حدثُُ لافت ونوعي بكل المقاييس ، وحصاد لتجربة رائدة صنعتها أياد وقلوب وعيون سهرت لحراسة لغة الضاد في قلب بلاد لا تتكلم بها ، واحتفال ختامي نوعي بحضور رسمي ومؤسساتي يدلل على عمق الأثر وحسن الترتيب والتلاحم الإيجابي لإنجاز المشروعات الريادية .
خمسة شهور متعاقبة من التصفيات والمباريات باللغة العربية استوعبت المدارس العالمية ومدارس وثانويات الأئمة والخطباء في أكثر من ٨٠ ولاية تركية ، وسط تفاعل طلابي واضح ، ولجان تحكيم أكاديمية عليا ناهز عدد أعضائها ألف عضو لجنة تحكيم ، أفرزت حالات من الإبداع والتميز لأكثر من ١٢٠٠ مدرسة مشاركة في مجالات المسابقة .
تنوعت أقسام المسابقة هذا العام لتشمل الشعر والإلقاء ، والمسرح والتمثيل ، والمعلومات اللغوية ، والمناظرة والمحاججة ، والخط العربي ، وكان التنافس بين الثانويات والمدارس الإعدادية حافلاً بصور راقية من تفاعل الأتراك مع لغة عشقوها بوصفها لغة الدين ولغة التواصل الثقافي العالمي على مدى قرون من الزمان .
وبحضور والي مدينة كوجاإلي ورئيس بلديتها ، ولفيف من الحضور من المفتين والأكاديميين ورؤساء المؤسسات ومدراء المدارس ، كان الإعلام شاهداً على الحدث ، وعلى حجم الجهد المبذول في الإعداد والتجهيز لهذه المسابقات الفريدة والتظاهر الختامية الكبرى .
البروفيسور أحمد أغراكشا رئيس جامعة ماردين آرتكلو عبر عن سعادته بهذا الحدث ، وعن تفاؤله بأن يكون هذا الجيل الذي يتقن العربية والتركية ولغة أخرى على الأقل جيل المستقبل التركي القادم ، جيلاً يمد جسور الثقة والتلاقي مع العالم العربي والثقافة العربية والشعوب العربية .
أما عن المحطات الفارقة والمميزة ، فقد تحدث المتابعون عن حجم تفاعل كبير جداً ، وحضور لافت للمدارس والطلبة والمدراء والمؤسسات وممثلي الدولة والقطاع الخاص في هذا الحدث ، ناهيك عن عدد من الأكاديميين والمثقفين والشعراء العرب .
ولكون الحفل الختامي قد تم في ظل مسيرات العودة الفلسطينية ووسط حالة الغليان من الشارع التركي الذي تفاعل بشكل كبير مع الدم الفلسطيني المستهدف في فلسطين ، فقد قامت الطالبة الفائزة بالمرتبة الأولى بتقديم كلمة بالعربية والتركية ، أهدت من خلالها هذا الفوز لأرواح الشهداء في قطاع غزة وفلسطين عموما ، وسط حفاوة بالغة من الجمهور بهذه الخطوة التي تعبر عن حجم المسؤولية التي يتمتع بها هذا الجيل .
وبانتظار المسابقة في ثوبها العاشر ، بدأ الطلبة من اليوم الاستعداد لبرامج التفاعل والتنافس مستفيدين من هذه التجربة الثرية والمحفزة ، نصرة للسان الضاد في قلب تركيا التي لها لغتها الخاصة ، في رسالة قوية للشعوب العربية بضرورة صيانة اللغة الفصحى من العبث والاندثار .
د .نزار الحرباوي-اسطنبول