من يحاول التصدي لجرد حساب العقل والمغامرة في تاريخ العرب سوف يفاجأ بأن "العقل" إياه خرقة بالية يتستر خلفها المستسلمون و المتآمرون على هذه الأمة منذ أن كانت أمة! و أن الجنون كما كان يسمى في الجاهلية الأولى هو نفسه المغامرة بمصطلح جاهلية القرن الواحد والعشرين!
قال الأجداد: أجداد " العقلاء" عندما أفصح محمد صلى الله عليه وسلم عن دعوته إلى الله في مجتمع الجزيرة العربية الجاهل إنه مجنون! مجنون رغم ما كانوا يعرفون من صدقه وأمانته و طهارة حسبه ونسبه؛ لكن الغي المستحكم في نفوسهم وما توارثوه من قيم تصوروها مطلقة وكاملة لم يترك في عقولهم مكانا للروية و التمعن في الآي البين والهدي المتدفق على لسانه!
تلك إذن سنة قد خلت في العرب: سنة التكذيب والتسفيه لكل من خالف أهواء كبرائهم و دهاقنتهم!
كان ذلك في العرب الأحرار المنطلقين على السجية المتمسكين بقيم الرجولة والصدق والشرف، الذين يأنفون الضيم ويأبون الخضوع لغير الله، أما وقد باد أولئك القوم، أو بالأحرى بادت القيم والمعاني السامية؛ فقد خلف من بعدهم خلف أضاع الشرف و أسلم القياد للأجنبي!
والآن دعونا نستعرض في عجالة تاريخ العقلاء والمغامرين في واقعنا العربي الحديث:
العقلاء هم الذين باعوا قضية العرب أولا في فلسطين، تغافلوا أو استغفلوا من طرف الانتداب البريطاني وصدقوا وعود التاج البريطاني وتمادوا في تصديقه حتى استفاقوا على ما سمَّوهُ-العقلاء طبعا- نكبة 1948: قيام كيان يهودي على أرض فلسطين وتهجير أصحاب الأرض الشرعيين!
أما المغامرون فهم أول من تنبه إلى المخططات البريطانية و نيتها المبيتة في إقامة وطن قومي لليهود فتصدى لها بالكلمة و السلاح و القلم!
العقلاء هم الذين حشدوا جيوشا هزيلة مضعضعة بلا سلاح ودفعوا بها لتنهزم في حرب العرب الأولى مع الكيان المزروع!
أما المغامرون فهم من شكلوا أول نواة للمقامة الشعبية ورفضوا التقسيم و مات من مات منهم على ذلك!
عقلاء العرب هم من وقفوا في وجه ثورات التحرر العربية: وقفوا في وجه ثورة أحمد عرابي ووقفوا في وجه تحديث محمد على، ووقفوا في وجه الثورة المصرية، ووقفوا في وجه ثورة العشرين في العراق، و وقفوا في وجه الثورة الجزائرية...!
أما المغامرون فهم من كانوا حطب تلك الثورات و وقودها، هم من دفعوا الثمن من دمهم و أرواحهم ليطيلوا عمر أمة يتبارى عقلاؤها في إيرادها موارد الهلاك!
محمد المختار الفقيه الفقيه