الوطنية كالتجسس أو غيره من التصرفات الضارة بأمن الوطن والدولة والمجتمع فيصدر القانون الذى يمنح الحكومة سلطة تقديرية فى مدى انطباق شروط حرمان المذنب من الانتماء للجماعة الوطنية وبالقطع ليس من بين الاسباب الموجبه للعقاب هو معارضة المواطن للحكومة فهذا واجب للمواطن والنظم الديمقراطية.
الجنسية الأصلية أبدية وهى علاقة مباشرة بين الانسان ووطنه قبل أن توجد الحكومة وإن كانت الحكومة منتخبة فهى أمينة على نقاء الجماعة الوطنية وحريصة على منع الانحرافات التى تؤثر على وجودها.
أما فى الدول العربية فالخلط قائم ومقصود بين نظام الحكم والنظام السياسى كما أن الخلط قائم بين الدستور وبين تطبيقه على الواقع وبين الحكومة والدولة فالحكومة بالمعنى الضيق هى الذراع التنفيذى فى السلطة السياسية ولكنها تطغى على السلطتين التشريعية والقضائية رغم نص الدستور على الفصل بين السلطات وعلى مبدأ سيادة القانون وعلى استقلال القضاء. وقد ترتب على طغيان السلطة التنفيذية وهى الحكومة أن كافة الأحزاب السياسية تحولت إلى مجرد ديكورات لتنفيذ مواد الدستور الذى ينص على التعددية الحزبية ويكون رئيس الدولة هو الذى يجمع جميع السلطات فى يده فنظام الحكم والنظام السياسى فى الدول العربية يختلطان خاصة وأنه فى الحالتين هناك مؤسسات ولكن هذه المؤسسات تتشكل فى النظام السياسى عن طريق الانتخاب ومبدأ المحاسبة القضائية والسياسية لهذه السلطات والمؤسسات اما فى نظام الحكم فإن رئيس الدولة ومعه فريق من المساعدين يحركون هذه المؤسسات ويؤثرون فى أدائها.
فيترتب على ذلك أن نظام الحكم هو الذى يسقط الجنسية عن المعارضين لهم على أساس أن نظام الحكم يزعم أنه الوطن وان المعارض خطر على هذا الوطن وأن نظام الحكم هو الذى يوزع الوطنية على عموم المواطنين ويفترض أن الشعب كله يثق به ويعتز بنظام الحكم الذى يمتثل لقراراته. أما النظام السياسى فلايمكن أن يقر قانونا يجرد المواطن الأصلى من جنسيته كما أنه يتيح للمتجنس أن يلجأ إلى القضاء إذا رفضت الحكومة منحه الجنسية أو اسقطتها أو سحبتها لأن القضاء له سلطة مراقبة اعمال الحكومة وكلها قرارات ادارية للتأكد من أن الحكومة طبقت القانون تطبيقا صحيحا.
يترتب على ما تقدم أن المشكلة الاساسية فى الدول العربية هى سيادة الشروع وشيوع نظم الحكم وليس النظم السياسية بقطع النظر عن اشكال الحكومات ونظم الحكم الاسرية أو جمهورية أو حزبية وهذه هى الثلاثية السائدة فى العالم العربى .
وقد ترددت تقارير حول عدم تجديد جوازات سفر بعض المعارضين للحكومة المصرية ومعنى ذلك أنه مع عدم صدور القرار الحكومى بسحب الجنسية أو اسقاطها يكون تصرف الحكومة ناقضا للقانون الذى نص فى مادته 16 على أنه يجوز بقرار مسبب من مجلس الوزراء اسقاط الجنسية المصرية عن كل من يتمتع بها بأى حالة من الحالات السبعه التى فصلها القانون ونعتقد أن بعض هذه الاسباب تنطبق على المتجنس والوطن الأصلى والطريف أنه من أسباب سحب الجنسية واسقاطها وهو السبب السابع أن يتصف المصرى المتجنس أو الأصلى بأى وقت من الأوقات بالصهيونية (أنظر المادة 16 من القانون رقم 26 من سنة 1975 المعدل بالقانون 154 لسنة 2004 ) .
ومن الواضح إنه ليس من بين الأسباب الموجبه أو المبررة لسحب الجنسية واسقاطها هو معارضة الحكومة المصرية اللهم إلا إذا فسرت الاقامة فى دولة أجنبية تفسيرا يتفق مع بعض الاسباب الواردة فى هذه المادة مع ملاحظة أن بعض هذه الأسباب قد تنتهى مثل أن المواطن يعمل لمصلحة دولة قطعت معها مصر علاقاتها الدبلوماسية ومن شأن هذا العمل الاضرار بمركز مصر أو المساس بأى مصلحة قومية أخرى أو إذا قبل فى الخارج وظيفة لدى حكومة أجنبية أو دولية بالرغم من صدور أمر مسبب له من مجلس الوزراء بتركها نقول إذا تخلفت أسباب السحب أو الاسقاط أو إذا كان التبرير غير مستساغ هذا كله يحسمه القضاء المصرى ولذلك رخصت المادة 18 لوزير الداخلية رد الجنسية المسحوبة أو المسقطه بعد مضى خمس سنوات من تاريخ السحب أو الاسقاط إذا توفرت ظروف معينه ونحن نعتقد أنه لامبرر لمضى كل هذه الفترة وإنما يكفى أن تزول أسباب السحب أو الاسقاط.
والحق ان القانون المصري يتفق مع التشريعات الاوروبية ومن السهل اتهام المصري المعارض المقيم في دولة عربية او اوروبية بانه يعمل ضد مصالح دولته ممايبرر اسقاط او سحب جنسيته وشدد القانون المصري علي ان يتخذ مجلس الوزراء القرار الذي يتوجب ان يكون مسببا حتي يمكن للقضاء ان يراقبه.
مما يذكر ان قوانين الجنسية الاوروبية تعطي المواطنة لكل من يحصل علي الجنسية ولاتميز بين الاصيل والمتجنس.
السفير د. عبدالله الأشعل كاتب ودبلوماسي مصري