هل تحسم حرب أوكرانيا الثانية بطريقة معركة القرم 2014...؟ وحدة حلف الناتو في مواجهة تحد برد الشتاء والأزمة الاقتصادية

ثلاثاء, 2022-08-30 14:30

تقترب بعض جوانب المواجهة العسكرية الدائرة وسط شرق أوروبا منذ 24 فبراير 2022 من أجزاء من صورة الصراع المسلح الروسي الأوكراني لسنة 2014 عندما استعادت روسيا في مواجهات استمرت زهاء شهر شبه جزيرة القرم وضمتها بعد إجراء استفتاء. في سنة 2014 لم تكن كييف تتمتع بنفس حجم وزخم الدعم الغربي الذي تحصل عليه منذ فبراير 2022 كما كانت العقوبات أو الحصار الغربي على روسيا أقل شدة وتعميما.

أحد أوجه الشبه بين 2014 و 2022 هي أن القوات المسلحة الروسية وكما حدث في القرم توقفت تقريبا منذ نهاية شهر يوليو 2022 عن السعي للسيطرة على مزيد من الأراضي بعد أن احكمت قبضتها على زهاء 25 في المئة من مساحة أوكرانيا الكلية وضمنت تأمين أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين اللتان اعلنتا الاستقلال عن أوكرانيا في سنة 2014 ولكن لم تتمكنا في ذلك الحين في السيطرة على مجموع أراضيهما.

هناك تفسيران لتوقف القوات الروسية عن شن عمليات هجومية واسعة، الأول وهو الذي تروج له بعض وسائل الإعلام الغربية ويفيد بأن تدفق الأسلحة الغربية وخاصة الأمريكية على أوكرانيا مكن كييف من وقف التقدم الروسي وأنهك جيش موسكو والحق به خسائر كبيرة، ويضيف أنصار هذا التفسير أن كييف وبهجمات مضادة ومساعدات عسكرية أكبر يمكن أن تجبر الروس على التراجع وتفرض عليهم تسوية، ويشير هؤلاء كذلك إلى أن الكرملين يعول عل شتاء قاس خلال أسابيع مما سيجمد المواجهات ويعطي أفضلية للقوات الروسية كما يراهن الرئيس الروسي بوتين على أن الشتاء الشديد البرودة وأزمة الاقتصاد سيشغلان دول الناتو ويضعف دعمها لكييف.

اصحاب التفسير الآخر يقولون أن الرئيس الروسي بوتين ومنذ البداية لم يكن يخطط للسيطرة على كل أوكرانيا، وأنه كما فعل في سنة 2014 يسعى للسيطرة على المناطق التي يشكل الروس غالبية سكانها وضمها بعد استشارة سكانها في إستفتاء، ويشير هؤلاء أنه منذ شهر مارس الماضي تقدر القيادة العسكرية والسياسية في موسكو أن أوكرانيا قد تم استنزافها عسكريا وصفيت أغلب قواتها وقدراتها العسكرية الصناعية وأن الألة العسكرية لكييف تقتصر الآن وبنسبة 70 إلى 80 في المئة على المجندين الجدد الذين يحتاجون لأشهر طويلة ليصبحوا قوة عسكرية فعالة. ويضيف أصحاب هذا التفسير أن الكرملين وبعد أن طبق تكتيك القضم التدريجي على أراضي الخصم ينتظر وراء خطوطه الثابتة على أرض المعركةّّّّّ

إفرازات الأزمات الاقتصادية المستفحلة في جل دول أوروبا من تصدع متانة التحالف مع الولايات المتحدة وزيادة الغضب الشعبي خاصة في دول الاتحاد الأوروبي والتبدل المحتمل لبعض حكوماتها وتأزم مشاكل الطاقة وارتفاع أسعار المعيشة والتضخم الذي يقود إلى الركود الاقتصادي، زيادة على كل ذلك يقدر استراتيجيوا الكرملين وحتى غيرهم أن الدول الحليفة في الناتو ستصل إلى مرحلة العجز عن تقديم مزيد من المعونات العسكرية والاقتصادية لكييف وإلا وجهت ضربة قاسية لاقتصادها، كما أن هذه الأطراف أصبحت تدرك أن حربها الاقتصادية ضد روسيا قد تعثرت إن لم تكن قد فشلت بنسبة عالية.

هناك أمر مشترك يتفق عليه أصحاب التفسيرين السابقين وهو أن إفرازات الحرب المحدودة الدائرة حاليا يمكن أن تعيد اشعال الصراعات الترابية المدفونة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. بولندا ترى أن جزء من اراضيها ضم إلى أوكرانيا والمانيا المنهزمة في الحرب العالمية الثانية اجبرت على التخلي عن بعض أراضيها لبولندا ودول أخرى وهناك أمثلة أخرى عديدة. 

تم ضم المناطق الشرقية من ألمانيا إلى بولندا وهي جزء من غرب بروسيا، وجزء من سيليزيا، وشرق بوميرانيا، وشرق براندنبورغ، ومدينة دانتسيغ الحرة غدانسك، ومنطقة شيتسين، وهي ما يطلق عليها في بولندا "الأراضي المستصلحة".

في أواخر أبريل 2022، أعلن مدير المخابرات الخارجية الروسية، سيرغي ناريشكين، في بيان رسمي، عزم بولندا على فرض سيطرتها العسكرية والسياسية على أوكرانيا الغربية بمباركة من واشنطن في حالة انهيار حكومة كييف. وبحسب ناريشكين، سوف يجري البولنديون العملية تحت شعار "الحماية من العدوان الروسي"، لكن من دون تفويض من الناتو.

فكرة الاتحاد الأوروبي وجدت وطبقت من أجل تجاوز هذه الخلافات وغيرها والآن يمكن أن يخرج الأمر مرة أخرى خارج السيطرة.

وسط هذا الصراع تلعب الآلة الدعائية دورا هاما ومؤثرا وهو ما يفسر تركيز الغرب على هذه الأداة لأنها تمكنه من تحقيق بعض المكاسب داخليا في دوله وخارجيا لكسب بعض المترددين في اختيار الحلفاء كما تخفي جزء من الانكسارات التي تلحق بالتحالف الغربي.

 

حملة رقمية “سرية”

 

جاء في تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني يوم 26 أغسطس 2022:

تواجه الولايات المتحدة اتهامات بتمويل حملة رقمية على فيسبوك وإنستغرام وتويتر ومنصات اجتماعية أخرى إضافة إلى صحف ومحطات إذاعة وتلفزة في كثير من دول العالم، تستهدف آسيا الوسطى والشرق الأوسط للترويج للروايات المناصرة للغرب، وفقالدراسة أجراها مرصد ستانفورد للإنترنت تحمل عنوان "تقييم خمس سنوات من عمليات التأثير السرية المناصرة للغرب".

ووجدت الدراسة أن هذه الحسابات انخرطت في "أساليب خادعة" للترويج لخطابات مناصرة للغرب في الشرق الأوسط وآسيا، وأفادت الدراسة، إن هذه الحملات جزء من مهمة أكبر لا تقتصر على تعزيز مصالح الولايات المتحدة وحلفائها فقط، ولكن معارضة روسيا والصين وإيران أيضا.

وأُجريت هذه الدراسة بالاشتراك مع شركة Graphika للمعلومات الأمنية التي ترسم خرائط للمجتمعات والمحادثات في فضاء الإنترنت على مستوى العالم.

وفي المنطقة الشرقية من العالم كان التركيز الرئيسي لهذه الحملات على إيران وأفغانستان ومجموعة شرق أوسطية ناطقة بالعربية، تضم مجموعات فرعية عراقية وفلسطينية وسعودية. بينما كان حوالي 45 في المئة من هذه الحملات الإلكترونية يستهدف إيران، في إشارة لمدى أهميتها للولايات المتحدة.

أحدث هذه الحملات كانت تنشر أيضا محتوى من وسائل إعلامية أمريكية ممولة من الدولة مثل صوت أمريكا وراديو أوروبا الحرة، بالإضافة إلى روابط لمواقع إلكترونية يمولها الجيش الأمريكي.

 

تحذير من انتصار روسيا

 

حذر ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو"، من تراخي الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، وذلك بعد مضي ستة شهور على بدء الحرب.

وفي مقابلة مع القناة الثانية بالتلفزيون الألماني “زد.دي.إف”، قال ستولتنبرغ يوم الثلاثاء 23 أغسطس: “لا أقول إن الأمر سهل، فهو يتطلب عملا شاقا”، وأضاف، في المقابلة ذاتها، أنه يبذل، بالتعاون مع زعماء آخرين من الحلف، جهودا من أجل ضمان استمرار الدعم.

وصرح سولتنبرغ بأن الولايات المتحدة الأمريكية أفرجت للتو عن 800 مليون دولار جديدة لشحنات أسلحة إلى أوكرانيا.

ورأى المسؤول ذاته أنه “لا يوجد بديل لدعم أوكرانيا”، وقال: “الثمن الذي سندفعه في حال لم ندعم أوكرانيا، وفي حال انتصار روسيا، سيكون أكبر كثيرا”.

وحذر ستولتنبرغ من أن عدم التحرك سيوحي بأن “الأعمال العدوانية والعسكرية كانت لها جدواها”، وفق تعبيره، وقال إن “هذا الأمر من شأنه أن يخلق عالما أكثر خطورة بالنسبة للجميع”.

وكان الأمين العام لحلف الناتو قد ذكر قبل أسابيع أن دعم أوكرانيا يعتبر خيارا أخلاقيا، موضحا أن هزيمة أوكرانيا ستجعل أوروبا أكثر عرضة للخطر من قبل روسيا، وقال حتى إن لم يهمكم الجانب الأخلاقي من دعم الشعب الأوكراني، عليكم أن تهتموا بأمنكم، ولذلك يجب دفع ثمن الدعم والمساعدات الإنسانية وعواقب العقوبات الاقتصادية، والبديل هو دفع ثمن أعلى بكثير لاحقا.

يوم 25 أغسطس 2022 شدد ستولتنبرغ على ضرورة تعزيز الأمن على الجانب الشمالي للحلف لمواجهة روسيا، بعد جولة في كندا زار خلالها منشآت عسكرية في القطب الشمالي. 

وذكر ستولتنبرغ في مؤتمر صحافي في قاعدة جوية في كولد لايك "ألبرتا"، في غرب البلاد، "إن مقاطعة الشمال الكبير مهمة استراتيجيا للأمن الأوروبي الأطلسي"، مشيرا إلى أنه مع انضمام فنلندا والسويد، فإن سبعة من ثماني دول واقعة على القطب الشمالي ستنضم قريبا إلى الناتو.

وحذر من أن "القطب الشمالي سيكون أقصر طريق للصواريخ والقاذفات الروسية إلى أمريكا الشمالية". 

واعتبر ستولتنبرغ أن قدرات روسيا في مقاطعة الشمال الكبير "تشكل تحديا استراتيجيا للتحالف بأكمله"، مشيراً إلى الانتشار العسكري الواسع لروسيا في المنطقة.

وأشار إلى أن ذلك يتضمن انشاء مواقع عسكرية في القطب الشمالي واستخدام مقاطعة الشمال الكبير "كنقطة اختبار للأسلحة الأكثر تطورا، بما في ذلك الصواريخ الفرط صوتية".

كما أعرب الأمين العام للحلف عن قلقه إزاء الوجود الصيني المتنامي في المنطقة في النقل البحري واستكشاف الموارد، علاوة على خطط بكين لبناء أكبر أسطول لكاسحات الجليد في العالم.

وذكر ستولتنبرغ "تعهدت بكين وموسكو بتعزيز تعاونهما العملياتي في القطب الشمالي وهذا يشكل جزءا من شراكة استراتيجية وثيقة تتحدى بشكل متزايد قيمنا ومصالحنا".

وأضاف أنه يتعين على الحلف الأطلسي الرد من خلال تعزيز وجوده في منطقة الشمال الكبير والاستثمار في هياكل جديدة.

كما لفت إلى أن تغير المناخ يطرح "تحديات أمنية" جديدة تتطلب إعادة التفكير بشكل أساسي في وضع الناتو في القطب الشمالي.

مع التغيرات المناخية "يصبح الوصول إلى المنطقة أكثر سهولة، سواء للأنشطة الاقتصادية أو العسكرية"، بحسب ستولتنبرغ.

 

السيناريو المرجح

 

يختلف المحللون في الغرب بشأن شكل نهاية الصراع. الباحثة دومولين مديرة برنامج "أوروبا الأوسع" في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية تقول السيناريو الأكثر ترجيحا هو إطالة أمد الحرب "يمكننا الاعتماد بشكل معقول على هذا السيناريو"، مشيرة إلى تراخٍ تدريجي سيبدأ في الظهور لدى الجانب الغربي، وبالتالي لن يسهل دعم أوكرانيا.

ويأتي ذلك فيما يتعين على الدول الأوروبية التخفيف من استياء شعوبها بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.

ديميتري مينيك الباحث في مركز روسيا التابع للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، ذكر لفرانس برس: "نحن في حرب مواقع وسط احتلال متواضع وبطيء للأراضي من جهة، ودفاعٍ شرس من أكثر براعة ورشاقة".

غير أن دومولين ترى أن من المحتمل أن يصل الأمر إلى نقطة يعتمد فيها بوتين على التراخي الغربي ويبدي بعض الانفتاح.. ويحث القادة الغربيين على الضغط على أوكرانيا من أجل إنهاء الصراع وفقا للشروط الروسية".

وبحسب رأيها، حتى لو كان هذا السيناريو الأكثر ترجيحا، لا يمكن للمرء استبعاد سيناريو يواصل فيه الغربيون دعمهم لأوكرانيا، وأن يتم في مرحلة ما تعديل التوازن بين القوات الروسية والأوكرانية على الأرض، لصالح أوكرانيا.

يوم 28 أغسطس 2022 أشارت صحيفة "التلغراف" البريطانية إلى أن الغرب يواجه صعوبة في الحفاظ على وحدته بمواجهة روسيا في أوكرانيا مع تفاقم مشاكله الاقتصادية جراء العقوبات، ما سيؤدي في النهاية إلى هزيمته أمام موسكو.

ووصف كاتب مقال الصحيفة ريتشارد كيمب أنه "في البداية بدا أن الولايات المتحدة وحلفاءها متحدون حقا ضد الكرملين، لكن تبين أن هذا مجرد وهم. فعلى سبيل المثال، ألمانيا واصلت شراء موارد الطاقة من روسيا، والهند أعلنت الحياد".

ولفت إلى أن تدفق المساعدات الغربية على أوكرانيا سينقطع عما قريب، وستتغير الصورة بشكل جذري.

وأشار إلى أنه خلال الشهرين الماضيين، لم تقدم أي دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي أي وعود لكييف بدعم جديد، فيما وصف رئيس الدبلوماسية الأوروبية جوزيب بوريل الحفاظ على الوحدةفي الاتحاد بأنه "صراع يومي".

ولفت كاتب المقال إلى أنه "بين الصعوبات التي تهدد التماسك في أوروبا، خسارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للأغلبية في البرلمان، والتغيير الوشيك للحكومة في إيطاليا، فضلا عن أزمة الطاقة والاقتصاد المتزايدة".

وتابع: "مع الانكماش في الصناعة وارتفاع نسب التضخم وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، فإن قيادة الاتحاد الأوروبي تدرس جديا إمكانية تخفيف العقوبات".

وأشار إلى استياء الأوروبيين من الوضع القائم، حيث يتساءل سكان دول الاتحاد الأوروبي عما إذا كان عليهم دفع فاتورة الآخرين.

وتابع: "فقط المملكة المتحدة ودول أوروبا الشرقية ملتزمة بدعم أوكرانيا، لكن استمرار المساعدة من هؤلاء مهما كانت قوية، لن تكون كافية".

وشدد على أنه "واثق من أن الغرب سيخسر أمام روسيا عندما تنكسر وحدته في النهاية".

 

ثاني أكبر هزيمة لأمريكا

 

بداية شهر يوليو 2022 كتب الصحفى مايكل بريندان دويرتى في صحيفة "ناشيونال ريفيو" الأمريكية، إن انتصار روسيا فى أوكرانيا سيكون ثانى أكبر هزيمة للولايات المتحدة فى غضون عامين بعد الانسحاب الأمريكي "المهين" من أفغانستان، وأوضح أن محاولات واشنطن فرض تكاليف إضافية على موسكو أثناء الأعمال القتالية فى أوكرانيا، ستجعل انتصار الجانب الروسيأكبر، في حال فشل القوات الأوكرانية وهزيمتها فى دونباس.

وقال "دويرتى": سيتمكن فلاديمير بوتين من إعلان فوزه ليس فقط على القوميين في أوكرانيا، ولكن أيضا على القوى الغربية، واعتبر أن هذا السيناريو لإنهاء الصراع من شأنه أن يزرع الذعر بين الدول الأعضاء فى الناتو. وأشار إلى أنه بعد الإذلال فى أفغانستان، ستكون هذه ثاني أكبر هزيمة للجيش الذي تموله وتدربه الولايات المتحدة وهذا الخطر أمر واقعي.

يذكر أن وزارة الدفاع الأمريكية أشارت إلى أن الجيش الروسييحتفظ بميزة في العملية العسكرية الخاصة من حيث القوة وعدد الأسلحة. وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، مارك ميلى، فى وقت سابق، إن الولايات المتحدة تقدر الخسائر اليومية للجيش الأوكراني بحوالي 100 قتيل وما بين 200 إلى 300 جريح. فيما قال وزير الخارجية الروسي، سيرجىلافروف، إنه كلما ازداد ضح الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا كلما طال أمد الأزمة. وأضاف في ختام اجتماع وزراء خارجية الدول المطلة على بحر قزوين، أن روسيا ليست مهتمة بما إذا كان رئيس أوكرانيا، فلاديمير زيلينسكى، سيشارك في قمة مجموعة العشرين أو لا.

وأعلن "لافروف" أن قمة دول بحر قزوين التي عقدت بعاصمة تركمانستان ركزت على ضرورة تعزيز التعاون العسكري، مشيرا إلى أن الدول الخمس المطلة على بحر قزوين اتفقت على تسريع العمل بشأن اتفاقية لتعزيز بناء الثقة والتعاون العسكري.

 

مهما كانت النتيجة

 

نشرت مجلة “ناشونال إنترست” خلال الثلث الأخير من شهر اغسطس 2022 مقال رأي للمحامي الدولي المتقاعد رامون ماركس، قال فيه إن الخاسر الإستراتيجي في الحرب الأوكرانية، مهما كانت نتيجتها، ستكون الولايات المتحدة.

ويقول الكاتب إن روسيا ستكون قادرة على إعادة بناء علاقات قريبة مع الصين والدول الأخرى في القارة الأوراسية، بما فيها الهند وإيران والسعودية ودول الخليج العربي الأخرى. وستدير ظهرها وبطريقة لا رجعة عنها للديمقراطيات الأوروبية وواشنطن. ومثلما لعب ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته هنري كيسنغر “ورقة الصين” لعزل الاتحاد السوفييتي السابق أثناء الحرب الباردة، ستقوم روسيا فلاديمير بوتين، وصين شي جين بينغ بلعب أوراقهما في محاولة لاحتواء القيادة الأمريكية للعالم. ونظرا لمعرفتها أنها لا تستطيع الحفاظ على أوروبا كزبون مهم في مجال الطاقة، بدأت روسيا بالتحرك نحو بيع وقودها إلى آسيا، وتحديدا الصين، لتحل محل السعودية كأكبر مزود للنفط لبكين.

ولدى روسيا في الوقت الحالي خط أنابيب واحد فوق الأرض يربطها بالصين، وهو خط أنابيب إسبو. وخط أنابيب الغاز الوحيد والمستخدم هو “طاقة سيبريا”. ويتم دعم خطي الغاز والنفط بكميات محمولة بحرا عبر طرق تصل إلى بر الصين. وفي الأعوام المقبلة، ستقوم الصين بلا شك بعمليات استثمار لتوسيع عمليات نقل الغاز والنفط بين البلدين، ما سيجعل روسيا المزود الرئيس بالوقود إلى الصين.

وسيجد الصينيون فرصة لتخفيف اعتمادهم على النفط القادم من الشرق الأوسط، والذي يمر عبر نقاط اختناق بحرية مثل مضايق ملقة.

وستكون الطاقة عاملا في تقريب الصين وروسيا بشكل أوثق، وتمتين علاقات “بلا حدود” في القارة الأوراسية. ومن خلال وجود مزود نفط لها في حديقتها الخلفية، ستحصل الصين على مرونة إستراتيجية للتعامل مع الولايات المتحدة ودول الحوض الباسيفيكي الهندي، وعلى حساب الديمقراطيات الغربية.

ومنذ حرب أوكرانيا، زادت روسيا تجارة النفط مع الهند. وبحسب دراسة مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف، فقد “أصبحت الهند الزبون الرئيس للشحنات في الأطلنطي التي لم يعد الغرب بحاجة لها”. وقبل الحرب، لم تشتر الهند أي نفط من روسيا، بينما تشتري الآن أكثر من 760.000 برميل نفط يوميا. وستؤثر علاقات الطاقة القوية بين الهند والصين على جهود الولايات المتحدة وأستراليا واليابان لحرف الهند باتجاه فلك الديمقراطيات في منطقة الباسيفيك الهندي.

وتبنت الهند موقفا “محايدا” من الحرب في أوكرانيا وامتنعت عن التصويت في الجمعية العامة على قرار يشجب الهجوم الروسي، كما رفضت تحميل موسكو المسؤولية. وإلى جانب تحول روسيا كمزود مهم للنفط إلى الهند، فهي ومنذ وقت طويل تزود القوات الهندية بالأسلحة. وتثمن نيودلهي موقف روسيا الداعم لها في قضية كشمير. ويعبر الرد الهندي على الحرب في أوكرانيا عن تضاؤل الآمال باندماج نيودلهي في تحالف غرب الباسيفيك مثل “كواد” كما يقول الكاتب.

 

عالم متعدد الأقطاب

 

لو كانت الصين ذكية بدرجة ما، وتجنبت المواجهات الحدودية مع الهند، فزخم رفض انضمام الأخيرة لتحالفات مثل “كواد” سيتلاشى. ولم تكن الهند الوحيدة التي امتنعت عن التصويت في الأمم المتحدة ضد حرب روسيا في أوكرانيا، فهناك 43 دولة أخرى لم تدل بأصواتها، ومعظمها من دول العالم الثالث حيث يعيش ثلثا سكان العالم في الدول التي لم تشجب روسيا، وحتى المكسيك، الدولة الجارة للولايات المتحدة، رفضت شجب الهجوم أو فرض عقوبات ضد موسكو.

وتعد هذه إستراتيجيات صعبة للولايات المتحدة كي تمتصها وتتعامل معها. وبعد الهجوم الروسي، قامت دول الغرب بإصدار سلسلة سريعة من العقوبات ضد روسيا بما فيها جداول زمنية لوقف شراء الوقود من موسكو. وارتدت هذه السياسات سلبا وأدت لارتفاع مستويات التضخم وعطلت سلاسل التوريد، وتكافح دول الاتحاد الأوروبي للتعامل مع تداعياتها الاقتصادية. وأعلن الاتحاد الأوروبي عن خطوات هادئة لتخفيف عقوبات الطاقة على روسيا ومساعدة الأسواق على الاستقرار.

وفي الوقت الذي تتهم فيه الدول الغربية روسيا بعسكرة الطاقة، فالحقيقة هي أن دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا كانت البادئة في رفع سيف النفط والإعلان عن سياسات للحد ثم وقف استيراد النفط الروسي وبعد بداية الحرب مباشرة. 

ويقول الكاتب إن المظهر الإيجابي للحرب الروسية الأوكرانية كان إنعاش حلف الناتو والذي حشد الدعم من أجل أوكرانيا وأصبح قويا بعد إعلان كل من فنلندا والسويد عن انضمامهما له. لكن الجانب السلبي هو أن الولايات المتحدة تتحمل أكثر من حصتها التناسبية لدعم أوكرانيا، مقارنة مع أعضاء التحالف الأخرى باستثناء بولندا ودول البلطيق. وفي مايو 2022، أعلنت الولايات المتحدة عن التزامات بـ54 مليار دولار لدعم أوكرانيا عسكريا، وجاءت بريطانيا في المرتبة الثانية ولكن بمسافة بعيدة، 2.5 مليار دولار وتبعتها بولندا بـ1.49 مليار دولار.

الولايات المتحدة هي المزود الأكبر للسلاح في الحرب ضد روسيا التي تمثل تهديدا مباشرا على أوروبا مقارنة مع أمريكا التي تبعد عنها 5.700 ميل عبر المحيط الأطلنطي. وكشفت حرب أوكرانيا مرة أخرى اعتماد أوروبا الغربية على دعم أمريكا العسكري وقيادتها. ولن يتغير هذا إلا في حالة بدلت الولايات المتحدة سياستها الخارجية والمعتقد القائم على أهلية أمريكا بمفردها لقيادة حلف الناتو.

وعلى الولايات المتحدة التكيف مع الحقيقة الصارخة والفظيعة، وهي أن البند الخامس من ميثاق حلف الناتو يشمل فقط منطقة المحيط الأطلنطي، فلو هاجمت الصين، كوريا الشمالية أو روسيا، بيرل هاربر، هاواي أو غوام، فلن تكون الحماية الجماعية للناتو شاملة لهذه المناطق. ويجب ألا تتخلى أمريكا عن الناتو حتى لو لم تكن هناك فرصة لتعديل ميثاقه كي يشمل منطقة الباسيفيك.

وعلى صناع السياسة الخارجية في أمريكا تشجيع الحلفاء في أوروبا على تحمل نصيب الأسد والعبء الأكبر من مسؤولية الجزء الأوروبي. ولو استمرت الولايات المتحدة في دفن رأسها في الافتراضات التاريخية والتي قادت لإنشاء الناتو عام 1949، فستزيد الأمور سوءا للمصادر والقدرات الأمريكية والتزاماتها الواسعة.

ولم تعد الولايات المتحدة، القوى العظمى الوحيدة في العالم. ويجب أن يحدث التشارك في تحمل العبء بنظام التحالفات الأمريكية عاجلا وليس آجلا، حتى تكون قادرة على التعامل مع عالم متعدد الأقطاب.

 

العالم في أزمة

 

خلفت الحرب الروسية في أوكرانيا عشرات الآلاف من القتلى والملايين من النازحين وأثارت أزمات اقتصادية في أنحاء العالم.

وبحسب "رويترز"، فإن من بين التداعيات الأساسية للحرب مع دخولها شهرها السابع، زيادات حادة في أسعار الأسمدة والمعادن والطاقة، ونتج عن ذلك أزمة غذاء مستعرة وموجة تضخمية تضرب الاقتصاد العالمي.

وروسيا هي ثاني أكبر مصدر للنفط في العالم وأكبر مصدر عالمي للغاز الطبيعي والقمح وأسمدة النيتروجين والبلاديومومعادن أحرى. وبعد فترة وجيزة من الحرب قفزت أسعار النفط العالمية إلى أعلى مستوياتها منذ المستويات القياسية التي سجلتها في 2008. واسفر الحصار الغربي ومحاولات خفض الاعتماد على منتجات النفط والغاز الروسية أو حتى تحديد سقف لها عن تفاقم أسوأ أزمة طاقة يشهدها العالم منذ حظر النفط العربي في السبعينيات.

وتشير بيانات حديثة إلى "تباطؤ حاد" في الاقتصاد العالمي بسبب انخفاض النشاط التجاري للشركات من جراء ارتفاع الأسعار، وضعف سلاسل التوريد، وفق صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية.

وتشير دراسات استقصائية لـ"مؤشر مديري المشتريات" إلى ضعف في قطاعي التصنيع والخدمات، حيث أثر ارتفاع الأسعار على القدرات الشرائية للأسر.

وانخفض النشاط التجاري في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في أغسطس، وفقا لاستطلاعات جديدة، مما يشير إلى تباطؤ حاد في النمو الاقتصادي العالمي، إذ أدى ارتفاع الأسعار إلى إضعاف طلب المستهلكين وتسببت الحرب في أوكرانيا في تعثر سلاسل التوريد.

وسجلت الشركات الأمريكية انخفاضا حادا في النشاط التجاري في أغسطس، خاصة في شركات الخدمات.

وانكمش الاقتصاد الأمريكي لربعين متتاليين، رغم أن نمو الوظائف لا يزال قويا.

وانخفض النشاط التجاري في أوروبا، أيضا للشهر الثاني على التوالي، وسط ارتفاع متجدد في أسعار الطاقة بسبب عدم اليقين بشأن استعداد روسيا للحفاظ على إمداداتها المنخفضة بالفعل من الغاز الطبيعي، قبل موسم التدفئة.

وتضرر اقتصاد منطقة اليورو من تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث أدى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء إلى إضعاف القدرة الشرائية للأسر، وتهديد هوامش أرباح الأعمال.

وقال مسح "ستاندرد آند بورز غلوبال" إن مؤشر مديري المشتريات المركب لمنطقة اليورو انخفض إلى 49.2 في أغسطس من 49.9 في يوليو، ليصل إلى أدنى مستوى في 18 شهرا.

وانخفض الإنتاج الصناعي للشهر الثالث على التوالي، في حين تجنب قطاع الخدمات الانكماش بصعوبة.

بريطانيا تواجه أخطر أزمة اقتصادية منذ 300 سنة ونقلت صحيفة التايمز عن ماثيو تايلور، المدير التنفيذي للجمعية التي تضم المؤسسات الصحية الحكومية أن "البلاد تواجه أزمة إنسانية. وقد يواجه العديد من الأشخاص خيارا رهيبا يتمثل في الامتناع عن الطعام لتدفئة منازلهم، أو العيش في ظروف باردة ورطبة وغير سارة للغاية. وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى تفشي الأمراض في جميع أرجاء البلاد".

 

اوروبا والشتاء

 

يعاني العالم بأسره من ارتفاع أسعار الطاقة، لكن أوروبا تمر بأزمة طاقة أسوأ مما يتصور العالم، مما أجبر بعض زعماء أوروبا على ارتجال خطط الإنقاذ وتدابير الطوارئ لوقاية المستهلكين من الألم الاقتصادي المدمر عندما يحل الشتاء قريبا.

تكمن المشكلة الأساسية في ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الذي أثار الفوضى في أرجاء القارة، ورفع معدلات التضخم سريعا، وعرقل الصناعات، وبدأ يصيب المواطنين العاديين بالذهول كلما وصلتهم فواتير الكهرباء عبر البريد، كما يقول تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية. 

وأصبحت أسعار الغاز الطبيعي اليوم أعلى بـ10 أضعاف مما كانت عليه في المتوسط طوال السنوات الماضية، وأغلى بـ10 أضعاف من أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة اليوم. وقال أليكس مونتون، خبير أسواق الغاز العالمية في شركة Rapidan Energy Group الاستشارية، إن الغاز الطبيعي أصبح باهظ الثمن، لدرجة أن أسعاره الحالية توازي شراء برميل النفط بـ500 دولار أمريكي. ونتحدث هنا عن الأشهر الجيدة.

وأوضح مونتون: "وصلت الأمور إلى نقطة الأزمة. إذ صارت أسعار الغاز فلكية، ولا نزال على بعد أشهر من الذروة الحقيقية للطلب على الغاز في الشتاء. وهناك حالة شك منطقي فيما إذا كانت ستتوافر إمدادات غاز كافية لتلبية الطلب طوال الشتاء أم لا".

 

التهافت على أفريقيا

 

جاء في تقرير نشرته صحيفة الاقتصادية يوم 22 أغسطس 2022:

سرعت الحرب الروسية في أوكرانيا من تهافت القوى الكبرى على القارة الإفريقية، وأضحى إيقاع السباق في ارتفاع، بشكل مطرد مع مجريات الحرب، فتوالت الزيارات الدبلوماسية لممثلي الدول الكبرى، بحثا عن كسب ود الدول الإفريقية، بقبول المشاركة والانخراط في الخطط والبرامج، التي تعرضها هذه العواصم على الأفارقة، استعدادا وتحضيرا لعالم ما بعد الحرب.

تذهب توقعات الخبراء إلى أن هذه المعركة في بداياتها، فالتكهنات تفيد باحتدام الصراع في العشرية المقبلة، نتيجة سعي كل طرف إلى حصد ثمار سياسته في القارة السمراء. ما ينذر بانقلاب الحرب الباردة المستعرة حاليا في ربوع القارة، إلى حرب ساخنة ومواجهة وصدام، فكل طرف سيعمل على تغذية الصراع في هذه الدولة أو ذاك الإقليم، سعيا وراء النفوذ وصونا للمصالح وبحثا عن الأفضلية والامتياز.

اختار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن تكون جولته نحو الشرق الإفريقي خلال الأيام الأخيرة من شهر يوليو 2022 "مصر وأوغندا وإثيوبيا والكونغو"، وكان بخطابه أكثر الدبلوماسيين الأجانب صراحة ووضوحا. فقد تحدث في حضرة الأفارقة عن "مواجهة الغرب الاستعماري والجرائم التي ارتكبها"، واستعان بالتاريخ للتذكير بمواقف الاتحاد السوفياتي الداعمة لحركات التحرر في إفريقيا، متعهدا بعزم موسكو دعم استقلالية دول القارة السمراء.

تحضر موسكو في إفريقيا، منذ 2011، بصورة اللاعب الأساسي الذي يمكنه تحديد هوية المنتصر المنهزم في أي صراع. أحسنت روسيا استغلال تلك الصورة للتغلغل في دول القارة، بتقديم خدمات أمنية لقادة الدولة الإفريقية، حيث يتولى مسؤولون روس مناصب حساسة في عدد من الدول، علاوة على تسخيرها لمزاحمة فرنسا في إفريقيا، فأخرجتها من إفريقيا الوسطى، ومن مالي. 

نجحت روسيا في فرض نفسها بديلا عسكريا عن الغرب في إفريقيا، فهي أكبر مورد للأسلحة للقارة برمتها، متفوقة على واشنطن وباريس. علاوة على الحضور الأمني ذي الطبيعة الخاصة ممثلا في شركة الأمن الروسية الخاصة، المعروفة باسم "فاغنر" في عدد من الدول "ليبيا، إفريقيا الوسطى، الموزمبيق ومالي...".

وتحولت أخيرا إلى وجهة تقصد بحثا عن حلول للمشكلات الطارئة في القارة، فأوائل يونيو، وفي غمرة الدعاية الغربية للمقاطعة، التقى الرئيس السنغالي ماكي سال، بصفته رئيس الاتحاد الإفريقي، الرئيس الروسي، في جنوب البلاد، طالبا منه أخذ معاناة الأفارقة في الحسبان، "أطلب منك أن تدرك أن دولنا ضحية الأزمة على الصعيد الاقتصادي"، مذكرا بموقف الدول الإفريقية في الأمم المتحدة "أغلبية الدول الإفريقية تجنبت إدانة روسيا خلال عمليتي التصويت في الأمم المتحدة".

قوى كبرى تتهافت، وأخرى في طريقها إلى البحث عن نصيب من الكعكة الإفريقية، في الموارد والأسواق والاستثمارات، تنذر بتحويل القارة مستقبلا إلى ساحة للوغى، تتحدد في ضوء نتائجها معالم النظام العالمي المقبل، وكأن التاريخ يكتب على إفريقيا أن تعيد مصير القارة الأوروبية في القرن الماضي "الحربين العالميتين الأولى والثانية".

 

عمر نجيب

[email protected]