كثرت وسائل الإعلام، وقلّت المعرفة. كثرت أجهزة الأمن وفقدنا الأمان.
كثر السلاح وتوقفت العمليات ضد إسرائيل وصار الجميع ينتظر طفلة من رام الله تحارب الاحتلال نيابة عن العرب.
كنا ثورة تبحث عن وسيلة إعلام، وصرنا وسائل إعلام تبحث عن ثورة.
أمواج متلاطمة من المعلومات دون يقين.
يزداد عدد طالبي الصداقة وتنحسر الثقة، يرتفع منسوب المتابعة ولكن الدهشة تبقى هي الانطباع الأكثر أثرا.
نعرف كل شئ عن المصالحة.
ولا نعرف كيف تنجح المصالحة لأن الفكر الشمولي حل مكان القدرة على الإختلاف.
بل إن تفجير موكب رئيس الوزراء في غزة وضعنا مرة اخرى امام إستحقاق الذاكرة. هل نتذكر النسيان أم ننسى الذاكرة!.
تلفزيون اسرائيل اطلق على انفجار الموكب مصطلح (تفجير المصالحة). وقد تكون كاميرات حاجز ايريز راقبت وصوّرت كل شئ قبل وبعد الانفجار.
نعرف أهم وأدق التحليلات في الشؤون الاسرائيلية. ولم يتغير شئ في نظرتنا للصهاينة وفي نظرتنا لذواتنا، وكأننا لم نعرف.
نقرأ كل ما يرشح عن صفقة القرن الامريكية، ونلعب بنفس طريقة الدفاع وقد هرب حارس المرمى في مباراة إنضم فيها الحكم الى الفريق الاّخر.
لو جرى حل الكنيست، وصارت إنتخابات إسرائيلية جديدة. سيفوز اليمين المتطرف ويفوز نتانياهو مرة أخرى بدلا من أن يدخل السجن.
ولم يبق أمامنا هذه المرة سوى معادلة واحدة: إما أكون أنا أو لا تكون انت.
من الجيد أن نعرف، والأهم من ذلك أن نعرف ماذا (لا نعرف). حتى نتعلم من التطور الهائل للتكنولوجيا والحضارة الرقمية، وأن نخرج من ثقافة القرون الوسطى ونتجه مكرهين نحو الحضور القادم. كمن يجبر على الوقوف في طابور صباحي.
بعد التفجير ... وقبل الاجتماع الطارئ وإتخاذ القرارات. نسأل ذاتنا:
ماذا لا نعرف؟
- كيف نستعيد الأمن والأمان والثقة بالنفس والثقة بمن حولنا؟
- هل يمكن حقا تحطيم صفقة القرن مثل بيضة أفعى قبل أن تفقس؟
هل يستطيع العرب تعديلها؟ وماذا لو إعتاد العرب على صمتنا وإعتدنا على غضبهم؟
هل يمكن مواجهة أمريكا؟ وما هي الأدوات؟
هل يعيد الينا التفجير الوعي؟ أم يفقدنا الشعور بالإتجاه؟
الرئيس عاد الى رام الله ليترأس اجتماعا طارئا للقيادة، والجميع يسأل نفس السؤال: ماذا لا نعرف؟
المجلس الوطني قادم ... إما أن يتحول إلى مجلس أعيان، وإمّا الى برلمان حقيقي لمنظمة التحرير قادر على سد الفراغ القائم.
ونحن نتجه الى المجلس الوطني، يشدني محمود درويش في حضور الغياب / حين قال:
ولأذهبن بلا عكاز وقافية، على طريق سلكناه، على غير
هدى بلا رغبة في الوصول، من فرط ما قرأنا من كُتب
أنذرتنا بخلو الذرى مما بعدها، فآثرنا الوقوف على سفوح
لا تخلو من لهفة الترقب لما توحي الثنائيات من إمتنان
غير معلن بين الضد والضد . لو عرفتك لامتلكتك، ولو
عرفتني لامتلكتني، فلا أكون ولا تكون
د. ناصر اللحام