تعديل مدونة الأسرة في المغرب ضرورة حتمية لحماية كيان الأسرة من التفكك و الانهيار

اثنين, 2022-08-01 18:51

حاولت في مقال ” كلمة السر في فهم حملة “إرحل أخنوش” : زواج المال بالسلطة” شرح وجهة نظري من هذه الحملة و شرحت كيف أنها إمتداد لحملة المقاطعة لبعض المنتجات الأساسية التي شهدها المغرب عام 2018 ، و أرى أن كلا الحملتين  خطوة إيجابية في اتجاه التأسيس لمعارضة شعبية مدنية وسلمية، بعيدا عن الاحتجاجات الشعبية العشوائية على الأرض و  التي يصاحبها شطط في استعمال السلطة ، وأحيانا اعتقالات بالجملة للنشطاء.. أما الاحتجاج الإفتراضي أو الامتناع عن الشراء فهو سلوك بسيط فيه منافع شتى على أغلبية الشعب ، قد يضر ببعض الفئات لكن على المتضررين أن يستوعبوا أن المجتمع الحر المفتوح يقوم على قاعدة القبول بالاختلاف و الاعتراف بالمعارضة و حقها في التعبير عن وجهة نظرها بمختلف الطرق القانونية و الدستورية المتاحة و الاحتجاج الافتراضي أحد أهم أدوات الإحتجاج في عصر ثورة الاتصالات …

و نحن في قلب الجدل الدائر بين المعارض و المؤيد لحملة “إرحل أخنوش” ، كنا ننتظر بترقب موقف العاهل المغربي من هذه الحملة الشعبية و الواقع أن هناك رسائل مشفرة تصب في إتجاه الحياد الإيجابي ، وقد تابعت خطاب العرش ليوم السبت 30-07-2022 ، بداية نأمل الشفاء العاجل للعاهل المغربي  فمن الواضح انه يمر  من أزمة صحية نأمل أن يتجاوزها بسلام…

 أما مضمون الخطاب فقد أشار إلى أهم عناصر الأزمة التي تمر بها البلاد، و عندما أشار منذ بداية الخطاب  لمدونة الأسرة و إلى الاختلالات التي أظهرتها الممارسة فذلك مؤشر على خطورة الوضع و أهميته البالغة، بصدق شديد اكبر و أخطر المشاكل التي تواجه المغرب هو انهيار و تفكك الأسرة ، العزوف عن الزواج و إرتفاع نسب الطلاق مؤشر خطير جدا…أشار إلى الأزمة الاقتصادية و إلى الاستثمارات الأجنبية ، و بالفعل تحقيق نمو اقتصادي و الخروج من دورة الازمات يقتضي. رفع معدلات الاستثمار، الاستثمار الداخلي و العمومي بلغ حده ، الآمال تتجه نحو الاستثمارات الأجنبية …الخطاب أشار إلى قضية تضارب المصالح. كما أكد على اخوية العلاقات المغربية الجزائرية…و ختم الخطاب بسورة تعبر عن حالة العسر التي تمر بها البلاد و العباد…

لكن ما أثار انتباهي حقا هو إثارة موضوع مدونة الأسرة التي تم تبنيها في المغرب  سنة 2004 ، وهي أحد أهم الأوراش في مغرب القرن 21 ، مشروع المدونة  قد قسم الشارع المغربي  في حينه و أثار جدلا واسعا، لدرجة  أصبح  يوم  العاشر من أكتوبر يوما تاريخيا ، لكثير من المناديات بالنسوية و للناشطين في حقوق الإنسان و المساواة بين الجنسين و أنصار ” الجندر”.. و الجدير بالذكر، أن تبني مدونة الأسرة و إقرارها جاء مباشرة بعد الأحداث الإرهابية التي شهدتها مدينة الدار البيضاء في 16 ماي 2003..، و كان لهذه الأحداث الدامية دور بالغ الأهمية في إلجام و تقييد أصوات التيار المعارض للمدونة..

فالسياق الخاص، الذي تم فيه تبني مدونة الأسرة جعلها تغلب جانب الحريات الفردية بدل الاهتمام بالحقوق الأسرية، كما أن الحركات الإسلامية و “السلفية” منها على وجه الخصوص بشقيها “العلمي” و “الجهادي “، يولون- للأسف- أهمية تتجاوز الحد و متضخمة إلى أبعد حد للبعد الجنسي، فلا يتحدثون إلا على حريات الجنة و تعدد النساء ( و يمكن الرجوع إلى تصريحات الشيخ الفيزازي مثلا و هستيرية الزواج)..

وبعد مرور نحو عقدين على تبني مدونة الأسرة يحق لنا التساؤل ما الذي تحقق؟ هل حصنت المدونة الأسرة المغربية؟ هل حمت الأسرة من التفكك؟ على إعتبار أن الأسرة هي نواة المجتمع ، و حصانتها يعني حصانة المجتمع، وتماسكها  يصب بالنهاية في اتجاه تماسك المجتمع…

وتُظهر الإحصائيات الّسمية الأخيرة أن حالات الطلاق تتزايد بشكل مثير للقلق في المغرب، لاسيما بعد التعديلات التي شملت مدونة الأسرة.. ووفقا للمعطيات ذاتها، شهدت مدينة الدار البيضاء وحدها 15956 حالة طلاق في العام 2020..وشهد عدد قرارات الطلاق النهائية الصادرة عن المحاكم زيادات مقلقة، إذ انتقل من 44408 عام 2014 إلى 55.470 عام 2019. فيما بلغ عدد حالات ”الطلاق”، وهو فسخ شرعي للزواج جاء أصلاً بقرار من الزوج فقط، 26914 حالة..وفي مجموع حالات الطلاق بالمغرب، انتقل العدد من 26914 حالة في 2004 إلى 25852 في 2018، وارتفع إلى 55470 حالة في 2019.

كما كشف تقرير أنجزه المرصد الوطني للتنمية البشرية وهو مؤسسة حكومية مغربية، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن أرقام جديدة تهم الحياة الاجتماعية والاقتصادية للشباب المغربي لا سيما بعد الأزمة الناتجة عن جائحة كورونا..

والوثيقة كشفت أنه على الرغم من أن الشباب المغاربة يهتمون بفكرة تكوين أسرة، إلا أنه على مستوى الأرقام تم رصد عزوفهم عن الزواج، إذ انتقلت النسبة من 42 بالمئة عام 2011 إلى 70 في المئة عام 2019.

وبحسب الوثيقة ذاتها، يظهر أن الشباب هم الأكثر تعرضا للأزمة الحالية، موردة أن فئة الشباب “إحدى الفئات الاجتماعية في المغرب التي تواجه تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية”.و ظاهرة العزوف عن الزواج اتخذت منحى تصاعديا خلال السنوات الأخيرة، لا سيما بين سنة 2011 و2019، ولا يزال التصاعد مطّردا إلى يومنا هذا.

و عزوف الذكور عن الزواج  يعود لأسباب مختلفة، لكن هذا العزوف عمق من ظاهرة “العنوسة” و هي مشكلة اجتماعية خطيرة تهدد المجتمع المغربي، حيث إنَ هذه المشكلة لم تقف عند حد أنَها تتسبب في تأخر سن الزواج فقط ، بل إنها تمثل أيضا معولا لهدم القيم الأخلاقية للمجتمع المغربي بشكل عام، من خلال زيادة نسبة الانحرافات الجنسية والشذوذ، والقضاء تدريجيا   على مفهوم الأسرة، بل و الأخطر من كل هذا  إنخفاض مقلق في معدل الخصوبة… فقد  أشارت المندوبية السامية للتخطيط في إحصائيات لها، أن  الأرقام الرسمية الصادرة في هذا الصدد أصبحت مقلقة، ف”العنوسة” أضحت تهدد الهرم السكاني للمغرب، وساهمت في انخفاض الخصوبة في السنوات الأخيرة، فأكثر من 60 في المائة من المغربيات من بين 20 و24 سنة غير متزوجات، وأكثر من 28 في المائة من المغربيات ما بين 30 و34 سنة “عانسات”. فالأشخاص غير المتزوجين يقضون بقية حياتهم عزابا، كما جاء في أرقام المندوبية السامية للتخطيط. فالعنوسة تسجل في وسط الفتاة المتعلمة وغير المتعلمة، العاملة في القطاع الخاص وحتى الإدارات العمومية، هذه الأخيرة تسجل نسبة 38.51 من الموظفات غير المتزوجات، مع العلم أن النساء العاملات في القطاعات الحكومية لا يمثلن سوى 7.7 في المائة من مجموع العاملات في المغرب…

و ”قضية العنوسة” متداخلة ومتشابكة ومتشعبة، تدخل فيها عوامل كثيرة اقتصادية بالدرجة الأولى ثم قانونية و اجتماعية و نفسية.. والمصيبة الكبرى أن للعنوسة أعراضا، منها القلق والتوتر والأرق والعصبية والاكتئاب، وأخيرا هو المهم أنَ 57 في المائة من البنات العوانس لا يستمر زواجهن، لو تزوجن في سن متقدمة، لأن قدراتهن العصبية والنفسية تكون قد تشكلت بشكل لا يسمح بالاستمرار…

 وتؤثر العنوسة في البناء الديمغرافي للمجتمع، بمعنى أنَ عدم الإقبال على الزواج يؤدي إلى خلل في النمو السكاني كنقص أو زيادة السكان من ناحية، أو زيادة الإناث عن الذكور أو العكس من ناحية أخرى… وليس من شك أنَ إشكالية عزوف الشباب المغربي عن الزواج، قد أفرز ظاهرة نفسية واجتماعية خطيرة، تتجلى في ظاهرة التحرش والاغتصاب الجنسي وتوابعها كالانحراف الجنسي وانتشار الأمراض الجنسية والفسق والفجور والزواج السري…، و هذه كلها ظواهر تقود بالتبعية إلى تفكك الأسرة وهدم قلاعها..

وهذه الظواهر ليست حكرا على المغرب  بل تشمل أغلب البلدان العربية، و هذا الوضع يقتضي الوقوف عند هذه الظواهر الاجتماعية الخطيرة و التي تنذر بتفجر المجتمع و انحلاله و تفسخه..و الأسباب عديدة و متشعبة، منها قوانين الأسرة و تغير القيم الاجتماعية و الأخلاقية، فمثلا أصبح الطلاق مسألة عادية خلافا لسابق، هذا إلى جانب الأزمة الاقتصادية و الاجتماعية الخانقة..

و من التأثيرات المستقبلية لهذه الظواهر الاجتماعية السلبية إنخفاض الخصوبة، وهو مؤشر خطير جدا ، فما يحدث هو نوع من الإبادة للجنس البشري، و هم ما يدفعني إلى تصديق و التعامل بجدية مع   ما أصبح يعرف بنظرية “المليار الذهبي”، فكل هذه الجهود من أوبئة ، ودعم للمثلية و تدمير الفطرة الإنسانية تصب في مجرى واحد خفض عدد البشر ..و هذا التوجه العام لا يمكن فصله عن المشروع الصهيو-شيطاني و التمهيد لخروج المسيح الدجال ..

 و في الختام، هدفي من إثارة هذه القضايا هو دعوة الجمهور إلى التفكير و ربط هذه الأحداث و المعطيات بشكل عقلاني للوصول إلى استنتاجات منطقية تساعد في فهم الواقع و الحاضر و استشراف المستقبل، و صدق ” عزت بيجوفيتش” رحمه الله عندما قال : “حين نعلّم الإنسان التفكير فإننا نحرره، وحين نلقّنه فإننا نضمه للقطيع…!!” و سأحاول توضيح هذا الأمر في مقال موالي إن شاء الله تعالى، و لا تبخلوا علينا بتعليقاتكم و ملاحظاتكم، فهي حقا ذات قيمة وفائدة كبير للكاتب و لباقي القراء.. و شكرا جزيلا على تعاونكم و تفاعلكم .. والله  غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..

 

د. طارق ليساوي إعلامي وأكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..