هل يعوض الغرب خسائره في أوكرانيا بالتصعيد العسكري في بلاد الشام ؟ مخاطر التقسيم والمكاسب الاقتصادية والسياسية تبدل التحالفات

أربعاء, 2022-09-07 10:13

عادت الأحداث في بلاد الشام لتأخذ مكانة متقدمة في جدول صراعات القوى الدولية الكبرى والاهتمام العالمي رغم طغيان الأخبار عن تطورات الحرب الدائرة في وسط شرق أوروبا منذ 24 فبراير 2022 وتصاعد التوتر في شرق آسيا حول جزيرة تايوان بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

الساحة السورية تشهد منذ منتصف صيف سنمة 2022 تصعيدا عسكريا متعدد الأطراف ومشاهد تحولات سياسية وتطور تحالفات.

نهاية شهر سبتمبر 2022 ستكون بداية السنة الثامنة للتدخل العسكري الروسي لدعم الجيش العربي السوري في الحرب شبه الدولية الدائرة على أرض بلاد الشام منذ منتصف شهر مارس 2011.

التدخل العسكري الروسي الرسمي في سوريا الذي بدأ يوم 30 سبتمبر 2015 نجح في تبديل مسار الحرب في بلاد الشام لصالح حكومة دمشق وذلك بعد أن أصبح الجيش العربي السوري في موقف صعب بعد حوالي أربع سنوات من القتال أمام حشد من التنظيمات المسلحة المختلفة المعززة من قبل 180 الف من المسلحين الأجانب المجلوبين من أكثر من 80 دولة حسب تقارير الأمم المتحدة والمدعومين من جانب قوى غربية هي أساسا الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وتركيا.

رغم تعثر المخططات الغربية في سوريا والتقلص الكبير لأهمية وقوة التنظيمات المختلفة المسلحة المعادية لحكومة دمشق والتي يعود الفضل في استمرار بقائها على بعض أجزاء التراب السوري إلى الحماية العسكرية والسياسية التي توفرها لها أساسا الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا، ظلت الآمال قائمة لدى مخططي البيت الأبيض من المحافظين الجدد في عكس مسار الصراع والعودة إلى استكمال تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد والقاضي بتقسيم دول المنطقة على أسس طائفية وعرقية ومناطقية إلى ما بين 54 و 56 كيانا.

ابقت واشنطن في سوريا وجودا عسكريا في التنف بنقطة التقاء حدود سوريا مع كل من الأردن والعراق وفي شرق الفرات بشكل يتفاوت بين قواعد ذات طبيعة ارتكازية ونقاط عسكرية متقدمة بين محافظتي دير الزور والحسكة لدعم المعارك والمواجهات العسكرية ومساندة قوات الانفصال الكردية "سوريا الديمقراطية" ومجموعات معادية لدمشق.

الوجود العسكري الأمريكي حرم دمشق من استكمال السيطرة على باقي أراضيها في شرق الفرات وأغلب حقول نفطها وجعل قوات الجيش السوري وحلفاؤه اللبنانيون والايرانيون معرضين بينحين وآخر لضربات من طرف القوات الأمريكية. وفي شمال سوريا ضمن التدخل العسكري التركي الذي جرى في فترات متتابعة حماية مرحلية في جيب إدلب لما تبقى من التنظيمات المسلحة المصنف غالبيتها من طرف الأمم المتحدة كإرهابية وذلك بالإضافة إلى سيطرة الجيش التركي على شريط من الأراضي على الحدود المشتركة تحت عذر تأمين تركيا من هجمات التنظيمات الكردية الانفصالية.

التحالف الأمريكي التركي في سوريا أخذ يتآكل تدريجيا بعد أن شعرت أنقرة أن الدعم الأمريكي المتصاعد لقوات قسد الكردية يهدف إلى إقامة دولة منفصلة في شرق شمال سوريا وأن ذلك الأمر إن تجسد سيقود لا محالة إلى صراع لتوسيع حدود هذا الكيان الجديد ليشمل الأراضي التركية التي يتركز فيها الأكراد الأتراك البالغ عددهم أكثر من 14 مليون نسمة.

أنقرة شرعت منذ بداية الربع الأول من سنة 2022 في إعطاء مؤشرات عن نيتها تبديل سياستها تجاه دمشق والعودة إلى سياسة صفر مشاكل وذلك في نطاق تبدل سياسي أوسع شمل السعودية ودولة الإمارات العربية وتعديل في العلاقات مع كل من واشنطن وحلف الناتو. التحول في التوجهات السياسية التركية ولد صدمة ليس لدى واشنطن بمفردها بل لدى أطراف أخرى معادية لدمشق وخاصة إسرائيل ولندن.

واشنطن وتل أبيب وسعتا عملياتهما العسكرية المناهضة لدمشق منذ بدء العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا بتاريخ 24 فبراير 2022، وهناك تقديران للهدف من هذا التصعيد وهو الضغط على الكرملين وشغله بإمكانية توسع المواجهات على الساحة السورية حتى الوصول بها إلى حرب إقليمية شاملة وكذلك عرض مقايضة على موسكو.

 

إسرائيل ومطارات سوريا

 

أعلن مركز المصالحة الروسي، التابع لوزارة الدفاع الروسية، أن 8 مقاتلات إسرائيلية، من طراز “أف – 16″، هاجمت يوم الأربعاء 31 أغسطس، على أهداف في سوريا. 

وذكر نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة، اللواء أوليغ إيغوروف، إنّ “8 مقاتلات تكتيكية من طراز “أف-16″، تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، قامت بالهجوم من دون دخول الأجواء السورية”، موضحا أن “الدفاعات الجوية السورية نجحت في تدمير 3 صواريخ إسرائيلية”.

وأفاد إيغوروف بأن الهجوم الإسرائيلي أسفر عن إصابة 5 جنود سوريين، وتدمير هوائي منظومة الدفاع الجوي السورية، “أس – 125″، ومستودعَي معدات عسكرية، كما تضرر مدرج لا يعمل في مطار النيرب في حلب.

بعد ذلك بفترة قصيرة جاء في تقرير نشر في واشنطن بتاريخ الأول من سبتمبر 2022:

بفارقٍ زمني لم يتجاوز الساعة شهدت محافظتي حلب ودمشق السوريتين، ليلة الأربعاء 31 أغسطس 2022، ضربات صاروخية نسبت لإسرائيل، واستهدفت في الأولى المطار الدولي، بينما في الثانية مواقع عسكرية ملاصقة للمطار الدولي أيضا.

ويعطي هذا القصف المزدوج والمتزامن مؤشرا على "تغير" بدا يطرأ على سياسة الضربات الإسرائيلية في سوريا، حسب مراقبين، وذلك ما يرتبط بنوعية المناطق المستهدفة من جهة، وحالة التواتر بينها من جهة أخرى، فضلا عن السياق العام الذي تأتي فيه كل هذه التطورات.

على مدى السنوات الماضية لم تتوقف الضربات "الإسرائيلية" على المواقع العسكرية التابعة للجيش السوري وإيران في سوريا.

وبينما انسحبت أهداف هذه الضربات على معظم المحافظات السورية، من الجنوب إلى الوسط والشمال، بقيت المطارات بعيدة عن القصف المركز والمباشر، وصولا إلى شهر يونيو من عام 2022.

وقبل ثلاثة أشهر تعرض مطار دمشق الدولي لضربات صاروخية إسرائيلية، ما أسفر عن خروجه عن الخدمة لأكثر من أسبوعين، بسبب الضرر الكبير الذي حل بمدارجه، ووثقته صور أقمار اصطناعية.

وكانت تلك الحادثة هي الأولى من نوعها التي يخرج فيها مطار العاصمة عن الخدمة لأسابيع، وكذلك الأمر الآن بالنسبة لمطار حلب الدولي، والذي يعتبر استهدافه ليلة الأربعاء الأول من نوعه، منذ بداية عام 2022. 

انتشرت ثلاثة روايات، من الجانب السوري والإيراني، إضافة إلى تلك التي استعرضتها وسائل الإعلام الإسرائيلية وتركزت على وصول طائرات من إيران تحمل أسلحة.

حادثة مطار حلب ومحيط العاصمة دمشق هي الثالثة من نوعها خلال أسبوع، إذ سبق هاتين الضربتين قصف إسرائيلي استهدف مواقعا في منطقة مصياف بريف حماة الغربي، ومناطق أخرى في الساحل السوري.

 

تدهور علاقات

 

الباحث الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل ذكر أن القصف الإسرائيلي الذي حصل يأتي ضمن "مواصلة حملة إسرائيل السرية الطويلة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا"، إلا أنه يعتبر "غير اعتيادي"، لأنه طال "مطارات مدنية"، كانت في وقت قريب "محظورة نسبيا على الضربات". 

ويقول بوهل لموقع "الحرة": "هذه الحادثة تشير إلى أن إسرائيل تحاول تثبيط استخدام إيران لهذه المطارات على الرغم من الخطر على الطائرات المدنية". 

كما تشير أيضا بجزء منها إلى خلفية "تدهور العلاقات الإسرائيلية الروسية"، موضحا: "تمتلك روسيا القدرة على استخدام نظام S-400 لإغلاق المجال الجوي السوري أمام الطائرات الإسرائيلية، وقد احتجت على الضربات الإسرائيلية لمطار دمشق ودعت في الواقع إلى إنهاء جميع الضربات". 

ولطالما ادعت تقارير إسرائيلية وغربية أن مطار حلب ودمشق يستخدمها "الحرس الثوري" الإيراني، لنقل شحنات أسلحة إلى سوريا، ومن ثم إلى لبنان، وهو ما تنفيه طهران، مؤكدة أن نشاطها في سوريا يقتصر على "المستشارين". 

كما جاءت الضربة بعد أسبوع من تبادل القصف بين القوات الأمريكية والميليشيات المعادية للغرب في محافظة دير الزور، شرقي البلاد.

المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن تحدث أن "إسرائيل ما تزال تؤكد من جانبها على أن التمركز الإيراني في سوريا غير مقبول، وأن عمليات نقل الأسلحة المتطورة من جانب الميليشيات الإيرانية لا يمكن أن تستمر بسهولة وبدون رد".

وفي واشنطن وتل أبيب يقدر أنه لا يزال من الممكن أن تؤدي هذه الهجمات إلى تفاقم العلاقات الإسرائيلية الروسية وتحفيز جولة أخرى من المضايقات للقوات الأمريكية داخل سوريا، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى ضربات أمريكية على أهداف في سوريا.

يذكر أنه في وقت سابق يوم الأربعاء 31 أغسطس، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لبيد والرئيس الأمريكي بايدن. وجاء في البيان الذي نشره رئيس مجلس الوزراء أن الاثنين "بحثا آخر الأحداث والأنشطة الإرهابية لإيران في الشرق الأوسط وخارجه". وأضاف لبيد "في هذا السياق هنأت الرئيس على الضربات الأمريكية الأخيرة في سوريا". 

قبل ذلك ويوم 22 أغسطس أدان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف "الهجمات الصاروخية" التي تنفذها إسرائيل في سوريا.

وقال في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره السوري فيصل مقداد، إن روسيا تواصل دعم سوريا وتتوقع أن تحترم إسرائيل السيادة السورية، مضيفا: "نطالب إسرائيل باحترام قرارات مجلس الأمن وقبل كل شيء احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها".

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد صرح إن إسرائيل تلعببالنار وتعرِض الأوضاع الأمنية والعسكرية بالمنطقة للتفجيروستدفع الثمن، سوريا لن تسكت في مواجهة الإعتداءاتالإسرائيلية، وسيدفع الإسرائيليون الثمن عاجلا أم آجلا.

ومنذ بداية العام الحالي بدا ملاحظا "التطور الذي طرأ على الضربات الإسرائيلية في سوريا"، قياسا بالأعوام السابقة، ويتوقع في واشنطن أن "تشهد المرحلة المقبلة زخما في الغارات".

بدوره يرجح الباحث الأمريكي، راين بوهل أنه "سيتم تحفيز إيران لإيجاد طرق جديدة للرد على إسرائيل كرد على الضربات"، لكن "من غير المرجح أن تلاحق إسرائيل، خوفا من أن يؤدي ذلك إلى اندلاع حرب إقليمية". 

بدلا من ذلك، "فإن مضايقة القوات الأمريكية القريبة هي أحد الخيارات". ويضيف بوهل: "محاولة ضرب أهداف إسرائيلية في دول ثالثة أمر آخر، وكذلك الهجمات الإلكترونية ضد البنية التحتية الحيوية لإسرائيل". 

ويرى الباحث أن الإيرانيين "سيكافحون من أجل إيجاد جبهة معادية للهيمنة الجوية الإسرائيلية في سوريا، لكنهم قد يضغطون على روسيا لتهديد الإسرائيليين بنظام S-400 الخاص بهم لتعقيد العمليات للإسرائيليين في تلك البلاد". 

أما المحلل الإسرائيلي، يوآف شتيرن فيرى أن "كل قصف إسرائيلي سيؤثر على الجانب الروسي، وعند الحديث عن قصفين فهذا يدل على الحاجة الملحة للتنسيق بين إسرائيل وموسكو". 

وبالنسبة لإيران فإن "المعادلة هي أكبر"، وفق شتيرن الذي يشير: "إحدى النقاط التي تقولها إسرائيل وأمريكا أنه لا يمكن الوصول وبناء الثقة مع إيران، بينما تستمر الأخيرة في بناء قدرات هجومية من الأراضي اللبنانية والسورية". 

ويعتقد المحلل الإسرائيلي أن "إسرائيل لا تقبل أن تتم تسوية مع إيران على حساب مصالحها. هي تدافع عن حقها في الدفاع عن نفسها"، حسب تعبيره. 

 

الجديد في الاشتباكات

 

جاء في تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية نشر خلال الثلث الأخير من شهر أغسطس 2022 بعد الغارات الجوية الأمريكية في سوريا، إن هذا الحدث يعد مهما لأنه يسلط الضوء على استعداد الولايات المتحدة للتعامل مع إيران وشركائها في سوريا، رغم أنه يأتي وسط احتمالية أن تعيد واشنطن وطهران إحياء الاتفاق النووي الإيراني.

في وقت مقارب ذكر تقرير لموقع Responsible Statecraftالأمريكي أن الإبقاء على القوات الأمريكية داخل سوريا يمثل خطا فادحا، فشلت الإدارات المتعاقبة في تصحيحه. وكلما طال أمد بقاء القوات الأمريكية داخل سوريا بشكلٍ غير قانوني، زادت احتمالية أن تسفر إحدى تلك الاشتباكات عن خسائر، كان بالإمكان تجنبها. 

وربما تشعر إدارة بايدن بالتردد في سحب القوات من دولةٍ أخرى بعد ما حدث أثناء الانسحاب الفوضوي المذل من أفغانستان، لكن وجودهم المتواصل في سوريا يحولهم إلى أهداف لا تفعل شيئالزيادة تأمين الولايات المتحدة. فما السبب وراء اندلاع القتال الأخير؟.

الإجابة هي الهجوم الذي وقع في 15 أغسطس على قاعدة التنف، والذي جاء على الأرجح كردٍ انتقامي على قصف إسرائيل لمناطق أخرى من سوريا قبلها بساعات. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض خلالها القوات الأمريكية لنيران الميليشيات ردا على قصف إسرائيل لسوريا.

ونقلت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية في يونيو 2022 أن إسرائيل تنسق مع الولايات المتحدة قبل تنفيذ العديد من ضرباتها الجوية داخل سوريا، وتحدث هذه الهجمات بمعرفة وموافقة الحكومة الأمريكية. أي إن القوات الأمريكية تتعرض للخطر بسبب الحكومة الإسرائيلية التي تشن حرب ظلٍ مزعومة ضد الأهداف الإيرانية في سوريا.

في الوقت ذاته، أدت الاشتباكات المتكررة في سوريا إلى تصعيد التوترات مع إيران والتهديد بتقويض المفاوضات النووية الجارية معها.

لكن موقع Responsible Statecraft الأمريكي يقول، إن إسرائيل لم تخفِ عداءها للاتفاق النووي، وضغطت باستمرار لإفشاله قبل إبرامه للمرة الأولى. ومن المحتمل أن يكون الغرض من توقيت الضربات الأمريكية الأخيرة هو "طمأنة" المسؤولين الإسرائيليين، الذين يزورون واشنطن، إلى أن إحياء الاتفاق النووي لن يمنع إدارة بايدن من استخدام القوة ضد وكلاء إيران.

لكن إدارة بايدن ستكون مخطئة إذا اعتقدت أن استعدادها لقصف الأهداف في سوريا سيخفف عنها مقاومة الحكومة الإسرائيلية للاتفاق النووي، كما يقول الباحث الأمريكي دانيال لاريسون في Responsible Statecraft.

وربما يؤمن العديد من المسؤولين الإسرائيليين بأن إحياء الاتفاق النووي سيصب في مصلحة إسرائيل، وفقاً لتصريحات المسؤولين السابقين علنا مثل إيهود أولمرت، لكن القيادة السياسية لن تتخلى عن رفضها المتعصب. أي إنه لا جدوى من بذل الجهود لـ"طمأنة" حكومة عازمة بكل ما تملك على رفض الطمأنينة.

 

تورط واشنطن

 

لا شك أن التحرك الأمريكي العسكري الأخير في سوريا ستكون له تداعياته على الجدل القائم حول صلاحيات الحرب وسلطات الرئيس أيضا. ويمكن القول إن الضربات الأمريكية الأخيرة في سوريا تعتبر موضع شك من الناحية القانونية في أفضل الأحوال، كما يقول لاريسون.

إذ لم يصرح الكونغرس بالتواجد العسكري الأمريكي في سوريا، ولا يوجد تفويض دولي لهذا التواجد. كما يصعب التعامل مع الغرض الظاهري من نشر القوات في سوريا بجدية. إذ إن هذا الغرض هو مكافحة ما تبقى من مسلحي داعش، لكن داعش لم تعد تمثل تهديدا بالقدر نفسه اليوم، فضلاً عن أن التهديد الرئيسي للقوات الأمريكية في تلك القواعد يأتي من القوات الموالية لإيران والحكومة السورية. 

ومن المؤكد أن الانسحاب من سوريا سيمثل وفاء من الرئيس بايدن بالتزامه أن ينهي حروب الولايات المتحدة الأبدية، كما سيقضي على فرصة وقوع حوادث جديدة يمكن أن تنفجر وتتحول إلى صراعٍ أكبر. وإذا بقيت القوات الأمريكية داخل سوريا، فستكون مسألة وقت فقط قبل أن يتعرض جنود الولايات المتحدة للإصابة أو القتل، وليس هناك أي سبب مقنع لهذه المخاطرة.

وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد صرح يوم الخميس 25 أغسطس، إن الضربات الجوية التي وجهتها واشنطن لأهداف مرتبطة بإيران في سوريا جاءت لحماية الأفراد الأمريكيين والدفاع عنهم وعرقلة سلسلة هجمات على الولايات المتحدة وشركائها.

وفي رسالة إلى رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، ذكر بايدن إنه أمر بضربات يوم الثلاثاء 23 أغسطس "بما يتسق مع مسؤوليتي في حماية مواطني الولايات المتحدة في الداخل والخارج وتعزيز الأمن القومي للولايات المتحدة ومصالح السياسة الخارجية".

وأكدت القيادة المركزية الأمريكية، أن قواتها استخدمت مروحيات أباتشي ومقاتلات ونيران مدفعية في الرد الذي أسفر عن تدمير سبعة قواعد لإطلاق الصواريخ. وأضاف قائد القيادة الجنرال كوريلا إن القوات الأمريكية سترد بشكل مناسب على الهجمات التي تستهدفها، ولن تضرب أي مجموعة القوات الأمريكية وتبقى بدون عقاب.

رسميا يوجد 900 جندي أمريكي في سوريا، بمن فيهم جنود من الفرقة الجبلية العاشرة التابعة للجيش، الذين كانوا يدربون قوة في ثكنة التنف التي تقاتل الجيش السوري.

 

قواعد تحت النار

 

يوم السبت 3 سبتمبر 2022 أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بتثبيت القوات الأمريكية قاعدتها العسكرية الثالثة في القامشلي بريف الحسكة، شمال شرقي سوريا.

وذكر المرصد، الذي يتخذ من لندن مقرا له والمدعوم غربيا، في بيان صحفي، إن ذلك جاء بعد تثبيت القوات الأمريكية قاعدة عسكرية في قرية نقارة، على مسافة ثلاثة كيلومترات جنوب غرب القامشلي.

ووفق المرصد، تتوزع بقية القواعد في كل من قرية هيمو، أربعة كيلومترات شمال غربي القامشلي، وتل فارس، ثلاثة كيلومترات جنوب غربي القامشلي، بمحاذاة نهاية مهبط مطار القامشلي.

بعد ذلك بأقل من 24 ساعة ذكر تقرير نشره موقع صحيفة "رأي اليوم" الصادرة في لندن يوم 4 سبتمبر 2022:

من خلال التحركات الميدانية من الواضح ان القوات الأمريكية في سوريا بدأت الاستعداد لمرحلة قادمة صعبة، بعد ان تم التأكد بأن الهجمات على القواعد التي تتمركز بها شمال شرق وشرق سوريا ليست احداثا عابرة، انما بداية مسار سوف يستمر وقد يتصاعد ويأخذ اشكالا مختلفة. بدأ بقصف الصواريخ عن بعد، وارسال الطائرات المسيرة المفخخة، وقد لا يستمر هذا الشكل من الاستهداف، والأرجح انه سوف يتطور بعد ان تكتمل البنية العسكرية واللوجستية وهياكل واليات العمل. لتتحول إلى اشكال أخرى من الاستهداف ربما تأخذ شكل زرع العبوات، ونصب الكمائن، والوصل الى جغرافيا قوافل الامداد والطرق وغيرها من أساليب المقاومة وحرب العصابات التي تتقنها قوى وفصائل تحالف المقاومة وخبرتها بشكل عملي في العراق، وجنوب لبنان، ضد القوات الأمريكية والقوات الإسرائيلية، وحققت نتائج كبيرة.

وقد جاءت الهجمات يوم 3 سبتمبر على القاعدة الأمريكية في حقل العمر في ريف دير الزور لتضفي على المشهد المزيد من الوضوح، ولتأكد ان الهجمات هي مسار وقرار وليست ردات فعل موسمية. وتصاعدت السنة الهب من القاعدة ما يعني ان الصواريخ اصابت اهدفها داخل القاعدة، دون ان يتم الإعلان عن خسائر بشرية جراء الهجوم. لكن مصادر متقاطعة قالت ان سيارات اسعاف هرعت الى داخل القاعدة وتحديدا الى المنطقة السكنية الملحقة بها، والتي يتخذها الجنود الأمريكيين مقرا لاقامتهم.

وتصاعدت وتيرة الهجمات على القواعد الامريكية المنتشرة شرق سوريا وشرق الفرات منذ بداية شهر أغسطس 2022، وتعرضت قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية لهجمات بثلاث طائرات مسيرة، كما تعرضت القاعدة الامريكية في حقل العمر لهجمات مماثلة نهاية أغسطس، وفي الخامس والعشرين من أغسطس تعرضت القاعدة الامريكية في حقل ” كونيكو” لهجمات بالصواريخ، ما دفع القوات الامريكية لشن غارات عنيفة على مواقع ومخازن سلاح تابعة لقوات حلف المقاومة بأمر مباشر من الرئيس الأمريكي جو بايدن.

وعلى الاغلب ادركت الولايات المتحدة حقيقة المشهد المقبل، وبدأت تحركاتها استعدادا لمرحلة المواجهة المقبلة. وقد وصلت تعزيزات عسكرية أمريكية إلى بلدة اليعربية التابعة لمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا. وقالت تقارير إعلامية نقلا عن مصادر محلية ان قوافل الامداد الأمريكي دخلت من معبر التنف قادمة من الأراضي العراقية. وقد احتوت القوافل ذخائر واليات، وكتل اسمنتية، معدات لحماية الافراد ودخلت القاعدة الامريكية في منطقة الشدادي في ريف الحسكة شمال شرق سوريا. بالمقابل اعادت القوات التابعة لمحور المقاومة في سورية انتشارها في المنطقة الشرقية، وبدلت مواقعها، تحسبا لرد القوات الامريكية الانتقامي.

وتتشارك القواعد الامريكية مع تل ابيب المعلومات الاستخبارية عن الداخل السوري، ما يعطي لإسرائيل المزيد من الفرص في ضرب اهداف داخل سوريا، ولذلك بات الضغط لاخراج القوات الامريكية من سوريا هدفا واضحا.

 

قانون قيصر

 

تواجه سياسة الولايات المتحدة من أجل تعزيز عزل سوريا عربيا ودوليا تحديات متعددة.

فمنذ أشهر عديدة ارتفعت وتيرة إقبال دول عربية على إعادة علاقاتها مع حكومة دمشق، فيما يبدو كأنه إطار تطبيع متسارع حيث قامت كل من الإمارات والبحرين بفتح سفارتيهما في دمشق، لتنضما إلى مجموعة من الدول العربية التي لم تغلق سفاراتها أساسا، مثل مصر والأردن والعراق وعمان والجزائر.

في واشنطن ولتخفيف وقع تعثر سياسة البيت الأبيض تشير أوساط دبلوماسية إن بايدن أعطى تأكيدات صريحة بأنه لن يعاقب المطبِعين مع دمشق بموجب "قانون قيصر"، بحجة أن 10 سنوات من العزلة والضغط على الرئيس بشارالأسد لم تسفر عن أي تقدم في التسوية السياسية، وأن "الانخراط العربي يمكن أن يضعف القوة الإيرانية في سوريا".

ويروج غربيا أن ثمة سعي حثيث من طرف إدارة بايدن نحو ترتيب عملية سياسية جديدة في سوريا، وشرق الفرات على وجه الخصوص، ويدعى أن ذلك قد تجلَى بوضوح من خلال حفاوة استقبال الأمريكان لوفد "قسد" برئاسة إلهام أحمد، مقابل تجاهل شبه تام لوفد ما يسمى المعارضة السورية، المشكَّلة من الائتلاف الوطني السوري وهيئة التفاوض وذلك بعد ان تم استهلاكهما.

يوم الجمعة 2 سبتمبر 2022 وفي مؤشر جديد على تحول جذري في سياسة أنقرة قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إن الألاعيب تمارس على المسلمين في جميع أنحاء العالم منذ مدة. وفي كلمة خلال اجتماع لحزبه العدالة والتنمية بإسطنبول أضاف: “قسموا العراق بهذا الشكل على دماء مليوني إنسان، وجعلوه على شفا الانقسام مرة أخرى، وهكذا قسموا سوريا على دماء مليون نسمة، وجزأوها، وما زالوا يواصلون الألاعيب نفسها”.

يذكر أنه خلال عقد التسعينات صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية "مادلين أولبرايت"، بأن تركيا أكبر من أن تبقى دولة خاصة بالأتراك فقط.

كما إن الضابط الأمريكي المتقاعد "رالف بيترز"، كان قد نشر المخطط الأمريكي لتقسيم الشرق الأوسط، عبر مقاله المنشور بمجلة القوات المسلحة الأمريكية في عددها الصادر في يونيو 2006، مشيرا إلى أن العديد من الأقليات نالها ظلم فادح، أثناء عملية تقسيم الشرق الأوسط بموجب معاهدة سايكس بيكو، والآن هو الوقت المناسب لإرجاع الحقوق المسلوبة إلى هذه الأقليات.

وذكر بيترز أن شيعة العراق وأكراده، وأكراد تركيا، وغيرهم يمكن لهم تأسيس دول مستقلة، موضحا أن العراق أولى الدول الذي يمكن أن تنقسم، حيث ستصبح هناك دولة كردية وشيعية وأخرى سنية.

 

بكين حليف جديد

 

تراقب واشنطن بقلق بالغ الحضور المتنامي للصين في الشرق الأوسط مع تحول سياستها لتكون "لاعبا مركزيا" في قضايا المنطقة، مما يمثل تحديا للنفوذ الأمريكي اساسا والغربي عامة.

رغم أن بكين لم تنشر قواتها في سوريا مثل روسيا، فقد كانت داعما مخلصا بشكل علني لدمشق على الساحة الدولية، وتحدت الضربات الجوية الغربية ودافعت عن دمشق في الأمم المتحدة.

من بين 16 مرةً استخدمت فيها الصين حق الفيتو في مجلس الأمن، كانت 10 مرات منها لحماية سوريا، تقول ناتاشا هال الباحثة في مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية: "ترى الصين في الرئيس السوري الأسد الشخص الذي سيحكم سوريا في المستقبل، والنظام في حاجة ماسة لهذا الدعم الدبلوماسي".

في الثاني عشر من يناير 2022، وقع رئيس هيئة التخطيط والتعاون الدولي في سوريا مذكرة تفاهم مع السفير الصيني بهدف ضم سوريا رسميا لمبادرة الحزام والطريق، الأداة الصينية الممولة بقيمة تريليون دولار أمريكي بهدف التنمية الاستراتيجية في آوراسيا وإفريقيا. إن انضمام سوريا إلى مبادرة الحزام والطريق يغذي التكهنات حول طموحات الصين المستقبلية في سوريا. يرى بعض المحللين أن إدراج سوريا في المبادرة يعد بمثابة ضمان للاستثمار الصيني في نهاية المطاف بغية حماية مصالحها الإقليمية. يستنتج آخرون أن النفور التاريخي للقيادة الصينية من المخاطر الجيوسياسية سيؤخر إلى أجل غير مسمى، أو يحبط بالكلية، المشاركة الفعالة للصين في سوريا الدولة التي ما زالت غير مستقرة.

رغم أن عدم وضوح المسألة يعد أمرا مفهوما، فإن هنالك مؤشرات ملموسة تسلط الضوء على المشاركة الاستراتيجية المتغيرة للصين خلال زمن الحرب في سوريا. على سبيل المثال وحسب مصادر بريطانية، يقدم الدعم الإنساني دراسة حالة لتعاون بكين المركَز مع الحكومة السورية. يمكن القول بأن دعما كهذا يتضمن التزامات متعددة الأطراف والتزامات ثنائية ضعيفة التقييم ومساعدات تقنية وعينية يقدم منظومة بيانات متكاملة لفهم تطور العلاقات السياسية الصينية مع سوريا، مما يسمح بإجراء مقارنات على أساس سنوي في مختلف مراحل النزاع.

إن تقديم تقييم نهائي لرؤية الصين لدورها طويل الأمد في سوريا ليس ممكناً بعد، لكن بعض عناصر نهجها بدأت بالظهور على السطح في عام 2017 أو قبل ذلك. تزامن هذا التحول مع سيطرة الحكومة السورية على مدينة حلب في ديسمبر 2016، والتي يمكن القول أنها نقطة تحول حاسمة أعادت سيطرة الدولة على المركز الاقتصادي التقليدي للبلاد. وفي الفترة اللاحقة لذلك، تمت إعادة تشكيل المساعدات الإنسانية الصينية بشكل حاسم بطريقة جعلتها رمزاً لتحول واسع في السياسة العامة بين الحكومتين، مما مهد الطريق لتوافق وثيق بين دمشق وبكين. عكس هذا التحول مساره بعد سنوات عديدة كان فيها دعم الصين الخطابي والدبلوماسي لدمشق، مثل مساعداتها الإنسانية، محسوبا ورمزيا في كثير من الأحيان. يشير تحليل هذه الاتجاهات إلى مقاربة مؤلفة من قسمين إزاء المشاركة الاستراتيجية للصين في سوريا. أولاً، تم ضخ الدعم الإنساني مباشرة إلى الحكومة السورية التي تبدو آمنة، لإيصال دعم سياسي قيم لدمشق عندما كانت لا تملك إلا القليل من الشراكات الدولية المستقرة. ثانياً، الروابط المدفوعة بهذا الدعم تمت معايرتها لتمهد الطريق أمام استثمار مستقبلي في القطاع الخاص، والذي تعول عليه دمشق كحافز لإنعاش الاقتصاد بشكل واسع، خصوصا في مجال الصناعة.

بطبيعة الحال، ستؤدي الحقائق الميدانية والعقوبات والمخاطر السياسية الخفية إلى تعقيد عملية الاستثمار في سوريا، من قبل الجهات الحكومية أو الشركات الخاصة في المستقبل المنظور. إلا أن أطر المشاركة التي تبلورت بالفعل تبدو قادرة على تبديد الشكوك حول رغبة الصين في أداء دور اقتصادي مهم في مرحلة ما بعد الصراع في سوريا، لكن تحديد حجم هذا الدور بدقة هو مسألة قائمة على عوامل خارجية كالعقوبات وعناصر أخرى من المخاطر الجيوسياسية. في نهاية المطاف، ستبقى الأسئلة المتعلقة بدور مبادرة الحزام والطريق كأداة لاستثمار كبير للحكومة الصينية في سوريا كاستخدامها لضمان الوصول إلى ميناء طرابلس اللبناني دون إجابة.

 

عمر نجيب

[email protected]