وتأتي الضرورة للمشاركة العملية من أجل استعادة دور الأمة لبلوغ هدفها في الوحدة العربية التي قامت لاستكمال التحرير، وصد العدوان ،، وتغيير حاضر الأمة، وانطلاق مشروعها النهضوي.. وهكذا تعلمنا من اول تجربة وحدوية، نسترعها في ذكرى الثورة العربية في ال ٢٣ /يوليو /١٩٥٢ في جمهورية مصر العربية، لذلك فأمتنا مطالبة بأن تخلد هذه الذكرى المجيدة، ليس بالمهرجانات السابقة التي كنا نقيمها في كل ذكرى في هذا اليوم من الشهر سنويا،،، بل علينا أن نستبدل تلك المهرجانات بمظاهرات الإسناد لإيقاف الإبادة الجماعية في فلسطين..
كما يستدعي احياؤنا لذكرى الثورة العربية، التقييم المنصف لإنجاز الثورة بالأمس، والالتحام بقوى المقاومة العربية في حلفها المقاوم، وذلك لتحقيق النصر على الكيان الصهيوني في معركة الأمة في طوفان الأقصى..
وقد كانت الثورة العربية التي قام بها الضباط الأحرار في مصر، أعظم انجاز فتح ابواب التغيير على مصراعيه، فتوالت الثورات العربية المباركة، وانعكس تأثيرها الفعال على تطور الأمة العربية، وقد بلغت الأحلام مداها حين جعلت اهدافنا ممكنة التحقيق، فكانت مصر" الإقليم القاعدة" لتعزيز نضال الأمة في حاضرنا، ومن اجل مستقبل الأجيال..
وكان لقيادة مصر الثورة بزعامة جمال عبد الناصر رحمه الله تعالى، الدور القيادي الملهم لحركة التحرر العربي، ولهذا كانت مصر السند لحركات التحرير العربية في كل من المغرب العربي، والمشرق، والخليج ، كما ساندت الثورات التي قادتها حركات التحرير في افريقيا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، الأمر الذي فرض على مصر جمال عبد الناصر، أن تقاتل العدو الصهيوني، و قدمت التضحيات تلو الأخرى التي عبرت عن خط الثورة وسيلة، لغايات سامية لكل مقاوم عربي، ولكل تحرري في المجتمعات المتطلعة الى المستقبل المنشود بعد طرد المحتلين...
وكانت ضريبة الدم من أبناء الأم غداة مقارعة المحتلين الأمبرياليين على قدر التحديات...
وفي العديد من تلك التحديات الداخلية قبل الخارجية، كانت محاولة الانقلابيين بزعامة" محمد نجيب" الذي راوغ قادة الثورة، كما ناور كثيرا رافضا بموقف حاسم، غير موفق، ذلك التحول الآتي باسقاط النظام الملكي واستبداله بالنظام الجمهوري، حيث سعى جاهدا لتدبير انقلاب يعيد به "الملك فاروق " من منفاه على غرار الانقلابات الأمريكية التي كانت تحصل بالإنابة عنها على ايدي القوى العميلة التابعة للمخبرات الأمريكية، وبريطانيا، كما حصل يومها في إيران بعد ستة أشهر من حكم الدكتور "مصدق " سنة ١٩٥١م، حين قام بتأميم شركات البترول..
كما واجهت الثورة في مصر العدوان الثلاثي سنة ١٩٥٦ الذي قادته جيوش بريطانيا، وفرنسا، والكيان الصهيوني..وكان الهدف الأول من العدوان الثلاثي الغاشم، احتلال مصر بعد استقلالها الذي حقق أول مطلب تحرري بتأميم شركة قناة السويس المصرية؛ بينما كان المطلب الثاني للعدوان، هو القضاء على قيادة الثورة، وهو ما طالبت به السفارة الإنجليزية في مصر بخصوص استسلام جمال عبد الناصر لها، وهو أول اقتراح طالب به بعض من أعضاء قادة الثورة الذين قذف في قلوبهم الرعب من حجم العدوان الثلاثي المهول..!
ولو استجاب جمال عبد الناصر للمحتلين، وهزمت إرادته، تلك المشاهد التي اظهرت حجم العدوان الثلاثي المخيف،، والسؤال الذي يطرح اليوم بموضوعية، هو:
هل كانت مصر، ستقدم على ما قامت به من الإصلاح الزراعي، والثورة الثقافية في سياسة التعليم المجاني، وبناء السد العالي، واستزراع الأراض التي كان منتوجها كافيا للأكتفاء الذاتي الذي لا يمكن، أن يتحقق في ظل التبعية، وفرض الإملاءات من الخارج، كما يحصل اليوم في مختلف أقطار الوطن العربي؟!
وهل كان لتلك الثورات العربية التي ساندها جمال عبد الناصر، أن تنجح، وإن يتحقق الاستقلال العربي بنسبه المختلفة في اقطار الأمة ؟ وهل كان لحركة عدم الانحياز، أن تكون كتلة مستقلة عن الحلفين الاطلسي، والوارسي؟
لقد واجه جمال عبد الناصر تيار المرتدين السابق الذي تزعمه "محمد نجيب" بعد أن تحالف مع قوى التخلف السياسي، والتبعية المرابية، فسهل ذلك من هزيمته، كما كان رفض الثورة لتوجهاته الارتدادية، سندا لقيادة الثورة، والتفاف جماهيري عربي منقطع النظير داخل مصر وخارجها، الأمر الذي ارغم "الرهط" الذي أخافه العدوان الثلاثي الغاشم على التسليم بخط الثورة، في المواجهة، والتصدي للعدوان الثلاثي..
فقاوم الجميع بكل اشكال الدعم المعنوى، الثورة في معركتها المصيرية: والتحم بها جماهير الأمة لتعزيز التوجهات الثورية للقيادة، والجيش، فظهرت لأول مرة القوى المدنية المتطوعة للقتال، وقد استبسلت في مدن القنال الثلاث جنبا إلى جنب مع الجيش العربي المصري،، وتحولت شواطئ، و شوارع، وساحات المدن الى ميادين حرب في الأزقة، والشوارع، وتم تصفية كتائب المظليين الفرنسية، والأنجليز، وكان ذلك بداية النصر الذي، آزره بعد أيام من المعارك، والبطولات الاستشهادية ..
فجاء الإنذار السوفييتي المساند الذي ما كان له من دور في جبهات القتال التي حسمت المعركة بذلك التصميم على خوض المعارك التي سجلت أول انتصارات عربية في تاريخ المقاومات العربية، والالتفاف مع القيادة المضحية من أجل استبعاث أمتنا، واسترجاع دورها في حركة التاريخ المقاوم لها، وهو الأمر الذي أفزع قادة الإنجليز، والفرنسيين، سياسيين، وعسكريين على حد سواء، لذلك تولوا على ادبارهم خاسرين، معلقين هزيمتهم النكراء على مشجب السلاح النووي، وضرورة استبعاده ..!
وكان النصر حليفا للثورة، وقيادتها، ولجماهير الأمة العربية من المحيط الى الخليج ..
وهنا أحيل القارئ العربي الكريم إلى أدبيات الثورة في ( خطابات جمال عبد PDF، ويمكن تنزيل الكتاب مجانيا)، وذلك للأطلاع على دروس مشروعنا التحرري الذي نم الوعي، وأرسخ المبادئ، وكان من أهم الشعارات : " أيها العربي أرفع رأسك عاليا، فقد ولى زمن، و عصر الأستعمار"، وقد ألهم الوعي العربي المتنامي، نجاحات الثورة في الداخل، والخارج، وبوضوح المبادئ الثورية في التحرر، والتقدم، والوحدة..
و كانت أول تجربة عملية لأول وحدة عربية عرفها التاريخ العربي الحديث بين مصر وسورية أولا، ثم الوحدة الثلاثية بين كل من مصر، والعراق، وسورية، وإذا كانت الأولى اجهضتها الرجعية العربية بالمال، وشراء ولاء أصحاب الضمائر الرخيصة،، لأن الوحدة تقضي على التخلف السياسي بقدرما تطرد الاحتلال، وتصد العدوان.. فإن تجربة الوحدة الثانية بعيد المصادقة على مشروعها السياسي ، قد شكلت تهديدا مباشرا للأمبريالية الامريكية، لذلك تدخلت على الفور، وناصرها حلفاؤها من ملوك التخلف السياسي، والخيانات المتكررة، الأمر الذي اكد أنهم كانوا أداة من أدوات "الطوابير الخماسية " التي طالما وظفت عبر التاريخ الثوري الحديث، للحيلولة دون إقامة مشاريع التحرير، كما حصل مع المقاومة في اسبانيا سابقا، وحصل أسوأ منه مع مشروعي الوحدة في تاريخنا العربي الحديث لهزيمة المشروع التحرري في التجربة الثورية الناصرية العربية...
.............
وقد حققت مصر الثورة لشعبها تغييرا ظل مطالب لحراكها السياسي والثقافي، وهي المطالب التي كانت مستحقة، وناضل من أجلها اجيال عديدة طيلة القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين،،
وكان مشروع الثورة لا ينفصل عن مطالب التحديث الذي أسس لقواعده الأولية نضال المجتمع المصري منذ حكم " محمد علي باشا"، كما وقفت مصر بثقلها السياسي، والعسكري إلى جانب قوى المقاومة العربية لتحرير فلسطين، وهو المبدأ الذي شكل الأولوية لكل قادة الثورات العربية في العديد من أقطارنا العربية التي حصلت على استقلالها، بطرد الاحتلال، كما حصل في سورية، و الجزائر، والسودان، والعراق، واليمن، والصومال، وليبيا،، وغيرها.
واسترجعت معظم الأقطار العربية سيادتها التي افتقدتها سابقا، كاقطار المغرب العربي، وإن بنسب متفاوتة من طرد الاحتلال، وتحقيق الاستقلال سياسيا، وثقافيا، واقتصاديت، وعسكريا..
وكان من بين الاقطار التي افتقدت سيادتها، وقدرتها على الاستقلال منذ القرن التاسع عشر، كل من مصر بسبب التحالف التركي الانجليزي لمواجهة مشروع النهضة المصري على عهدي محمد علي باشا، وابنه إبراهيم..
كما قام الاحتلال الفرنسي بالتآمر على مشروع النهضة في تونس مستندا إلى ولاء عملاء الداخل، وتحالفهم مع الاحتلال الفرنسي الذي قوض مشاريع التنمية التعليمية، والزراعية، والتحديث الصناعي في ذلك المشروع الذي ارتبط باسم "خير الدين التونسي، رئيس وزرائها حينئذ..
كما قضى الاحتلال الفرنسي على التنمية الزراعية في الجزائر ، ونفوذها العسكري في المتوسط الذي أخضع الأساطيل الامريكية والغربية قبل احتلالها سنة ١٨٣٠م.
وإذا كانت الأحداث تقاس بنتائجها، فإن تلك الاحتلالات، وما ارتكبته من مآسي على مجتمعاتنا العربية، إلا أنه لم يكن في مقدور المحتلين استدامة تواجدهم في الوطن العربي، ولم يستطيعوا القضاء المبرم على تنامي الوعي الوطني، والقومي، ومواجهة بطش، وهمجية المحتلين، وما اقدموا عليه من اجرام في حق مجتمعاتنا من الإبادات الجماعية في القرى، والمدن، لصد المواجهات، وتفكيك التحالفات مع زعامات فاقدة لكل مشروعية، وهي الزعامات الإسمية المعروفة في تاريخ الأمم ب"عصر الطغاة المستبدين" ورموزهم سيئة الصيت لسماندتهم للمحتلين كلما، تفاجأوا بتعاظم الوعي التحرري في صفوف ثوار الأمة، واحرارها ، الأمر الذي لم يكن بمقدور الطغاة، ولا الامبرياليين المحتلين، مواجهته بالترعيب، والقمع الاجرامي، وهي الأساليب التي كانت أكبر محرض لمواجهة المحتل وزبانيته..
ولهذا كانت الأمة العربية، لا تلبث ان تبتدع بمخلف المبدآت في المبادرات الوطنية الشجاعة، و باستلهام من تاريخنا النضالي الذي يمد الأمة بعوامل الوعي في مضامين " الوحدة الخفية": والتطلع من اجل تحقيق قيمها التي راهن عليها العرب في الاستقلال العربي، وتحرير الأرض العربية، وجمع شمل الأمة..
لذلك كان القرن الماضي، عصر المقاومات العربية، وطردها للاحتلالات المذلة للأمة بتقسيمها إلى مستعمرات يعتاش على ثرواتها الغرب المجرم..
ومن هنا تنزلت الموضوعية بكل معاييرها، والاقتناع بضرورة الثورات، والألتحاق بقادتها، ومساندهم د، وذلك ردا ولو نسليا على همجية المحتلين، وعلى انبطاح الاستسلاميين، و مواجهة الأحلاف الأمبريالية، كحلف بغداد في ستينيات القرن الماضي…
نعم..
ماكانت " الوحدة الخفية " معبرة، أيما تعبير صادق عن يقظة الوعي العربي وفق معطياته الثابتة في الوحدات: الثقافية، والدينية، و الديمغرافية، والتاريخية، والجغرافية، وللتطلع الى المستقبل الافضل لمجتعاتنا،،، وهي المقومات الموجهة للوعي العربي نحو الغد المنشود، الذي جسد حلم جماهير الأمة في كل عصر، كما أحيى الأمال لاستئناف النضال العربي على عهد جمال عبد الناصر الذي ناصر كل حركات التحرير العربية، ووحد آمال الأمة في امكان تحقيق التحرر، والاستقلال، واقامة انظمة قوية بجيوش وطنية، وذلك حماية للارض، وصلنا للعرض في حاضر العرب، ومستقبلهم ..
ولقد وجدت الأمة في جمال عبد الناصر القائد الذي لم يخذلها، ولم يتراجع عن تحرير فلسطين، أو المساومة على ذلك، أو تأجيل مشروع التحرر، والنهضوي الحداثي للأمة..
وبعد رحيل القائد جمال عبد الناصر، تكالب على الأمة اعداؤه، فنصبوا العملاء، الذين وصموا حاضر الأمة ب"عصر الطغاة" منذ خمسين سنة الأخيرة، وحاربوا كل المقاومين المخلصين لمشروع التحرير، ونهضة الأمة، وذلك ردا على التحديات التي تناسلت، كالطحالب، كما تتجلى في مظاهر الخنوع ، والاستسلام الذي يعبر عن التخلف السياسي، والاستهتار بمصير أمتنا، حين غدت مجتمعاتها تساس اشباعا لغرائز سادية معبرة عن خيانات أمراء الحروب،، وتحولت الأقطار الى دويلات تتشابه في مآلاتها مع تلك السابقة في تاريخنا في الأندلس من جهة اقتصار قادتها وظيفيا على الطاعة للمحتل، وعلى حراسة ناهبي الثروات من طرف الشركات التي فرضت، هي الأخرى بدورها مختلف مظاهر التبعية للأمبرالية التي تقود مشاريع الانبطاح المذلة، والخيانات الإجراميةالانحرافية ..
ولذلك فالأمة العربية، مطالبة اليوم، بالوقوف في صفوف متراصة استنادا لقوى المقاومة في معركة طوفان الأقصى، وذلك لتغيير الظروف الوضيعة الراهنة، وجعل الأمة قادرة على توظيف وعيها السياسي، ليس ب"الوحدة الخفية" فحسب، بل بمظاهر الوحدة العربية في تبني معركة التحرير التي تتبلور مفاعيلها الأولية حاليا في" وحدة الساحات" التي تستدعي من كل الحراكات السياسية في مجتمعات أمتنا، المؤازرة الجماهيرية بأضخم المظاهرات اليومية، والليلية، ولمحاصرة السفارات، والمصالح الغربية، وذلك لتركيع الكيانات السياسية العربية الهشة التي تتآمر مع العدو الصهيوني في الإبادة الجماعية لملايين العرب في غزة، وباقي مدن فلسطين، وجنوب لبنان، ووصل اجرامها الى اليمن المقاوم..
لذلك فالدعوة ملحة للمشاركة الجماعية - استعانة بالله تعالى - مع قوى المقاومة العربية التي تتصدي للعدوان الغاشم لهذا الكيان الصهيوني وحلفائه الأمريكيين، وحثالاتهم المتصهينين في الغرب الامبريالي، والمتصهينين من زعماء المشاريع الاستسلامية للكيان الصهيوني في وطننا العربي ..
ولنعمل معا على تحطيم هياكل الأنظمة التي يمثل وجودها عارا على الأمة العربية بين الأمم، ووصمة تلاحق كل مجتمع عربي، لا بشارك المقاومة بأدوات للنضال العديدة ، وكل مجتمع عربي، حري به ابتداع وسائل المقاومة لتبلور وعيه الجمعي بما يحقق تطلعاته، وتطلعات الأمة في النصر المؤزر في معركتنا المصيرية، معركة الأمة في فلسطين التي تحتم علينا - كل في موقعه - المشاركة الفعالة مع أبناء فلسطين الذين يقدمون فلذات أكبادهم، وأمهاتهم، وآبائهم، وبناتهم، وشبابهم، فداء لتحرير الأمة، وهذا لن يتحقق إلا بالمشاركة الفعالة في معركة النصر المؤزر في فسطين كل فلسطين...
د.إشيب ولد اباتي