سقوط آخر حلفاء الغرب في أفريقيا.....هل خسر الغرب أفريقيا؟...... تعطيل وقضم النفوذ الغربي في أفريقيا....الآلاف يتظاهرون دعماً للانقلاب في النيجر....روسيا وإيطاليا: التدخل العسكري في النيجر "استعمار جديد"..... صحيفة "تايم": لهذا يريد الكثير من النيجريين دخول روسيا وخروج الغرب....هل لموسكو وفاغنر دور في انقلاب النيجر؟....انقلاب النيجر يضع أفريقيا على مفترق طرق....لا نريد فرنسا على أراضينا....باريس تخسر آخر معاقلها في أفريقيا.... ما الذي حققته فرنسا بالساحل الإفريقي منذ انتشارها في 2013؟....قادة الانقلاب في النيجر يصعدون مع فرنسا والغرب... يورانيوم النيجر يضيء فرنسا ونحن نعيش في الظلام.... اليورانيوم.. كيف يؤثر المعدن الاستراتيجي على علاقات النيجر الدولية بعد الانقلاب ؟...العسكريون في النيجر يبطلون اتفاقيات عسكرية موقعة مع فرنسا....
هذا جزء قليل من فيض مقدمات التصريحات والمواقف السياسية لمجموعة واسعة من الساسة والمحللين والعناوين الإخبارية، بعد تولي القوات المسلحة السلطة في النيجر يوم 26 يوليو 2023، وإطاحتها بالرئيس محمد بازوم واتهامه بالإخفاق أمنيا واقتصاديا واجتماعيا وتبعيته لباريس، في بلد يوجد ضمن قائمة أفقر دول العالم ويعاني نشاط مجموعات مسلحة. القادة الجدد في نيامي أعلنوا إغلاق حدود البلاد وعطلوا الدستور وعلقوا جميععمل المؤسسات في البلاد.
بعد مالي وبوركينا فاسو، أصبحت النيجر ثالث دولة في منطقة الساحل تشهد انقلابا منذ العام 2020. ومنذ استقلال هذه المستعمرة الفرنسية، شهدت أربعة انقلابات: الأول في إبريل 1974 ضد الرئيس ديوري هاماني، والأخير في فبراير 2010 تمت خلاله الإطاحة بالرئيس مامادو تانجا، فضلا عن محاولات انقلاب عدة أخرى.
ثروات كبيرة
يبلغ عدد سكان جمهورية النيجر حوالي 24 مليون نسمة، الأغلبية الساحقة منهم مسلمون، وتقع في غرب إفريقيا، وهي دولة حبيسة بدون ساحل على البحر سميت نسبة إلى نهر النيجر الذي يخترق أراضيها، ويحدها من الجنوب نيجيريا وبنين ومن الغرب بوركينا فاسو ومالي ومن الشمال الجزائر وليبيا، وتحدها تشاد من جهة الشرق.
ويبلغ إجمالي مساحة النيجر حوالي 1.3 مليون كم مربع، مما يجعلها أكبر دولة في منطقة غرب إفريقيا من حيث المساحة، ويتركز معظم سكان النيجر في أقصى جنوب وغرب البلاد، وعاصمتها نيامي، وهي أكبر مدن النيجر التي تقع أغلبها على الضفة الشرقية لنهر النيجر في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد.
وتحتفل النيجر في 3 أغسطس من كل عام بذكرى الاستقلال عن فرنسا عام 1960.
وكالة فرانس برس ذكرت في أحد تقاريرها أنه ومنذ الانقلاب العسكري في 26 يوليو، تدهورت العلاقات مع باريس بعد أحداث جرت، الأحد، خلال تظاهرة نظمت أمام السفارة الفرنسية، وكانت الدافع وراء إجلاء مئات المواطنين الفرنسيين.
وقال شاب متظاهر يدعى إيسياكا حمادو إن "الأمن فقط هو ما يهمنا"، سواء وفرته لنا "روسيا أم الصين أم تركيا، إذا أرادت مساعدتنا. نحن لا نريد الفرنسيين الذين ينهبوننا منذ عام 1960، إنهم موجودون هنا منذ ذلك الحين ولم يتغير شيء، فما الفائدة منهم؟".
وأيده آخر يدعى عمر بقوله: "أنا طالب، لم أجد عملا بعد الدراسة في هذا البلد، بسبب نظام "بازوم" "الرئيس المطاح به" الذي تدعمه فرنسا. كلهم عليهم أن يرحلوا".
وتعتبر النيجر واحدة من أفقر دول العالم، حيث تشغل الصحراء الكبرى نحو 80 في المئة من مساحة البلاد، بينما تعاني الأجزاء الباقية منها من مشكلات تتعلق بالمناخ مثل الجفاف والتصحر. وكانت النيجر قديما عبارة عن أطراف مترامية لدول وممالك كبيرة أخرى، ومنذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، تعاقبت على النيجر 5 حكومات، بالإضافة إلى 3 فترات من الحكم العسكري حتى تم بدعم من باريس وواشنطن وضع تشريع قانون انتخابي على النموذج الغربي ينظم سبل اختيار رئيس البلاد عام 1999.
ووفقا لما ذكرته وكالة أنباء الأناضول التركية، فإن النيجر هي بلد المفارقات، فعلى الرغم من أنها تعتبر إحدى أفقر دول العالم وأقلها نموا على الإطلاق، فإن البلد غني بالثروات الباطنية مثل اليورانيوم والذهب والبترول.
ويضيف التقرير أن ثروات النيجر هذه تذهب جميعها لتساهم في تمويل مشروعات فرنسا من الطاقة، في مفاعلاتها النووية من أجل إنتاج الكهرباء، وتزويد الاقتصاد والمجتمع الفرنسي بها.
فيورانيوم النيجر يمد فرنسا بـ35 في المئة من احتياجاتها من الطاقة النووية، وهي تمثل 75 في المئة من الطاقة الكهربائية الفرنسية.
ويقول الباحث الأكاديمي محمد أغ محمد إن "النيجر تمتلك كل الموارد الغنية التي يمكن أن تنهض بأي دولة ماديا واقتصاديا، على رأسها اليورانيوم والذهب والبترول".
ويؤكد "أغ محمد" في مقابلة مع الأناضول، أن "النيجر هي البلد الرابع عالمياً في إنتاج اليورانيوم، وشركة أريفا الفرنسية تعتمد بشكل أساسي عليه، فالنيجر تضيء فرنسا باليورانيوم".
النيجر واحدة من أفقر دول العالم، حيث احتلت عام 2015 المرتبة الأخيرة بين 188 بلدا في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، بينما تشير التقارير الرسمية من وزارة الداخلية في النيجر إلى أن قرابة 43 في المئة من النيجريين يعيشون حالة الفقر المدقع.
تحالف فرنسي أمريكي
انضمت واشنطن إلى باريس في معارضة التحول السياسي في النيجر ودعم مخطط التدخل العسكري لإعادة النظام السابق.
يوم الخميس 3 أغسطس أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، دعم الولايات المتحدة القوي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، فيما يتعلق بقراراتها حول النيجر. وأكد أيضا أن الولايات المتحدة تدعم كل ما تدعو إليه المنظمة.
ودعا الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الخميس، إلى الإفراج الفوري عن الرئيس المحتجز من قادة الانقلاب، وعائلته "وحماية الديمقراطية التي تحققت بصعوبة في النيجر" وفق تعبيره.
وقررت "إيكواس"، الأحد 30 يوليو، فرض حصار اقتصادي على النيجر، والتعليق "الفوري... لجميع المعاملات التجارية والمالية" معها، ومنحت مهلة أسبوع واحد للمجلس العسكري للعودة إلى النظام الدستوري، بحسب فرانس برس.
كما أكدت المنظمة، الأربعاء، استعدادها للتدخل العسكري في النيجر، ولكنها شددت على أنه "الخيار الأخير" الذي ستطرحه الهيئة لإعادة النظام الدستوري إلى البلاد.
واتخذت "إيكواس" إجراءات مماثلة في انقلابات سابقة بالمنطقة شهدتها دول مالي وبوركينا فاسو وغينيا، خلال الأعوام القليلة الماضية، قبل أن تتراجع عنها أو عن بعضها بعد اتفاقات مع السلطات الموجودة في البلاد على تنظيم انتخابات وإعادة الحكم للمدنيين في غضون فترة زمنية مناسبة.
في هذه الأثناء رفضت فرنسا التي لديها حوالي 1500 جندي في قواعد في النيجر قرارات نيامي بإلغاء الاتفاقيات العسكرية الموقعة بين الطرفين معللة ذلك بأنها تعترف فقط بما تسميه السلطة الشرعية التي لها مثل تلك الصلاحية.
سقوط آخر حلفاء الغرب في أفريقيا
جاء في تقرير نشر في العاصمة الأمريكية واشنطن يوم 31 يوليو 2023: تشغل الأنباء عن انقلاب النيجر، وهي دولة تتوسط قارة أفريقيا ولها حدود مع دولتين عربيتين هما ليبيا والجزائر، دوائر القرار في الغرب ووسائل الإعلام بشكل كبير منذ بضعة أيام.
ولا تمتلك النيجر، التي تتذيل قوائم أفقر دول العالم، التأثير التجاري أو الجيوسياسي الذي تتمتع به دول أخرى تتعرض لأزمات، لكنها تعتبر بالنسبة لكثير من المحللين "آخر حليف موثوق به للغرب في القارة الأفريقية"، كما يشير تقرير لأسوشيتد برس.
والأحد 30 يوليو، سار آلاف من داعمي الانقلاب في شوارع العاصمة، نيامي، وهم يحملون – بالإضافة إلى أعلام بلادهم – أعلام روسيا، ويرددون هتافات تشيد بالرئيس الروسي بوتن، وتندد بفرنسا، المستعمر السابق للبلاد.
وفي نهاية المسيرة، أشعل المتظاهرون النار في بوابة السفارة الفرنسية لدى النيجر، قبل أن تفرقهم قوات الجيش والشرطة.
وفي شهادته أمام الكونغرس الأمريكي، منتصف يوليو، قال جوزيف ساني، نائب رئيس مركز أفريقيا في المعهد الأمريكي للسلام، إن روسيا "أعادت إحياء اهتمامها بأفريقيا" منذ عقد من الزمان. وأضاف ساني أن "الصين أبدت اهتماما متزايدا بالقارة خلال السنوات القليلة الماضية". ودعا ساني الولايات المتحدة وحلفاءها على إعادة النظر بسياستهم الأفريقية بعد "النجاح النسبي لروسيا في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان".
وأشار ساني إلى نمط محدد تعيد روسيا من خلاله رسم موازين القوى في القارة من خلال الاضطرابات.
وتزايد نفوذ روسيا في السودان بعد الأحداث الأخيرة.
وتشير دراسة للمركز الأفريقي للدراسات إلى أن "روسيا وسعت نفوذها في أفريقيا في السنوات الأخيرة أكثر من أي لاعب خارجي آخر".
وتضيف الدراسة أن "استراتيجيات روسيا تعتمد عادة على وسائل لتوسيع نفوذها، مثل نشر قوات شركات الأمن الخاصة، وترويج المعلومات المناهضة للغرب، والتدخل في الانتخابات، ودعم الانقلابات، وصفقات الأسلحة مقابل الموارد الطبيعية، وأمور أخرى".
ويصف المركز هذه الاستراتيجيات بأنها "منخفضة التكلفة وعالية التأثير"، ويقول أنها تهدف "إلى تعزيز نظام عالمي مختلف تماما عن الأنظمة السياسية الديمقراطية القائمة على القواعد".
ويحذر المركز من أن نتائج التدخلات الروسية في أفريقيا سيكون لها آثار بعيدة المدى على معايير الحكم والأمن في القارة.
الغرب يخسر أفريقيا
ويضيف التقرير الصادر في واشنطن: تعمل مجموعة الأمن الروسية فاغنر في مالي المجاورة للنيجر، وخلال السنوات الأخيرة، تواجدت المجموعة، التي ينظر إليها على أنها ذراع السيطرة الروسية الخارجية، في دول أفريقية مثل السودان وليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق.
ومع تواجد المجموعة، التي يفترض أنها تقدم مشورة أمنية لقتال الجماعات المتطرفة في تلك الدول، تزايدت التقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان حصلت على يد المسلحين الروس.
ولم يقل قادة المجلس العسكري الجديد في النيجر ما إذا كانوا يعتزمون التحالف مع موسكو أو التمسك بشركاء النيجر الغربيين.
لكن التباين في المواقف من الانقلاب بدا واضحا، حيث أدان الغرب العملية الانقلابية، فيما أشاد بها، كما تقول تقارير، زعيم مجموعة مسلحي فاغنر، يفغيني بريغوجين.
ومع دعوة المجلس العسكري الانقلابي في النيجر أنصاره للتظاهر ضد فرنسا، وحملهم أعلام روسيا، يبدو من السهل توقع الاتجاه الجديد للبلاد، في حال استمر الانقلابيون بالحكم.
والأربعاء 26 يوليو، تباهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن "جهود الغرب لثني الدول الأفريقية عن حضور قمة أفريقية روسية، لم تفلح".
وعقدت القمة التي شارك فيها ممثلون عن 49 دولة أفريقية من أصل، 57، في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، حيث قدم الأفارقة خطة سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا، كما وعد بوتين بإرسالمئات آلاف الأطنان من القمح للدول الأفريقية "مجانا".
في تقرير نشره يوم 4 أغسطس 2023 موقع الحرة التابع للحكومة الأمريكية في واشنطن: يقول المختص في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، إن النيجر التي تعرف مشهدا سياسيا متوترا للغاية، بعد انقلاب عسكريين على الرئيس، بازوم "تتمتع بأهمية جيوستراتيجية وموقع مميز جعلها محل أنظار القوى العالمية والإقليمية الساعية لمحاربة الإرهاب في المنطقة" وخص بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية.
وأضاف في حديث لموقع الحرة، أن النيجر "من البلدان المهمة جدا" وهو السر وفقه، وراء عقد دول كثيرة شراكات معها. وذكر إن "لدى الولايات المتحدة عدة شراكات مع النيجر منها تدريب عناصر من الجيش، إلى جانب اتفاقات تدخل في إطار محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة".
ولفت إلى أن نيامي تستضيف أكثر من ألف عنصر من القوات الأمريكية "فضلا عن ذلك، مضيفا أعتقد أن واشنطن تفضل أن تكون قاعدتها المعروفة باسم أفريكوم في النيجر".
والقيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم"، هي مهمة عسكرية تتصدى، مع شركائها، للتهديدات العابرة للحدود، وتعزز قوات الأمن وتستجيب للأزمات من أجل تعزيز المصالح الوطنية للولايات المتحدة وتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار الإقليمي في المنطقة" حسب التصريحات الأمريكية.
بدأت "أفريكوم" عملياتها الأولية في الأول من أكتوبر 2007، ودخلت حيز التشغيل الكامل سنة بعد ذلك.
ويرى تورشين أن أهمية النيجر الإستراتيجية، جعلتها أيضا محل اهتمام ما يصفه بالـ "القوى الصاعدة".
ويؤكد تورشين أن تداعيات الانقلاب العسكري في النيجر ستكون كبيرة جدا، لاسيما في ظل انشغال ما يعرف بالمجلس العسكري الانتقالي بتثبيت أركان "حكمه".
أفريقيا مهمة لروسيا
خلال شهادته أمام الكونغرس، قال الخبير جوزيف ساني، إن روسيا بوتين ليس لديها خطة كبرى واضحة لأفريقيا، لكن "نمطا من الارتباطات الانتهازية والتواطؤ بين الدولة الروسية والكيانات الخاصة الغامضة يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي تعظيم الأرباح من خلال الاستحواذ التجاري، وبالتالي المساعدة في التهرب من العقوبات الغربية ضد الأفراد والكيانات الروسية.
وأيضا "تعطيل وقضم النفوذ الغربي في أفريقيا" و"تعزيز نفوذ روسيا الجيوسياسي وطموحاتها كقوة عظمى".
ويضيف ساني أن الكرملين يسعى إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال التضليل والدعاية، والتلاعب بالرأي العام الأفريقي.
كما أن الكرملين، وفقا لساني، يستثمر في "مناطق عدم الاستقرار والصراعات العنيفة لبيع الجماعات المقاتلة الأفريقية الأسلحة والتدريب العسكري والاستشارات العسكرية وخدمات الشركات الأمنية الخاصة".
والأهم، وفقا لساني، إن بوتين يسعى على نحو متزايد إلى "إلى تحقيق الربح من خلال استخراج الموارد الطبيعية في أفريقيا من دون المساهمة في التنمية الاقتصادية".
ولتحقيق كل هذا، وفقا لساني، فإن روسيا تعزز "الحكم بالقوة بدلا من الديمقراطية والقانون"، وتؤيد "الفساد بدلا من الشفافية"، و تستنزف إيرادات الشركات والحكومات المحلية، وتجعل الحكومات المستبدة "محتاجة لدوام وجود فاغنر للحفاظ على السلطة".
وخلال السنوات الماضية، حرصت روسيا، عبر شركة فاغنروالقنوات الرسمية، على إظهار أنها واحد من أهم الداعمين الإنسانيين لأفريقيا، وهو ما يصفه ساني بـ"تضخيم روسيا لحجم العلاقات التاريخية" مع أفريقيا.
لكن الحقيقة إن الغرب يرسل مليارات الدولارات سنويا للدول الأفريقية على هيئة مساعدات غذائية وطبية وعسكرية.
مع هذا، تبدو الحملة الإعلامية الروسية أكثر تأثيرا على الأفارقة، الذين أحرق بعضهم، الأحد، علم فرنسا تنديدا بـ"تدخلها بالشؤون السيادية للنيجر"، وهتفوا في الوقت ذاته هتافات تأييد لبوتن، كما نشرت أسوشيتد برس. وبالمقارنة، تمنح الولايات المتحدة وفرنسا ملايين الدولارات سنويا من المساعدات للنيجر.
وغالبية مبلغ ملياري دولار سنويا من المساعدات التي تتلقاها النيجر، قادم من الغرب، كما أن هناك 1500 جندي فرنسي يساعد النيجر، وقدمت الولايات المتحدة مساعدة لتدريب القوات المسلحة النيجيرية.
وقدمت هذه المساعدات الغربية نتائج حاسمة، وفقا لأسوشيتد برس، حيث أن الوضع الأمني في النيجر ليس سيئا كما هو الحال في بوركينا فاسو أو مالي المجاورتين، اللتين تقاتلان أيضا تمردا مرتبطا بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش.
ويدعو ساني الولايات المتحدة إلى الاستثمار في الصحافة الأفريقية لإطلاع الرأي العام الأفريقي على حقيقة الدور الروسي فيه.
دخول روسيا وخروج الغرب
يتهم العديد من الساسة الأفارقة الغرب بالوقوف وراء التنظيمات المتطرفة الإرهابية وذلك لتبرير استمرار وجوده العسكري وتأثيره السياسي المهيمن، ويؤكد هؤلاء أنه لا يجب بالضرورة أن تكون هناك علاقة ترابطية بين الدول الغربية والتنظيمات الإرهابية، فقط يتم التعامل معها بإسلوب الضبط المقيد، تماما كما في الزراعة، فالمزارع يقاوم الحشائش الضارة حول مزروعاته بكل الطرق ولكنه لو سقى الأرض دون أن يقضي عليها كليا فإنها تعود للإنتشار وهذا ما يفعله الوجود العسكري الغربي في الدول المفترض أنه يقاوم فيه التنظيمات الإرهابية. فضيحة تعاون شركة لافارج الفرنسية مع داعش في سوريا أحد الأمثلة. التجربة في سوريا والعراق رسخت صحة هذه الفرضية.
يرابط ستة آلاف جندي أمريكي في أفريقيا غالبيتهم في القاعدة الأمريكية المقامة في جيبوتي شرق أفريقيا. بينما أقامت فرنسا منذ عقود، قواعد عسكرية في ثلاثة بلدان افريقية.
الحقيقة التي يجمع عليها الكثيرون هي أن تدخلات الناتو والتدخلات الأوروبية هي التي حصل بها الإرهاب على مسوغات وجوده.
ففي عام 2011، شجعت فرنسا تدخلا عسكريا لحلف الناتو في ليبيا تحت غطاء دعم الديمقراطية بمفهومها الغربي، إلا أن ليبيا دخلت في فوضى عارمة حيث تتناحر فيها الميلشيات المسلحة بشكل مستمر. في طرابلس وحدها، تنشط 150 حركة بميليشياتها وأسلحتها، ومعظم هذه الحركات تضم مقاتلين مدربين في الولايات المتحدة، كما تستخدم أسلحة قادمة في اغلبها من ترسانة الدول الغربية.
دمر تدخل الناتو جميع البنى التحتية للدولة الليبية وترك فراغا كبيرا لم يسد لحد الآن كما فتح الأبواب مشرعة أمام انتشار السلاح وأمام المجموعات الإرهابية داخل القارة.
يوم 4 أغسطس 2023 سلط مقال بمجلة "تايم" الأمريكية الضوء على ما وصفه برغبة الكثير من النيجريين دخول روسيا إلى أفريقيا ومغادرة الغرب لها.
وذكر الكاتبان كولين مايزل وآدم سزيمانسكي برغوس أن انقلاب النيجر أحدث موجة من الصدمة ليس فقط في منطقة الساحل الأفريقي، بل عبر المجتمع الدولي ككل. وكانت النيجر آخر معقل موال للغرب في منطقة تعرف باسم "حزام الانقلابات" في هذه القارة.
وأشار المقال إلى مشهد النيجريين وهم يلوحون بلافتات الاحتجاج المؤيدة للرئيس الروسي بوتين والأعلام الروسية بأنه جعل الكثيرين في الغرب يشعرون بالقلق، حيث تقدم هذه الصور تباينا حادا لجمهور غربي قيل له مرارا وتكرارا إن الرئيس بوتين "منبوذ في جميع أنحاء العالم".
ولفت إلى ما وصف بأنه "تدافع جديد" شهدته أفريقيا السنوات الأخيرة، حيث تقوم قوى كبرى مثل روسيا والصين بالإضافة إلى القوى الإقليمية المتنامية مثل الإمارات وتركيا بغزوات دبلوماسية واقتصادية كبيرة في القارة. وكيف أن هذه القوى، كما تقول رواية "التدافع الجديد" الشائكة إلى حد ما، تعمل على إزاحة تأثير القوى الاستعمارية التقليدية مثل بريطانيا وفرنسا.
يجب أن يقدم الغرب مزيدا من الالتزامات لتوسيع العلاقات التجارية والاستثمار في أفريقيا. ولكسب القلوب والعقول بشكل صحيح يجب أن تكون الصفقات التجارية والاستثمارية الجديدة عادلة ومستدامة، وتشجع تنمية الصناعات الأفريقية والحد من الفقر.
ومع ذلك يرى أن رواية "التدافع الجديد" تفتقد شيئا وهو أن الوجود الروسي في أفريقيا ليس جديدا. وغانا وغينيا ومالي أمثلة على ذلك، حيث يذكر الاتحاد السوفياتي، بقيادة روسيا، كقوة قوية مناهضة للاستعمار تسعى لتحرير الأفارقة من القمع الأوروبي والأمريكي والرأسمالي. وكان التدخل السوفياتي في أفريقيا واسع الانتشار.
وأفاض المقال في ذكر تفاصيل هذا التدخل اقتصاديا وعسكريا وإعلاميا، مما عزز النفوذ الروسي في القارة.
ويجب على واشنطن ودول أوروبا أيضا زيادة ميزانياتها للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والمنظمات المماثلة، خشية أن تفقد الدول الغربية الكثير من نفوذها القائم على المساعدات في أفريقيا جنوب الصحراء. كما أن تقاسم المزيد من السلطة في المنظمات الدولية مع الأعضاء غير الدائمين بمجلس الأمن الأممي سيساعد أيضا.
وختم المقال بأنه بغير ذلك، يجب أن يستعد الجمهور الغربي لمزيد من التلويح بالعلم الروسي بألوانه الأبيض والأحمر والأزرق، أكثر من التلويح بالأحمر والأبيض والأزرق أي العلم الأمريكي.
الطريق للتحرر
جاء في بحث مقتبس من تقرير للأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان نشر في لندن يوم 9 سبتمبر 2022 تحت عنوان: ثروات إفريقيا العظيمة هي لعنتها المستمرة.. فمن يسرق طعام إفريقيا.
وقع الغرب في غرامها من أول نظرة فاستعمروها وعندما انتهى الاحتلال العسكري عادوا إليها عبر شركات وشراكات مع شبكات الفساد المحلية الحاكمة ما زالت هي الأغنى بين القارات والأكثر فقراً بين الشعوب فهناك من يسرق طعام إفريقيا الآن؟.
الثروات الطبيعية العظيمة لإفريقيا هي لعنتها المستمرة أول ما اكتشفه الاستعمار كان أغلى ثرواتها.. وهو الإنسان الذي تم استعباده.. كانت سفن أوروبا تنقل بضائعها إلى إفريقيا وتعود محملة بالعبيد ثم توزع ضحاياها عبر سواحل الأطلسي.
ثم بدأ الهجوم الاستعماري الأوروبي على سواحل وجزر إفريقيا وأضفى مؤتمر برلين 1884 صبغةً رسميةً على الإمبريالية الجديدة وتقاسمت 7 دول أوروبية معظم مساحة القارة السوداء وقاتل مليون إفريقي مع الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ومليونان في الحرب العالمية الثانية. كان الطلب على المواد الخام هو الدافع الأساسي للاستعمار بحثا عن المعادن والمنتجات التي أصبحت أساس الصناعة الأوروبية لكن القارة التي تملك 30 في المئة من احتياطات النفط والغاز والمعادن في العالم بلغت حصتها 1 في المئة فقط من التصنيع العالمي في عام 2011 وهي النسبة ذاتها كما كانت في عام 2000 فلماذا لا تتقدم إفريقيا في عالم يتقدم فيه الجميع؟.
السبب هو تحالف الاستعمار الجديد مع شبكات النفوذ والحرب، الاستعمار يغير ملابسه ولا يغير أسلوبه رحلت جيوش الاحتلال وبقيت شركاته، إفريقيا تتعرض للنهب من خلال شركات متعددة الجنسيات وتحويلات مالية سرية وإعفاءات ضريبية. هكذا لخص الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان المأساة في تقرير ورد فيه أن الشركات التي تحظى بمحاباة في دفع الضرائب تكلف القارة السوداء 30 مليار دولار سنويا. ليس هذا فقط عمال هذه الشركات يدفعون أكثر من المليونيرات. اكتشف عنان في زامبيا أن عمال مناجم النحاس يدفعون ضرائب بنسب أعلى من الشركات متعددة الجنسيات وقال عنان: هذا يشبه سرقة الطعام من موائد الفقراء.
بين 2009 و2019 خسرت إفريقيا بسبب الفساد نحو 1.5 تريليون دولار منها 60 في المئة نتيجة فساد الشركات متعددة الجنسيات و35 في المئة أنشطة غير قانونية لعصابات السلاح والمخدرات والأعضاء البشرية و5 في المئة رشاوى لكبار الموظفين والمسؤولين والنتيجة؟ نصيب الفرد الإفريقي سنويا من الناتج المحلي 850 دولاراً فقط. متوسط عمر الفرد 55 عاماً مقابل 85 عاماً في اليابان.
تاريخيا كانت الدول الإفريقية تحول احتياطياتها من النقد الأجنبي وتودعه في مصارف دول الاستعمار القديم واستمر ذلك إلى ما بعد الاستقلال.
مستقبل إفريقيا رغم مزاياها الواضحة يعتمد على إنشاء أنظمة مستقرة للحكم والتغلب على جيوب التطرف والعنف والاحتقان القبلي والطائفي لكن قبل كل ذلك يجب أن تتخلص إفريقيا من الاستعمار الغربي والمحلي.
كشف حساب..
جاء في تقرير نشر يوم 15 فبراير 2023 في موقع عربي بوست:
منذ القرن التاسع عشر، لم تكن فرنسا غريبة على منطقة الساحل الإفريقي، إذ استعمرت جزءا كبيرا من الشريط الإفريقي شبه الجاف في ذلك الحين، وفي عام 2013 عاد الجنود الفرنسيون للبلاد، وذلك بعد سيطرة الانفصاليين و"الجهاديين" الشماليين المسلحين على مساحات شاسعة من مالي واندفاعهم نحو العاصمة باماكو، وطلب الحكومة المالية المساعدة.
انقضت الطائرات الحربية الفرنسية وأوقفت تقدم المسلحين وشبكات التهريب العابرة للصحراء، وبعد فترة وجيزة، سار فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي آنذاك، منتصرا في شوارع مدينة تمبكتو المحررة حديثا بينما كان السكان المحليون يرقصون ويلوحون بالألوان الثلاثة للعلم الفرنسي، لكن القصة لم تتوقف عند ذلك.
يقول تقرير لمجلة Economist البريطانية إن فرنسا استغلت هذا التدخل وحولته إلى جهد لـ"مكافحة الإرهاب" أطلق عليه "عملية برخان". كان الهدف بحسب باريس هو منع "الجهاديين" في بوركينا فاسو وتشاد ومالي والنيجر من إعادة تجميع صفوفهم في مناطق نائية، حيث يمكنهم شن هجمات في غرب إفريقيا، وربما حتى أوروبا، كما يضيف مسؤولون فرنسيون في بعض الأحيان.
لكن فرنسا لم تحقق الهدف الرئيسي من تلك العملية، وهو القضاء على الجماعات المسلحة، في موقف مشابه كثيرا للحرب التي شنتها الولايات المتحدة في أفغانستان قبل 20 عاما في إطار ما سمته واشنطن "الحرب على الإرهاب".
بدأت عملية برخان بحوالي 3000 جندي فرنسي مدعومين بست طائرات مقاتلة و20 طائرة هليكوبتر، من بين مركبات دعم أخرى، تعمل انطلاقا من قواعد دائمة في تشاد ومالي والنيجر. فيما بعد تحدثت الحكومة الفرنسية عن الحاجة إلى التنمية الاقتصادية و"عودة الدولة".
وعلى مدار سنوات نمت عملية برخان بشكل مطرد، في عام 2020، سأل الرئيس الفرنسي المحبط إيمانويل ماكرون قادة المنطقة عما إذا كانوا يريدون قوات فرنسية هناك، وذهب لزيادة عدد القوات الفرنسية من 4500 إلى 5100.
كان هؤلاء مدعومين بما يقارب 1000 جندي وطائرة بدون طيار أمريكية. كما يقوم حوالي 1500 من جنود "الخوذ الزرق" التابعين للأمم المتحدة بدوريات في مالي أيضا.
عملت فرنسا مع الجيوش الإقليمية (التي عانت من خسائر فادحة) وحاولت "إضفاء الطابع الأوروبي" على هذا الجهد. أطلق الاتحاد الأوروبي برنامجا لتدريب الجيش المالي، وأرسل حلفاء فرنسا، بما في ذلك جمهورية التشيك وإستونيا، مئات من الكوماندوز إلى مهمة للقوات الخاصة تسمى "تاكوبا".
رغم ذلك، فإن الجماعات الجهادية، التي تستغل الغضب المحلي من المذابح التي ارتكبت، انتشرت وأصبحت أقوى. إحداها "جماعة نصر الإسلام والمسلمين"، المرتبطة بالقاعدة كما تقول المجلة البريطانية. وفي عام 2016، بدأت جماعة جديدة هي "تنظيم الدولة الإسلامية" في الصحراء الكبرى في شن هجمات.
تباهت فرنسا مراراً بقتل "الجهاديين"، بمن فيهم كبار القادة. ومع ذلك، فإن هذا التباهي لم يوقف تقدم المسلحين. مع تدهور الوضع الأمني، تراجعت شعبية فرنسا هناك وبدأت الاحتجاجات الشعبية تطالب بخروجها بوصف انتشارها شكلا من أشكال الاستعمار القديم. في عام 2021، كان ثلث الماليين فقط راضين بأي شكل من الأشكال عن عملية برخان. ومن بين هؤلاء المنزعجين، اعتقد 45 في المئة أن الفرنسيين كانوا متحالفين مع الإرهابيين والانفصاليين.
الغضب الشعبي من الجنود الفرنسيين، جعلهم هدفا للمجلس العسكري في مالي. بعد أن أعلن ماكرون في يوليو 2021 أن فرنسا تريد خفض عدد القوات في المنطقة إلى النصف، ردت مالي بإحضار مجموعة فاغنر الروسية. وبدلا من التلويح بالألوان الثلاثة، يحرق البعض اليوم في مالي وبوركينا فاسو العلم الفرنسي ويضرم المتظاهرون النار في صور ماكرون.
روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، تحقق في السنوات الأخيرة عدة اختراقات في مناطق النفوذ الفرنسي، من بوابة التعاون العسكري وتوريد السلاح.
ولطالما وقف الاتحاد السوفييتي إلى جانب شعوب المنطقة في التحرر من الاستعمار الفرنسي، ودعمها في مرحلة الاستقلال، قبل أن يتراجع هذا النفوذ مع نهاية الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفييتي.
وتسعى روسيا لاستثمار الفشل الفرنسي في الساحل على غرار ما فعلته في جمهورية إفريقيا الوسطى.
بتاريخ 18 مارس 2023 أكد السفير وائل نصر مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون الأفريقية بمصر، أن الغرب و خصوصابريطانيا وفرنسا وبلجيكا، أعتبر أن القارة السمراء بمثابة الحديقة الخلفية له، فأصبح يمارس الاستعمار وأساليب الفساد بها بلا أي ردع، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن لها تواجد كبير في أفريقيا، حيث اكتفت بتواجد حلفائها من الدول الأوروبية.
وأوضح وائل نصر، أن القارة السمراء كانت تعد المصدر الرئيسي من المواد الخام مثل الذهب واليورانيوم والبلوتونيوم للدول الأوروبية، وضرب المثال بإحتياطيات الذهب الكبيرة لدى فرنسا، من أين بالرغم أنها لا تمتلك منجم ذهب واحد على أراضيها، فالأمر ليس خفيا أن ذلك منهوب من الثروات الأفريقية.
وخلال تصريحاته ذكر السفير وائل نصر، أن الواقع على الأرض في أفريقيا يقول أن الإحتلال الفرنسي والإنجليزي خرج من دول القارة السمراء بالشكل العسكري، لكنه باقي على المستوى الثقافي والإقتصادي، مازالت فرنسا و بريطانيا يسيطران على الثقافة في مستعمراتهم السابقة في أفريقيا، كما أنهم يتحكمان في إقتصاد هذه الدول.
عمر نجيب