تابع العالم قمة دول بريكس التي انعقدت ما بين 22 و 24 أغسطس 2023 في جنوب أفريقيا، البعض كان مرحبا يحدوه الأمل في أن يشكل هذا التجمع منفذا لإقامة نظام اقتصادي وسياسي عالمي أكثر توازنا وعدلا يحد من هيمنة الدول الغربية وقدرتها على فرض قواعدها الاقتصادية والسياسية التي تكفل لها تحقيق أكبر المكاسب على حساب الدول الأخرى سواء فيما يخص تسعير موادها الخام أو شروط الاستثمارات وعملية فرض توزيع المهام، البعض الآخر كان مترقبا ينتظر ما سيأتي به المستقبل خاصة على ضوء التصعيد المنتظر في المواجهة بين بريكس والتحالف الغربي، الغرب المتكتل وراء واشنطن واقتصاد الدولار من جانبه تابع بقلق قمة بريكس.
على الرغم من أن مجموعة بريكس ليست جديدة، إلا أنها استقطبت أضواء إعلامية متزايدة، نتيجة التوترات بين الصين وروسيا من جهة، والدول الغربية من جهة أخرى، علاوة على احتدام الحرب في وسط شرق أوروبا.
الاجتماع اكتسب، أهمية كبرى مع تنامي الاتفاقيات التجارية بين دول المجموعة وخارجها للتبادل بالعملات المحلية بعيدا عن هيمنة الدولار، إضافة إلى الرغبة المتزايدة من دول عدة في الانضمام إلى الكيان الضخم الذي انطلق رسميا في 2009. وفي اجتماعها في جنوب إفريقيا وجهت المجموعة دعوة للأرجنتين ومصر وإثيوبيا والسعودية والإمارات وإيران للانضمام إلى المجموعة، في حين أبدت 40 دولة اهتمامها بالانضمام إلى "بريكس"، بل تقدمت 23 دولة بطلبات رسمية.
صحيفة أكونومك تايمز THE ECONOIC TIMES، ذكرت إن هناك توقعات بأن تهيمن هذه المجموعة على الاقتصاد العالمي عند حلول منتصف القرن الحالي، وذلك لأنها تتكون من دول تصنف بأنها من أسرع اقتصاديات الأسواق الناشئة نموا في العالم، نتيجة ما لديها من ميزات، مثل: انخفاض تكاليف العمالة، والتركيبة السكانية المناسبة، إضافة إلى وفرة الموارد الطبيعية، فعدد سكانها يمثل نحو 42 في المائة من سكان العالم ويعيشون على أكثر من ربع مساحة الأرض "26 في المائة". وبناء عليه، يتوقع البعض أن تكون مجموعة بريكس أكثر بروزا في مستقبل قريب من مجموعة السبع "كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان" والتي يبلغ حجم اقتصاد دولها 43.8 تريليون دولار مشكلة 43.7 في المائة من الاقتصادي العالمي في 2022
وتسيطر دول مجموعة "بريكس" الخمس المؤسسة على 26 في المائة من الاقتصاد العالمي "26.04 تريليون دولار"، و20.2 في المائة من التجارة العالمية "5.04 تريليون دولار"، ونحو 3.3 مليار نسمة.
قررت "بريكس" دعوة ست دول جديدة للانضمام إلى المجموعة، هي السعودية والأرجنتين والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا.
ووفقا لرصد وحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية"، سيضيف الأعضاء الجدد نحو 3.2 تريليون دولار من الناتج المحلي إلى المجموعة الحالية، ليرتفع حجم التكتل بنسبة 12.3 في المائة، ليصبح 29.23 تريليون دولار، مقابل 26.04 تريليون دولار قبل انضمام الأعضاء الجدد.
ووفقا للناتج المحلي لعام 2022، يمثل الأعضاء الجدد زيادة 3.2 في المائة من الاقتصاد العالمي، ما سيرفع حصة "بريكس" من 26 في المائة من الناتج المحلي العالمي إلى 29.2 في المائة بعد الانضمامات الجديدة.
هناك من يشكك في تأثير هذه المجموعة التي أُسست في 2009، ويشيرون أنها لم تترك تأثيرا كبيرا منذ ذلك الحين، ربما لوجود بعض الاختلافات بين الأعضاء في القيم، والمصالح، والأنظمة السياسية، إذ اقتصرت إنجازاتها على إنشاء بنك جديد للتنمية لدعم البنية التحتية والمشاريع المرتبطة بالمناخ في الدول النامية، إضافة إلى جهود متواصلة لإنشاء عملة مشتركة، في محاولة للحد من هيمنة الدولار الأمريكي.
عصر التكتلات وصنع القرارات
جاء في تقرير اقتصادي نشر في 27 أغسطس 2023: برزت مجموعة "بريكس" كمنظمة بدأت المفاوضات لتشكيلها في 2006 وعقدت أول مؤتمر قمة لها في 2009، وكان أعضاؤها الدول ذات الاقتصاديات الصاعدة، وهي: البرازيل، روسيا، الهند، والصين تحت مسمى "بريك" أولا، ثم انضمت جنوب إفريقيا إلى المنظمة 2010 ليصبح اسمها "بريكس".
وهذه المجموعة ليست منظمة دولية متعددة الأطراف رسمية مثل الأمم المتحدة أو البنك الدولي أو منظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، ويجتمع رؤساء الدول والحكومات في الدول الأعضاء سنويا مع تولي كل دولة رئاسة المجموعة لمدة عام بالتناوب.
وتهدف بريكس إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الدول الأعضاء وتنسيق المواقف في القضايا العالمية والإقليمية وتعزيز التنمية المستدامة، وإصلاح النظام المالي العالمي وتعزيز دورها في صنع القرار الدولي.
وقد اكتسبت هذه المجموعة اهتماما أكبر من السابق بعد الحرب الأوكرانية والشروخ المتسعة في النظام العالمي الذي تهيمن عليه واشنطن والاتجاه نحو تكتلات جيو- سياسية وجيو- اقتصادية أو جيو- إستراتيجية.
ورغم هذه الجهود والخطوات التي قامت بها بريكس، لا تزال هناك تحديات موجودة على الساحة أمام المجموعة، في مقدمتها بالطبع الهيمنة الكبيرة للدولار في التبادل التجاري، فليس سهلا التخفيف من مساحة هذه العملة في فترة زمنية قصيرة، فالدولار يهيمن حاليا على 59 في المائة من مدفوعات التجارة العالمية، ويليه اليورو، وبلغت حصة العملة الأمريكية من التسويات المالية في شهر يونيو 46 في المائة، وأتت بعدها العملة الأوروبية، يضاف إلى ذلك، أن تغيير نظام المدفوعات يتطلب تحركا متماسكا في المستقبل، يمكن بعدها تقليل ثقل الدولار في المعاملات التجارية، خصوصا إذا نجحت في التعامل التجاري فيما بينها بعملاتها المحلية، وهذه النقطة ستكون مقدمة لاعتماد عملة مشتركة (غير الدولار) في التعاملات التجارية لاحقا.
بالطبع هناك عشرات الدول أبدت رغبتها في أن تكون جزءا من هذه المجموعة، وبحسب المسؤولين في جنوب إفريقيا بلغ عددها 40 دولة، من بينها 20 دولة طلبت الانضمام رسميا إلى التكتل الناشئ، وهذا يؤكد أن المسار يمضي قدما، ولكن أيضا لن يكون سريعا، لأن الأرضية الراهنة التي بنيت على الساحة الدولية منذ عقود لا تزال قوية، بصرف النظر عن الملاحظات والانتقادات لها حتى من بعض حلفاء الولايات المتحدة نفسها، كفرنسا التي ترى ضرورة تغيير النظام الاقتصادي العالمي الحالي، وبالتأكيد ستكون أي خطوة للتقليل من هيمنة الدولار مهمة، لأنها ستقلل من تأثير تقلبات العملة الأمريكية أيضا، وهذا أمر يخفف من توتر الأوضاع الاقتصادية الدولية عموما.
ومما لا شك فيه أيضا، أن نجاح الخطوات التي تقوم بها "بريكس" حاليا، سيجعل المجموعة إذا ما توسعت وضمت دولا مؤثرة دوليا، قوة أساسية مقابل الهيمنة الغربية الراهنة. قد لا تكون موازية لها، إلا أنها ربما تصل إلى مستوى التوازي في مراحل لاحقة مستحقة.
كذلك ليس من السهل إنشاء عملات احتياطية متعددة، لكن قد يحدث ذلك في مراحل لاحقة، خصوصا، إذا ما نجحت الجهود ليس فقط على مستوى دول "بريكس" بل على الساحة الأوروبية، لتمكين اليورو أكثر على الساحة الإقليمية الأوروبية والعالمية، وأمام هذه التطورات، تراهن الولايات المتحدة (كما قالت أخيرا) على وجود اختلاف في وجهات النظر بشأن قضايا حاسمة، وبالتالي لن تكون (بحسب واشنطن طبعا) منافسا جيو سياسيا في المستقبل.
خطوة
رئيس بيلاروس الكسندر لوكاشينكو صرح "إن توسع مجموعة بريكس لا يعني نهاية الهيمنة الغربية الآن، إلا أنه يعد خطوة قوية في هذا الاتجاه".
ونقلت وكالة أنباء "بيلتا" الرسمية عن لوكاشينكو قوله للصحافيين نهاية شهر أغسطس "أعتقد أن الهيمنة الغربية لم تنته بعد، لكن توسع مجموعة بريكس يعد خطوة قوية في هذا الاتجاه، هناك أمور ينبغي التفكير فيها، وأمور يتعين تحليلها".
وأكد أنها خطوة قوية صوب عالم متعدد الأقطاب، "إذا سارت الأمور بشكل جيد، فستظهر بعض الوحدات الحسابية، وبعض العملات، وهذا هو أكثر ما يخشاه الغربيون، خاصة الأمريكيين الذين يسيطرون"، مضيفا أن "الهيمنة الغربية ستنتهي عندئذ".
وأشار لوكاشينكو إلى أنه يعتقد دائما أن "الخطوات يجب أن تكون أكثر حسما، مضيفا "يجب أن نتحرك في هذا الاتجاه وهو أمر جيد أنه لم تعارضه الصين أو الهند، على الرغم من أن الأمريكيين يتوددون إليهما، لقد تحركوا في هذا الاتجاه".
وتقدمت بيلاروس في مايو 2023 بطلب رسمي للانضمام إلى مجموعة بريكس.
فيما يخص تأثيرات توسيع عضوية بريكس، صرحت علا الشواربي، نائبة مدير الاستثمار الإستراتيجية لأسهم الأسواق الناشئة لدى شركة فان إيك في نيويورك، "لا أعلم إذا كان هذا سيغير قواعد اللعبة، لكن فيما يتعلق بفتح الأسواق الاستهلاكية، فإن التكتل يحتوي بالفعل عليها". وتحظى العلاقات التجاريةالمتزايدة بين الأعضاء الحاليين والمحتملين في المجموعة بالاهتمام.
وصرح كريس تورنر، رئيس الأسواق العالمية في شركة آي.إن.جي: "يوفر الترابط التجاري المتزايد فيما يبدو بعض الأسس لإعلانات سياسية".
وجاء في حسابات "آي.إن.جي" أنه منذ 2015، ارتفعت حصة مجموعة بريكس الأساسية في واردات المرشحين الجدد من 23 في المائة إلى 30 في المائة لتحل بريكس محل منطقة اليورو والولايات المتحدة وغيرها من الاقتصاديات المتقدمة.
ويقول محللون ومستثمرون آخرون "إن الصين، بما لها من ثقل كبير كعضو في المجموعة، التي طالما ضغطت من أجل التوسع، من بين المستفيدين الرئيسين من هذه الخطوة".
وذكر ياكوب إيكهولت كريستنسن، المحلل الاستراتيجي في "بنك إنفيست" في كوبنهاغن "ستستفيد الصين والبرازيل والهند فيما يتعلق بسهولة الوصول إلى النفط، وستستفيد الأرجنتين فيما يتعلق بالوصول إلى الأسواق والاستثمارات الأجنبية المباشرة".
وقال حسنين مالك، العضو المنتدب في شركة تيليمر لأبحاث الأسواق الناشئة ومقرها دبي "إن التوسعة في أحسن أحوالها ستفيد الوافدين الجدد المتعطشين إلى رأس المال".
وأضاف "لكن هذا يفترض أنهم لن يشهدوا تدفقات رأسمال على أي حال من دول بريكس الأكثر ثراء، وأن أي رأسمال يتم تقديمه عبر مؤسسة في إطار بريكس لا يعرض للخطر رأس المال المستمد من مصادر أخرى متعددة وثنائية الأطراف".
ومن الأهداف الأخرى التي ناقشها زعماء "بريكس" في القمة التي عقدت في جوهانسبرغ زيادة استخدام العملات الوطنية لتقليص الاعتماد على الدولار. وقال الزعماء "إن هذا قد يساعد على تقليص هشاشة اقتصادياتهم أمام دولار قوي وتقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية".
وصرح كان نازلي، وهو مدير استثمار في شركة نويابيرجر بيرمان لإدارة الأصول في لندن "يمكن رؤية التبعات قصيرة الأمد في النفط". وأضاف "إذا تم تسعير النفط بعملة غير الدولار، أو حدث هذا على الأقل جزئيا على سبيل المثال، فإنه يمثل تغيرا كبيرا".
الناتج المحلي
تضم مجموعة بريكس ثلاث دول بين أكبر عشرة اقتصاديات في العالم، تتصدر الصين "ثاني أكبر اقتصاد في العالم" دول المجموعة في الناتج المحلي لعام 2022 بنحو 18.1 تريليون دولار "18.1 في المائة من الاقتصاد العالمي"، ثم الهند "خامس أكبر اقتصاد في العالم" بناتج 3.39 تريليون دولار "3.4 في المائة من الاقتصاد العالمي"، ثالثا روسيا "ثامن أكبر اقتصاد في العالم" بناتج 2.22 تريليون دولار يمثل 2.2 في المائة من الاقتصاد العالمي.
رابعا البرازيل 1.92 تريليون دولار تحتل بها الترتيب الـ11 عالميا "1.9 في المائة من الاقتصاد العالمي"، ثم جنوب إفريقيا بناتج 406 مليارات دولار تحتل بها الترتيب الـ38 عالميا "0.4 في المائة من الاقتصاد العالمي".
التجارة العالمية
أما على صعيد التجارة العالمية، فتتصدر الصين "أكبر مصدر في العالم" دول المجموعة بصادرات 3.6 تريليون دولار خلال 2022، ثم روسيا "الـ14 عالميا" بصادرات 532 مليار دولار، والهند "الـ18 عالميا" بصادرات 453 مليار دولار، والبرازيل "الـ26 عالميا" بصادرات 334 مليار دولار، وأخيرا جنوب إفريقيا بـ124 مليار دولار. بالتالي فهناك أربع دول ضمن تكتل بريكس من بين أكبر 30 دولة مصدرة عالميا.
فيما يخص السكان، فإن المجموعة تستحوذ على نصيب الأسد من سكان العالم، حيث لديها أربع دول من بين أكبر عشر دول سكانا في العالم وتضم أكبر دولتين سكانا، الصدارة للهند "أكبر دول العالم سكانا" بنحو 1.429 مليار نسمة "17.7 في المائة من العالم"، والصين "ثاني دول العالم سكانا" 1.426 مليار نسمة "17.7 في المائة من العالم"، ثم البرازيل وهي سابع دول العالم سكانا بـ216 مليون نسمة، وروسيا التي تعد تاسع دول العالم سكانا بـ144 مليون نسمة، وأخيرا جنوب إفريقيا بـ60 مليون نسمة.
النظام العالمي يتداعى
نادرا ما يتابع المراقبون الغربيون قمة بريكس بهذا القدر من اليقظة والاهتمام الذي تابعوا به نسختها رقم 15 التي انطلقت يوم الثلاثاء في جوهانسبرغ تحت شعار "بريكس وأفريقيا" والتي يتطلع القادة المشاركون فيها، خاصة الصين، إلى أن تسهم في توسيع نفوذ المجموعة وقوتها، مما يثير قلق الغرب الذي أصبح يخشى من تشكيل تحالف يتحدى النظام العالمي القائم.
وفي مقال نشره يوم 22 أغسطس موقع "ميديا بارت" الفرنسي يرى الكاتب الصحفي مارتين أورانغ أن المسؤولين الغربيين يخشون أن تعمِق هذه القمة من زخم النفور "الثورة" الذي ظهر خلال التصويت في جلسة للأمم المتحدة على قرار بشأن الحرب بأوكرانيا في مارس 2022، عندما امتنعت 40 دولة عن التصويت للقرار الذي يعارض الهجوم الروسي.
كما يرى الكاتب أن مما يعمق مشاعر القلق لدى الغرب كون المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين حاولوا كسر هذه الثورة، وفرشوا السجادة الحمراء لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، ولكن دون جدوى.
وأشار الكاتب إلى أن الرهانات الدبلوماسية والاقتصادية لهذه القمة تذهب إلى ما هو أبعد من موضوع التنمية في أفريقيا، مشيرا إلى أن هذه القارة تبدو حلبة صراع جديدة بين القوى القائمة وتلك الصاعدة، وفوق كل ذلك يبدو أن هدف الصراع تأكيد ميزان القوى السياسي والاقتصادي الجديد الذي نشأ فيالسنوات الأخيرة، ليشكل تحديا للنظام العالمي الذي بناه الغرب على مقاسه.
ويطرح المقال سؤالا عما إذا كان العالم سيشهد تشكيل تكتل جيوسياسي واقتصادي جديد ضد المعسكر الغربي، حيث يعتقد البعض أن الصين تسعى لاستخدام بريكس غطاء لتوسيع نفوذها العالمي.
كما يتساءل عما إذا كان الغرب سيدرك أخيرا أن الجنوب قد تغير كثيرا وأن دوله أصبحت الآن قادرة على تحرير نفسها من الشمال؟ والجواب عن مثل هذه الأسئلة برأيه مرهون بالطريقة التي سيتعاطى بها الفرقاء مع الموضوع، لكن هناك حقيقة واحدة يجزم الكاتب بأنها أكيدة وهي أن النظام العالمي الذي تأسس منذ نحو 80 عاما قد بدأ ينهار الآن أمام أعيننا.
جزء من العولمة
لم تعد دول بريكس كما كان يراها الغرب مجرد جزء من العولمة تختزل في سلاسل التوريد، ومكان للشركات متعددة الجنسيات التي يستخدمها الغرب لتصنيع منتجاته بتكلفة منخفضة، فقد تغير الوضع وأصبحت الصين الآن ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وتسير الهند على خطاها.
واكتسبت بلدان الجنوب زخما في كل مكان، بحيث يمثل ناتجها المحلي الإجمالي المشترك الآن حوالي 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتلك قوة آن الأوان للاعتراف بها، بدل اختزالها في النظرة القديمة التي لا ترى فيها سوى قوى لتزويد الاقتصاد العالمي بما يحتاجه.
وبإيعاز من الصين، يقول الكاتب إن مجموعة بريكس تخطط لضم العديد من الدول، وقد تقدمت 22 دولة للانضمام إليها.
ورغم كل ما سبق، يخلص المقال إلى أن قمة بريكس لعام 2023، قد تخطف بريقها المشاكل الاقتصادية، بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي المصحوب بالعديد من الاضطرابات، فالاقتصاد الصيني يشهد تباطؤا ونشاطه آخذ في التراجع، كما أن العملة الروسية فقدت نصف قيمتها مقابل الدولار، ولا تبدو الهند أحسن حالا حيث تواجه مشاكل سياسية علاوة على الصعوبات الاقتصادية التي تثقل كاهلها، وليس حال جنوب أفريقيا -التي تعاني بسبب التضخم المتسارع- بأحسن الدول الثلاث آنفة الذكر.
قلق أميركي
وعن سياق تخوف واشنطن من هذا التكتل الاقتصادي، أشار رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية ماجد التركي إلى أن العالم يمر بإشكالية اقتصادية كبيرة ترهلت فيها المؤسسات التقليدية العالمية وثقلت تبعاتها، فالمحرك الأكبر لها هو الاقتصاد الغربي المتكئ بشكل كبير على الولايات المتحدة التي تمر بمخاض صعب عجزت فيه عن سداد ديونها، بالإضافة لانهيار مؤسساتها المالية.
وفي ظل هذه الظروف الاقتصادية العالمية، بدأت الدول تتجه نحو التكتلات الاقتصادية الجديدة "بريكس"، وحسب التركي فإن بريكس تتحرك في فضاء 50 في المئة من الديموغرافيا العالمية وتتكئ على مؤسسة اقتصادية ضخمة (الصين) لتكون بذلك الدول الصاعدة التي تبحث عن متنفس جديد في حال تجدد الانكسارات في المؤسسات التقليدية المعتمدة على أمريكا.
وعلى الصعيد الأمريكي، رأى أستاذ الاقتصاد بكلية أوكلاند الأمريكية مصطفى شاهين أن واشنطن قلقة بخصوص هذه المؤسسة الاقتصادية الصاعدة خاصة في ظل تفاقم أزمة المديونية، وكذا الجدال بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي بخصوص رفع سقف الديون، مشيرا إلى أن واشنطن تنظر بحذر شديد تجاه أي بدلاء أو شركاء اقتصاديين جدد.
وعلى مستوى الشرق الأوسط، أوضح رئيس المجلس الروسي للعلاقات الدولية أندريه كورتونوف أن السعودية والإمارات لاعبان مهمان في العالم وليس فقط في دول الخليج العربي، ولذلك سيكون تعاونهما مع بريكس هاما، رغم أن هذا لا يعني بالضرورة انضمامهما فعليا للمجموعة قريبا.
أما الرأي الآخر فينحو باتجاه قبول أعضاء جدد لتصبح مؤسسة اقتصادية أكثر شرعية كمؤسسة عالمية، متوقعا أن تعمل بريكس على إنشاء مؤسسة تضم مختلف دول العالم كحلفاء وشركاء للدول الأعضاء الأساسيين.
بكين تقود العالم النامي
جاء في تقرير نشر يوم 27 أغسطس 2023 على الشبكة العنكبوتية: كان الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا هو المضيف الرسمي لقمة دول البريكس، لكن الضيف المهم حقاً كان الرئيس الصيني شي جين بينغ.
حيث حظي الرئيس الصيني بمعاملة خاصة منذ اللحظة التي وصل فيها قبل الزعماء الآخرين في زيارته، التي شهدت منحه "وسام جنوب إفريقيا". قال رامافوزا بعد أن التقى بشي في المطار: "شعب جنوب إفريقيا يحييك أيها الرئيس شي جين بينغ"، وهو تشريف لم يحصل عليه أي من القادة الآخرين.
وحتى الرئيس الهندي ناريندرا مودي، زعيم ثاني أكبر اقتصاد في مجموعة البريكس، استقبله نائب رامافوزا، وليس رامافوزا بنفسه، كما تقول صحيفة Financial Times البريطانية.
يمكننا أن نرى أهمية شي جين بينغ في القلق الذي نشأ عندما لم يظهر في أول خطاب كبير له في القمة أمام رجال الأعمال من مختلف أنحاء دول البريكس. لم يقدَم أي تفسير لذلك، فيما ظهر شي في وقت لاحق من المساء لتناول العشاء مع القادة، لكن ذلك كان حدثا منخفضا في قمة أُعدَ لها بعناية فائقة.
كان الدليل الحقيقي على أهمية شي هو التوسع الذي يبدو أنه من شأنه أن يضيف الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات، إلى الكتلة المكونة من خمسة أعضاء. ويتناسب هذا مع خطة شي التي تقضي بأن تقود الصين العالم النامي في مواجهة الهيمنة الأمريكية، حتى في الوقت الذي يتصارع فيه أيضاً مع التباطؤ الاقتصادي والانكماش في الداخل.
قال شي إن زيادة عدد دول البريكس من 5 إلى 11 دولة "تلبي توقعات المجتمع الدولي، وتخدم المصالح المشتركة للأسواق الناشئة والدول النامية".
وهذا رغم أن المجموعة الموسعة تواجه تناقضات داخلية أكثر من أي وقت مضى إذا أرادت الصين أن تنافس حقا مجموعة السبع وغيرها من الكتل التي يهيمن عليها الغرب.
كانت دول مثل السعودية والإمارات، والحلفاء العسكريين التقليديين للغرب، وكبار المقترضين من صندوق النقد الدولي الأرجنتين ومصر، من بين الدول المدعوة للانضمام إلى البرازيل وروسيا والهند وجنوب إفريقيا في التوسع الذي توسط فيه إلى حد كبير أكبر اقتصاد في الكتلة.
إثيوبيا، ثاني أكبر دولة في إفريقيا من حيث عدد السكان، تظهر في المؤخرة كأصغر عضو في مجموعة البريكس من حيث الناتج المحلي الإجمالي، لكنها دولة رئيسية لبكين.
وساعدت الإشارات التي ظهرت في القمة بشأن قوة صادرات الصين في إخفاء المخاوف بشأن تباطؤ النمو المحلي. وكانت شركة صناعة السيارات الصينية المملوكة للدولة شيري "الشريك الرسمي للسيارات الرئاسية" لهذا الحدث، حيث قدمت أسطولا من السيارات لنقل المندوبين الدوليين حول المركز المالي لجنوب إفريقيا.
ورغم أن رامافوزا أثار مع شي "الحاجة إلى تضييق العجز التجاري بين جنوب إفريقيا والصين"، الذي بلغ أكثر من 10 مليارات دولار عام 2022، فإن الصفقات التي وقَعتها حكومته مع بكين سعت للترويج للتكنولوجيا الصينية للتغلب على انقطاع التيار الكهربائي في جنوب إفريقيا.
بذل وفد شي ما بوسعه لتوسيع الفائض التجاري مع جنوب إفريقيا، فاستحوذ على الفنادق، ونقل بطائرة شحن خاصة كل السلع اللازمة لتجديدها بالكامل.
أشار المحللون إلى أنه لم يكن من المصلحة السياسية لأي من أعضاء البريكس خلال قمة أغسطس إثارة المشكلة الاقتصادية في جلسات القمة، حيث المشكلات تتزايد في البنية التحتية في الصين، ونموذج الاستثمار القائم على العقارات، ما سيؤثر على مصدري السلع الأساسية مثل جنوب إفريقيا والبرازيل.
وطرح شي خلال اجتماع على هامش القمة مع الزعماء الأفارقة، أن الصين "ستعمل على تسخير مواردها بشكل أفضل للتعاون مع إفريقيا"، في إشارة إلى أن دبلوماسية بكين تعكس بهدوء هذه التحولات الاقتصادية.
وكانت قمة جوهانسبرغ جديرة بالاهتمام أيضا، بسبب الاجتماع الثنائي النادر بين شي ومودي، حيث اتفقا على تهدئة التوترات على الحدود الصينية الهندية، والتي أدت إلى مناوشات خطيرة في السنوات الأخيرة. ومن ناحية أخرى، تظل القوتان عالقتين في معضلة أمنية متنامية مع قيام الهند بتوسيع علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى.
وتبدو إندونيسيا، وهي مرشح طبيعي لمجموعة البريكس من الناحية الاقتصادية، باعتبارها رابع أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وأكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، حذرة بشأن الانضمام إلى الكتلة التي تهيمن عليها الصين بشكل متزايد، كما تقول صحيفة فاينانشيال تايمز.
وكان من المقرر أن تكون جاكرتا من بين المدعوين، لكنها رفضت التعبير عن اهتمامها، بينما تناقش حكومة الرئيس جوكو ويدودو ما إذا كانت بلادها ستنضم للكتلة، مع العلاقات الاقتصادية سريعة النمو مع الأعضاء الآخرين.
ومع ذلك، ورغم نجاح شي في بناء الزخم لتحويل مجموعة البريكس إلى منتدى دولي بارز، فإن تحقيق ذلك لا يزال يشكل تحديا، على حد قول المحللين.
فرضية
بينما تؤكد تحليلات كثيرة الأخطار التي تواجه واشنطن والحلفاء الغربيين نتيجة توسع بريكس تقدم الأوساط الرسمية الأمريكية وجهة نظر مخالفة.
أكد عدد من الخبراء الأمريكيين أن قمة بريكس لا تمثل أي تهديد يعتد به للنظام الدولي الذي وضعت الولايات المتحدة أسسه المالية والسياسية والقانونية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وفي مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض يوم الثلاثاء 22 أغسطس، قال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، إن بلاده تستبعد تحول مجموعة بريكس إلى منافس جيوسياسي لها أو لأي بلد آخر، مضيفا "هذه مجموعة متنوعة من الدول.. لديها اختلاف في وجهات النظر بشأن القضايا الحاسمة".
ورغم التقليل الأمريكي من أهمية مجموعة بريكس، فإن القمة لاقت اهتماما كبيرا من المراكز البحثية والإعلام الأمريكي خاصة ما يتعلق بمشاركة الرئيس الصيني شي جين بينغ وغياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
اهتم الإعلام الأمريكي بحضور الرئيس الصيني قمة جوهانسبرغ، معتبرا أن القمة تعد محاولة لتوسيع نفوذ الصين في دول الجنوب في إطار المنافسة الصينية المتزايدة مع الولايات المتحدة.
وتروج بكين لما تعتبره مظالم مشتركة تجمعها الرغبة في تغيير النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه بصورة كبيرة الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون، في الوقت الذي تتزايد فيه أهمية وحجم اقتصاديات دول بريكس.
وكذلك تقود الصين مناقشة سبل تعميق التعاون الاقتصادي والمالي بين الأعضاء لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي، ومهاجمة السياسات الأمريكية خاصة تلك المتمثلة في العقوبات الأحادية الجانب، وهيمنة واشنطن على المؤسسات الاقتصادية العالمية كالبنك وصندوق النقد الدوليين.
رئيس برنامج أمن آسيا والمحيط الهادي بمعهد "هدسون" والمسؤول السابق بوزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين باتريك كرونين اعتبر، أن "تطور مجموعة بريكس يستحق المراقبة، ومن الواضح أن الولايات المتحدة تحتاج إلى القيام بعمل أفضل في الشراكة مع دول ما يسمى بالجنوب العالمي، وينطبق هذا بشكل خاص على شركاء واشنطن القدامى مثل مصر والسعودية والإمارات".
من جانبه، وفي حديثه لقناة فضائية، لم يعط الرئيس التنفيذي لمشروع الأمن الأمريكي ماثيو والين، أهمية كبيرة للدعوات القائلة "إن الجنوب العالمي يبحث عن بدائل للأنظمة المالية والإنمائية التي يقودها الغرب بسبب تجاربهم الاستغلالية في كثير من الأحيان خلال الحقبة الاستعمارية"، مشيرا إلى أنه وبهذا المعنى، "فإن البديل الذي قد يحمل بعض الجاذبية له سلبيات كبيرة، مثل نزعة روسيا العسكرية المتزايدة، ونزعة الصين العدوانية".
في حين اعتبر المسؤول السابق بالبنتاغون والمحاضر بكلية الدفاع الوطني بواشنطن ديفيد دي روش، في حديثه، أنه "من الطبيعي أن تسعى الدول المتوسطة الحجم والصغيرة إلى النفوذ، ويأتي ذلك في الأغلب من خلال تأليب كتلة ضد أخرى، ومع ذلك، فإن القضايا الهيكلية التي تهم مصر، أو غيرها من الدول المهتمة بالانضمام للبريكس، هي قضايا هيكلية داخلية إلى حد كبير، ومن غير المرجح أن تتغير إذا سعت هذه البلدان للحصول على التمويل والمساعدة الإنمائية من بريكس".
انقسامات وخلافات
وأكد كرونين أن "قمة بريكس تشكل منبرا للصراع على النفوذ"، وأنه من "غير المرجح أن تؤدي مناقشة توسع بريكس إلى إحكام التماسك السياسي بين أعضاء مجموعة بريكس، ناهيك عما يقال من التخلص من هيمنة الدولار، وهذه النقطة سهلة في الحديث عنها، لكنها صعبة في التطبيق العملي".
في حين أضاف والين أن "واشنطن لديها مصلحة في إبقاء الدول ذات الأهمية الإستراتيجية داخل مجال النفوذ الغربي، بينما تجد نفسها في الوقت ذاته مضطرة للتسامح مع انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في تلك البلدان من أجل استرضاء قيادتها الاستبدادية ومنع الانحياز الكامل إلى روسيا أو الصين".
وفي حديثه، أكد دي روش "أنه بعيدا عن الأرقام والإحصاءات البراقة، فما يجمع أعضاء بريكس هو عدم الرضا عن الوضع الحالي للنظام العالمي الليبرالي القائم على القواعد والدور المهيمن للولايات المتحدة في القطاع المالي".
وأضاف أنه بالنظر إلى الإحصائيات يبدو أن بريكس لديها حجة قوية لتقديمها، مثل "تقدم الزراعة في البرازيل، ووجود المعادن في جنوب أفريقيا، ومصادر الطاقة في روسيا، وسكان الهند وتكنولوجيتها، والقاعدة الصناعية في الصين، ومع ذلك، هناك الكثير من العقبات التي تحول دون الاندماج الفعال، أهمها استمرار ارتفاع مستوى الفساد في مختلف دول بريكس".
وأكد دي روش أنه "من الممكن أن توافق هذه البلدان على مبادلة السلع بعملاتها الخاصة أو بالمنتجات التي تنتجها، وسيعمل هذا النظام طالما لم يكن هناك نزاع، ومع ذلك، إذا وقع عدم توافق بين أي من هذه الدول، لن تثق الأطراف في الحكم في النزاعات أمام محاكم دولة أخرى من دول بريكس، فهم يدركون أن قضاء هذه الدول عموما يفتقر إلى الحياد ويخضع لسيطرة الدولة".
ولفت إلى أنهم سيسعون حينها إلى حل نزاعاتهم في المحاكم الأوروبية أو الأمريكية، التي تشتهر بالحياد، معبرا عن اعتقاده بأن "بريكس لا ينظر لها على أنها تهديد كبير داخل الولايات المتحدة حاليا، وربما يتغير ذلك إذا أصبحت بريكس تكتلا للقوى المعادية للديمقراطية".
عمر نجيب