معركة غزة وإعادة التخطيط والهيكلة لحروب المستقبل .... هل هي نهاية عصر هيمنة الأسلحة الثقيلة ؟

أربعاء, 2024-05-29 06:00

حالة من الفوضى والتخبط ولي الحقائق والغرق في بحر من الأكاذيب التي يتسع نطاقها مع مرور الأيام هذا أقل ما يمكن أن توصف بها حالة التحالف الإسرائيلي الغربي في الحرب التي تدور رحاها ضد قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وذلك حسب تقديرات عدد من المحللين العسكريين الغربيين ومن ضمنهم سكوت ريتر ضابط المخابرات العسكرية الأمريكية السابق، الذي خدم مع قوات مشاة البحرية الأمريكية عام 1991 خلال حرب الخليج، ثم ترأس لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل، ولاري جونسون محلل وكالة المخابرات المركزية السابق.

حرب غزة تدخل بعد أيام ليست بالعديدة شهرها التاسع دون أن يحقق الجيش الإسرائيلي رغم الدعم الضخم المادي والعسكري الأمريكي البريطاني الألماني أساسا، الأهداف التي حددتها حكومة تل أبيب، أي القضاء على حركة حماس وبقية فصائل المقاومة التي تشاركها المعركة، كما لم تنجح في تحرير الأسرى المحتجزين في غزة. الحرب كلفت إسرائيل خسائر بأكثر من 65 مليار دولار خلال سبعة أشهر الأولى فقط، حركة السياحة أصبحت من الماضي مئات المقاولات أفلست وأغلقت أبوابها قطاع البناء أصبح مشلولا بعد حظر العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية وغزة، ميناء أيلات شبه مغلق وتم تسريح أغلب العاملين فيه، المستوطنون في غلاف قطاع غزة ومنطقة الجليل المحاذية للحدود مع لبنان والذين يزيد عددهم على 180 الف فروا بعيدا عنساحة المواجهة، 523 الف فرد يحملون جوازات إسرائيلية وربما غيرها رحلوا إلى أوروبا وأمريكا الشمالية وغيرها لأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان في إسرائيل. الاستثمار الأجنبي في إسرائيل يرحل بسرعة فرأس المال يبحث فقط عن المكاسب حتى وإن كان أصحابه يؤمنون بأفكار مؤسسي إسرائيل.

قدرة الردع الإسرائيلية التي ساهمت خلال ال 75 سنة الماضية في حمايتها من اعدائها اضمحلت بعد الهجوم الإيراني في 13 أبريل 2024. عزلة تل ابيب الدولية زادت بشكل لم يكن أحد يتوقعها خاصة بعد حكم الإدانة لمحكمة العدل الدولية يوم 24 مايو 2024.

مع كل تعثر حكومة تل أبيب يتم تقديم مبررات ويتوعد الساسة بالمزيد من القصف والتدمير ويتحدثون عن سراب انجازات، مع شعور متجذر بأن خسارة معركة غزة ستكون بمثابة حكم بعث للدولة الواحدة من النهر إلى البحر حيث يتعايش الفلسطينيون مع كل من يقبل من الإسرائيليين نظاما سياسيا متعادلا.

يتم التهديد حتى بإستخدام السلاح النووي ضد غزة في تحرك يعكس حالة الإحباط، ولكن الأخطر هو أن هذا التهديد يولد زخما في نطاق صراعات اقليمية وعالمية لإدخال السلاح النووي ووضعه في يد قوى إقليمية معادية لإسرائيل أو للغرب ليكتمل طوق الردع المضاد.

بداية شهر نوفمبر 2023 أي بعد أقل من شهر على انطلاق عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر نقل تقرير لوكالة رويترز عن عدد من المتحدثين، أن المقاومة في قطاع غزة -وفي مقدمتها كتائب القسام- لديها القدرة على تعجيز القوات الإسرائيلية بتكتيكات حرب العصابات في المناطق الحضرية.

وذكر مصدران مقربان من قيادة حماس، إن الحركة استعدت لحرب طويلة وممتدة في قطاع غزة، وتعتقد أنها قادرة على عرقلة التقدم الإسرائيلي لفترة كافية لإجبار عدوها على الموافقة على الخضوع لشروطها، ووقف إطلاق النار.

وذكرت رويترز، إن حماس لديها من العتاد والأسلحة والصواريخ والإمدادات الطبية، ما يمكن مقاتليها -الذين يقدر عددهم بنحو 40 ألف مقاتل- من مواصلة المقاومة لأشهر عدة في مدينة من الأنفاق. ويمكن للمقاتلين الفلسطينيين التحرك في كل أنحاء القطاع باستخدام شبكة واسعة من الأنفاق المحصنة، التي يبلغ طولها مئات الكيلومترات، ويصل عمق بعضها تحت الأرض إلى 80 مترا وقد بنيت على مدار سنوات كثيرة.

هذه التوقعات تجسدت وأصبحت مسلما بها في الشهر السابع للحرب.

تشير الطبيعة المتغيرة للحروب والصراعات إلى أن أنماط وطبيعة الفاعلين تؤثر في الأدوات والتكتيكات المستخدمة فيها. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تفرض حروب المدن أو الحروب غير المتكافئة مزيدا من القيود على استخدام أو توظيف الأسلحة الثقيلة، خاصةً إذا ما كانت بين قوات نظامية وعناصر مليشياوية، وذلك لعدد من الاعتبارات، منها عدم وضوح خطوط الصراع، والخشية من خسارة الجنود عندما يتحركون على الأرض بعيدا عن حماية الدروع.

كتب ديفيد بيتز من كينغز كوليدج لندن واللفتنانت كولونيل هوغو ستانفورد - توك في دورية تكساس للأمن القومي (مجلة عسكرية وأمنية): "على مدار التاريخ تقريبا، كان الجنرالات يكرهون احتمال القتال في المدن وسعوا إلى تجنبه". ولكن سواء أحببنا ذلك أم لا، فإن الجيوش الحديثة تضطر بشكل متزايد إلى القيام بذلك. يستفيدون من تجارب الماضي للحصول على التوجيه، ويفكرون في أفضل طريقة لخوض حرب المدن باستخدام الأسلحة الحديثة.

في خطاب ألقاه أمام الأكاديمية العسكرية الأمريكية في مايو 2023، أخبر الجنرال مارك ميلي الرئيس العشرون لهيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الطلاب المتخرجين أنه سيتعين عليهم التأقلم مع حرب المدن. وحذر من أن ذلك سيغير الجيوش، مع "تداعيات هائلة" على كل شيء من أنماط التمويه والأسلحة إلى تصميم المركبات والخدمات اللوجستية.

تشتهر حرب المدن بالوحشية والتدمير. توفر المناطق المبنية الكثير من الأماكن للاختباء، لذلك تحدث معارك إطلاق النار فجأة وعلى مسافة قريبة. يمكن أن تكون المباني مليئة بالألغام والأشراك الخداعية. الحاجة إلى التنبه باستمرار تؤثر في أعصاب الجنود. يمثل القتال في الأدغال أو الغابات صعوبات مماثلة.

يقول العقيد المتقاعد الذي قاد اللواء الأول للفرقة الأمريكية المدرعة الأولى في بغداد عام 2003 بيتر منصور: "يمكن أن يستهلك مبنى واحد كتيبة كاملة (ما يصل إلى 1000 جندي) في قتال ليوم واحد".

إن عدم قدرة الجيش التكتيكية على شن حرب مدن بنجاح، سواء أراد ذلك أم لا، يمكن أن يكون له بالتأكيد آثار نفسية ومعنوية على الجوانب العملياتية والاستراتيجية، وحتى السياسية، للصراع. لكن المدن لها تأثير لا مفر منه على النجاح في زمن الحرب يتجاوز ما هو رمزي أو سياسي. يمكن إدارة الرمز بواسطة عمليات معلومات ماهرة، ويمكن دائما نقل الأهداف القوية سياسيا. لقد سقطت العواصم في الماضي، لكن المقاتلين استمروا في القتال بعناد، مثل إخلاء موسكو في عام 1812 ومرة أخرى في عام 1941، وإحراق واشنطن العاصمة في حرب عام 1812. ومع ذلك، فإن خسارة هذه العواصم لم تنه حروب كل منهما.

 

الفشل في تحقيق أهداف الحرب

 

نقلت القناة الـ13 الإسرائيلية يوم 22 مايو 2024 عن رئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنغبي أن إسرائيل لم تحقق أيا من أهداف حربها على قطاع غزة.

وأضاف: "لم نقض على حماس، ولم نوفر شروطا لإعادة الأسرى ولم نعد سكان غلاف غزة إلى منازلهم بأمان".

وقال إن الجيش يقول إن تحقيق أهداف الحرب بحاجة إلى سنوات عدة وليس سنة واحدة.

وتابع أن مجلس الحرب لم يحدد أي هدف واضح بالنسبة لشمال إسرائيل ولم يضع تاريخا ولا أهدافا إستراتيجية.

وتصاعدت في الآونة الأخيرة الانتقادات الموجهة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، بسبب عجزهما عن تحقيق ما أعلناه من أهداف للحرب، وفي مقدمتها تفكيك حركة حماس وإطلاق سراح المحتجزين في غزة.

والأسبوع الماضي، نشرت صحيفة هآرتس تحقيقا حول الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي في توقع هجوم السابع من أكتوبر، خلص إلى أن الازدراء والإنكار وتوقف جمع المعلومات عن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لأكثر من عامين في الجيش الإسرائيلي قاد إلى طوفان الأقصى.

 

الهاوية الأمنية والاقتصادية 

 

نشرت بعض عائلات الأسرى الإسرائيليين شريط فيديو يظهر أسر مجندات الجيش الإسرائيلي يوم السابع من أكتوبر٬ وهي "خطوة يائسة" من جانب هذه العائلات للضغط على حكومة نتنياهو لعقد صفقة مع حركة حماس٬ لكن صحيفة هآرتس الإسرائيلية تقول بتاريخ 24 مايو 2024 إن المشكلة هي أن "الأسرى والحرب وضحاياها أصبحوا عناوين الأخبار الثانوية في إسرائيل، بعد السياسة الداخلية، ومذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو غالانت، والاعتراف بالدولة الفلسطينية من قبل دول أوروبية٬ فاهتمام نتنياهو ووقته يخصصان لهذه القضايا فقط٬ حيث أصبح "سيد النصر الشامل" يقود إسرائيل في منحدر خطير وهو في حالة سكر خلف عجلة القيادة"٬ بحسب وصف الصحيفة.

تقول هآرتس٬ إن مخاوف نتنياهو من اتهامه كمجرم حرب، مع إغلاق أبواب أوروبا في وجهه هو وزوجته (حيث يقضيان عطلات نهاية الأسبوع على النفقة العامة هناك) تتسبب في إعاقته عن النوم بشكل أكبر كثيراً من مصير 128 شخصا معتقلين لدى حماس في غزة٬ وعقله يعمل على مسارين فقط: كيفية صد المدعي العام للجنائية الدولية الكريم خان٬ مع الإبقاء على إيتمار بن غفير إلى جانبه في الحكومة.

وكل من شاهد فيديو اعتقال المجندات في إسرائيل٬ اضطر إلى خفض عينيه: خجل وصدمة وإحباط. 3 دقائق و10 ثوان فقط – يتبعها 232 يوما في الفشل لنتنياهو والجحيم للأسرى في أنفاق غزة. ورفض وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، عضو المجلس الوزاري المصغر، مشاهدة الفيديو، ربما حتى لا يضطرب نومه٬ وهذا حال وزراء نتنياهو الذين لا يهتمون.

وتقول الصحيفة العبرية٬ في الوقت نفسه٬ هناك حالة من الانهيار الدبلوماسي غير المسبوق الذي ضرب إسرائيل بسبب قرارات محكمة العدل الدولية وما سيتبعها من طرف الجنائية الدولية.

ولم يكن من الممكن لزعيم حماس في قطاع غزة، يحيى السنوار، أن يحلم في 7 أكتوبر بأن هذا ما سيكون عليه الوضع بعد ثمانية أشهر من الحرب. وما لم يستطع هو وحركته أن يفعلوه، أنجزته حكومة إسرائيل اليمينية٬ حيث أصبح "النصر الكامل" دمارادبلوماسيا ودوليا كاملا. ولا أحد يتحمل المسؤولية إلا الحكومة بتصرفاتها الإجرامية والحماقة.

لقد تم التعامل مع ملحمة مذكرات الاعتقال بعجز مروع منذ اللحظة الأولى. واندلع ذعر كبير عندما وصلت المعلومات الاستخبارية إلى ضابط رئيس الوزراء. لقد أسقط نتنياهو كل شيء وأطلق سلسلة من المكالمات المذعورة مع كل أحد في أمريكا وأوروبا خشية على نفسه.

وفي مواجهة مشكلة دبلوماسية وقانونية، تقول الصحيفة الإسرائيلية٬ إنه ينبغي استخدام الأساليب الدبلوماسية والقانونية بعقلانية وحكمة٬ وليس الاندفاع والصراخ٬ فالساحة العالمية ليست لوحة تلفزيونية شعبوية.

ومن ناحية أخرى، فإن صور العصابات المسلحة من المستوطنين التي توقف الشاحنات التي يعتقد أنها تحمل مساعدات لغزة وتحرق البضائع دون أي تدخل من شرطة ايتمار بن غفير تساعد فقط في بناء قضية ضد إسرائيل في لاهاي.

 

الفوضى تزدهر في إسرائيل

 

هذا ليس كل ما يتعلق بإطلاق النار على القدم: فبيده اليمنى، يناشد نتنياهو إدارة بايدن أن تنقذه من ملاحقة محكمة لاهاي٬ وبيده اليسرى، يعد خطابا أمام الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي، الملاذ المعتاد "للأوغاد"، في عمل أسوأ بكثير من ممارسته السابقة ضد الرئيس باراك أوباما عام 2015، وهذا الخطاب، إذا أُلقي، سيكون بمثابة إذلال للرئيس الأكثر تعاطفاودعما وإنقاذا عشية الانتخابات الرئاسية٬ كما تقول الصحيفة العبرية.

والمهزلة مستمرة٬ إذ تبدو الإجراءات العقابية ضد الدول الأوروبية التي أعلنت الاعتراف بالدولة الفلسطينية مثيرة للسخرية من جانب إسرائيل. لكن يجب التحلي بالحكمة في هذه القضية، وليس نوبة غضب تلفزيونية من قبل رئيس الوزراء أو وزير الخارجية يسرائيل كاتس، الذي "وبخ" سفراء هذه الدول. وبالتأكيد ليس القرار البلطجي وغير القانوني لوزير المالية (المزعوم) بتسلئيل سموتريش، بالاستيلاء على أموال المقاصة المتراكمة من السلطة الفلسطينية، أو قرار وزير الدفاع يوآف غالانت بإبطال قانون فك الارتباط في شمال الضفة٬ وكأن ليس لدينا ما يكفي من المستوطنين المتطرفين٬ أو الزيارة المتحدية التي قام بها وزير الأمن إيتمار بن غفير إلى الحرم القدسي.

أو مثلما فعل وزير الاتصالات شلومو كارهي، حيث ساهم في انهيار إسرائيل دبلوماسيا وإعلاميا٬ بإعلانه مصادرة معدات وكالة أسوشيتد برس الأمريكية٬ ووقف بثها الحي الذي يظهر المشهد في شمال قطاع غزة من موقع بمستوطنة سديروت، بحجة مخالفة القانون الإسرائيلي الجديد لوسائل الإعلام الأجنبية٬ قبل أن تتراجع وزارته عن ذلك بضغوط أمريكية.

في النهاية٬ تقول صحيفة هآرتس٬ إن الفوضى تزدهر في إسرائيل، والبلد ينتهي في عهد نتنياهو. هؤلاء الناس لا يرون سوى النار، ولكن بدلا من إطفائها، يقومون بإلقاء البنزين على النيران. 

 

7 أكتوبر بدل كل شيء 

 

جاء في تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية: إن السابع من أكتوبر 2023، يعتبر تاريخا غير كل شيء لدى "إسرائيل"، وجعلها منبوذة عالميا أكثر من أي وقت مضى.

إن اتفاق التطبيع التي كانت تترقبه واشنطن وتل ابيب سابقاأصبح الآن معلقا، كما أصبحت في جدال مفتوح مع حليفتها الولايات المتحدة.

وأضافت أن عدوانها على غزة أعاد إثارة الجدل حول القضية الفلسطينية، كما كان لهذا التاريخ تأثيرات على الاقتصاد الإسرائيلي بسبب شلله على الجبهات الجنوبية والشمالية بفعل الحرب.

"لقد تقلصت مساحة الأراضي الصالحة لعيش الإسرائيليين"، و"ما زالوا لا يعرفون ما إذا كان الأسوأ لم يأت بعد".

 

نقص العتاد والجنود

 

يوم الجمعة 24 مايو 2024 أشار محللون عسكريون إسرائيليون إلى أن استمرار القتال لنحو 8 أشهر في غزة تسبب في تراجع مخزون الجيش من الذخيرة والمعدات العسكرية، وزيادة عدد الإصابات في صفوف الجنود وتراجع معنوياتهم.

وذكر المحلل العسكري عمير ربابورت في صحيفة "ماكور ريشون"، إن كمية الدبابات الموجودة بحوزة الجيش حاليا هي أقل من نصف الدبابات التي كانت لديه قبل عشر سنوات، "وأقل بكثير من "الخط الأحمر" الذي رسمته هيئة الأركان العامة. والجيش الإسرائيلي هو جيش صغير جدا قياسا بالمهمات التي يتعين عليه مواجهتها في الجبهات المختلفة".

ووفقا لربابورت، قتل مئات الجنود والضباط في الحرب الحالية، كما أن عدد الجنود المصابين كبير، ويوجد حاليا 10 آلاف جندي معاق، وكثيرون بينهم شخص مرضهم على أنهم "مرضى نفسياً"، مضيفا أن عددا كبيرا من الجنود يعاني من أعراض ما بعد الصدمة، "والوسيلة الأكثر نجاعة حاليا هي محادثات مع علماء نفسيين يترددون بأعداد كبيرة إلى قواعد الجيش الإسرائيلي حول قطاع غزة وأحيانا عند الحدود الشمالية، ويجرون محادثات مع الجنود قبل المعارك وبعدها".

وأشار المحلل العسكري إلى أن "النقص في الجنود ملموس في جميع أنحاء الجيش، لكن النقص الأكبر موجود في مستوى الضباط الميدانيين، بين قادة الوحدات والسرايا. وهناك أيضا مسألة الكفاءة النفسية للجنود"، بسبب الفترة الطويلة التي قضوها في القتال، بدون إجازات.

وأضاف "والجنود الذين لا يزالون في ميدان القتال ليس بإمكانهم حتى المشاركة في جنازات زملائهم. وهم يواجهون توترا هائلا ولا وقت لديهم للانتعاش من أحداث واجهوها بأنفسهم خلال الحرب"، موضحا أن "التراجع الجسدي والنفسي للجنود، وخاصة في القوات النظامية والنقص الكبير بالضباط، يقلق جدا قيادة الجيش الإسرائيلي".

وأشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، إلى أن الحرب على غزة تمتد لفترة طويلة "من دون أن ينهي الجيش الإسرائيلي تحقيقات الحرب المركزية ومن دون أن يغادر المسؤولون المركزيون عن الأخطاء فيها صفوفَ الجيش أو يقالوا من الخدمة".

وأضاف أن "جميع المسؤولين اعترفوا بالإخفاقات في مرحلة مبكرة، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، أهارون حليفا، ترجم ذلك بالاستقالة. ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، برفضه المطلق الاعتراف بالمسؤولية عن الإخفاق، تفوق على جميع زملائه. لكن لا يمكن التحدث إلى الأبد عن المسؤولية كمسألة فلسفية – نظرية، من دون دعم ذلك بفعل ما".

وحسب هرئيل، فإن "هذه الشكوك تتغلغل إلى داخل المؤسسة العسكرية، وإلى جميع المستويات، بدءا من الجنرالات الذين يشعرون بالبعد والاغتراب عن زملائهم في هيئة الأركان العامة ورئيس أركان الجيش نفسه، وحتى قادة الكتائب والسرايا في الخدمة العسكرية الدائمة الذين يتزايد بينهم عدد الذي يطلبون تسريحهم على إثر مشاعر تراجع المعنويات بسبب الحرب الطويلة".

ولفت المحلل إلى أنهم "في الجيش الإسرائيلي يتحدثون عن ضرورة إدارة "اقتصاد الذخيرة" من أجل إبقاء مخزون القذائف والقنابل لاحتمال نشوب حرب شاملة ضد حزب الله. والمعنويات أيضا هي مورد من شأنه أن يواجه نقصا وينبغي التعامل معه بحذر. وهذا ينطبق على جنود الاحتياط، الذين يستدعون للمرة الثالثة للخدمة العسكرية في القطاع أو الشمال أو الضفة الغربية، وكذلك على الجنود النظاميين الشبان الذين يرسلون الآن إلى غزة بعد فترة قصيرة من انتهاء تأهيلهم".

وتابع أن "شعبتي العمليات والقوى البشرية تواجه حالات اضطرارية، لم يتوقع شدتها أحد. فحرب استنزاف طويلة كهذه لم تكن متوقعة في سيناريوهات الحرب، وتجلب ضغوطا بمستوى غير معقول".

ولفت الباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب وعضو الكنيست السابق عوفر شيلَح، إلى أن المشاهد والتقارير حول الحرب على غزة "تعيد إلى الذاكرة العام 1983، وهو العام الذي بدأ فيه الجيش الإسرائيلي بالغوص في الوحل اللبناني".

وتوقع أن "الأعباء على قوات الاحتياط، وخاصة على خلفية الخلافات المتصاعدة في المجتمع الإسرائيلي حول أهداف الحرب، ستؤثر سلبا على أداء الجيش".

 

عالق بحلقة الموت

 

في مقال بعنوان "الجيش الإسرائيلي عالق في حلقة الموت بغزة"، اعتبرت مجلة "إيكونوميست" بتاريخ 17 مايو 2024، أنه لن تكون هناك مواجهة مأساوية بين حماس والجيش الإسرائيلي في رفح، لأنها مثل أغلب الحركات الفدائية ستعمل على تفادي الدخول في صراع مباشر مع عدو أفضل منها من حيث العتاد والعدة.

وذكرت إيكونوميست إن مؤيدي الهجوم على رفح -الذي بدأ في وقت سابق من هذا شهر مايو- يعتبرونه ضروريا للقضاء على آخر معاقل حماس، بينما يخشى مشككون فيه من أن يتحول إلى مأساة إنسانية، مما يؤدي إلى قتل الآلاف من الفلسطينيين وتشريد مليون آخرين.

وتحدثت المجلة عما وصفتها بالدراما الأقل وطأة بشأن المعارك في حي الزيتون شمال مدينة غزة، والتي بدأت بعد أيام من القتال في رفح، فقد قاتل الجيش الإسرائيلي هناك عام 2023 في بداية الحرب، ثم عاد في هجوم استمر أسبوعين في فبراير، والآن عاد للمرة الثالثة، وربما لن تكون العودة الأخيرة.

وقالت إيكونوميست إن الحديث عن مدينة رفح باعتبارها الملاذ الأخير لحماس مبالغ فيه، مشيرة إلى أنه بعد 8 أشهر من الحرب، ليس لدى إسرائيل أي خطة لمنع محاولات حماس إعادة السيطرة على أجزاء أخرى من غزة، كما أدى رفض نتنياهو الحديث عن ترتيبات ما بعد الحرب إلى قطيعة مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبشكل متزايد، مع جنرالاته بالجيش أيضا.

وأوضحت إيكونوميست أنه غالبا ما يتحدث الخبراء الإستراتيجيون عن "نهج البناء الواضح لمكافحة التمرد عبر تطهير منطقة من المسلحين والتمسك بالمكاسب وبناء بديل"، مشيرة إلى أن إسرائيل تفعل الشيء الأول فقط، وأنه بصرف النظر عن ممر نتساريم، لم يكن هناك وجود لقوات إسرائيلية تقريبا في غزة خلال الشهرين الماضيين، مما ترك فراغا حاولت حماس ملأه حتما.

وخلال هذا الأسبوع، خرجت الخلافات في الحكومة الإسرائيلية حول الحرب إلى العلن، بعد أن طالب وزير الدفاع يوآف غالانت من نتنياهو بتقديم إستراتيجية واضحة مع عودة الجيش للقتال في مناطق كان قد أعلن قبل أشهر تحقيق أهدافه فيها.

 

الانقسامات فى حكومة تل أبيب

 

تحت عنوان " توتر الحكومة الإسرائيلية في زمن الحرب مع تزايد الإحباط من نتنياهو"، ألقت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الضوء على خلافات الحكومة الإسرائيلية وانقسامات الداخل مع استمرار الحرب فى غزة والفشل فى إعادة الأسرى حتى الآن وعدم اتضاح رؤية ما بعد الحرب.

وأشارت الصحيفة إلى أن بيني غانتس، العضو الوسطي في حكومة الحرب الإسرائيلية قدم إنذارا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل أيام، قائلا إنه سيترك الحكومة إذا لم تضع قريبا خطة لمستقبل الحرب في غزة.

واعتبرت الصحيفة أنه في حين أن رحيل غانتس لن يطيح بحكومة الطوارئ في البلاد في زمن الحرب، إلا أن هذه الخطوة ستزيد من الضغط على الائتلاف الهش الذي زود حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بدفعة من الشرعية، وستجعل رئيس الوزراء أكثر اعتمادا شركاؤه المتشددين فى الحكومة.

وقال غانتس في مؤتمر صحفي متلفز: إذا اخترتم طريق المتعصبين، وجر البلاد إلى الهاوية، فسنضطر إلى ترك الحكومة. سنتوجه إلى الشعب ونبني حكومة تنال ثقة الشعب.

وأضاف غانتس، الذي يقود حزب الوحدة الوطنية، إنه سيمنح نتنياهو مهلة حتى 8 يونيو - ثلاثة أسابيع - لوضع خطة تهدف إلى تأمين إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس فى غزة منذ 7 أكتوبر، ووضع خطة للحكم المستقبلي للقطاع، وإعادة النازحين الإسرائيليين إلى منازلهم، من بين قضايا أخرى.

ورداً على إنذار غانتس، اتهم نتنياهو رئيس الأركان العسكري السابق ومنافسه السياسي منذ فترة طويلة بالدعوة إلى "هزيمة إسرائيل" من خلال السماح فعلياً لحماس بالبقاء في السلطة. وأضاف أن غانتس اختار توجيه إنذار نهائي لرئيس الوزراء، وليس لحماس.

 

ذكر الكاتب توماس فريدمان في مقال بصحيفة "نيويورك تايمز" إن إسرائيل تقف اليوم عند نقطة إستراتيجية في حربها على غزة، مؤكدا أن "كل المؤشرات تشير إلى أن نتنياهو سوف يختار الطريق الخاطئ".

وأعرب فريدمان عن اعتقاده بأن نتنياهو "سيأخذ إدارة جو بايدن في رحلة خطيرة ومقلقة للغاية"، مشيرا إلى أن إسرائيل "باتت سجينة حرب لا يمكن الفوز بها سياسيا، وانتهى بها الأمر إلى عزل أمريكا وتعريض مصالحها الإقليمية والعالمية للخطر".

تناول مقال بصحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية الانتقادات التي تواجهها إسرائيل من دول العالم بسبب حربها على قطاع غزة، والتي يرى المقال أنها "أدت إلى توتر التحالف مع واشنطن وأوقفت جهودها لتطبيع العلاقات بين تل أبيب ودول إسلامية وعربية".

ونقل المقال عن الباحثة في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية تمار هرمن أن رد الفعل العالمي على الحرب "عزز التصور الشائع بين اليهود الإسرائيليين بأن العالم كله ضدنا".

وفي مقال مشترك نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية، دعت مجموعة مرموقة من قادة المنظمات غير الحكومية والشخصيات الملتزمة باحترام القانون الدولي، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والبرلمانيين الفرنسيين إلى وضع حد لاستيراد السلع والخدمات من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.

 

جبهة الشمال

 

بينما يتعثر الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة تتكدس له في الشمال اخطار كبيرة:

جاء في تقرير كتبه يسرائيل شماي ونشرته صحيفة "مكور ريشون" الإسرائيلية يوم 17 مايو 2024: 

يستهدف حزب الله حتى اليوم أهدافا استخبارية وبنى تحتية عسكرية مختلفة، وعمليات لا تؤدي إلى تصعيد، والمستقبل سوف يثبت ما إذا كانت حرب الاستنزاف في الشمال سوف تتطور لتصبح حربا شاملة.

محطات الطاقة، والمراكز النووية، والكهرياه، ومطار بن غوريون، والبورصة.. كل هذه المواقع تم تحديدها في الماضي من قبل حزب الله كأهداف للهجوم، وأيضا إنجازات له في المعركة الحالية.

يوم 16 مايو، أصابت مسيرة حزب الله موقعا نصب فيه أكبر منطاد رصد لدى "الجيش" الإسرائيلي "طال شمايم" في مفترق غولاني، وذلك بعدما أطلق الحزب يوم الثلاثاء عشرات القذائف الصاروخية على الجليل الغربي، وأصاب المنطاد الذي سقط داخل الأراضي اللبنانية.

في "الجيش"، ادعوا أن لا خشية من تسريب معلومات من المنطاد الذي ضبط، لكن عادةً ما تحمل مناطيد الرصد شحنة هادفة تتضمن وسائل مثل الرادارات والكاميرات والهوائي وغير ذلك مما يمكن لحزب الله التوصل من خلاله إلى معطيات مختلفة.

القتال المتواصل على الحدود الشمالية منذ الثامن من أكتوبر بمنزلة حرب استنزاف، فخلال شهر أبريل، كشف الصحافي يوسي يهوشع عبر "يديعوت أحرونوت" أن حزب الله أطلق منذ بدء المعركة ما يقارب 3100 قذيفة صاروخية وقذيفة هاون، إضافة إلى مئات الصواريخ المضادة للدروع والقذائف الثقيلة والمسيرات نحو "إسرائيل". وكذلك، سجلت عشرات حالات إطلاق النار ومحاولات التسلل.

ووفقاً لمعطيات مشروع "ACLED" الذي يعرض خريطة مواجهات عسكرية في العالم وينشر معطيات بشأنها، حتى نهاية أبريل نفذ 992 هجوما من جانب حزب الله. هذه الأرقام ارتفعت قليلاً بالطبع حتى اليوم.

في العام 2019، عرض أمين عام حزب الله حسن نصر الله خريطة تحمل بنك أهداف الحزب في "إسرائيل" خلال مقابلة شاملة بثتها قناة "المنار" الإعلامية.

قال نصر الله في حينها: "نحن قادرون على ضرب الشمال الإسرائيلي من أي نقطة في لبنان، وكما نريد"، مضيفاً: "لدى حزب الله كل المعلومات المطلوبة لكل الأهداف الموجودة هناك، بما فيها التكنولوجية، والبنى التحتية، والعسكرية.. كل شيء. لكن الأهم هو منطقة الساحل الإسرائيلي، الجزء الأصغر جغرافياً على خريطة العدو. بدءاً من شمال نتانيا وحتى جنوب أسدود، يدور الحديث عن جزء يمتد لنحو 70 كلم. وهناك أماكن يبلغ عرضها، حتى الضفة، 14 إلى 20 كلم. في هذا المربع، يوجد نحو 1200 متر مربع، مساحة صغيرة ليست ميدان معركة كبيراً. في داخله، توجد كل المراكز الرئيسية: "قيادة الجيش، ووزارات الحكومة، والمطارات الداخلية، ومطار بن غوريون، وقواعد عسكرية تحتوي سلاحاً غير تقليدي، ومراكز نووية، ومرفآن، وبورصة إسرائيل، ومراكز تجارية، ومحطات طاقة، ومحطات ضخ غاز، ومعامل نفط".

وقال نصر الله: "لسنا بحاجة لاستهداف الجنود، فبدلا من تضييع الصواريخ على الشمال نحن سوف نذهب إلى هذه المنطقة". وتساءل: "هل العدو سوف يتحمل ذلك؟ نحن من سنعيد إسرائيل إلى العصر الحجري. إسرائيل حاولت التخلص من حاويات الأمونيا في حيفا ولم تنجح. بالمحصلة هناك حاجة لصاروخ واحد أو اثنين على هذه الحاويات". وفي إطار المقابلة ذاتها، ذكر أمين عام حزب الله أيضاً استهداف "أهداف حساسة في الجنوب" كأحد أهداف الحزب.

خلال المعركة الحالية، نشر حزب الله لائحة أهداف ضربها منذ 8 أكتوبر، وخصوصاً في المستوطنات، في قواعد مواقع عسكرية موجودة قرب الحدود، مثل أفيفيم وبيرنيت وزرعيت وجبل ميرون وياعر رمبم وليمون والمالكية والمنارة ومرغليوت وعرب العرامشة وشوميرا وشتولا وغيرها. إضافة إلى ذلك، هاجم حزب الله مرات معدودة أيضاً في مناطق حيفا وطبريا والعفولة وكفار تابور، وكما ذُكر سابقاً، أيضاً في الخضيرة.

المستقبل سوف يثبت ما إذا كانت حرب الاستنزاف في الشمال سوف تتطور لتصبح حربا شاملة، بما في ذلك محاولة ضرب الأهداف التي حددها نصر الله في العام 2019 كالأهداف الرئيسية في بنك أهداف الحزب.

 

صراعات المستقبل

 

احيت معركة غزة الجدل حول جدوى "الأسلحة الثقيلة" في الحروب، وكيف أنه بدولارات قليلة يمكن افساد معدات بملايين الدولارات وشل فعاليتها. 

على الرغم من الاتفاق حول أسباب ومحفزات نشوب الحروب أو الصراعات بين الدول وبعضها بعضاً أو داخل إقليم دولة ما، سواء فيما يتعلق بالصراع على الموارد أو الحدود أو السلطة.. وغيرها، فإن ثمة اختلافاً حول الأدوات والتكتيكات التي يتم توظيفها في تلك الحروب والصراعات. ويعود هذا التباين بصورة كبيرة إلى التطور في المفاهيم والأدوات والمعدات العسكرية، والذي ارتبط بالثورة التكنولوجية والعسكرية التي قادت الاستراتيجيين والعسكريين إلى التفكير في حروب المستقبل وأشكالها وحدود التغيير الذي طرأ عليها، وما إذا كانت الأسلحة الثقيلة لا تزال تحتفظ بدورها أم أن مقتضيات العصر قد تفرض عليها التراجع؟

الأسلحة الثقيلة يقصد بها أي أسلحة كبيرة وثقيلة للغاية، بحيث يصعب على المشاة حملها، مثل الدبابات والمدافع والمروحيات والطائرات المقاتلة والغواصات والسفن الحربية، وتستخدم تلك الأدوات في القتال المباشر والتي تدمج المتطلبات العسكرية المختلفة (قوة النيران والحركة، وغيرها) في نظام واحد.

 

عمر نجيب

[email protected]