أمران يُقلِقان إسرائيل عَسكريًّا هذهِ الأيّام، الأوّل حُصول الجيش العربيّ السوريّ على مَنظوماتِ صواريخٍ دِفاعيّة من طِراز “إس 300” المُضادَّة للطَّيران والصَّواريخ، والثَّاني الانتقام الإيراني من استشهاد سَبعةٍ من الخُبراء العَسكريين أثناء الغارةِ الإسرائيليّةِ الأخيرة على مَطار “تيفور” العَسكريّ قُرب مَدينة حِمص.
مَنسوب هذا القَلق وصل إلى ذروته يوم أمس عندما أعلن مَسؤولٌ روسيّ لصَحيفة “كوميرسانت” أنّ بِلاده ستُسلِّم سورية بطَّاريّات صواريخ “إس 300” بشَكلٍ سَريع، وفي أقربِ فُرصَةٍ مُمكنة، وسَتكون مجانيّة، وحَذَّر مِن أنّه “إذا هاجَمتها إسرائيل فإنّ النَّتائِج سَتكون كارِثيّة”.
المَسؤولون الرُّوس يَختارون الوَقت المُناسِب لتَسريباتِهم هذهِ بعِنايةٍ فائِقة، ولإيصال رسائِل مَحدودة إلى الجهاتِ المَعنيّة، والمَقصود هُنا دَولة الاحتلال الإسرائيلي، وكَردٍّ على تَهديدات إفيغدور ليبرمان، وزير الحرب الإسرائيلي “الوَقِحة”، التي قال فيها أنّ حُكومَته “ستَقصِف هذهِ المَنظومات الصَّاروخيّة الدِّفاعيّة في سورية إذا جَرى استخدامها ضِد الطَّائِرات الإسرائيليّة، المُهِم أن لا يَتِم استخدام هذهِ الصَّواريخ ضِدنا”.
***
العُدوان الثُّلاثي على سورية، والتَّهديدات الإسرائيليّة الاستفزازيّة لروسيا التي وَصلت إلى درجةِ “التَّطاول”، هُما اللَّذان دَفعا روسيا إلى التَّسريع بتَزويد سورية بهذهِ المَنظومات الصَّاروخيّة عالِيَة الدِّقَّة، ممّا يعني أنّ القِيادة الروسيّة لا تُعير هذهِ التَّهديدات أيَّ اهتمامٍ.
النَّتائج الكارثيّة التي ستَنجُم عن أيِّ هُجومٍ إسرائيليٍّ على مَنظومات الصَّواريخ المُتطوِّرة هذه، حَسب ما حَذَّر المَسؤول الرُّوسي، ربّما تتمثَّل في الرَّد الرُّوسي، وإسقاط الطَّائِرات أو الصَّواريخ الإسرائيليّة المُغيرَة.
إنّها قِمّة الوَقاحة والغَطرسة أن تُهدِّد إسرائيل بِضَرب هذه الصَّواريخ، لحِرمان سورية من حَق الدِّفاع عن النَّفس في مُواجَهة الانتهاكات الإسرائيليّة لأجوائِها وسيادَتِها الوَطنيّة، ولماذا تَفترِض القِيادة الإسرائيليّة أنّه من حَقِّها الاستمرار في شَن الغارات العُدوانيّة على أهدافٍ سُوريّة ولُبنانيّة، دُون أن يَعتَرِضها أحد، وإن تَم هذا الاعتراض فهو جَريمةٌ تَستَحِق الرَّد؟
ما لا تُدرِكه القِيادة الإسرائيليّة، بِشقَّيها السِّياسيّ والعَسكريّ، أنّ الزَّمن الذي كانت تُغير فيه طائِراتها على سورية، وتَضرِب ما تَشاء من الأهداف دُون أيِّ اعتراض، قد ولَّى إلى غير رَجعةٍ، وأنّ العَد التَّنازلي لإنهاء هذا الوَضع الشَّاذ والمُهين في الوَقتِ نَفسِه بَدأ مُنذ نَجاح الدِّفاعات الجَويّة السُّوريّة بإسقاط طائِرة “إف 16” فوق أجواء الجليل المُحتَل في شباط (فبراير) الماضي، وكذلك اعتراض خَمسة صواريخ من مَجموعةِ ثمانية جَرى إطلاقها على قاعِدة “تيفور” السُّوريّة الشَّهر الماضِي.
النَّتائِج الكارثيّة التي حَذَّر من حُدوثِها المَسؤول الرُّوسي في حالِ قَصف مَنظومات صواريخ “إس 300” على الأرضِ السُّوريّة سَتُلحِق بإسرائيل وطائِراتِها وصواريخِها، وربّما عُمقِها أيضًا، فروسيا دَولةٌ عُظمى، وسورية من أبرزِ حُلفائها الاستراتيجيين، ولا يُمكِن أن تَسكُت على الانتهاكات الإسرائيليّة المُهينة، خاصَّةً بعد استعادة الجيش العربيّ السوريّ أكثر من ثَمانين في المِئة مِن الأراضي السُّوريّة، وبَدأت البِلاد تتعافَى بِشَكلٍ تدريجيٍّ من تَبِعات حَرب السَّنوات السَّبع الماضِية.
ليبرمان يَهرَع إلى واشنطن مُستَجيرًا بوَزير دِفاعِها جيمس ماتيس، ومُستشارِها للأمن القوميّ جون بولتون، وجاريد كوشنر، السَّفير الإسرائيلي غير المُتَوَّج رسميًّا في البيت الأبيض، فهذا يعني أنّه يتَوَقَّع الأسوأ، ولكن واشنطن ربّما لن تستطيع أن تَقِف في خندق عُدوانِه القادِم على سورية، لِما يُمكِن أن يعنيه من مُواجهةٍ مُحتَمَلةٍ مع روسيا.
***
مَنظومات صواريخ “إس 300” ستَصِل إلى سورية، إن لم تَكُن قد وَصلت بالفِعل، لأنّ حَق الدِّفاع عن النَّفس كَفَلته كُل القوانين الوَضعيّة والسَّماويّة، وهذا الغُرور الإسرائيلي الوَقِح يجب أن يَجِد من يَضع له حَد، وفي أسرعِ وَقتٍ مُمكن، فلماذا تَحصُل دول عديدة مِثل تركيا واليونان وقبرص على هذا النَّوع من الصَّواريخ، وهي لا تُواجِه أي عُدوان، بينما يتم حِرمان سورية التي شَنَّت إسرائيل مِئَة غارة جَويّة عليها في السَّنوات الخَمس الماضِية، حسب اعتراف قائِد سِلاح جَوِّها السَّابِق؟
أمّا الرَّد الإيراني ثأرًا لمَقتَل المُستشارين السَّبعة في غارةِ “التيفور” الشَّهر الماضي، فقَد باتَ حَتميًّا حسب تأكيدات قائِد الجيش الإيراني، وربّما يكون أسرَع ممّا يتوقَّعُه الكَثيرون، داخِل دولة الاحتلال وخارِجها، وحال القِيادة الإسرائيليّة مِثل الذي ينتظر تَنفيذ كلمة الإعدام الصَّادِر في حَقَّه، وهو انتظار أصعب من الإعدامِ نَفسِه.
قلق إسرائيل هذا لن يَتوقَّف عند حُدودِها، وربّما يَمتَد أيضًا إلى المُراهِنين عليها كحَليفٍ في بَعض البُلدان العربيّة، وهذا تَطوُّرٌ ربّما يُسعِد الكثيرين الذين يُعانون من جَرائِمها وحِصاراتِها وإهاناتِها وداخِل مُعتقلاتِها.
الاحتفالات بِتَصدِّي صَواريخ “إس 300” السُّوريّة للطَّائِرات الإسرائيليّة المُعتدية ربّما تَبدأ قَريبًا جِدًّا، وبالطَّريقةِ نَفسِها، وربّما أكبر من تِلك التي سادَت مُعظَم أنحاء الوَطن العَربيّ والعالم الإسلاميّ عندما تم إسقاط طائِرة “إف 16”.. والأيّام بَيْنَنَا.
عبد الباري عطوان