حرب الاستنزاف في الشرق الأوسط ترسم خطوط التوازنات العالمية... أبعاد تحولات الوضع الديموغرافي ما بين النهر والبحر

ثلاثاء, 2024-09-24 22:33

"هذا هو الجحيم ليل نهار نتعرض للتهديد نتسابق نحو الملاجئ تحترق منازلنا وممتلكاتنا، الاقتصاد ينهار لا أمل في الأفق"،هذا لسان حال المستوطنين الإسرائيليين في مناطق تتسع في شمال إسرائيل بعدما كانت تهديدات القتال محصورة في شريط حدودي ضيق نسبيا على خطوط الهدنة مع لبنان.

يوم الأحد 22 سبتمبر 2024 أمرت تل أبيب أكثر من مليون إسرائيلي في مناطق تمتد من الحدود وخطوط وقف إطلاق النار مع لبنان باللجوء إلى المخابئ تحت الأرض وعطلت الدراسة ونقلت المقرات الحكومية إلى نقط أبعد من الجبهة مع حزب الله في لبنان. أضيف هؤلاء إلى حوالي ما بين 120 و 140 ألف إسرائيلي اجبروا على إفراغ مستوطناتهم في الشمال منذ 8 أكتوبر 2023.

إذاعة الجيش الإسرائيلي أشارت إلى أن حزب الله "اختار بعناية الهدف الذي يوجه نيرانه إليه، والرسالة المضادة التي يريد إيصالها"، وذلك بعدما استهدفت المقاومة الإسلامية في لبنان، يوم الأحد، قاعدة ومطار "رامات دافيد"، جنوبي شرقي حيفا، وشركة "رافاييل" للصناعات العسكرية، شمالي حيفا وعشرات المستوطنات والمواقع العسكرية.

الإعلام الإسرائيلي علّق ساخرا، بالقول إن قاعدة "رامات دافيد" التي استهدفها حزب الله، هي التي أعلن منها وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، يوم الأربعاء 18 سبتمبر، "افتتاح مرحلة جديدة من الحرب في الشمال".

بدوره، أكد رئيس السلطة المحلية في مستوطنة "كريات بياليك"، التي تقع في شمالي حيفا، أن المخاوف التي انتابت المستوطنين من أن يطالهم إطلاق الصواريخ من حزب الله قد تحققت، معرباعن الخشية من التعرض لما يحدث مع مستوطني الشمال، "الذين لا توجد ملاجئ كافية لهم".

وقال: "على مدى عام، كنا خائفين من أن يصل إطلاق الصواريخ إلينا، وها هو قد حصل الآن.. نأمل ألا نعيش مدة عام مثلما عاش سكان الشمال (في المناطق الأقرب إلى الحدود)".

الأمر الذي لم يتطرق اليه المسؤول الإسرائيلي أو غيره علنا حتى يوم الأحد 22 سبتمبر هو عدم قدرة القوات الأمريكية المحتشدة في شرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي والتي تساندها القوات البريطانية من قواعدها في قبرص وخاصة أكروتيري ودكليا في التصدي للهجمات المكثة من جنوب لبنان.

في نفس اليوم أي الأحد نشر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، معطيات وصفها الإعلام الإسرائيلي بـ"المثيرة للقلق"، تتعلّق بعدد الإسرائيليين الذين غادروا "إسرائيل" ما بين 7 أكتوبر 2023 ونهاية السنة نفسها، منذ انطلاق "طوفان الأقصى". وأشار موقع "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلي إلى أن أكثر من 55 ألف إسرائيلي غادروا "إسرائيل" خلال شهرين فقط في العام 2023 من دون عودة، ولكنه لم يقدم معلومات عما حدث بعد هذا التاريخ من زيادة ضخمة في عدد المغادرين كما أوردت ذلك وكالات أنباء دولية..

هذه التطورات اعتبرها الكثير من المراقبين دليلا على فشل تل أبيب في تحقيق أهدافها سواء من الحرب على غزة أو من هجمات تفجير أجهزة البيجر والاتصال يومي الثلاثاء والأربعاء 17 و 18 سبتمبر، والهجوم الجوي على الضاحية الجنوبية في بيروت يوم الخميس 19 سبتمبر 2024، لوقف الحرب على الجبهة الشمالية وإجبار حزب الله على قبول تسوية قدمتها واشنطن بصور مختلفة سواء عبر مختلف وسطائها أو مبعوثها آموس هوكشتاين المولودفي إسرائيل.

نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم في رده على الجهود الأمريكية الغربية، شرح مرحلة جديدة دخلتها جبهة الإسناد اللبنانية، بعد 3 هجمات ارتكبها الاحتلال في الضاحية الجنوبية لبيروت، مؤكدا أنها مستمرة مهما طال الزمن إلى أن تتوقف الحرب على غزة. وأضاف أننا دخلنا مرحلة جديدة عنوانها معركة الحساب المفتوح، لافتاً إلى أنه لن يتم تحديد كيفية الرد على العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت. وأكد أن الرشقات الصاروخية الـ3 التي وصلت حيفا المحتلة يوم الأحد 22 سبتمبر وأصابت أهدافها العسكرية، هي دفعة على الحساب. 

لم يخطئ رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو عندما صرح في التاسع من فبراير 2024 على أن إسرائيل تخوض حربا مصيرية ضد ما سماه "محور الشر الإيراني"، مؤكدا أن العدو يسعى لتدمير إسرائيل بشكل كامل.

 

الهجرة العكسية

 

منتصف سنة 2023 في 15 مايو 2023 أوضحت تقارير إسرائيلية وفلسطينية أن التقديرات السكانية تشير إلى أن عدد السكان بلغ نهاية 2022 في الضفة الغربية بما فيها القدس بلغ 3.2 مليون نسمة، وحوالي 2.2 مليون نسمة في قطاع غزة، ما يعني أن الفلسطينيين يشكلون 50.1 في المئة من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، فيما يشكل اليهود ما نسبته 49.9 في المئة من مجموع السكان ويستغلون أكثر من 85 في المئة من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية (البالغة 27,000 كم مربع).

قبل ذلك ونهاية شهر سبتمبر 2022 أفاد تقرير إسرائيلي أن اليهود يشكلون أقل من 47 في المئة من سكان فلسطين التاريخية.

أكد أستاذ الجغرافيا بجامعة حيفا، أرنون سوفير والعالم الديموغرافي الإسرائيلي أن نسبة اليهود في أراضي فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر، لا تتجاوز 47 في المئة من عدد السكان، في حين يشكل العرب نحو 48 في المئة والذين يسجلون عمرا أصغر ونموا أسرع.

وذكر أستاذ الجغرافيا بجامعة حيفا، أرنون سوفير، يوم الثلاثاء 27 سبتمبر في حديث لإذاعة الجيش الإسرائيلي، هناك 7.45 ملايين يهودي وغير يهودي، إلى جانب 7.53 ملايين مواطن عربي وفلسطيني يعيشون فلسطين التاريخية.

ويقصد بفلسطين التاريخية، إسرائيل بالإضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.

وأضاف أنه عندما يؤخذ عدد المقيمين غير الإسرائيليين في الاعتبار، يظهر أن نسبة اليهود تتراوح بين 46-47 في المئة من إجمالي سكان المنطقة.

وحذر الأكاديمي الإسرائيلي الإسرائيليين من "الخطر الديمغرافي" الذي ستنزلق إليه الدولة في حال أصبح اليهود أقلية حاكمة في هذه المنطقة.

ووفقا لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي الرسمي، في نهاية عام 2021، بلغ عدد سكان إسرائيل 9.449 ملايين شخص، بما في ذلك المستوطنون الإسرائيليون في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة.

من بينهم 6.982 ملايين (74 في المئة) من اليهود، 1.99 مليون (21 في المئة) من العرب، و472 ألفا (5 في المئة) من غير اليهود أو العرب.

وأوضح الأكاديمي الإسرائيلي لإذاعة الجيش أنه على الرغم من أن معدل المواليد كان أعلى بين السكان اليهود في السنوات الأخيرة، كان معدل الوفيات أعلى أيضاً، مما يعني أن عدد السكان العرب، الذين متوسط أجيالهم أصغر بكثير من السكان اليهود، ينمو بشكل أسرع.

منتصف شهر أغسطس 2024 وحسب جرد وتجميع لمجموعة من التقارير الإخبارية للوكالات الدولية الرئيسية للأنباء عن حركة المطارات تتعلق خاصة بمطار بنغوريون إيابا وذهابا، وطلبات للحصول على جوازات من قادمين من الخارج في بولندا والتشيك وألمانيا وفرنسا ودول في أمريكا اللاتينية، وكذلك طبقا لمراكز رصد وأجهزة استخبارية أمريكية وبريطانية وتركية وفرنسية وروسية، طلب وحصل حتى هذا التاريخ ما يزيد على 785 الف مواطن يهودي على ردود أيجابية إو موافقات أولية على تحصيل جوازات من تلك الدول، يضاف إلى ذلك ما يزيد على 304 الف مواطن يحملون جنسية أخرى إلى جانب الجنسية الإسرائيلية استقروا فيما يظهر أنه خيار دائم خارج فلسطين التاريخية.

بعض الخبراء في شؤون الهجرة يشيرون أن الأرقام الحقيقية للتحركات السكانية قد تفوق ما سبقت الإشارة إلية بنسب تتراوح بين 15 و24 في المئة.

مع انتصاف شهر سبتمبر 2024 وعلى أساس هذه المعطيات يتفوق الفلسطينون تعدادا داخل فلسطين التاريخية على السكان اليهود بما يزيد على 1.6 مليون نسمة.

 

البحث عن مكان آمن

 

نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية يوم 12 سبتمبر 2024 تقريراً لمراسلة الشؤون الاجتماعية والداخلية لديها، لي يارون، تتحدث فيه عن هجرة الإسرائيليين بسبب الحرب والوضع الاقتصادي وغيرها من العوامل التي تدفعهم إلى البحث عن مكان أكثر أمنا من "إسرائيل".

الحرب والانقلاب وغلاء المعيشة يدفع المزيد والمزيد من الإسرائيليين إلى الخارج، وبعض الإسرائيليين لا يعرفون أين سيعيشون في المستقبل وما إذا كانوا سيعودون أم لا، وعدد كبير منهم يشعرون بأن عليهم العثور على مكان آخر لعائلتهم، على الأقل لفترة من الوقت. 

وقالت الإسرائيلية درور سدوت البالغة 29 عاماً، والتي غادرت إلى برلين مع زوجها في نوفمبر 2023، إن الانتخابات الأخيرة والاحتجاجات ضد الانقلاب الذي قاده نتنياهو لتبديل النظام القضائي كانت نقطة الانهيار.

وأضافت: "لقد تظاهر الجميع باسم الديمقراطية من دون الحديث عن الاحتلال، والقضايا التي كانت في قلب اليسار أُقصيت".. كما أنها لا تعرف ماذا سيحدث في المستقبل مؤكدةً: "إسرائيل لا يمكن أن تكون بيتي الآن".

ومنذ 7 أكتوبر، غادر عشرات الآلاف من اليهود، من إسرائيل، بحثاً عن منزل جديد، على أمل أن يكون أكثر أمانا، سواء كان الدافع هو الخوف من الحرب أو معارضة الحكومة أو غلاء المعيشة.

يشارك الإسرائيليون حزنهم لأنهم سئموا الحياة هنا في "إسرائيل"، ويتحدّثون عن الانقلاب والوضع الاقتصادي، والخوف من أنه لم يعد هناك مكان للعلمانيين الليبراليين في البلاد، وأن الوضع سوف يزداد سوءاً.

وتظهر البيانات الأخيرة الصادرة عن الدائرة المركزية للإحصاء أنّعشرات الآلاف من الإسرائيليين غادروا "إسرائيل" في السنوات الأخيرة. وبحسب البيانات، فإن 42,185 إسرائيلياً غادروا بين أكتوبر 2023، ومارس 2024، لغاية يوليو 2024، لم يعودوا، وهي زيادة قدرها 12 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الذي سبق. وفي أكتوبر 2023، كانت القفزة دراماتيكية: 12300 غادروا ولم يعودوا بعد، وهي زيادة بنسبة 400 في المئة مقارنة أكتوبر 2022.

وبدأت موجة الهجرة بالفعل في الصيف الذي سبق الحرب، رداعلى خطة الانقلاب كما يبدو: 34500 إسرائيلي غادروا بين يوليو وأكتوبر 2023 لم يعودوا حتى نهاية مايو هذا العدد هو ضعف العدد في الفترة نفسها من العام السابق.

ووفقاً لرئيس قسم إعادة التموضع في قسم قانون العمل وإعادة التموضع في شركة "Goldfarb Seligman & Co"، منذ بداية الحرب، كانت هناك زيادة بنسبة 40 في المئة في الطلبات المقدمة إلى مكتبه للحصول على المساعدة في إصدار تأشيرات لإعادة التموضع في الولايات المتحدة، وخصوصاً من شركات تجارية، من بينها شركات إلكترونية وشركات للتكنولوجيا الفائقة.

 

نصر الله غير مرتدع

 

شددت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، في تقرير لها يوم 21 سبتمبر 2024 على أن "الشمال انهار.. وأن الأمين العام لحزب الله ليس مرتدعا عن حرب شاملة"، وأكدت في الوقت عينه غياب أي منطق بشأن شن هجوم بري في الجبهة الشمالية، محذرة الحكومة الإسرائيلية من القيام بذلك، لو كان هناك "حكومة عقلانية".

وقالت في تقرير لها، إن "النهاية ليست في الأفق، والدعوة إلى شن هجوم تتزايد انطلاقاً من اعتقاد خاطئ بأنه سيوفر الحل".

ودعت، الحكومة إلى إيجاد الإجابات عن مجموعة من الأسئلة قبل البدء بمعركة موسعة في جبهة الشمال، منها إيجاد الحلول بشأن القذائف الصاروخية والطائرات المسيرة لحزب الله، وبشأن قدرة "الجيش" الإسرائيلي "المنهك على التعامل مع جبهة أخرى ضد عدو قوي"، والقدرة على تحمل الثمن الاقتصادي، وبشأن الخطط في حال تدخل إيران في المعركة.

وأوضحت "معاريف" أن "الجيش" لم يعد متفوقاً في ما يتعلق بالأسلحة، في حين أن الاعتبار الرئيسي في الهجوم هو تفوق الجانب المهاجم، في الأسلحة أو أساليب القتال أو القوة البشرية، فضلا عن القدرة على الصمود في وجه التطورات الدولية المتوقعة، معتبرة أن الوضع الإسرائيلي في ذلك "ليس مشرقاً على الإطلاق".

وحذرت أن الهجوم في الشمال، يفرض على "الجيش"، تركيز الغالبية العظمى من القوة المتاحة للجبهة، في حين يقاتل الآن في جبهتين مفتوحتين، واحدة في الضفة الغربية، والأخرى في قطاع غزة. وأشارت إلى ضرورة، أن ينهي "الجيش" على الأقل قتاله في غزة.

وحملت الحكومة الإسرائيلية، ولا سيما رئيسها بنيامين نتيناهو، مسؤولية الفشل في إدارة الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة. واعتبرت أن الحكومة الإسرائيلية لم تستطع تحقيق أهداف الحرب، وهي إلى جانب إعادة الأسرى في القطاع، "إطاحة حكم حماس في غزة".

ودعت إلى تشكيل حكومة بديلة، تستطيع إنجاز أهداف الحرب، والسيطرة على توزيع المساعدات في القطاع، وهي مهمة "ما زالت في أيدي حماس، ولم يتم القيام بأي شيء تقريبا في هذا الصدد".

وختمت الصحيفة، بالتشكيك في قدرة الحرب في الشمال على إيقاف إطلاق الصواريخ، ومنع حزب الله من مواصلة حرب الاستنزاف. وقالت إن حزب الله لديه "مساحات شاسعة تحت تصرفه، ويمكنه الانسحاب إلى شمال لبنان، وربما حتى إلى سوريا ومواصلة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة من هناك"، ما يختلف عن قطاع غزة، ووضع المقاومة الفلسطينية فيها، "التي ليس لديها مكان تنسحب إليه، وتتركز بالكامل في منطقة قطاع غزة الصغيرة نسبياً".

وسألت "هل تملك الحكومة إجابة عن هذه الاحتمالات؟ هل فيها من يفكر في اليوم التالي بعد سنتين أو ثلاث من حرب الشمال؟"، وأشارت إلى المشكلات الاقتصادية، التي تنطوي عليها مثل هذه الحرب، ورد إيراني محتمل، وعواقب العلاقة الصعبة بين رئيس الحكومة والمؤسسة الأمنية والعسكرية على إدارة المعركة.

 

توازن عسكري ثابت

 

أكد محللون تحدثوا إلى صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية يوم 18 سبتمبر أن الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي، الذي استهدف أجهزة "البايجر"، "لم يحقق تأثيرا استراتيجيا واضحا"، إذ إنه "لم يغير التوازن العسكري على طول الحدود" اللبنانية - الفلسطينية، حيث تستمر العمليات كما كانت الحال منذ بدء المواجهات بين الاحتلال وحزب الله، في الـ8 من أكتوبر 2023، بحسب ما ذكرته الصحيفة.

وأضافت الصحيفة أن الهجوم كان "بمنزلة عرض للبراعة التكنولوجية التي تتمتع بها إسرائيل"، إلا أن هذا الأمر لم يغير حالة الإحباط الموجودة لدى الإسرائيليين، فهذا الشعور "لا يزال قائماً، إذ لا يزال حزب الله متحصنا على الحدود الشمالية، ويمنع عشرات الآلاف من الإسرائيليين من العودة".

وفي هذا الإطار، تحدثت ميري إيسين، وهي ضابطة كبيرة سابقة في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، عن عدم تأثير الهجوم الإلكتروني الإسرائيلي على نشاط حزب الله، مؤكدة أن "أي مقاتل من حزب الله لن يتحرك (من ساحة القتال) بسبب ذلك، فامتلاك (إسرائيل) قدرات كبيرة لا يشكل استراتيجية".

 

الحشد العسكري الأمريكي

 

راهنت تل أبيب على الدعم العسكري الأمريكي المباشر والواسع في مواجهة حرب كبرى مع حزب الله أو إيران أو سوريا ولكن ذلك لم يتجسد بشكل كامل حتى الأن لأسباب كثيرة حيث أن معادلات الصراعات الدولية وتوازناتها بين واشنطن وكل من روسيا والصين فرضت واقعا غامضا وخطيرا. سلاحا الجو الأمريكي والروسي يتواجهان بدون قتال في سماء سوريا وفوق المتوسط وسفن وغواصات البحرية الروسية ونظيرتها الأمريكية تمارس لعبة مطاردات يومية في المنطقة، وأقمار التجسس الأمريكية والروسية والصينية تتابع كل ما يدور في ساحة الشرق الوسط الكبير والمعلومات المحصلة تصل إلى كل الأطراف المتصارعة.

صرح المتحدث باسم "البنتاغون" باتريك رايدر، يوم الجمعة، 20 سبتمبر 2024، إن الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط أكثر كثافة منه في ليلة الهجوم الذي شنته إيران على إسرائيل في أبريل 2024 رداً على استهداف القسم القنصلي للسفارة الإيرانية في دمشق.

وقال رايدر في حديث لهيئة البث الإسرائيلية إن واشنطن مقتنعة بأن الدبلوماسية هي أفضل وسيلة لخفض التوتر مع لبنان وستضمن أيضا عدم امتداد القتال إلى صراع إقليمي أوسع.

وأردف رايدر أنه كانت لبلاده مخاوف بشأن احتمال نشوب صراع إقليمي أوسع منذ 7 أكتوبر 2023، مدعياً أن واشنطن عملت جاهدة لمنع ذلك، وهي مستمرة في التركيز على ذلك، وفق قوله.

وبحسب هيئة البث فإن "احتمال أن تشن طهران هجوماً رداً على الهجمات التي تعرضت لها قوات إيرانية هذا الأسبوع كجزء من تفجيرات اللاسلكي هو أمر يستعد له الأمريكيون".

وعن ذلك ذكر المتحدث الأمريكي: "نواصل مراقبة الوضع عن كثب، بالطبع لا أستطيع التنبؤ بالمستقبل. لقد سمعنا خطاباً من إيران حول نيتها الانتقام، لذلك يجب أن نأخذ ذلك على محمل الجد".

وأضاف: "ومرة أخرى، تظل الولايات المتحدة ملتزمة بالدفاع عن إسرائيل، ما زلنا نحتفظ بقدر كبير من القدرات في منطقة الشرق الأوسط".

وأردف: "التزامنا بالدفاع عن إسرائيل أمر لا جدال فيه وهو التزام قوي، وأعتقد أننا أثبتنا ذلك، وسنواصل تقديم المساعدة الأمنية لإسرائيل".

 

أفول الامبراطوريات

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم الاثنين 23 سبتمبر 2024 تحت عنوان "محور شر جديد" يقلق واشنطن.

رغم أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية أضعفت إيران وروسيا وكوريا الشمالية، لم تقف هذه الدول مكتوفة الأيدي، بل لجأت، بالتعاون مع الصين، إلى تعزيز تحالفاتها كوسيلة لمواجهة النفوذ الأمريكي العالمي. 

ولكن، هل يمثل هذا التحالف الجديد عودة لـ "محور الشر" الذي أشار إليه الرئيس الأسبق، جورج بوش الابن؟ وهل هذه "التحالفات الجديدة" قادرة على إعادة تشكيل موازين القوى العالمية، أم هي مجرد تحالف مرحلي يستجيب للضغوط المتزايدة؟.

يقول خبراء إن هذه الدول، عوضا عن الانصياع للضغوط الغربية، اختارت بناء شبكات معقدة من التعاون الاستراتيجي، مما أضاف تحديات جديدة ومعقدة أمام الهيمنة الغربية، وفق تقرير نشره موقع بلومبيرغ.

ومن خلال شراكات غير مسبوقة تشمل تقاسم التكنولوجيا العسكرية والتمويل، يحاول هذا التحالف الجديد إعادة رسم خرائط النفوذ العالمي، ويضع واشنطن أمام تحد جدي "لم يكن متوقعا" قبل عامين ونصف من حرب روسيا وأوكرانيا، وفق التقرير.

ومنذ أن اشتبكت روسيا وأوكرانيا، تعمقت العلاقات بين طهران وموسكو رغم التحذيرات الأمريكية المتكررة.

وقد وجدت طهران، المخنوقة أساسا من العقوبات الاقتصادية الغربية، في حرب روسيا على أوكرانيا مخرجا يمكنها من خلاله تعويض ما تخسره بسبب تلك العقوبات.

وبدأت طهران بالفعل في تزويد موسكو بالصواريخ الباليستية، لدعم الجيش الروسي في حربه، مقابل تحقيق مصالح تسعى إيران إليها عبر روسيا.

في الوقت ذاته تواصل الصين تقديم الدعم العسكري من خلال توفير التكنولوجيا الحيوية لمجهود الحرب الروسي، وفق بلومبيرغ.

ويشير تقرير بلومبيرغ أيضا إلى أن هذه التحالفات اتسعت خلال العامين الماضيين لتشمل كوريا الشمالية، فتشكلت بذلك محاولة حثيثة "من أعداء واشنطن لتقويض النفوذ الأمريكي العالمي وإعادة رسم موازين القوة الدولية".

على جانب الحلفاء، يقول تقرير بلومبيرغ إن واشنطن تجد نفسها "غير قادرة على إقناع بعض حلفائها المقربين مثل إسرائيل" بالالتزام بوقف إطلاق النار مع حماس، وهذا الأمر "يزيد من تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط". 

 

تعميق التحالفات والتهديدات

 

وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، "صريحا بشكل غير عادي" في زيارته الأخيرة إلى أوروبا، عندما قال إن "أحد الأسباب التي جعلت (فلاديمير) بوتين قادرا على مواصلة هذا العدوان هو الدعم الذي تقدمه جمهورية الصين الشعبية"، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست. 

وأضاف بلينكن أن الصين "أكبر مورد للأدوات الآلية، وأكبر مورد للإلكترونيات الدقيقة، وكل هذا يساعد روسيا في الحفاظ على قاعدتها الصناعية الدفاعية".

وذكر بلينكن إن التعاون العسكري المتزايد بين إيران وروسيا "يشكل تهديدا لأوروبا بأكملها"، وأن واشنطن "حذرت إيران بشكل خاص" من أن تزويد روسيا بالصواريخ الباليستية سيكون "تصعيدا كبيرا".

ووفق تقرير مجلة إيكونوميست، فإن المسؤولين الأمريكيين "مترددون" في مناقشة تفاصيل ما يعتقدون أن روسيا تقدمه لأصدقائها، لكن كيرت كامبل، نائب وزير الخارجية، قال مؤخرا إن روسيا زودت الصين بغواصات وصواريخ وغيرها من التكنولوجيا العسكرية.

وبشكل منفصل، تقول واشنطن إن إيران كانت مشغولة بإرسال مئات الصواريخ الباليستية قصيرة المدى إلى روسيا.

ويبدو أن العلاقات بين إيران وروسيا أخذت منحى تصاعديا منذ حرب أوكرانيا في فبراير 2022، وفق تقرير لمركز كراون لدراسات الشرق الأوسط في جامعة برانديز، في ماساتشوستس.

ومع العقوبات الغربية المشددة على روسيا، وجدت موسكو نفسها في حاجة ماسة إلى شراكات جديدة، وخصوصا في مجالات التعاون العسكري والاقتصادي.

وقدمت إيران طائرات بدون طيار إلى روسيا، لعبت دورا حاسما في الحرب الأوكرانية.

بالإضافة إلى ذلك، تقدم إيران لروسيا معدات عسكرية مهمة تستخدمها في الصراع مع أوكرانيا، ما يجعل العلاقة بين الدولتين أكثر تعقيدا وذات أبعاد استراتيجية، وفق ما يقول روسوخ.

أما الصين، فقد وجدت في إيران شريكا استراتيجيا لتأمين احتياجاتها النفطية وسط العقوبات الغربية المفروضة على البلدين، بحسب روسوخ.

وتتمتع الصين وإيران بعلاقة اقتصادية متينة، خاصة في مجال الطاقة. فالصين تعتبر المستورد الرئيسي للنفط الإيراني، وتواصل شراء النفط الإيراني على الرغم من العقوبات الغربية المفروضة على طهران، ما يمنح إيران متنفسا اقتصاديا مهما.

 

انزلاق الاستقرار العالمي

 

ويكشف التقرير أن التحالف الغربي يواجه تحديات داخلية، إذ بدأت بعض الدول الأوروبية في إعادة النظر في سياستها تجاه إيران، وذلك نتيجة المصالح الاقتصادية والتجارية التي تربطها بطهران.

في المقابل، تتبنى الولايات المتحدة موقفا أكثر صرامة تجاه إيران وروسيا، ما يعكس تباين المواقف بين الدول الغربية في ما يتعلق بكيفية التعامل مع هذه الدول.

ويقول التقرير إنه رغم العقوبات المفروضة على إيران وروسيا والصين، نجحت هذه الدول في تجاوز هذه القيود الاقتصادية عبر التعاون المتزايد في مجالات متنوعة.

ويشير إلى أن إيران لم تكن قادرة على مواجهة هذه العقوبات بمفردها، ولكن من خلال تعزيز التعاون مع روسيا والصين، استطاعت أن تجد حلولا لتخفيف تأثير العقوبات، لا سيما في المجالات الحيوية مثل الطاقة والدفاع.

ويشرح التقرير كيف أن التحالف بين هذه الدول يشكل تحديا مباشرا للهيمنة الأمريكية في المنطقة، حيث تسعى روسيا والصين لتوسيع نفوذهما في الشرق الأوسط من خلال بناء علاقات أعمق مع إيران.

بالإضافة إلى ذلك، يظهر التعاون المتزايد بين هذه الدول أن هناك رغبة في تشكيل نظام عالمي جديد يكون أقل اعتمادا على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.

 

هل هو "محور الشر"؟

 

وفي منتدى أسبن للأمن، الذي عقد يوليو 2024 في كولورادو في الولايات المتحدة، وصف جون ماكلولين، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، العلاقة المتنامية بين الصين، وإيران، وكوريا الشمالية وروسيا بأنها "السمة المميزة للعالم الحالي".

وحذر ماكلولين من أن هذه الدول "تعزز تعاونها ضد الولايات المتحدة وحلفائها". بينما يشير بعض المحللين الغربيين إلى هذا التحالف باعتباره "محور شر" جديد، فإن الحقيقة هي أن هذا التعاون يستند إلى شراكات ثنائية مؤقتة مدفوعة بمصالح جيوسياسية متغيرة. 

ويقول تقرير لمجلة فورين بوليسي إن وصف العلاقة بين هذه الدول بأنها "محور شر جديد" يذكر بالمصطلح الذي أطلقه الرئيس الأمريكي الأسبق، جورج بوش بعد هجمات 11 سبتمبر، عندما كان يشير إلى العراق، إيران وكوريا الشمالية.

غير أن خبراء اليوم يرون، وفق المجلة، أن هذا المصطلح "لا يعكس حقيقة العلاقات المتغيرة بين تلك الدول" في إشارة على روسيا وإيران والصين وكوريا الشمالية.

ويقول تقرير المجلة إن التعاون بين الصين، وإيران، وروسيا، وكوريا الشمالية "ليس موحدا بقدر ما هو مدفوع بتحديات داخلية لكل دولة، إضافة إلى المعارضة المشتركة للسياسات الأمريكية".

ويذكر تقرير فورين بوليسي إن وضع هذه الدول الأربع تحت عنوان "محور الشر" أو "محور الاستبداد" لا يعكس المصالح المعقدة والطموحات المتنوعة لكل منها.

فالصين، على سبيل المثال، لديها علاقات اقتصادية واسعة مع دول الخليج العربي، وهي حذرة من التورط في صراعات مباشرة بالشرق الأوسط.

في حين أن روسيا قد تكون أكثر ميلا لدعم إيران في قضايا مثل الصراع في سوريا، فإن الصين تتخذ نهجا أكثر حيادية، مما يعكس اختلاف الأولويات والمصالح بين البلدين.

ويعتقد خبراء أن سياسات واشنطن يجب أن تستند إلى الفهم الدقيق للدوافع الفردية لكل دولة، بدلا من الافتراض أن هناك تحالفا منسقا يعمل ضد المصالح الأمريكية، وفق المجلة.

 

التراجع أو الانهيار

 

كتبت الباحثة مريم رضا خليل خلال شهر يوليو 2022 تحليلا قالت فيه:

إن الحديث عن "التراجع" أو "الانهيار" أو "الانحدار" الأمريكي بات موضوعا متداولًا في الأدبيات السياسة العالمية، ومنها الأمريكية، منذ مطلع الألفية الثانية تقريبا، علما أن هناك من يبدأ التأريخ لعملية التراجع من مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية كالمفكر السياسي الأمريكي، نعوم تشومسكي. تتوافق هذه الرؤية مع ما طرحه الأكاديمي الأمريكي، بول كينيدي، عام 1987، في كتابه “صعود وسقوط القوى العظمى” حول أفول العصر الأمريكي. وقد قام كينيدي بمقاربة شبيهة لما قام به الفيلسوف العربي، عبد الرحمن بن خلدون (1332-1406) في مقدمته الشهيرة التي أسست لعلم الاجتماع، وتناول فيها صعود الحضارات وسقوطها. ومثلما تحدث الأخير عن مسار انهياري للدول بعد مسارها التصاعدي عند بلوغ نقطة معينة من ذروة النفوذ والقوة، فقد خلص كينيدي إلى أن أفول بلاده يكاد يكون حتميا بسبب التوسع الزائد عن الحد (overstretch) في فرض النفوذ، حالها في ذلك ما أصاب غيرها من الدول قبلها. لاحقا، تتالت الكتابات التي تضع احتمالات تدهور مركز الولايات المتحدة في العالم موضع بحث وتحليل. ولعل كتاب منظر الحرب الناعمة، جوزيف ناي، "هل انتهى القرن الأمريكي"؟ من أبرز الكتب التي سعت لتفنيد مقولة الانهيار الأمريكي. غير أن الحديث عن موضوع “الأفول” ليس مجرد ترف نظري بل يستند إلى وقائع علمية، وثمة طروحات أمريكية تدعمها استطلاعات "مركز بيو للأبحاث" في العام 2014، والتي قالت إن 28 في المئة فقط من الأمريكيين يعتقدون أن بلدهم لا يزال محافظًا على مكانته في صدارة العالم، وهذا يؤشر إلى انخفاض ملحوظ عن نتائج عام 2011 التي بلغت 38 في المئة، آنذاك.

 

عمر نجيب

[email protected]