حرب غزة ونهاية إستراتيجية الردع الإسرائيلية في الشرق الأوسط.... عالم يعاد تشكيله.عندما تنزلق القوى العظمى من موقع التفوق

خميس, 2024-05-09 04:20

خلال الأيام القليلة الأخيرة من شهر أبريل 2024 والأولى من شهر مايو 2024 كان من الممكن تلخيص العناوين الرئيسية ولكن المعادة منذ أشهر في وسائل الإعلام الغربية وخاصة الأمريكية بخصوص حرب غزة كالتالي:

* الأحد 5 مايو 2024 حماس تتبنى هجوما على معبر حدودي.. وإسرائيل تعلن مقتل 3 جنود وإصابة 12 آخرين لترتفع الخسائر البشرية المعلن عنها للجيش إلى 611 قتيل من الضباط والجنود منذ بداية الحرب.

* نتانياهو يرفض إنهاء الحرب.. وحماس تدعو لاتفاق "يضمن انسحاب" إسرائيل من غزة.

* "إسرائيل لن تقبل شروطا تصل إلى حد الاستسلام، وستواصل القتال حتى تحقيق أهداف الحرب".

* وسط اتهامه بتعطيل الصفقة مع حماس.. نتنياهو يتعهد بمواجهة الضغوط الغربية حتى لو ظلت إسرائيل لوحدها.

* القاهرة: المفاوضات الدائرة حاليا "تشهد تقدما إيجابيا"، لافتة إلى أن "عودة السكان إلى شمالي القطاع من بين بنود الاتفاق".

* مسؤول إسرائيلي: حركة حماس "تعرقل" إمكانية التوصل إلى اتفاق هدنة في غزة، بـ"إصرارها على مطلب وقف الحرب في القطاع بشكل كامل".

* بحشود "ضخمة".. احتجاجات إسرائيلية تدعو نتانياهو للموافقة على اتفاق بغزة.

* استطلاع رأي: غالبية الإسرائيليين يفضلون صفقة رهائن على اجتياح رفح.

* تقرير: "عزلة" إسرائيل "تتعمق" بعد القرار التركي.

* بعد إغلاق "الباب التركي".. ما هي بدائل إسرائيل وهل تلجأ إلى المحاكم؟.

* برنامج الأغذية العالمي: أجزاء من غزة تعيش "مجاعة شاملة.

* الأمم المتحدة تتهم إسرائيل برفض دخول المساعدات لغزة وسط تحذيرات من "مجاعة شاملة".

* تل أبيب: "إشعار قبل 48 ساعة" من الهجوم على رفح.. اجتماع بين إسرائيل ومنظمات إغاثة بشأن عملية رفح.

* صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، مصير محادثات وقف إطلاق النار في قطاع غزة بات معتمدا على اثنين من "الصقور" هما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعيم حركة حماس يحيى السنوار.

* صحيفة: أمريكا طلبت إبعاد حماس من قطر.. والدوحة نصحت هنية بخطة بديلة.

* مسؤول أمريكي: قطر تدرس إغلاق مكتب حماس.

* رويترز: وفد حماس ومدير المخابرات المركزية الأمريكية يعقدان محادثات في القاهرة.

* إسرائيل تضع حماس أمام مهلة قصيرة.. ووفد الحركة يتجه إلى مصر.

* طلاب في أقدم جامعة بأيرلندا يقيمون مخيما مؤيدا للفلسطينيين.

* "بقاء حماس".. تحليل إسرائيلي يتحدث عن "حقيقة مؤلمة ونوايا نتانياهو الحقيقية".

* اليونيسكو تمنح جائزتها لحرية الصحافة للصحفيين الفلسطينيين في غزة.

* "رسائل مزدوجة" لإسرائيل وحماس.. بلينكن يضغط من أجل اتفاق بغزة.

* الخيارات الصعبة.. هل فشلت إسرائيل في استعادة قوةالردع؟.

* "أكسيوس": الكونغرس يهدد الجنائية الدولية بسبب مذكرات اعتقال بحق إسرائيليين.

* مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مساعدات بـ95 مليار دولار لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان.

* يوم الثلاثاء 20 فبراير 2024 استخدمت واشنطن مرة أخرى "فيتو" لإفشال مشروع قرار لوقف إطلاق النار في غزة. وكانت واشنطن قد حذرت بتاريخ، الاثنين 23 أكتوبر 2023، أي بعد 16 يوما من عملية طوفان الأقصى من أن أي وقف لإطلاق النار من جانب إسرائيل في قطاع غزة سيفيد حركة حماس.

تعكس هذه العناوين مسار المواجهة العسكرية ومحاولات البحث عن مخرج بعد أن أصبح جليا بعد زهاء سبعة أشهر من القتال على شريط ضيق من الأرض لا تتعدى مساحته 365 كلم مربع وحيث يعيش في أكبر سجن في العالم 2.3 مليون نسمة، أن الجيش اٌلإسرائيلي رغم كل الدعم الذي قدمه له الغرب ورغم تصنيفه أقوى قوة عسكرية في الشرق الأوسط لم يحرز النصر الذي وعد به قادته، بل أصبح يتخبط في حرب عصابات تستنزف قواه، ويواجه عزلة دولية تتطور بسرعة نحو نفس المسار الذي أدى إلى انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا سنة 1994. 

التحالف المؤيد لتل أبيب وهو المتركز أساسا في تنظيم الناتو العسكري يتخبط في متاهة البحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه ويجنبه الاعتراف بالعجز، وذلك في وقت يواجه فيه تحديات خطيرة في أغلب أرجاء العالم حيث تنهار قواعد النظام العالمي الأحادي القطب وتتعزز إرادة وجرأة حكومات دول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية في تحدي مستعمريها السابقين والجدد. وفي وقت يخسر فيها حلف الناتو معركته ضد روسيا على الساحة الأوكرانية في وسط شرق أوروبا وتواصل فيه الصين تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية وتعمل بثبات وبشكل متدرج على إعادة توحيد اراضيها بإستعادة تايوان وتعميق تحكمها في مياه بحر الصين الجنوبي.

لعل أخطر ما يواجه الغرب هو ترسخ أزماته الاقتصادية ومديونيته الصاروخية التي لا يمكن تجنب إنفجارها رغم عمليات الترقيع التي تحاول تأجيلها.

ومن الثابت أن ضعف وأفول الإمبراطوريات التي حكمت الأرض لقرون، كان سببه تراجع القوة الاقتصادية، ما انعكس سلبا على قوتها العسكرية ونفوذها السياسي، وذلك لعدم قدرتها على تأمين الأموال اللازمة للحفاظ على قوتها العسكرية وتوفير نفقات انتشارها في البحار والقارات وفي الكثير من الدول، واستطراداللعجز عن شن الحروب بسبب كلفتها المادية التي لم تعد قادرة على تحملها. وهل ما حدث للإمبراطورية البريطانية التي لم تكن الشمس تغيب عن مستعمراتها. الأمر نفسه الذي تعرضت له الإمبراطورية الفرنسية، والعثمانية، وقبلها الرومانية، وليست الإمبراطورية الأمريكية ببعيدة عن قانون فلسفة التاريخ.

في مقاله المنشور خلال شهر يناير 2024 في مجلة نيوستيتسمان (New Statesman) ) البريطانية تحت عنوان: «The empire can’t strike back» (الإمبراطورية لا تستطيع رد الضربة) يقول الكاتب السويدي مالكوم كييون إن ميزان القوى العالمي آخذ في التحول، وأن الهجوم الصادم الذي شنته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر قد أثار أزمة على مستوى المنطقة تهدد بالتطور إلى حرب أوسع نطاقا، ويشير إلى أن الدليل على مدى الاختلاف الكبير الذي يمثله عام 2023 بالنسبة للعالم مقارنة بما كان عليه قبل عشرين عاما، لا يوجد في أوروبا الشرقية (أوكرانيا) أو في بحر الصين الجنوبي، ولكن في الشرق الأوسط.

 

تل أبيب تخدع نفسها

 

ذكرت القناة الـ12 العبرية يوم الأحد 5 مايو 2024 إن "حماس لن توافق على أي مخطط عام لا يتضمن وقفا كاملا للحرب"، ووصفت المسؤولين الإسرائيليين بأنهم "يخدعون أنفسهم"، في التعامل مع المفاوضات الجارية بشأن التوصل لصفقة تبادل أسرى جديدة، ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وقالت القناة، إن "حركة حماس لم تتراجع للحظة واحدة منذ شهر نوفمبر 2023"، موضحة أنها "تتمسك بإنهاء الحرب على غزة، كشرط أساسي لإتمام صفقة الأسرى والإفراج عن جميع المحتجزين لديها". 

وأضافت القناة على لسان معلقها عاميت سيغل، أنّ "حماس لن توافق على أي مخطط عام لا يتضمن وقفا كاملا للحرب"، وذلك في أعقاب الجدل الإسرائيلي بشأن صفقة الأسرى والمعضلة السياسية التي تعيشها تل أبيب.

وذكرت القناة العبرية أن "إسرائيل تخدع نفسها، وتخشى أنه بعد تحرر أسراها، يتم مفاجأتها في مجلس الأمن بقرار يرغمها على إنهاء الحرب، دون أن تستخدم الولايات المتحدة حق النقض حينها".

 

ما وراء الصفقة ؟

 

ذكرت وسائل إعلام أمريكية إن زعيم حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار مقتنع بأنه انتصر في الحرب بالفعل حتى لو لم يخرج منها حيا.

وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقريرها يوم 2 مايو أن السنوار يعتقد أن الوقت في صالحه وأنه كلما طال انتظاره زادالضغط على إسرائيل.

وبحسب التقرير، فإن الهدف النهائي للسنوار كما يقول الوسطاء المشاركون في المحادثات، هو الحصول على إطلاق سراح مئات إن لم يكن الآلاف من السجناء الفلسطينيين في صفقة تبادل أسرى وضمان اتفاق لإنهاء الحرب وبقاء حماس.

وأشارت الصحيفة إلى أنه من المتوقع أن يرفض السنوار أي اتفاق لا يتضمن مسارا موثوقا لإنهاء الحرب.

وبينت الصحيفة الأمريكية أن السنوار الذي تعلم العبرية خلال عقدين من الزمن في أحد السجون الإسرائيلية وتم إطلاق سراحه في صفقة تبادل أسرى سابقة، يقود حماس في غزة في الوقت الذي كانت فيه الحركة تبني قواتها تحت اشرافه.

وأوضحت أنه ومنذ 7 أكتوبر تحدت حماس الصعاب وصمدت بينما أطلق الجيش الإسرائيلي آلاف القذائف المدفعية ونفذ غارات جوية مكثفة على غزة.

ووفق خبراء تحدثت معهم "وول ستريت جورنال" فإنه وعلى الرغم من أن قوات حماس قد تلقت ضربة في الحرب الإسرائيلية، إلا أنه من المرجح أن السنوار يعتقد أنه يمكن تحمل أشهر أو حتى سنوات من الصراع.

ووفق المصدر ذاته، فإن مصير الاتفاق الذي من شأنه تحرير الأسرى الإسرائيليين ووقف الحرب في غزة هو الآن في أيدي رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وزعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار.

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أن نتنياهو الذي واجه انتقادات داخل إسرائيل بسبب الإخفاقات الأمنية والاستخباراتية حول هجوم 7 أكتوبر الذي أشعل الحرب، يساوره القلق الآن من احتمال أن توجه إليه المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام بارتكاب جرائم حرب، مبينة أن وقف الحرب يمكن أن يدفعه في نهاية المطاف خارج السلطة والسجن.

وكانت الإذاعة الإسرائيلية قد أفادت يوم الأربعاء الأول من مايو بأن رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار "يتصرف كأنه زعيم تاريخي للعالم الإسلامي وليس لفلسطين فحسب".

ونقلت الإذاعة عن آفي يسخروف المحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن "السنوار يعرف كيف يتعامل مع رئيس الوزراء نتنياهو".

 

تخبط

 

في مؤشر على تخبط المعسكر المناصر لتل أبيب أنه وبتاريخ 25 أبريل نقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن مسؤول أمريكي قوله إن الشخص الوحيد الذي يمكنه الآن إتاحة تقدم محادثات وقف إطلاق النار وصفقة التبادل بين حماس وإسرائيل هو رئيس الحركة بغزة يحيى السنوار.

ولكن المسؤول الأمريكي زعم يوم الخميس أن "هناك تغييرا في نهج إسرائيل حصل في مفاوضات الأسابيع الستة الماضية". واشار إلى أن الاتفاق المطروح حاليا على طاولة التفاوض يلبي "جميع المطالب التي قدمتها حماس تقريبا".

وأضاف المسؤول الأمريكي إن "صفقة إطلاق سراح الأسرى ستؤدي إلى وقف طويل لإطلاق النار في قطاع غزة"، مدعيا أن حماس تمنع تقدم المفاوضات رافضا في الوقت نفسه اتهام إسرائيل بالمسؤولة الرئيسية عن فشلها.

لكنه قال أنه لو أجاب عن سؤال من هو المسؤول عن فشل المفاوضات قبل ستة أسابيع لـ"كانت إجابتي مختلفة"، في إشارة منه إلى مسؤولية إسرائيل عن فشلها قبل اليوم، لكنه حاليا يحمل حماس المسؤولية. 

جدير بالذكر أن مسؤولين أمريكيين حملوا "حماس" مسؤولية عدم التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار خلال الأسابيع الماضية، بينهم الرئيس الأمريكي جو بايدين الذي طالب الحركة بالمضي قدما في مقاربة المقترحات المطروحة لوقف إطلاق النار.

 

حقيقة مؤلمة

 

كشف تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 3 مايو عن حجم الأوهام التي يحاول بعض السياسيين في إسرائيل والغرب إقناع أنفسهم بها لإخفاء انتكاساتهم، حيث جاء فيه:

في الوقت الذي يؤكد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مرارا وتكرارا أن أحد الأهداف الرئيسية للحرب في غزة هو القضاء على حركة حماس، تتصاعد الأصوات المشككة بنوايا رئيس الحكومة الإسرائيلية الحقيقية في غزة وما إذا كان يخطط بالفعل لتحقيق أهداف الحرب أم طموحاته الشخصية فقط.

وتعهد نتنياهو بالقضاء على قادة حماس وتدمير الحركة عسكريا وسياسيا، وكذلك العمل على تحرير الأسرى الذين أخذتهم حماس في السابع من أكتوبر.

كذلك يهدد نتنياهو بشن عملية عسكرية برية في مدينة رفح "للقضاء على ما تبقى من مسلحي حماس"، لكنه يتعرض لضغوط متزايدة لمنعه من القيام بذلك.

وشكك المقال بنية نتنياهو القضاء على حماس مشيرا إلى أن الجيش الإسرائيلي خفف من عملياته العسكرية في غزة منذ أكثر من شهرين. 

ويضيف أنه "في ذروة الاجتياح البري كان هناك نحو 20 لواء في القطاع، لكن في بداية شهر إبريل 2024، غادرت الفرقة 98 القطاع، وبذلك أكملت إسرائيل إجلاء نحو 95 في المئة من جنودها في غزة".

التحليل وصف ما جرى بأنه بمثابة أن إسرائيل تركت الأسرى ورفح، اللذان تمثلان شريان الحياة الرئيسي لحماس، خلف ظهرها.

ويتابع التحليل أن "حقيقة قيام إسرائيل بإنهاء المناورة البرية في غزة وإسقاط جميع أدوات الضغط طواعية على حماس، أمر مثير للقلق". 

ويرى أن النوايا الحقيقية من وراء ذلك تتمثل في أن "نتنياهو يفضل حماس الضعيفة التي لا تزال تسيطر على غزة، على أي كيان آخر يحظى بالاعتراف والتعاون الدوليين، وذلك لأسباب شخصية وسياسية ليس من الصعب فهمها".

وبين التحليل أن "حماس، التي ضعفت، ولكنها حية وتسيطر على غزة، تشكل مفتاح فرص نتنياهو في السماح للوضع الراهن بالبقاء على حاله، بما في ذلك بقاؤه في السلطة". 

بالمقابل يشير مئير مصري أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل إلى أن "هذا الكلام غير واقعي لسببين: أولا لأن نتنياهو ليس حرا طليق اليد في إدارة الحرب، وإنما هو الضلع الأقوى في منظومة متكاملة تسير في اتجاه واضح ومنضبط".

ويضيف منير مصري في حديث لموقع "الحرة" أن الأمر الثاني يتمثل في أن "سلطة حماس تحتضر وأيامها معدودة وكل المعطيات تشير إلى اقتراب معركة رفح واستكمال بسط سيطرة إسرائيل الأمنية على القطاع".

ويتوافق تحليل صحيفة "جيروزاليم بوست" مع تقرير سابق نشره موقع "أكسيوس" الأمريكي شهر أبريل ونقل فيه عن العديد من المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين القول إنهم "على اقتناع بأنه رغم أن نتنياهو يبدو محاصرا، فإنه يعتقد أن الحرب طويلة الأمد قد تزيد من فرصه في البقاء في السلطة".

واعتبر المسؤولون، حسب الموقع، أن تصرفات نتنياهو تعود لاقتناعه بأنه "طالما الحرب مستمرة، فإن هناك احتمالات أقل لإجراء انتخابات يمكن أن تطيح به، وكلما مر المزيد من الوقت، زادت فرص تعافيه سياسيا".

ويظل نتنياهو هو المسؤول الحكومي الكبير الوحيد الذي رفض تحمل المسؤولية عن الإخفاقات التي أدت إلى هجوم 7 أكتوبر، حسب "أكسيوس".

ويطالب معظم الإسرائيليين نتنياهو بالاستقالة، وفقا لاستطلاعات رأي أخيرة، التي تشير إلى أن حزب الليكود الذي يتزعمه، سيخسر ما يقرب من نصف مقاعده في الكنيست (البرلمان) إذا أجريت الانتخابات اليوم.

لكن نتنياهو لا يريد ذلك، حيث كان الموضوع الرئيسي في مؤتمراته الصحفية الأخيرة، هو أن الانتخابات "لن تخدم سوى حماس وحزب الله وإيران"، وفق "أكسيوس".

 

الخيارات الصعبة

 

نشر موقع الحرة الأمريكي التابع لسلطات واشنطن تقريرا يوم الخميس الثاني من شهر مايو 2024 جاء فيه:

منذ تأسيس إسرائيل اعتمدت على إستراتيجية "الردع" كضمان للبقاء والاستمرار وسط محيط معاد، إذ يجب أن ينظر إليها على أنها خطيرة جدا ولا يمكن إزعاجها أبدا، ولكن هذه الإستراتيجية قد لا تنجو من التوترات الحالية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، قال في أحد تصريحاته سابقا، إن الردع هو "السلاح الرئيسي للبلاد.. أي الخوف منا"، فيما قال الجنرال الإسرائيلي، موشيه ديان، "إن إسرائيل يجب أن ينظر لها على أنها كلب مسعور. خطير جدا بحيث لا يمكن إزعاجه".

ووفق تقرير نشرته مجلة فورين بوليسي ما وقع في السابع من أكتوبر 2023، وضع هذه الاستراتيجية على المحك إذ أصبحت هناك "ضرورة وجودية غير مسبوقة لإعادة بناء قوة الردع في إسرائيل، والتي تتضاءل بشكل متزايد منذ انسحابها من لبنان في عام 2000".

ويشرح التقرير أن حرب إسرائيل في غزة "رد فعل إسرائيلي لا بد أن يكون بنفس القدر، وهو نوبة من العنف لا مثيل لها من حيث النطاق والشدة"، مذكرا بتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، بأن "الجيش الإسرائيلي سيهاجم حماس بقوة لم يسبق لها مثيل".

ولكن بعد أشهر من الحرب الضارية "فشلت العروض الإسرائيلية غير المسبوقة للقوة العسكرية في غزة، والجهود المرتبطة بها في أماكن أخرى في المنطقة في استعادة الردع الإسرائيلي" بحسب تقرير للمجلة.

ويبرر التقرير الذي أعده، سجاد صفائي، وهو باحث في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا في ألمانيا، السبب الأساسي في "الفشل" بأن "النصر العسكري الكبير وإصابة حماس بالضرر الحاسم، لا يزال بعيد المنال.. وبدلا من ذلك تثير الهجمات البرية التي تشنها القوات الإسرائيلية إدانة دولية، كما أدت معدلات الخسائر المرتفع إلى حد مثير للقلق في والتي أصابت الجيش الإسرائيلي، ما يثير مخاوف سابقة بشأن ضعف القوات البرية الإسرائيلية".

وأضاف أن ما يحدث "لم يوصل أي رسالة قوة إلى أعداء إسرائيل، وخاصة حزب الله".

ومنذ بدء الحرب في غزة، تسببت اشتباكات في شمال إسرائيل مع حزب الله إلى الدفع بأكثر من 160 ألف إسرائيلي بعيدا عن الحدود، ما يعني أن حزب الله استطاع فرض شروط الاشتباك الخاصة به من خلال إنشاء منطقة عازلة داخل إسرائيل.

ما تواجهه إسرائيل "يشكل اهانة خطيرة للردع الإسرائيلي"، بحسب التقرير، مستشهدا بتصريحات لواء احتياط في الجيش الإسرائيلي، غيرشون هكوهين التي وصف فيها سلوك الجيش الإسرائيلي في الشمال بأنه "محرج".

ناهيك عن أن الحفاظ على إستراتيجية الردع قائمة، أصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى خاصة مع "الرؤوس الحربية الإيرانية التي حلقت فوق سماء إسرائيل"، وهو ما جعل من "هالة إسرائيل التي لا تقهر تهتز بشدة".

 

سيناريوهات أمام إسرائيل

 

ويشير التقرير إلى أن قادة إسرائيل قد يجدون أنفسهم أمام عدة سيناريوهات، بأن يجبروا على "تكثيف جهودهم لإعادة بناء قوة الردع في حرب واسعة النطاق مع حزب الله، رغم أن احتمالات النجاح ستكون ضئيلة من دون مشاركة قوية للولايات المتحدة في هذه الحرب".

وبهذا ستصعد إسرائيل من العمليات العسكرية في غزة، ما يعني زيادة الانتقادات الدولية والعزلة، أو الدفع نحو تطوير أنظمة دفاع جوي من الجيل التالي، تتضمن تقنيات متطورة.

ويلفت التقرير إلى أن ذلك قد يشكل تحفيزا للتحرك نحو المزيد من السبل الدبلوماسية كوسيلة لتأمين السلام والاستقرار الدائمين، مضيفا أنه من الواضح حتى الآن أن "محاولة إسرائيل لاستعادة أمنها لم تقترب بعد من الانتهاء منها". 

وفي الوقت الذي قد يكون خيار التوسع في إستراتيجية الردع الإسرائيلي مطروحا أمام قادة إسرائيل، يؤكد تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز أن هناك خيارا آخر بإعلان إسرائيل وقف إطلاق النار بشكل أحادي في غزة، وهو ما سيشكل "فرصة لقلب الطاولة على حماس وإيران" ويعزز من توجهات إسرائيل بالتطبيع مع السعودية.

ويؤكد التحليل الذي أعده دينس روس، وهو مبعوث أمريكي سابق إلى الشرق الأوسط، وشغل مناصب عليا في مجال الأمن القومي الأمريكي، بالتعاون مع ديفيد ماكوفسكي وهو باحث في معهد واشنطن ومدير مشروع كوريت للعلاقات العربية الإسرائيلية، أن "إسرائيل أمام فرصة سانحة في عام بالغ الصعوبة.. وهو ما ينطبق بالقدر ذاته على الولايات المتحدة" بإظهار القدرة على "تحمل الحرب بين إسرائيل وحماس والفوضى التي أوجدها حلفاء إيران، وإيجاد شرق أوسط أكثر استقرارا".

ويشدد بأن العلاقات بين الرئيس الأمريكي، جو بايدن ونتنياهو قد تصبح أكثر توترا، لكن اتفاق التطبيع الذي تتوسط فيه واشنطن بين إسرائيل والسعودية هو أهم شيء "يمكنه أن يغير مسار العلاقات"، إذ يدرك بايدن الحاجة إلى تقدم سياسي ذي مصداقية للفلسطينيين قبل وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التطبيع، ولهذا على نتنياهو أن يتعامل مع قاعدته السياسية التي تعارض قيام الدولة الفلسطينية، وتخفيف الأزمة الإنسانية في غزة، وهو ما لا يمكن القيام به من دون وقف لإطلاق النار.

هذه الخيارات ستكون صعبة من الناحية السياسية على نتنياهو، ولكن الضغوطات التي تضعها إسرائيل في غزة لم تفض إلى إطلاق سراح الأسرى، والتهديد بعملية واسعة في رفح لا يمكن أن تتم إلا بإجلاء نحو 1.5 مليون فلسطيني وضمان حصولهم على مكان أمن فيه غذاء وماء ودواء، في عملية إجلاء قد تستغرق نحو ستة أسابيع أو أكثر.

وفي ضوء هذه الحقائق بحسب التحليل، ينبغي على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار، والسماح للمنظمات الإنسانية تخفيف الأوضاع في غزة، ومعالجة المخاوف الدولية، ووضع آلية أفضل لدخول المساعدات، وتوزيعها، ما يعني إعادة تركيز انتباه العالم إلى "تعنت حماس ومحنة الأسرى الإسرائيليين، ما من شأنه المساعدة في تغيير السرد المتشكك الذي يسيطر على الرواية الإسرائيلية على المستوى الدولي ويقلل الضغط عليها لإنهاء الحرب من دون قيد أو شرط".

و"ببساطة" على حد تعبير كاتب التحليل، وقف إطلاق النار الإسرائيلي من جانب أحادي لمدة أربعة إلى ستة أسابيع من شأنه أن يوجد فرصة إستراتيجية لتطبيع العلاقات مع السعودية، وتحويل التحالف الإقليمي الضمني الذي ظهر بعد هجوم إيران على إسرائيل إلى واقع أكثر جدية.

 

فقدان الهيمنة العسكرية 

 

يرى عدد من المحللين أن هناك ترابطا وثيقيا بين تراجع إستراتيجية الردع الإسرائيلية والتحولات الجارية على الساحة الدولية وعملية إعادة تشكيل موازين القوى خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في 29 أغسطس 2021 واقتراب حلف الناتو من خسارة حرب أوكرانيا.

كتب المحلل السياسي الأمريكي مايكل كلارك في "ناشيونال إنترست" بداية سنة 2024: أصبحت الولايات المتحدة أكثر تجنبا للمخاطرة مما كانت عليه في الماضي القريب. وهذا اعتراف ضمني بأنها غير واثقة من تفوقها العسكري.

منذ عام 2021 أصبح مفهوم الدفاع الرئيسي لإدارة بايدن هو "الردع المتكامل". ويعني هذا المصطلح العمل مع شركاء ذوي تفكير متماثل وتجميع القوة الجماعية لمواجهة الأخطار التي تهدد أمن الولايات المتحدة. وأكد وزير الدفاع، لويد أوستن، هذا المفهوم في خطاباته أمام القيادة في هاواي في 3 مايو، وفي سنغافورة في 27 يوليو من عام 2021. وتمحور الخطاب حول ضرورة استخدام القدرات الحالية وبناء قدرات جديدة وتشبيكها مع الحلفاء.

لكن المحتوى الدقيق لعبارة الردع المتكامل يتنافى مع نهج الإدارة الأمريكية تجاه الحرب في أوكرانيا. حيث لم يكن الردع يتصدى للتهديدات المباشرة، بل كان ردعا للتهديدات، كما اقتصر على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية، بالتعاون مع الحلفاء، ولم يشمل أي شكل عسكري.

إن العبارات الرنانة والخطابية لا تدعم مفهوم الردع المتكامل، فالردع يجب أن يتضمن خلق تهديدات موثوقة لمنع الأعمال العدائية، أو استخدام القوة لتحقيق أهداف محدودة. كما يجب أن يتم تطوير القدرات القتالية للقوات، مدعومة برادع نووي آمن وفعلا. كما يجب أن يتضمن استراتيجيات لتعقيد الاستعدادات العسكرية للخصوم وتطوير التكنولوجيا التي نحتاجها بسرعة. وبدلا من ذلك يحول هذا الردع العبء الأكبر للحلفاء، ويشير إلى تجنب التصعيد في التخطيط لحرب محدودة.

وخير دليل على فشل مضمون الردع المتكامل هو أن روسيا فعلت ما تريده في أوكرانيا. ولم تفكر الإدارة الأمريكية في أي رد عسكري، ربما بسبب الادعاء بالخوف من التصعيد وصولا لاشتباك عسكري مباشر مع روسيا. لكن السؤال هو حول الدور الذي ترى الإدارة أن القدرات العسكرية تلعبه في مفهوم الردع؟

تشير هذه المعطيات إلى أن الولايات المتحدة تواجه مخاطر أكبر في ظل الإدارة الحالية. كما أنها تمثل اعترافا ضمنيا بأن الولايات المتحدة لم تعد واثقة من تفوقها العسكري في سيناريوهات الصراع المحتملة مع منافسيها من القوى العظمى.

 

هل تغرب الشمس ببطء؟

 

ربما تكون الولايات المتحدة تتعثر نحو انحدار لم تتعاف منه سوى القليل من القوى العظمى. فهل تمتلك العديد من أدوات التعافي الوطني؟ دايفيد إيغناتيوس – واشنطن بوست. 

يستعرض الكاتب ملخصا لدراسة جديدة صدرت في شهر أبريل 2024 بدأتها مؤسسة "راند" بتكليف من مكتب التقييم الصافي التابع للبنتاغون. وينبغي أن يكون بمثابة نداء استيقاظ لأمريكا في هذا العام الانتخابي الحاسم.

دراسة راند، التي تحمل عنوان "مصادر الديناميكية الوطنية المتجددة"، جزء من سلسلة تقارير بتكليف من مكتب البنتاغون لتقييم الوضع التنافسي للولايات المتحدة في مواجهة الصين الصاعدة.

يشرح الفصل الافتتاحي مشكلة أمريكا بشكل صارخ: "إن موقف الولايات المتحدة التنافسي مهدد من الداخل فيما يتعلق بتباطؤ نمو الإنتاجية، والشيخوخة السكانية، والنظام السياسي المستقطب، وبيئة المعلومات الفاسدة على نحو متزايد. أما من الخارج فيتعلق بارتفاع حجم الاستثمارات المباشرة. وهناك التحدي المتمثل في الصين وتراجع احترام العشرات من الدول النامية لقوة الولايات المتحدة. 

وتحذر الدراسة من أن هذا التراجع يتسارع. ويتم النظر إلى المشكلة الأساسية بمصطلحات مختلفة تماما من قبل شرائح مختلفة من المجتمع ومجموعات من القادة السياسيين. هناك رواية يمينية عن التراجع وأخرى يسارية. ورغم اتفاقهما على أن شيئاما معطل في أمريكا، فإن الجانبين يختلفان، إلى أقصى حد في كثير من الأحيان، حول ما يجب القيام به حيال ذلك.

وما لم يتمكن الأمريكيون من توحيد جهودهم لتحديد هذه المشاكل وحلها، فإننا نجازف بالسقوط في دوامة هابطة. ويشير المؤلفون إلى أن "التعافي من التدهور الوطني الكبير طويل المدى أمر نادر ويصعب اكتشافه في السجل التاريخي". ولنفكر في روما، أو إسبانيا الهابسبورغية، أو الإمبراطوريتين العثمانية والنمساوية المجرية، أو الاتحاد السوفييتي. "عندما تنزلق القوى العظمى من موقع التفوق أو القيادة بسبب عوامل داخلية، فإنها نادرا ما تعكس هذا الاتجاه". 

ما الذي يسبب التدهور الوطني؟ يستشهد مؤلفو راند بمحفزات مألوفة للغاية في عام 2024: "الإدمان على الترف والانحطاط"، و"الفشل في مواكبة المتطلبات التكنولوجية"، والبيروقراطية "المتحجرة"، و"فقدان الفضيلة المدنية"، و"التمدد العسكري المفرط"، و"الإرهاق العسكري". و"النخب الأنانية والمتحاربة"، و"الممارسات البيئية غير المستدامة". هل يبدو هذا مثل أي بلد تعرفه؟.

ويكمن التحدي في "التجديد الوطني الاستباقي"، كما يقول المؤلفان - وبعبارة أخرى، معالجة المشاكل قبل أن تعالجنا. ويحدد مسحهم للأدبيات التاريخية والاجتماعية الأدوات الأساسية للتجديد، مثل الاعتراف بالمشكلة، واعتماد موقف حل المشكلات بدلا من الموقف الأيديولوجي. ولعل الأمر الأكثر مراوغة هو الحفاظ على "التزام النخبة بالصالح العام".

ولسوء الحظ، في قائمة "إصلاح المشكلة"، يصنف مؤلفو مؤسسة راند أداء الولايات المتحدة في عام 2024 على أنه "ضعيف" أو "مهدد" أو في أفضل الأحوال "مختلط". إذا نظرنا بصدق إلى المرآة الوطنية، فمن المرجح أن نشارك هذا التقييم.

إذن ما هو المخرج؟ تقدم راند دراستين حالة حيث نجحت الإصلاحات العاجلة في التغلب على الفساد والفوضى التي كان من الممكن أن تكون كارثية لولا ذلك. 

المثال الأول هو بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر. لقد قامت ببناء إمبراطورية عالمية ناجحة بشكل خيالي. ولكن بحلول منتصف القرن التاسع عشر، كانت تتعفن من الداخل بسبب "الخسائر البشرية والبيئية الناجمة عن التصنيع، والفساد الملحوظ وعدم فعالية المؤسسات السياسية، وسيطرة مجموعة صغيرة من النخب المالكة للأراضي على السياسة، واتساع فجوة التفاوت الاقتصادي، وغير ذلك الكثير". ". لكن بريطانيا نهضت بموجة من الإصلاحات التي اجتاحت الحياة البريطانية وغيرت السياسة. وقد شارك قادة المفكرين هذا الشغف بالإصلاح، من توماس كارلايل إلى تشارلز ديكنز.

ويمكن العثور على دراسة حالة ثانية في الولايات المتحدة نفسها، بعد فورة العصر الذهبي في أواخر القرن التاسع عشر. وقد أدى هذا الازدهار الصناعي إلى تحويل أمريكا، ولكنه خلق تفاوتات سامة، وأضرارا اجتماعية وبيئية، وفسادا فادحا. وقاد الجمهوري ثيودور روزفلت حركة تقدمية أصلحت السياسة والأعمال وحقوق العمال والبيئة ومستنقع الفساد السياسي.

لقد لاحظ مؤلفو مؤسسة راند نقلا عن المؤرخ جاكسون ليرز أن التقدميين كان لديهم توق إلى الولادة من جديد وسعوا إلى ضخ بعض الحيوية العميقة في الثقافة الحديثة التي بدت هشة وعلى وشك الانهيار.

إن رسالة هذه الدراسة واضحة بشكل صارخ. فأمريكا تسير على منحدر هابط قد يكون قاتلا. وما سينقذنا هو التزام واسع النطاق، بدءاً بالنخب، بالعمل من أجل الصالح العام والنهضة الوطنية. ولدينا الأدوات، ولكننا لا نستخدمها. وإذا لم نتمكن من العثور على قادة جدد والاتفاق على الحلول التي تناسب الجميع، فسوف نغرق.

 

عمر نجيب

[email protected]