ليس جديدا ان تقصف الصواريخ الإسرائيلية أهدافا عسكرية في العمق السوري، فقد اغارت طائراتها أكثر من مئة مرة في السنوات القليلة الماضية على هذه الأهداف، وبإعتراف قائد طيرانها العسكري، ولكن الجديد، وغير المسبوق، ان تصل الصواريخ الإيرانية الى هضبة الجولان، وتفشل القبة الحديدية الإسرائيلية في اعتراض عدد منها باعتراف افيغدور ليبرمان، وزير الحرب الإسرائيلي، عندما قال ان “بعض” هذه الصواريخ تم اعتراضها وتدميرها، والبعض الآخر لم يصل الى الأهداف العسكرية التي أراد تدميرها.
فاذا كانت القبة الحديدية فشلت في التصدي لعشرين صاروخا إيرانيا اطلقها محور المقاومة من طراز “غراد” و”فجر” “المتواضعة” وهما نتاج صناعته العسكرية، فكيف سيكون حال هذه القبة، واذا ما جرى اطلاق عشرات الآلاف من الصواريخ “المتقدمة” دفعه واحدة، ومن اكثر من مصدر؟
الوزير ليبرمان يكذب كعادته عندما قال ان الصواريخ التي اطلقتها طائراته دمرت البنية التحتية العسكرية الإيرانية في سورية بالكامل، لسببين: الأول ان نصف هذه الصواريخ (80 صاروخا) جرى اعتراضها حسب بيان وزارة الدفاع الروسية، والثاني ان مئة غارة إسرائيلية استهدفت البنى التحتية لسورية ولحزب الله على مدى السنوات القليلة الماضية، ودون ان يعترضها احد، فشلت في القضاء عليها، وتضخمت هذه “البنى” بشكل لافت في السنوات الاخيرة.
***
لا نجادل مطلقا في ان هذه الهجمات الصاروخية المتبادلة تضع ايران وإسرائيل على حافة حرب شاملة بين اقوى قوتين اقليميتين في منطقة الشرق الأوسط، فهذه هي المرة الأولى التي تدخل فيها ايران الحرب بشكل مباشر ضد إسرائيل، في وقت يطبّع معظم العرب العلاقات معها استسلاما، ويساند بعضهم هذه الضربات الإسرائيلية في وضح النهار دون خجل او حياء.
خسائر هذه المواجهة الصاروخية بين محور المقاومة واذرعه ودولة الاحتلال ما زالت غير معروفة، فسورية اعترفت رسميا باستشهاد ثلاثة عسكريين، وتدمير رادار وبعض المخازن، (مركز حقوق الانسان السوري المقرب من المعارضة تحدث عن مقتل 23 شخصا من بينهم 18 إيرانيا)، بينما تكتمت السلطات الاسرائيلية على خسائرها، ولكن المعيار الحقيقي ليس في الخسائر البشرية والمادية، وانما في الخسائر المعنوية في هذه الحالة، وفي الجانب الإسرائيلي تحديدا، فان يجري فتح الملاجئ في هضبة الجولان المحتل، ونزول آلاف المستوطنين اليها احتماء من الصواريخ يعني الكثير لدولة قلقة مرعوبة لا تشعر بالأمن والاستقرار وتخشى من الحاضر قبل المستقبل.
اكثر ما كان يقلق القيادة الاسرائيلية في شقيها السياسي والعسكري، ان تتحول سورية الى جبهة مواجهة، في وقت استسلمت “دول المواجهة” العربية سابقا ورضخت للإملاءات الإسرائيلية والأمريكية، ووقعت “اتفاقات سلام”، بما في ذلك قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، والغارات الصاروخية التي استهدفت الجولان السوري المحتل تؤكد حدوث ما كانت تخشاه هذه القيادة، وبات الجنرال قاسم سليماني رئيس فيلق “القدس” يتربع في مقره الجديد قرب حدود فلسطين المحتلة مع سورية ويضع خطط الهجوم، بالتنسيق مع حلفائه وذراعه الضارب في جنوب لبنان.
ما حدث فجر اليوم الخميس هو مجرد “بروفة” مصغرة في اطار “سيناريو مواجهة” اكبر قد نرى تفاصيله الميدانية في الأيام والاسابيع المقبلة، وهو سيناريو بثير هلع الاسرائيليين، مستوطنين كانوا او حكوميين معا.
***
نتنياهو وترامب اتفقا اثناء زيارة الأول لواشنطن في آذار (مارس) الماضي، على مخطط دموي لاستنزاف النظام الإيراني تمهيدا لتغييره، ولكن فرص هذا المخطط في النجاح تبدو محدودة حتى الآن، وخاصة بعد الانتكاسة الأخيرة لأصحابه على الأرض السورية.
السؤال الذي يطل برأسه وسط ركام الصواريخ الإيرانية، والإسرائيلية، هو حول غياب منظومات الصواريخ الروسية من طراز “اس 300” في هذه المعركة، ولماذا لم تف موسكو بوعودها الى سورية بتزويدها بمثل هذه المنظومات في ظل تزايد الاعتداءات الإسرائيلية؟
هل نجحت زيارة نتنياهو الأربعاء الى موسكو، واللقاء الذي جمعه مع الرئيس بوتين في منع او تأجيل تسليم هذه الصواريخ؟
لا نملك إجابة، وكل ما صدر عن القيادة الروسية حتى الآن هو مطالبة الجانبين الإيراني والإسرائيلي بضبط النفس، وهذا في تقديرنا “غير كاف” لان إسرائيل هي المعتدية، وهي التي تستهدف المواقع السورية والايرانية معا.
السيد حسن نصر الله، زعيم “حزب الله” كان اول من تنبأ بهذا التطور العسكري والسياسي المزلزل عندما قال في آخر خطاباته (قبل أربعة أيام) بأن مرحلة مواجهة الاصلاء (إسرائيل أمريكا وبعض حلفائهم العرب) بدأت، بعد هزيمة الوكلاء، ولا نستبعد ان يكون مصير “الاصلاء” نفس مصير “الوكلاء” أيضا.. او هكذا نأمل.. والأيام بيننا.
عبد الباري عطوان