العالم بين خيارات الحرب الكبرى والنظام العالمي المتعدد الأقطاب... حروب غزة واليمن والعراق وسوريا وأوكرانيا تفرض واقعا جديدا

أربعاء, 2024-02-07 19:17

بينما تدخل الحرب في قطاع غزة شهرها الخامس وتقترب الحرب في وسط شرق أوروبا على الجبهة الأوكرانية من دخول سنتها الثالثة، يقف العالم أمام مفترق طرق لخيارين أساسيين، أما التسليم بالتحولات العملية المادية التي تفرزها هذه المواجهات وبالتالي القبول بنظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، او متابعة التنكر للوقائع المفروضة على الأرض والسعي لعكس اتجاهها رغم الظروف غير المواتية وبالتالي ركوب مخاطر صراعات عسكرية أوسع وما سيتحتم منها في نهاية المطاف عن حرب عالمية ثالثة.

في غزة يتواصل تعثر المخطط الإسرائيلي الغربي للقضاء على المقاومة الفلسطينية في جناحها الأقوى حماس ومشروع تهجير فلسطيني القطاع إلى شبه جزيرة سيناء المصرية كجزء من برنامج أوسع لإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط وتقسيم دول المنطقة على أسس طائفية وقبلية ودينية ومناطقية إلى ما بين 54 و56 دويلة متنافرة.

إسرائيل تتكبد خسائر متصاعدة عسكريا وإقتصاديا وسياسيا وتواجه خطر الهجرة المضادة، ورغم التصريحات العلنية المتشددة لساسة تل أبيب وتأكيداتهم حول التمسك بأهداف العملية العسكرية في غزة، فإنهم يقدمون مع مرور الأيام ما كان يعتبرونه سابقا تنازلات بتبريرات حول مسايرة الواقع وتجنب العزلة الدولية وإرضاء واشنطن ولندن وغيرهما. أحد آخر الأمثلة كانت تأكيدات واشنطن أنه من المتوقع أن توافق تل أبيب على ابتعاد "حزب الله" ما بين 8 و12 كيلومترا عن الحدود شمالا، وذلك في إطار الاتصالات مع مبعوث الرئيس الأمريكي آموس هوكشتاين، وذلك بعد أن كانت تؤكد أنها ستصفي حزب الله بعد إتمام المهمة في غزة.

إدارة الحكم في واشنطن تضرب أخماسا في أسداس في صراعات تعتبرها وجودية من وسط شرق أوروبا مرورا بالشرق الأوسط والقارة الأفريقية وحتى الشرق الأقصى حيث يفرض العملاق الصيني وجوده عسكريا واقتصاديا وسياسيا. في داخل الولايات المتحدة تدور مواجهات بين أنصار خيارات وتوجهات سياسية متباينة أو بين ما يوصفون أحيانا بالصقور والحمائم أو ما بين هؤلاء الذين يصرون على مواصلة واشنطن التمسك بمركز القطب العالمي المهيمن بحكم كونها القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم، وبين هؤلاء الذين يطالبون بالاعتراف بواقع عالمي جديد لا يمكن فيه لواشنطن ان تستمر في فرض إرادتها على الآخرين خاصة وأن عناصر تفوقها في تقلص وإلا ستخاطر بمواجهة وحرب عالمية لا ضمانات لفوزها فيها.

توسيع نطاق الحرب في الشرق الأوسط بشن واشنطن ولندن هجمات بالصواريخ والطائرات على مواقع في اليمن وسوريا والعراق، يستجيب لمطالب الصقور في كل التحالف الغربي بإتباع سياسة حافة الهاوية لعل ذلك يحد من التحديات التي يواجهها الغرب في كل أرجاء العالم، ولكنه في نفس الوقت يحمل في طياته أخطار خروج الأمور عن السيطرة.

الأمر الذي يثير الاهتمام هو أن ساسة في واشنطن ولندن أساسا يعانون من عقدة فرار من الواقع عند معالجتهم للصراع في فلسطين حيث يصورونه كمواجهة مع إيران وأنصارها متغاضين عن الحقيقة وقد يكون التضليل مقصودا لاستغلالوالاستفادة من الصراعات الطائفية. 

 

الوضع يتغير

 

يوم الخميس الأول من شهر فبراير 2024 أفاد مسؤول أمريكي بأن إدارة واشنطن ترى أن الوضع يتغير، لأن "إسرائيل لا تحرز تقدما كبيرا ضد حركة حماس في غزة كما هو مأمول".

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لشبكة "إن بي سي نيوز" إن إدارة بايدن لا تعتبر التعليقات المعلنة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بمثابة رفض، حيث شدد نتنياهو على أنه لن يقبل أي اتفاق لوقف إطلاق النار يتطلب انسحاب القوات الإسرائيلية من غزة أو إطلاق سراح مئات الأسرى الفلسطينيين.

وأوضح المسؤول الأمريكي إن إدارة بايدن ترى أن الوضع يتطور ويتغير لأن إسرائيل لا تحرز تقدما كبيرا ضد حماس في غزة كما هو مأمول، وأن نتنياهو يواجه ضغوطا شعبية متزايدة لتأمين إطلاق سراح الرهائن الذين ما زالوا في أسر "حماس".

ومع ذلك، لا تزال تعليقاته العلنية تعكس تأثير الأعضاء اليمينيين في ائتلافه، الذين هددوا بالاستقالة وإسقاط الحكومة إذا خفف من حدة موقفه.

وبحسب ما ورد في أخبار صحفية في تل أبيب، رفض نتنياهو الخوض في تفاصيل الصفقة المحتملة وقيل إنه يرفض طلب عائلات الأسرى بأن يتم إطلاق سراح الرهائن دفعة واحدة وليس على مراحل كما حدث في سلسلة إطلاق سراح الأسرى السابقة التي استمرت أسبوعا في نوفمبر.

وفي وقت سابق، أكد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية "انفتاح الحركة على مناقشة أي مبادرات أو أفكار جدية وعملية شريطة أن تفضي إلى وقف شامل للعدوان وتأمين عملية الإيواء لأهلنا وشعبنا".

فيما قال علي بركة رئيس دائرة العلاقات الوطنية في الخارج في حركة "حماس" إن "محدداتنا هي وقف إطلاق النار وفتح معبر رفح والتزام عربي دولي بإعمار القطاع" وإطلاق الأسرى على قاعدة "الكل مقابل الكل".

 

الحرب انتهت

 

الجمعة ثاني فبراير 2024 صرح الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) كرمي غيلون إن الحرب في غزة انتهت، وإن إطلاق النار قد يتوقف لمدة تصل إلى 5 أو 6 سنوات.

ورأى غيلون -في حديث أدلى به للقناة الـ12 الإسرائيلية ونشرت مقتطفات منه الخميس- أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تلقت "ضربة قوية" في هذه الحرب الانتقامية، حسب وصفه.

لكنه أضاف أن حماس "ستبقى هي الهيئة الحاكمة في القطاع ما دام هناك فراغ وليس هناك من يملؤه حتى الآن".

وتوقع غيلون أن يتوقف إطلاق النار لمدة تصل إلى 6 سنوات قد يتجدد بعدها إطلاق الصواريخ من غزة، لكنه قال إن "قصة ما حدث في 7 أكتوبر لن تتكرر في رأيي"، في إشارة إلى هجوم المقاومة الفلسطينية المباغت على المواقع العسكرية الإسرائيلية ومستوطنات غلاف غزة ضمن عملية طوفان الأقصى.

وأضاف "برأيي الحرب انتهت، والسبب الوحيد لبقاء الجيش الإسرائيلي في الميدان هو إعادة الأسرى الإسرائيليون في غزة، مشيرا إلى أن الضغط العسكري هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يعيدهم.

وفي ما يتعلق بالإخفاق الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023، قال غيلون -الذي ترأس الشاباك بين عامي 1994 و1996- إن "أحدا لم يكن يتخيل حدوث ذلك، ليس لدي تفسير يتعلق بالاستخبارات، وأعتقد أنه مع استمرار القتال والكشف عن المزيد من الحقائق بشأن استعدادات حماس يتبين أن الإخفاق الاستخباراتي هائل".

 

عناصر شرطة ورواتب

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 3 فبراير 2024: بدأت حركة حماس في نشر قوات شرطة ودفع رواتب جزئية لبعض موظفي الخدمة المدنية في مدينة غزة في الأيام الأخيرة، وعادت إلى الظهور في المناطق التي سحبت إسرائيل الجزء الأكبر من قواتها منها قبل شهر.

تؤكد العلامات التي تشير إلى عودة حماس إلى الظهور في أكبرمدينة في قطاع غزة مدى قدرة الجماعة على الصمود على الرغم من الحملة الجوية والبرية القاتلة التي شنتها إسرائيل ضدها خلال الأشهر الأربعة الماضية. 

وصرح أربعة من سكان مدينة غزة لوكالة الأسوشيتدبرس إنه في الأيام الأخيرة، انتشر ضباط شرطة يرتدون الزي الرسمي والملابس المدنية بالقرب من مقر الشرطة والمكاتب الحكومية الأخرى، بما في ذلك بالقرب من مستشفى الشفاء، الأكبر في القطاع. 

وقال السكان إنهم رأوا عودة موظفي الخدمة المدنية والغارات الجوية الإسرائيلية اللاحقة بالقرب من المكاتب المؤقتة.

ومنذ سيطرتها على غزة قبل ما يقرب من 17 عاما، ظلت حماس تدير حكومة تضم عشرات الآلاف من موظفي الخدمة المدنية، بما في ذلك معلمين وشرطة مرور وعناصر شرطة مدنية يعملون بشكل منفصل عن الجناح العسكري السري للجماعة.

وتقول "الأسوشيتدبرس" إن توزيع الرواتب الجزئية البالغة 200 دولار لبعض الموظفين الحكوميين تظهر أن إسرائيل لم توجه ضربة قاضية لحماس، حتى مع إعلانها قتل أكثر من 9000 من مسلحي الحركة.

 

الوقت ينفد 

 

جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية يوم الأحد 4 فبراير 2024:

التواجد العسكري الأمريكي وسياسات واشنطن في الشرق الأوسط "لا تردع العنف، ولا تعمل على استقرار المنطقة.. وتخاطر بتصعيد كبير".

وحسب تحليل أعده المحلل السياسي العسكري جون هوفمان، ونشرته مجلة "ناشونال إنترست"، حذر من أن "الوقت ينفد بسرعة أمام منع مذبحة أكبر في غزة واندلاع حرب على مستوى المنطقة".

وتابع: "مثل هذه الأحداث سيبتلى الشرق الأوسط بتداعياتها، وستقوض مصالح الولايات المتحدة لأجيال".

ونوه التحليل إلى أنه "من غزة إلى لبنان إلى سوريا إلى العراق إلى اليمن، لا يمكن حل المشاكل السياسية التي يعاني منها الشرق الأوسط من خلال القوة العسكرية.. وفي جميع أنحاء المنطقة، نشهد حروبا تندلع دون أهداف سياسية معقولة".

وأضاف أن الهجوم الإسرائيلي على غزة ودعم الولايات المتحدة الذي لا يتزعزع له يكمن في قلب هذه الصراعات، مشددا على أن "وقف إطلاق النار في غزة يحمل أفضل فرصة لإنهاء تلك الصراعات، أو على الأقل قمعها إلى حد كبير".

وأشار إلى أنه "قد لا يؤدي وقف إطلاق النار في غزة إلى وقف كامل للأعمال العدائية في المنطقة، إلا أن هذا الأمر سيمنع الجماعات المسلحة من التذرع بالحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة لقيامها بأعمال عدائية ضد أمريكا على مستوى المنطقة"، وفق التحليل.

وأوضح أن واشنطن تخاطر "بحرب طويلة" في المنطقة"، معللا ذلك بأنه "لا هدف" لها، وداعيا إلى وقف الهجمات المتبادلة بين القوات الأمريكية وخصومها ووكلاء إيران في الشرق الأوسط.

ولفت إلى أن هذا الوضع الذي تفجر منذ الحرب التي اندلعت في غزة بعد هجوم حماس إلى إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، يجب إنهاؤه في غزة ذاتها، ببذل "جهود أكبر نحو التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، ومنع وقوع المزيد من الخسائر في الأرواح البريئة".

وأكد التحليل أنه من دون استقرار للوضع في غزة "لن تكون هناك تهدئة إقليمية، وما دامت الحرب في غزة مستمرة، سوف يستمر الشرق الأوسط في الانزلاق نحو حرب شاملة".

وأفاد بأن "الحروب التي ليس لها أهداف سياسية يمكن الوصول إليها لا تؤدي إلا إلى العنف من أجل العنف"، مضيفا أن "هجمات إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة لا تحمل أي وعد بتحقيق أهداف سياسية معلنة، ولهذا على واشنطن التحرك بسرعة لوقف تداعيات ما يحصل في المنطقة لحماية المصالح الأمريكية".

 

مفتاح التهدئة

 

وحذر التحليل من أن إسرائيل لم تظهر أي استراتيجية سياسية طويلة المدى في غزة، باستثناء التدمير المنهجي للقطاع وسكانه، مشيرا إلى أن معارضة رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو المتفاخرة لحل الدولتين لا تترك سوى خيار حرب لا نهاية لها.

وخارج غزة، كانت التأثيرات الإقليمية للحملة العسكرية الإسرائيلية عميقة بالفعل، فخطر اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان يتزايد يوما بعد يوم، ومن الممكن أن تنتقل الحرب بسهولة إلى لبنان مع نفس المشكلة الموجودة في الحرب في غزة: "الافتقار إلى أهداف سياسية واضحة وقابلة للتحقيق".

وفي العراق وسوريا، استهدفت الجماعات المدعومة من إيران مرارا وتكرارا أفراد الخدمة الأمريكية ردا على دعم واشنطن لحملة تل أبيب في غزة، مما أثار ردود فعل عسكرية من الولايات المتحدة. 

وقد تم حتى الآن استهداف القوات الأمريكية المتمركزة في جميع أنحاء العراق وسوريا أكثر من 160 مرة منذ 7 أكتوبر.

يتم نشر القوات الأمريكية في العراق وسوريا دون أي هدف عسكري متماسك، في حين أنها تمثل هدفا خطيرا للحرب مع إيران.

وإلى الجنوب، شنت القوات اليمنية لحركة الحوثي أكثر من 30 هجوما بطائرات بدون طيار وصواريخ ضد السفن في البحر الأحمر ردا على الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة.

وردا على هذه الهجمات، نفذت الولايات المتحدة ضربات متعددة ضد الحوثيين، وسط تقارير عن حملة عسكرية أوسع ومفتوحة ضد حكومة صنعاء، وهو ما يعرض الهدنة الهشة بين السعودية والحوثيين، بعد ما يقرب من 9 سنوات من الحرب المدمرة للخطر، بينما يهدد أيضا بتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن.

ولفت التحليل إلى أن الوجود الأمريكي وسياساته في الشرق الأوسط "لا يردع العنف، ولا يعمل على استقرار المنطقة".

وأضاف: "ما دامت الحرب في غزة مستمرة، فلسوف يستمر الشرق الأوسط في الانزلاق نحو حرب شاملة".

وخلص التحليل إلى أن "الحروب التي ليس لها أهداف سياسية يمكن الوصول إليها، لا تؤدي إلا إلى العنف من أجل العنف، ويجب أن يتم رفضها بشكل قاطع من قبل الجميع".

 

إستراتيجية مرتبكة

 

من غزة إلى اليمن وما بينهما، تبدو إستراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن مرتبكة وتقتصر على ردود الأفعال التكتيكية، وهو ما يصب في صالح استمرار ضعف نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط وزيادة كراهية شعوب المنطقة للولايات المتحدة.

ما سبق كان خلاصة تحليل نشره "المركز العربي واشنطن دي سي" للزميل بالمركز نبيل خوري الذي عمل في السفارات الأمريكية في شمال أفريقيا قبل سنوات.

ويرى خوري أن أولى مظاهر الارتباك الأمريكي إزاء ما يحدث في المنطقة بسبب حرب غزة، هو إقدام بايدن على إعادة تصنيف الحوثيين في اليمن كجماعة إرهابية، لكن هذا التصنيف كان غير ذي فعالية.

وكان التصنيف أقل من ذلك التصنيف الذي أقره الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث اكتفى بايدن بتصنيف خاص (SDGT)، وهي فئة تمنع الحوثيين من الوصول إلى النظام المالي الأمريكي ولكنها تحمل أثراً أقل من تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية (FTO) الذي استخدمه ترامب.

ويقلل تصنيف SDGT من التأثير على المنظمات الإنسانية الدولية غير الحكومية التي تقدم المساعدة الحاسمة لليمن، مما يسمح لها بمواصلة عملها بشكل قانوني، علاوة على ذلك فقد منح بايدن مهلة للحوثيين 30 يوما قبل سريان التصنيف.

ويقول الكاتب إن هذه التعديلات تجعل الإدارة تبدو مترددة وضعيفة، خاصة وأن العقوبات المتعلقة بالإرهاب تبدو غير ذات أهمية عندما يتم فرضها على مجموعة ليس من المعروف أن لديها أي أصول مالية أجنبية. 

والأسوأ من ذلك أنه من وجهة نظر الحوثيين، فإن هذا التصنيف يزيد الطين بلة ويوفر حافزا لمواصلة هجماتهم على السفن التجارية وربما استهداف السفن البحرية الأمريكية وغيرها من الأصول.

وفي حديثه في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بعد خمسة أيام من حملة القصف الأمريكية البريطانية، اعترف مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بأن الضربات ضد الحوثيين لن تردعهم بالكامل.

وكرر الرئيس بايدن هذا التقييم في 18 يناير 2024.

بدوره، قدر مسؤول أمريكي، لم يذكر اسمه، حجم القدرات الهجومية التي تم تدميرها للحوثيين بأنها "أقل من ثلث" أصول الجماعة.

ويقول الكاتب إن عداء الحوثيين تجاه الولايات المتحدة في السابق كان خطابيا، حيث استخدموا شعار "الموت لأمريكا" لسنوات، لكنهم لم يطلقوا رصاصة واحدة ضد الأصول الأمريكية.

والآن، يعتبر الحوثيون الولايات المتحدة عدوا، وقد وعد قادتها بالانتقام من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

والآن بعد أن أصبح الحوثيون أكثر اندماجا في محور المقاومة، فمن المرجح أن يكون حلفاء الجماعة أكثر تحفيزا لضرب أهداف أمريكية في المنطقة، وخاصة في سوريا والعراق، كما حدث مؤخرا في الأردن حيث تم توجيه ضربة إلى قاعدة أمريكية.

ويقول خوري إن الرد العسكري على الحوثيين ينطوي على خطر الانتقام وانتشار غضب الجماهير العربية ضد الولايات المتحدة.

ويمضي متسائلا: "ثم إذا كانت إدارة بايدن نفسها تعترف بأن الضربات لم تأت بالنتائج المرجوة، فأين المنطق والاستراتيجية وراء اختيار استهداف الحوثيين؟".

 

تفاعل تكتيكي وليس استراتيجي

 

ويرى الكاتب أن البيت الأبيض يتفاعل مع الأحداث بشكل تكتيكي، وليس بذكاء استراتيجي، حيث تفتقر إدارة بايدن إلى استراتيجية توجيهية واضحة للشرق الأوسط.

ويدور جزء كبير من نهجها تجاه المنطقة حول توسيع "اتفاقيات أبراهام"، للتطبيع بين إسرائيل ودول عربية، لتشمل المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى.

وتسعى إدارة بايدن أيضا إلى ربط حل المشكلة الفلسطينية باتفاق التطبيع المقترح بين تل أبيب والرياض.

بالإضافة إلى ذلك، كان نهج إدارة بايدن تجاه السلام في الشرق الأوسط أقل ديناميكية من نهج الإدارات السابقة، ولا يوجد ذكر يذكر في استراتيجية بايدن للأمن القومي لعام 2022 لعملية السلام في الشرق الأوسط.

وفي رحلته الأولى إلى المنطقة كرئيس، في يوليو من ذلك العام، لم يقدم بايدن خطة محددة للسلام الفلسطيني الإسرائيلي، وبدلا من ذلك تحدث فقط على نطاق واسع عن "التكامل والترابط الإقليمي".

وكما هو الحال مع الفلسطينيين، كان الأمر مع اليمن، حيث لم تذكر استراتيجية الأمن القومي الخاصة ببايدن اليمن إلا باعتبارها "ملاذاً للإرهابيين"، ولم يطور مبعوث بايدن لليمن، تيموثي ليندركينغ علاقات مباشرة مع الحوثيين مفضلا بدلا من ذلك التواصل معهم بشكل غير مباشر عبر وسطاء عمانيين.

من ناحية أخرى، فشل اجتماع بين مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية الصيني وانغ يي في تايلاند نهاية يناير 2024 في إقناع الصين باستخدام نفوذها الاقتصادي مع إيران للضغط على الحوثيين للسماح بالشحن الآمن نحو إسرائيل في البحر الأحمر.

 

الغرق في الشرق الأوسط

 

ويقول الكاتب إنه على الرغم من تفضيل بايدن المعلن للتركيز على آسيا بدلا من الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة لا تزال غارقة في المشاكل الأمنية في المنطقة مع عدم وجود نهاية في الأفق للتدخل الأمريكي هناك.

ويضيف: والحقيقة البسيطة هي أن تصعيد التدابير العسكرية والأمنية في المنطقة من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج المزيد من الحرائق في العراق ولبنان وسوريا، في حين تظل مشكلة غزة مرتبطة بالتطرف الإيديولوجي للحكومة الإسرائيلية اليمينية والدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل.

وربما يكون بايدن قد خسر بالفعل أصوات العرب الأمريكيين والمسلمين في انتخابات نوفمبر 2024، أو على الأقل جزءا كبيرا منه، بينما يبدو أنه لا يعرف السبب.

وقد ينطبق الأمر نفسه على الناخبين الليبراليين والتقدميين بسبب إحباطهم المتزايد منه.

 

الانفجار 

 

ذكر مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) ويليام بيرنز، إنه لم يشاهد منذ 4 عقود أوضاعا قابلة للانفجار بالشرق الأوسط كما هي اليوم، مؤكدا أن مخاطر التصعيد على جبهات أخرى في الشرق الأوسط قائمة. 

واعتبر بيرنز، في مقال نشره في مجلة "فورين أفيرز" نهاية شهر يناير 2024، أن مفتاح أمن إسرائيل والمنطقة هو التعامل مع إيران، قائلا إن "نظام إيران مستعد للقتال حتى آخر وكيل إقليمي لديه".

واعترف مدير (CIA) أن الولايات المتحدة فقدت تفوقها بسبب النفوذ المتزايد لروسيا والصين.

وذكر إن "صعود الصين والنزعة الانتقامية الروسية يخلقان تعقيدات جيوسياسية خطيرة في عالم يتسم بالمنافسة الاستراتيجية الشديدة التي لم تعد الولايات المتحدة تتمتع فيها بتفوق لا يمكن منازعته كما كان الأمر في السابق".

وشدد بيرنز على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعمل على استعادة وتطوير الإنتاج الدفاعي الروسي، مشيرا إلى أن روسيا واثقة من قدرتها على "سحق أوكرانيا وإرهاق مؤيديها الغربيين".

وأشار إلى أنه "من المرجح أن يكون العام 2024 عاما صعبا في ساحة المعركة بالنسبة لكييف، واختبارا صعبا لقدرة القوات الأوكرانية على الصمود".

 

البنتاغون استعد للتدخل 

 

كشفت وثيقة عسكرية أمريكية أن وزارة الدفاع (البنتاغون) استعدت لاحتمال إرسال قوات برية لدعم إسرائيل، بحسب موقع "ذا إنترسبت" الأمريكي (The Intercept).

وأفاد موقع "ذا إنترسبت"، في تقرير نشر خلال الثلث الأخير من شهر يناير 2024، إنه على الرغم من وعود الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم إرسال قوات برية، إلا أن وثيقة حصل عليها الموقع تكشف أن الجيش الأمريكي استعد لهذا الاحتمال عبر قواته الموجودة في العراق.

وأوضح أن مذكرة صادرة عن أفراد في القوات الجوية الأمريكية، في يناير، تتحدث عن أوامر عسكرية تلقوها بالبقاء "على أهبة الاستعداد للانتشار الأمامي لدعم القوات في حالة تورط الولايات المتحدة على الأرض في حرب حركة حماس وإسرائيل".

و"وفقا لوثيقة منفصلة خاصة بالموظفين، فإن الأمر الاحتياطي يتعلق بالأفراد الذين تم نشرهم عام 2023 في العراق"، بحسب الموقع. ويوجد نحو 2400 جندي أمريكي في العراق، ضمن قوات تحالف للناتو منذ احتلاله سنة 2003.

الموقع أضاف إنه "في حين لا تشير الوثائق إلى أن التدخل العسكري البري الأمريكي في الحرب وشيك، فإن مذكرة يناير هي أحدث إشارة إلى استعدادات البنتاغون لدعم إسرائيل".

ولفت إلى أنه "بعد أيام من هجوم 7 أكتوبر، ورد أن الجيش الأمريكي وضع ألفي جندي تحت أوامر الاستعداد لاحتمال تقديم دعم لإسرائيل.. وهو ما أكدته الوثيقة التي حصلت عليها "ذا إنترسبت". 

ولم تستجب وزارة الدفاع لطلب من الموقع التعليق على مذكرة الموظفين بشأن الاستعداد للمشاركة البرية في الحرب، لكن البيت الأبيض أكد في الماضي أن دعمه لإسرائيل في حرب غزة لن يشمل نشر قوات برية.

وقال المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي في وقت سابق: "لا توجد خطط أو نوايا لنشر قوات أمريكية على الأرض في القتال في إسرائيل".

لكن "بعد يومين من تصريح كيربي، نشر البيت الأبيض عن غير قصد صورة للرئيس جو بايدن في إسرائيل وهو يقف إلى جانب أعضاء من وحدة العمليات الخاصة الأمريكية السرية، قبل أن يحذفها بسرعة"، كما ذكر الموقع.

 

على واشنطن الاختيار الآن

 

يمكن للرئيس الأمريكي بايدن الآن أن يستمر في إعطاء إسرائيل تفويضا مطلقا للإبادة الجماعية في غزة، مما يهدد بإشعال حرب إقليمية، أو يمكنه الاستماع إلى موظفي حملته، الذين يصرون على أن وقف إطلاق النار في القطاع يمثل "ضرورة أخلاقية وانتخابية" قبل انتخابات يأمل أن يفوز فيها بفترة رئاسية جديدة.

ذلك ما خلصت إليه ميدي بنجامين ونيكولاس ديفيز، في تحليل بموقع "كونتر بانش" الأمريكي (counter punch) نشر نهاية شهر يناير 2024"، محذرين من احتمال توسع الحرب في الشرق الأوسط، جراء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة بأسلحة أمريكية.

وحذرت بنجامين وديفيز أن "التصرفات الأمريكية والإسرائيلية تدفع إلى توسيع نطاق الحرب، في حين تحاول إيران وغيرها إيجاد سبل فعالة لمواجهة وإنهاء الإبادة الجماعية في غزة، مع تجنب حرب إقليمية".

وتابعا أن "القوات الإسرائيلية والأسلحة الأمريكية قتلتا ما معدله 240 من سكان غزة يوميا لأكثر من ثلاثة أشهر، ولا يزال 70 في المئة من القتلى من النساء والأطفال"، ضمن حرب يشنها الجيشالإسرائيلي منذ 7 أكتوبر 2023.

وقالت بنجامين وديفيز إن "اليمن ليس دمية إيرانية، ولكن كما هو الحال مع حماس وحزب الله وحلفاء إيران العراقيين والسوريين، قامت إيران بتدريب اليمنيين على بناء ونشر صواريخ مضادة للسفن وصواريخ كروز وصواريخ باليستية قوية".

وأردفا أن "الحوثيين أوضحوا أنهم سيوقفون الهجمات بمجرد أن توقف إسرائيل مذابحها في غزة، لكن بدلا من الضغط لوقف إطلاق النار في غزة، يختار بايدن ومستشاروه الجاهلون تعميق التدخل العسكري الأمريكي في صراع إقليمي".

ولفتا إلى أن "الولايات المتحدة وإسرائيل شنتا غارات جوية على عواصم أربع دول مجاورة، هي لبنان والعراق وسوريا واليمن، وتشتبه إيران في أن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية لها دور في انفجارين بقنابل في مدينة كرمان، خلّفا حوالي 90 قتيلا، خلال إحياء الذكرى الرابعة لاغتيال واشنطن قاسم سليماني (قائد فيلق القدس بقوات الحرس الثوري الإيراني)".

بنجامين وديفيز قالا إنه "بعد أن أدت إخفاقاتها في أفغانستان والعراق إلى مقتل الآلاف من القوات الأمريكية، تجنبت واشنطن وقوع أعداد كبيرة من الضحايا العسكريين الأمريكيين لمدة عشر سنوات، منذ مقتل 128 بأفغانستان في عام 2013".

وزادا بأنه "منذ ذلك الحين، اعتمدت واشنطن على القصف والقوات بالوكالة لخوض حروبها، ويبدو أن الدرس الوحيد الذي تعلمته من حروبها الخاسرة هو تجنب وضع قوات أمريكية على الأرض".

ولفتا إلى أن "واشنطن أسقطت أكثر من 120 ألف قنبلة وصاروخ على العراق وسوريا في حروبها منذ عام 2014، في حين قام العراقيون والسوريون بكل القتال العنيف على الأرض".

"لكن الإبادة الجماعية التي ترتكبها الولايات المتحدة وإسرائيل في غزة تطلق العنان لأزمة تخرج عن نطاق السيطرة في جميع أنحاء المنطقة"، كما استدركت بنجامين وديفيز.

وحذرا من أن "هذا الوضع من شأنه أن يحطم وهم السلام الذي عاشه الأمريكيون خلال السنوات العشر الأخيرة من القصف الأمريكي والحروب بالوكالة، ويعيد بقوة حقيقة النزعة العسكرية الأمريكية وصناعة الحرب". 

 

مزيج خطير لحرب كبرى

 

ما يحدث من صراعات في أوروبا وفي منطقة الشرق الأوسط يعيد إلى الأذهان تلك الصراعات التي تشكلت في فترة سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية.

ويشير تحليل نشرته مجلة فورين أفيرز إلى أن ما يحدث من توترات في الفترة الحالية ربما تكشف عن انتهاء "ثلاثة عقود من رؤى السلام العالمي" والتي كانت قد بدأت ما بعد الحرب الباردة، حيث تشهد أوروبا صراعا عسكريا مدمرا، ناهيك عن الحرب بين إسرائيل وحماس التي تزرع بذور العنف وعدم الاستقرار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وفي آسيا تجبر التحركات الصينية جيرانها على تكديس السلاح والاستعداد لخيارات ليست جيدة.

في 24 فبراير من عام 2022، هاجم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أوكرانيا وأغرق العالم في أزمة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، حيث تسببت بأكبر عملية تدفق للاجئين إلى أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وأودت بحياة آلاف الجنود والمدنيين، بحسب وكالة فرانس برس.

اندلعت الحرب في قطاع غزة إثر هجوم حماس غير المسبوق على إسرائيل في السابع من أكتوبر الذي أسفر عن مقتل 1400 شخصا.

وردا على الهجوم، تعهدت إسرائيل القضاء على الحركة، وتنفذ منذ ذلك الحين حملة قصف مدمر أتبعت بعمليات برية منذ 27 أكتوبر، ما أسفر عن سقوط أكثر من 27 ألف قتيل معظمهم من النساء والأطفال.

وتظهر الأزمات الحالية بعضا من أوجه التشابه "غير المريحة" بين تلك الفترة التي سبقت الحرب العالمية وبين ما تواجهه واشنطن حاليا، حيث كانت البداية بنشأة تحالفات متنافسة من أجل السيطرة على مناطق رئيسية تمتد من أوروبا إلى آسيا والمحيط الهادئ.

وكانت الحرب العالمية الثانية عبارة عن تجمع لثلاث أزمات إقليمية: أزمة اليابان والصين ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وسعت إيطاليا لإقامة إمبراطورية في أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، وحاولت ألمانيا بسط هيمنتها في أوروبا وخارجها.

ووصف الرئيس الأمريكي السابق، فرانكلين روزفلت، في عام 1937، ما كان يحصل خلال تلك الفترة بأنه "وباء الفوضى العالمية المنتشر".

ورغم أن الولايات المتحدة لا تواجه تحالفا رسميا بين الخصوم كما كان عليه الحال خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أن "العلاقات" بين بعض الدول تعد "أكثر وضوحا وكل ما قد يتطلبه الأمر صدام في منطقة غرب المحيط الهادئ"، ما قد يخلص إلى أزمة للأمن العالمي لم يسبق لها مثيل منذ 1945، بحسب التحليل.

وحذر من أن العالم "معرض للخطر بما قد يتحول إلى عالم في حالة حرب، والولايات المتحدة ليست مستعدة على الإطلاق لمواجهة هذا التحدي".

بعد عام على التدخل الروسي، أصبح الصراع في أوكرانيا حرب للغرب إلى حد كبير رغم عدم وجود قوات أمريكية وأخرى تابعة لحلف الناتو بأرض المعركة، بحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال".

وتخوف التحليل من تأثير الأزمات المنتشرة حول العالم على المخزون العسكري الأمريكي، إذ تدعم واشنطن إسرائيل وأوكرانيا في وقت واحد بما يستنزف قدرات واشنطن في مجالات المدفعية والدفاع الصاروخي.

ونوه إلى أن عمليات الانتشار في مياه بالشرق الأوسط، التي تهدف إلى ردع إيران وحلفائها، تستنزف الموارد البحرية الأمريكية، وكل هذا قد يعني "تقلص قدرات الجيش الأمريكي مقارنة بالتحديات العديدة والمترابطة التي يواجهها".

ودعا التحليل المسؤولين الأمريكيين إلى التفكير بشكل جدي "بأن الصراع العالمي" يحتاج للتفكير بشكل أكبر، إذ أن المزيد من التنافس والتوازنات العسكرية المتغيرة تخلق "مزيجا خطيرا".

 

عمر نجيب

[email protected]