تهويد مدينة القدس ونقل السفارة يجري على قدمٍ وساق منذ زُهاء سبعون عاماً علي احتلال فلسطين التاريخية عام النكبة 1948م، وكيان دولة الاحتلال الاسرائيلي ماضيةً في اغتصابها واستيطانها وتهويدها للأراضي الفلسطينية وخاصة المحتلة في الرابع من حزيران من عام 1967م، واستكمالاً لتاريخ طويل من جرائم الاحتلال، والتهويد، جاء عام 2018م، ليشهد مرحلة سوداوية، وهي الأسوأ في تاريخ مجازر الاحتلال لتنفيذ قرار الرئيس الأميركي المُتصهين "ترمب" القاضي بنقل السفارة الأمريكية إلي مدينة القدس المحتلة في الرابع عشر من هذا الشهر أيار مايو؛ وبكل وقاحة وصلف دعا زعيم عصابة اليمين الاسرائيلي المتطرف نتنياهو دول العالم لأن تسير على خطى الولايات المتحدة في نقل السفارة!؛ وهذا الأمر شجع (حكومة) بل عصابة الاحتلال الإسرائيلي بالمزيد من عمليات تهويد مدينة القدس المُحتلة عام 67م، وذلك من خلال الإعلان عن مشاريع استيطانية لبناء آلاف الوحدات السكنية الجديدة في المغتصبات "المستوطنات"!، وتسعى دويلة الاحتلال الاسرائيلي إلى إضفاء الشرعية على حوالي 200 ألف مستوطن يعيشون في مستوطنات القدس الشرقية المُحتلة، علي الرغم من أن تواجدهم يعتبر في نظر القانون الدولي غير شرعي؛ وهي بذلك، تهدف إلى تعزيز إجراءاتها في فرض وقائع جديدة لتثبيت سيادتها على المدينة المُحتلة، ووأد حل الدولتين!، مما يجعل من الصعب تجاوز الوقائع على الأرض في أي حراك مستقبلي للتوصل إلى تسوية؛ والعمل على فرض سياسات تهويديه عنصرية بهدف دفع المقدسيين الفلسطينيين للرحيل عن المدينة؛ حيث أنهُم يعيشون في ظروف معيشية صعبة بسبب الاحتلال، ويسكنون أحياء مكتظة، ويصعب عليهم الحصول على رخص للبناء، وتتعرض منازلهم للهدم، ويتعرضون هُم للقتل!؛ ويعانون من التمييز العنصري المستمر، كما ويعيش ثلاثة أرباعهم تحت خط الفقر!؛ كما يسعى الاحتلال لتفريغ سكان أربع أحياء سكنية كبيرة في القدس من سكانها الفلسطينيين، وإخراج تلك الأحياء المكتظة من حدود مدينة القدس الشرقية، وضمها إلى تجمعات عمرانية أخري؛ إضافةً إلى محاولة ضم مستوطنات الضفة الغربية الكُبرى، وشرعنه وجودها فيها، وتطبيق القانون الاحتلالي الإسرائيلي عليها، وبذلك تكون فكرة إقامة دولة فلسطينية علي حدود الرابع من حزيران 67م، أمر بعيد المنال؛ في ظل واقع المستوطنات والطرق الالتفافية للمستوطنات، ووجود جدار الضم والتوسع العنصري (الأبرتهايد)، ووجود الحواجز العسكرية الاحتلالية، فمثلاً إغلاق حاجز عطارة في منطقة رام الله لا يفصل فقط مركز مدينة رام الله عن ريفها، بل يعزل أيضًا بصورة شبه كاملة شمال الضفة الغربية عن وسطها وجنوبها والعكس؛ ويأتي ذلك التغول الاستيطاني للاحتلال خاصة في مدينة القدس المُحتلة بعد وصول ترمب وإدارتهِ المتصهينة لسدة الحكم في الولايات المتحدة!.
إن كل الاجراءات الاحتلالية التهويدية في مدينة القدس المُحتلة باطلة، باطلة، باطلة قانونياً ودولياً وعربياً وإسلامياً، لأن مدينة القدس حسب القانون الدولي والأمم المتحدة يجب أن تتمتع بالحماية بموجب الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية التراث الثقافي والطبيعي والديني في العالم، حيث طالبت الأمم المتحدة، حكومةَ الاحتلال إلى وقف أعمالها التهويدية غير المبررة ، والمحافظة على الممتلكات الثقافية والدينية، والتاريخية خصوصا في القدس المُحتلة، وكل الإجراءات الاحتلالية الاستيطانية الاسرائيلية الرامية إلى تغيير الوضع القانوني لمدينة القدس تُعتبر لاغية وتخالف القانون الدولي، وإن ممارسات الاحتلال اليومية وظُلمهِ للإنسان الفلسطيني ومقدساته المسيحية والإسلامية، واستمرار الأعمال الاجرامية من قوات الاحتلال وقطعان الغاصبين المستوطنين لا يمكن لها أن تغير شيئاً أو أن تنقص من حق الشعب الفلسطيني بالسيادة علي أرضه ومقدساته بمقتضي القانون الدولي؛ وحقه التاريخي في فلسطين التاريخية كلها؛ لأن الفلسطينيين أصحاب حق ومنغرسون في أرضهم منذُ أكثر من خمسة ألاف عام، وهنا يتوجب علي مجلس الأمن الدولي أن يعمل علي وقف الانتهاكات الاحتلالية البشعة ضد أهل القدس والمقدسات الإسلامية؛ وأن يوقف تلك الممُارسات الاحتلالية التي تُعد مُنافية لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 وبرتوكولاتها، واتفاقية لاهاي عام 1954م، والتي تنص على عدم ارتكاب أي أعمال عدائية ضد السكان أو أماكن العبادة ومنع تهويديها؛ ومنع السيطرة عليها بالقوة؛ ولكن هذا الاحتلال بزعامة رئيس عصابة المستوطنين الغاصبين اللص "نتنياهو" وأفراد "حُكومته"؛ المتُطرفة ماضيةً في غيهِا!؛ فلم يكتفوا باحتلال فلسطين التاريخية، وتهجير أهلها من خلال المجازر الارهابية التي ارتكبوها، بل تمادوا في ظُلمهِم واحتلالهم ومازالت عصابة قوات الاحتلال ترتكب المجازر حتى الان بحق المقدسيين والمقدسات، وسكان الضفة الغربية المُحتلة، وينتهكون حقوق الانسان الفلسطيني، وتتعرض القدس والضفة لمزيد من التهويد، والبطش والقمع!؛ ويحاول الاحتلال هدم المسجد الأقصى المبارك، وحتي الأموات لم يسلموا من قذارة الاحتلال المُجرم، والذي قام قبل يومين بِنبّش وإزالة القبور، وتدنيسها!؛ خاصة مقبرة الرحمة، لتبقي شاهداً علي فاشية ونازية الاحتلال حتي بحق رُفات الأموات المسلمين في تلك المقبرة الموازية والقريبة من جدار الحرم القدسي الشريف؛ والتي يرقد فيها الكثير من رُفات وأجساد العلماء والصحابة والتابعين والشهداء، والتي تعرضت للنبش والتهويد والطمس، والهدم! وما جدار الضم والتوسع العنصري عُنكم ببعيد والذي يبلغ طوله ما يقارب 776 كيلو متراً، وقد أجهز ودّمرْ حياة الفلسطينيين في القدس والضفة المُحتلتين، ويسعي لتقسيم الضفة لسبعة كانتونات ومعازل (غيثوهات)، مُقطعة الأوصال يفصل بين كل منطقة حواجز الاحتلال والإذلال البشعة!؛ كما يسعي الاحتلال لتفريغ مدينة القدس، وتشريد سكانها، وهدم ما حولهما وما يجاورهما من تراث إسلامي ومسيحي وحضاري؛ ضارباً بعرض الحائط كل المواثيق والقوانين الدولية كاتفاقية لاهاى لعام 1907 التي تنص المادة 56 منها على حظر ومنع الاستيلاء علي المباني التاريخية، الأثرية، والدينية كالقدس؛ فالجرائم متواصلة منذ احتلال المدينة عام 67م، واشتدت الأن، ولو أننا عُدنا إلى محكمة نورمبرغ والتي شُكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية لسنة 1945م أكدت على أن تعرض سلطات الاحتلال للاماكن الدينية أو المساس بها، وكذلك إعاقة أو تعطيل الشعائر الدينية في الأراضي المحتلة يشكل جريمة من جرائم الحرب؛ كما أن المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 الخاصة بحماية السكان المدنيين والتي تنص على حق السكان في المناطق المحتلة من ممارسة شعائرهم الدينية، ورغم كل تلك القرارات الدولية إلا أن الاحتلال قد وضعها تحت أقدامه، ومضيِ في افراغ المدن العربية الكبيرة في القدس المحتلة من سكانها الفلسطينيين، كما أن الأيام القادمة وتحديداً يوم الرابع عشر من هذا الشهر موعد نقل السفارة الامريكية للقدس ستكون حُبلي بالأحداث التي سوف يتمخض عنها ميلادٌ عسير وأليم، ولن يقف الشعب الفلسطيني مكتوف الأيدي أمام تلك الجرائم التي تستهدف الانسان الفلسطيني ومقدساتهً وستكون في مدينة القدس شراراً تُخرج ناراً وصواعق تحرق المحتلين الغاصبين ولن تمر صفقة القرن، ولا نقل السفارة للقدس بسلام، ولن يعرف الاحتلال الأمن أو الأمان أو السلام طالما لم ينعم الشعب الفلسطيني ومقدساته الاسلامية والمسيحية بالأمن والسلام، والأمان، فمن القدس يبدا السلام ومن القدس تندلع الحرب؛ فسلامُ علي مدينة السلام التي لم تر السلام منذ أن احتلها الغزاة الصهاينة، وستبوء بالفشل كُل محاولات تهويدها، أو طرد سكانها الفلسطينيين، أو شطب معالمها العربية والإسلامية، وستندم الإدارة الأمريكية الجديدة والاحتلال علي قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة، لأنها ستشعل فتيل حرب دينية في المنطقة كلها، لا أحد يعرف كيف أو متي ممكن أن ينطفئ لهيب نيرانها، وستحرق النار من أشعلها وهو الاحتلال والأمريكان.
الكاتب الصحفي والباحث والمفكر العربي
الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد أبو نحل
عضو الاتحاد الدولي للصحافة الالكترونية
الأستاذ والمحاضر الجامعي غير المتفرغ