النظام الذي منع نشوب حرب نووية أصبح "على المحك" بعدما استمر 78 عاما.... مخاطر انتقال المواجهة الغربية الروسية إلى الشرق الأوسط

جمعة, 2022-05-06 10:32

تجسد المواجهة العسكرية الدائرة في وسط شرق أوروبا على الأرض الأوكرانية منذ 24 فبراير 2022 أحد أعتى مواجهة مسلحة وأخطرها بين معسكرين دوليين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سنة 1945 مرورا بالصراع الصيني من 1946 إلى مايو 1950 وهي حرب قامت في الصين بين الكومن تانغ وبين الحزب الشيوعي الصيني، حيث دعم الغرب الكومن تانغ، وساند الاتحاد السوفيتي الطرف الشيوعي. والذي تبعته حرب كوريا 1950 حتى1953 وحربي الفيتنام بين 1954 و 1975 ومواجهة أزمة الصواريخ في كوبا 1962 وحربي 1967 و 1973 بين العرب وإسرائيل وتدخل حلف الناتو ضد يوغسلافيا من سنة 1991 إلى 2001 وغزو الولايات المتحدة للعراق واحتلاله وتمزيقه سنة 2003 والغزو الغربي لليبيا سنة 2011 والحرب شبه الدولية المستمرة على أرض بلاد الشام منذ منتصف شهر مارس 2011 وما شهدته المنطقة العربية من فوضى وتشرذم ومذابح في نطاق عملية نشر ما يسميه الغربيون الربيع العربي.

البعض من هذه الصراعات وإن اختلفت في العديد من جوانبها إلا أن القوى الكبرى كانت متورطة بشكل أو بآخر في خلفياتها وأشكال تحالفاتها وكانت بعضها مرشحة لأن تتحول إلى حرب عالمية ثالثة.

على الساحة الأوكرانية وحسب غالبية المحللين تسير المعارك وحتى دخولها شهرها الثالث في صالح الجيش الروسي رغم الضجة الغربية عن تعثر خطط الكرملين وضخامة خسائره، وفرص كييف الجيدة للانتصار بدعم من حلف الناتو وإلحاق الهزيمة بالجيش الروسي في قادم الأيام.

في الجانب غير العسكري تتنازع داخل المعسكرين نظريتان إحداهما عن التأثير الخطير للعقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي وحتمية إجبارها الكرملين على وقف حربه أو حتى إسقاط حكومته، والنظرية الثانية تؤكد أن الصراع الاقتصادي سيلحق ضررا أكبر بالغرب وسيقود إلى تعديل النظام الاقتصادي الدولي المعتمد أساسا على الدولار واليورو وبالتالي سيسفر عن نظام عالمي متعدد الأقطاب بدل الأحادي. على جانب آخر تتصادم التقديرات عن التحالفات والمواقف بالنسبة لغالبية دول العالم غير المحسوبة على أحد المعسكرين تجاه الصراع.

ما بين هذه المتاهات أخذت تبرز مع بداية الشهر الثالث من الحرب في وسط شرق أوروبا أخطار انتقال شرارتها إلى ساحات خارج القارة الأوروبية نتيجة تقدير أحد الأطراف الكبرى أنه يجب أن يحول جزء من ثقله إلى مدار مختلف لعله يحقق مكاسب تعوضه عن جزء من خسائره.

 

النظام العالمي في خطر

 

يوم الثلاثاء 26 أبريل حذر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الجنرال مارك ميلي، في مقابلة مع شبكة "سي أن إن" الأمريكية من ألمانيا حيث جرى اجتماع أمني خصص لمناقشة تقديم مساعدات لأوكرانيا، إن "نظام الأمن الدولي العالمي" الذي ترسخ بعد الحرب العالمية الثانية معرض للخطر، إذا لم تدفع روسيا ثمن الغزو.

وأضاف: "إذا لم يكن هناك رد على هذا العدوان، وإذا أفلتت روسيا من هذا الأمر دون تكلفة، سينتهي ما يسمى بالنظام الدولي، وإذا حدث ذلك، فإننا ندخل في عصر من عدم الاستقرار بشكل خطير". وأوضح أن هذا النظام الدولي أصبح "على المحك" بعدما استمر 78 عاما ونجح في منع حدوث حروب بين القوى الكبرى.

كما رد رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية على تصريحات وزير الخارجية الروسي، التي قال فيها إن هناك "خطرا جسميا وحقيقا" لنشوب حرب نووية. وقال ميلي، من جانبه إنه من "عدم المسؤولية تماما" لأي زعيم كبير في قوة نووية أن يبدأ "قعقعة" السلاح النووي، مشيرا إلى أنه عندما يحدث ذلك "يأخذ الجميع الأمر على محمل الجد".

وأبلغ مصدران مطلعان على التقييمات الاستخباراتية الأخيرة شبكة "سي أن إن" أن هناك قلقا متزايدا بشأن التهديد النووي الروسي يشعر به المسؤولون الأمريكيون أكثر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة.

من جانبه وفي أعقاب زيارة إلى كييف يوم 23 أبريل قال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن "نريد أن نرى روسيا ضعيفة إلى حد لا تستطيع معه القيام بالأشياء التي قامت بها مثل غزو أوكرانيا".الوزير الأمريكي اعتبر أن بإمكان أوكرانيا كسب الحرب ضد روسيا إذا حصلت على "المعدات المناسبة".

قبل تصريحات مارك ميلي بساعات ذكر وزير الدفاع البريطاني بن والاس بأن الناتو يمتلك أسلحة نووية، وأن بريطانيا قادرة على استخدامها لحماية نفسها وحلف الناتو إذا لزم الأمر، مشيرا إلى أن روسيا "يجب ألا تنسى" ذلك. 

كما شدد على أن الناتو هو تحالف نووي، وبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة لديها أسلحة نووية أيضا، مفترضا أن "هذا هو أهم وأقوى رادع" بالنسبة للرئيس الروسي.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد حذر من أن مخاطر اندلاع حرب نووية الآن كبيرة جدا ولا يجب الاستهانة بها، مضيفا إلا أن الكثيرين يضخمون هذا التهديد بشكل متعمد.

يوم 26 أبريل قال الصحفي في صحيفة "نيويورك تايمز"، دافيد سانغر، في تعليقه على التصريحات التي أدلى به أوستن إن أنها تكشف عن استعداد البيت الأبيض لمواجهة طويلة الأجل مع موسكو لإضعافها، الأمر الذي يعني برأي الصحفي أن واشنطن أكدت "تحول النزاع" في أوكرانيا وهو يتميز الآن "بمواجهة أكثر مباشرة بين واشنطن وموسكو".

وذكر سانغر أن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، كان في بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا "يصر على أنه لا يريد تحويل هذا النزاع إلى مواجهة بين روسيا والولايات المتحدة". لكن في الآونة الأخيرة "تلاشت الخطوط وأصبح الخطاب أكثر حدة". وأوضح: "يهدف البيان المخطط بشكل دقيق من جانب رئيس البنتاغون لتأكيد الدعم الأمريكي لأوكرانيا في الأشهر القريبة القادمة "في شكل من أشكال مفاوضات السلام".

كما يرى الصحفي أن تصريح أوستن على المدى البعيد يدل على أن واشنطن تستعد "لمواجهة طويلة الأمد مع موسكو من أجل السلطة والنفوذ"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هذه الاستراتيجية "مرتبطة ببعض المخاطر" بالنسبة للولايات المتحدة.

 

ضربة نووية

 

في موسكو ويوم 27 أبريل نشرت "كومسومولسكايا برافدا" نص لقاء مع الخبير العسكري فلاديمير شوريغين، حول نجاح واشنطن في جعل السلافيين يفنون بعضهم بعضا ويقتلون الروس بالسلاح الروسي، وجاء في اللقاء.

هناك آراء مفادها أن شبح الحرب النووية يكتسب حياة واقعية، هل هذا محتمل؟

المستقبل دائما عبارة عن مجموعة من الاحتمالات. هناك احتمال أن يحتدم الصراع في أوكرانيا بسبب تدخل الولايات المتحدة غير المنضبط فيه. إذا تم رفع جميع القيود تماما، وبدأ الناتو في تزويد أوكرانيا بأسلحة يمكن أن تخلق مشاكل للحياة في روسيا نفسها، فسنجد أنفسنا في موقف تشن فيه الولايات المتحدة بالفعل حربا غير محدودة ضدنا. يمكن أن تصل الولايات المتحدة إلى مثل هذه القرار بحلول يونيو.

وأنا أدرك أن مثل هذا التدخل، يمنحنا سببا لزيادة الاستعداد القتالي لقواتنا النووية، أي لتحذير الناتو رسميا: إذا لم تتوقفوا، فنحن مستعدون لاستخدام الأسلحة النووية.

بالنسبة لروسيا، المخاطر في الصراع في أوكرانيا كبيرة للغاية. فماذا عن الأمريكيين؟

الأمريكيون في وضع مربح جدا، فهم يدعمون أوكرانيا بموارد قاموا هم أنفسهم بالاستغناء عنها من قبل. ونحن نحارب هذا الموارد منذ شهرين. تم إنشاء هذه الموارد من قبل الاتحاد السوفييتي، من أجل حرب كبيرة مع الغرب. فتخيل، يجري إرسال الدبابات التي تم إنتاجها في مصانعنا.. للقتال ضدنا. كان من المفترض أن تصل تلك الآلة الجبارة إلى القناة الإنجليزية فيغضون يومين، والآن ينشرونها في الشرق ضدنا. ينشرون المدفعية كلها والقذائف، وكل ما صنعناه بأنفسنا. هذا نوع من السريالية، حيث يستخدم الناتو ضدنا في أوكرانيا كل ما أعددناه بأنفسنا ضد الغرب. لا يسع المرء إلا أن يتساءل كيف تمكنت أمريكا من إنجاز هذه الخطة. دفع السلافيين لقتال بعضهم..

وإذا ما دخلت بولندا في هذه الحرب، فستكون حربا مثالية للعالم الأنغلوساكسوني، حيث ستتواجه جميع القوات السلافية الرئيسية مع بعضها البعض في قتال مميت. ولعمري، فسوف تدرس هذه التركيبة، التي لعبتها الولايات المتحدة، في المدارس على مدى قرون قادمة.

 

ركود الاقتصاد

 

جاء في تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية يوم 28 أبريل: تراجع إجمالي الناتج المحلي الأمريكي 1.4 في المئة في الربع الأول من 2022 بوتيرة سنوية على وقع تضخم كبير فاقمته الحرب في أوكرانيا ومشاكل سلاسل التوريد المتواصلة ما زاد من مخاوف حصول ركود في أكبر اقتصاد عالمي..

وارتفعت الأسعار بشكل حاد خلال الربع، حيث ارتفع مؤشر أسعار إجمالي المشتريات المحلية بنسبة 7.8 في المائة في فترة الثلاثة أشهر.

وأتت النتيجة أسوأ بكثير من التحسن الطفيف الذي كان يتوقعه المحللون وسجل بعدما حقق الاقتصاد نموا بنسبة 6.9 في الربع الأخير من 2021.

وأوضحت وزارة التجارة الأمريكية في بيان أن "تراجع إجمالي الناتج المحلي يعكس تراجع الاستثمارات الخاصة والصادرات (..) والنفقات العامة للسلطات الفدرالية والحكومات المحلية في حين زادت الواردات التي تحسم من إجمالي الناتج المحلي".

كما قفز العجز التجاري الأمريكي في السلع إلى مستوى قياسي مرتفع في مارس، وسط زيادة كبيرة في الواردات، ما يشير إلى أن التجارة ظلت تشكل ضغطا على نمو أكبر اقتصاد في العالم في الربع الأول. ووفقا لـ"رويترز"، قالت وزارة التجارة الأمريكية، "إن عجز تجارة السلع قفز 17.8 في المائة إلى 125.3 مليار دولار، وهو أعلى مستوى على الإطلاق".

لكن إيان شيبردسون من "بانثيون ماكروإكونوميكس" Pantheon Macroeconomics قال إن التراجع المسجل في الربع الأول عائد جزئيا إلى استيراد الشركة بكميات أكبر لإعادة تشكيل مخزونها ملاحظا أن النمو سيشهد انتعاشا في الربع الثاني من 2022.

في أوروبا قفز معدل التضخم في منطقة اليورو إلى أعلى مستوياته على الإطلاق عند 7.5 في المئة في مارس 2022، وفقا لما أعلنه مكتب الإحصاءات "يوروستات" التابع للمفوضية الأوروبية، يوم الجمعة الاول من أبريل، فيما تؤدي الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية والطاقة بشكل خاص.

وكان التضخم في دول منطقة اليورو قد سجل 5.9 في المئة في فبراير 2022، حيث كان هذا المعدل يشكل النسبة الأعلى منذ بدء "يوروستات" العمل على هذا المؤشر في العام 1997.

وقالت الخبيرة كارينا كامل، إن تبعات الحرب الأوكرانية بدأت تتجسد فعليا في البيانات الاقتصادية الصادرة.

وأوضحت أن السبب الأساسي لزيادة التضخم في أوروبا بشكل رئيسي، هو ارتفاع أسعار الطاقة، لكن في الوقت نفسه أشارت إلى أنه هناك أسباب أخرى، تمثلت في ارتفاع أسعار الأغذية والسلع المعمرة، إضافة إلى ارتفاع أسعار الخدمات.

 

تضاعف العائدات

 

في موسكو واصلت البورصة الارتفاع خلال تعاملات يوم الخميس 28 أبريل، وصعد مؤشر الأسهم المقومة بالروبل فوق مستوى 2500 نقطة وذلك للمرة الأولى منذ 14 أبريل الجاري.

وذكرت وكالة تاس أن اليورو هبط أمام الروبل الروسي إلى مستوى هو الأول منذ مارس 2020 وبحلول الساعة 1310 بتوقيت موسكو، صعد مؤشر بورصة "إم آى سي إي إكس" بنسبة 3.32 في المائة إلى 2504.74 نقطة، وبذلك يكون المؤشر قد صعد فوق مستوى 2500 نقطة للمرة الأولى في نحو أسبوعين، وفقا لـ"الألمانية".

وارتفع مؤشر البورصة للأسهم المقومة بالدولار"آر تي إس" بنسبة 0.79 في المائة إلى 1057.13 نقطة، وفقا لبيانات بورصة موسكو.

وفي سوق العملات استمرت العملة الروسية بالارتفاع أمام نظيرتيها الأمريكية والأوروبية، وتراجع سعر صرف الدولار بنسبة 0.9 في المائة إلى 72.12 روبل في حين انخفض سعر صرف اليورو بنسبة 0.17 في المائة إلى 75.4 روبل.

وضعية بورصة موسكو عكست فشل العقوبات الغربية حتى الآن في حين كثرت التحذيرات الأمريكية من تمكن موسكو من توسيع تجارتها الخارجية. 

ذكر تقرير نشره موقع الحرة الأمريكي يوم 28 أبريل: ضاعفت روسيا عائداتها من مبيعات النفط والغاز والفحم منذ أن بدأت في الحرب في أوكرانيا في 24 فبراير، حيث بلغت نحو 66 مليار دولار.

وأشار تقرير لمركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف (CREA) جاء في 14 صفحة، إن الاتحاد الأوروبي وحده اشترى ما نسبته 71 في المائة من الوقود الأحفوري الروسي، عبر شحنات الغاز المسال وخطوط الأنابيب.

وتصدرت ألمانيا قائمة الدول الأوروبية التي استوردت الغاز الروسي، حيث اشترت برلين ما يفوق 10 مليار دولار من موارد الطاقة الروسية.

وجاءت إيطاليا في المرتبة الثانية كأكبر زبون بنحو 7.2 مليار دولار، تليها الصين بنحو 7 مليار دولار، وهولندا بـ5.8 مليار دولار، ثم تركيا بنحو 4.3 مليار دولار، وفرنسا بنحو 3.9 مليار دولار.

وذكر الباحث من معهد بيترسون للدراسات في واشنطن غاري هابفاور الذي صدر له كتاب حول تاريخ العقوبات، في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس، أن العقوبات لا تكون فعالة إلا في أقل من ثلث النزاعات فقط، وعندما يكون البلد المستهدف صغيرا.

وذكر المستشار في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية خوان زاراتي في مقابلة مع فرانس برس إن "العقوبات لا يمكنها إعادة الدبابات أدراجها، أقله ليس على الفور".

 

الرضوخ

 

أشارت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية يوم 27 أبريل إلى أن “عشرة مشترين للغاز الروسي في ​أوروبا​ فتحوا بالفعل حسابات في بنك "​غازبروم​ بنك" لسداد ثمن إمدادات الوقود الأزرق الروسي بالروبل”.

ووفقا لمصدر مقرب من شركة “غازبروم” الروسية، فإن “أربع شركات أوروبية قد سددت بالفعل ثمن إمدادات ​الغاز​ الروسي بالروبل”. ولفت إلى أنه “من غير المتوقع إجراء وقف إمدادات الغاز لدول جديدة حتى النصف الثاني من مايو، عندما يحين موعد المدفوعات التالية”.

وستقوم الشركات الأوروبية بتحويل ثمن الغاز الروسي باليورو فيما سيقوم “غازبروم بنك” بتحويل أموال اليورو في بورصة موسكو إلى ​الروبل الروسي​، ومن ثم إرسالها إلى شركة “غازبروم”. ويعني ذلك أن الشركات الأوروبية عمليا ستسدد ثمن الغاز الروسي باليورو لكن إلى حساب جديد.

في بروكسل اعتبرت المفوضية الأوروبية يوم 28 أبريل أن رضوخ دول أوروبية لشرط موسكو بتسديد ثمن المحروقات الروسية بالروبل وفقاً للآلية التي حددها الكرملين يمثل التفافاً على العقوبات الأوروبية، في تفسير يتعارض مع رغبة الكثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على وارداتها من هذه المحروقات.

وبحسب المفوضية الأوروبية فإن آلية الدفع التي فرضها الكرملين تستحدث آلية دفع جديدة على مرحلتين: في المرحلة الأولى يحول المبلغ، باليورو أو بالدولار وفقا لما هو منصوص عليه في عقد الشراء، إلى حساب في مصرف غازبروم بنك، وفي المرحلة الثانية يحول هذا المبلغ إلى الروبل في حساب آخر في نفس المصرف.

ولفتت المفوضية إلى أن عملية تحويل الأموال من الحساب الأول إلى الحساب الثاني تمر عبر المصرف المركزي الروسي، وهو أمر تحظره العقوبات الأوروبية السارية على موسكو.

وذكر متحدث باسم المفوضية إنه "في هذا النظام المعقد، لا تعتبر الشركات أنها سددت مدفوعاتها إلا بعد تحويلها إلى الروبل، وذلك خلال فترة زمنية وبسعر صرف لا قدرة لها بأي شكل من الأشكال على التحكم فيهما بنفسها (...). من الواضح أن هذا انتهاك للعقوبات".

لكن وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك قدم تفسيرا مختلفا للمرسوم الرئاسي الروسي المتعلّق بطريقة الدفع بالروبل.

وقال الوزير إن "المدفوعات ستسدد باليورو ثم تحول بواسطة غازبروم بنك إلى حساب بالروبل: هذا هو المسار الذي نسلكه، وهذا هو المسار الذي أوضحته لنا أوروبا، وهو متوافق مع العقوبات" و"متوافق مع العقود المبرمة".

وفي فيينا، قال المستشار النمساوي كارل نيهامر إن "أو إم في"، شركة الطاقة النمساوية، قبلت شروط الدفع "التي فرضتها موسكو" والتي اعتبرت متوافقة مع العقوبات.

وفي روما قال مصدر صناعي إن شركة "إيني" الإيطالية تقيِم من جانبها إمكانية فتح حساب باليورو وآخر بالروبل في غازبروم بنك قبل حلول موعد استحقاق الدفعة المقبلة خلال النصف الثاني من مايو.

 

تطهير الاقتصاد العالمي

 

كتب إيغور نيديلكين، مقالا في "إكسبرت رو" يوم 27 أبريل، حول توافر الشروط لعاصفة مثالية تطهر الاقتصاد العالمي من العناصر غير الفاعلة جاء فيه: في العام 2022، يدخل الاقتصاد العالمي أزمة عالمية جديدة، لا يمكن إخمادها بطباعة وضخ مزيد من الأموال.

لقد أدت الأموال الرخيصة للغاية وتجارب الرهانات السلبية إلى ظهور عدد هائل من الشركات والمؤسسات غير الفاعلة والتي ظهرت إلى الوجود فقط بسبب القدرة على الاقتراض إلى ما لا نهاية بمعدلات منخفضة جدا وإعادة تمويل هذه القروض باستمرار. وتسمى أيضا شركات الزومبي.

قامت البنوك المركزية العالمية، بقيادة بنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، بتمديد هذا العيد، ظانة أن من الممكن ممارسة ذلك إلى ما لا نهاية، فالمهم تنفيس الضغط بشكل دوري. لكن كوفيد قلب الأمور رأسا على عقب. فالسوق، وبالدرجة الأولى سوق الديون، وجدت نفسها على وشك الانهيار التام، ولم يكن أمام الاحتياطي الفدرالي خيار سوى تغطية كل شيء مرة أخرى بالمال، بل بكمية غير محدودة منه. تكمن المشكلة في أن الاحتياطي الفدرالي، من خلال طباعة 7 تريليونات دولار أخرى، حرم نفسه من إمكانية التعامل مع الأزمة التالية بالطريقة المألوفة.

فسرعان ما أطل التضخم الذي كان مختبئا بعناية طوال هذه السنوات، برأسه، بينما كان بنك الاحتياطي الفدرالي يستعد لمحاربته، ومن الواضح أنه فوت اللحظة المناسبة، فبدأت أزمة جديدة جيوسياسية مع كل العواقب المترتبة عليها.

وبالنتيجة، لدينا في الوقت الحالي مجموعة من العوامل التي تشكل عناصر عاصفة مثالية: الوضع في أوكرانيا، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وتفشي كوفيد في الصين، ونتيجة لذلك، انخفاض في الطلب، ثم الضربة القاضية بزيادة أسعار الاحتياطي الفدرالي، أي ارتفاع سعر المال.

بعبارة أخرى، يواجه الاقتصاد العالمي ظاهرة نادرة للغاية تسمى التضخم المصحوب بالركود. كانت آخر مرة حدث فيها ذلك في الثمانينيات، عندما قرر بنك الاحتياطي الفدرالي أيضا زيادة حادة في أسعار الفائدة، وتمكن في النهاية من التغلب على التضخم، ولكن من خلال تباطؤ اقتصادي قوي إلى حد ما.

شيء مشابه ينتظرنا الآن. وهنا يمكن العثور على لحظات إيجابية. فالأزمة سوف تطهر الاقتصاد من العناصر غير الفاعلة.

 

ساحة بلاد الشام

 

على ضوء تعثر تأثير العقوبات الغربية على روسيا تحذر مصادر رصد من توجه واشنطن عبر تركيا وحلفاء آخرين لممارسة ضغوط من أنواع أخرى في الشرق الأوسط عبر سوريا ومصر وليبيا وفي جنوب أسيا على الهند وباكستان في محاولة لإضعاف الكرملين.

كتبت أليونا زاداروجنايا يوم 25 أبريل، في "فزغلياد"، حول درجة تأثير إغلاق تركيا أجواءها أمام رحلات العسكريين الروس وعتادهم إلى سوريا. وفي الصدد، قال المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، أندريه كورتونوف، لـ"فزغلياد": "من الواضح أن هذه القرارات اتخذت على خلفية سير العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا. فهي يمكن أن تعوق التواصل بين موسكو ودمشق. لكنني لا أعتقد بأن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة للغاية، فهناك ممرات جوية أخرى. من الممكن إمداد سوريا بكل ما هو ضروري للمجموعة الروسية عبر إيران".

وفي الوقت نفسه، يرى كورتونوف أن إغلاق السماء خطوة غير ودية من جانب أنقرة. فـ "بين روسيا وتركيا عدد من الخلافات الأساسية حول القضية السورية. الحديث يدور عن مستقبل إدلب والوضع في المناطق الكردية. وهذا كله يمكن أن يساهم في تفاقم الخلافات التي يصعب حلها".

كما لفت كورتونوف الانتباه إلى حقيقة أن تركيا لا تزال ملتزمة باتفاقية مونترو، وعدم السماح لسفن الدول الأخرى الحربية بدخول البحر الأسود، وذكر: "تحاول تركيا انتهاج سياستها الخاصة. من الواضح أن هذه القرارات لا تؤثر في روسيا كثيرا، إنما تأثيرها غير مباشر".

بدوره، يرى المستشرق كيريل سيمينوف أن تركيا اتخذت مثل هذه الخطوة "التي لا تستطيع روسيا حتى لومها عليها. فهي، كدولة في الناتو، سهلت الإمدادات العسكرية لدولة معادية لهذا الحلف ولم تخرق اتفاقيتها معها، بل وفت بها حتى النهاية. إنما هي ببساطة لم تمددها". ويرى سيمينوف أن قرار تركيا "لا يمثل مشكلة كبيرة" بالنسبة لروسيا، "لأن الجزء الأكبر من الشحنات اللازمة للقوة الروسية في سوريا يتم تسليمه بواسطة سفن مدنية، ولا تزال مضايق البحر الأسود مفتوحة أمامها".

 

استدراج للمقايضة

 

كتب غينادي بيتروف، في "نيزافيسيمايا غازيتا" يوم 26 أبريل، عن محاولات الغرب لتسوية الأزمة الأوكرانية، على حساب الوضع في سوريا.

وجاء في المقال: اليوم، 26 أبريل، سيجري فلاديمير بوتين محادثات مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وقد زار الأمين العام، يوم 25، تركيا، حيث بحث آفاق حل النزاع الروسي الأوكراني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وعشية ذلك، أدلى وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، بتصريح غير متوقع، قال فيه إن هناك اتفاقا من نوع ما بين روسيا وأوكرانيا بات جاهزا. لم تؤكد موسكو ولا كييف كلام تشاووش أوغلو، لكنهما لم تدحضاه أيضا. وهذا يعطي محادثات غوتيريش في العاصمتين التركية والروسية بعدا إضافيا.

ومن المثير للاهتمام أن بداية جولة الأمين العام كادت تتزامن مع حدثين مرتبطين مباشرة بروسيا. ففي 26 أبريل، ستصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع القرار الذي اقترحته ليختنشتاين، حول تقليص دور روسيا في هذه المنظمة.

من دون شك القرار وسيلة ضغط على روسيا. وأكثر من ذلك قرار تركيا غير المتوقع بحظر عبور الطائرات الروسية، العسكرية والمدنية الناقلة لمعدات أو جنود على حد سواء، أجواءها إلى سوريا. فقد تم اعتماده عشية وصول الأمين العام إلى أنقرة.

وفي الصدد، قال خبير مجلس الشؤون الدولية الروسي، كيريل سيمينوف، لـ"نيزافيسيمايا غازيتا": "تقول تركيا إن روسيا، كلما طال الصراع، كلما رفضت أكثر إجراء حوار في الجوهر، وكلما اضطرت أنقرة إلى الانخراط في إجراءات الضغط على روسيا، لأنها نفسها تتعرض لضغوط من الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي".

قد يتزعزع الهدوء في سوريا قريبا. بالطبع، يبدو خيار مقايضة أوكرانيا بسوريا غير مقبول للكرملين، ما يعني أن الاتفاقات على هذا الأساس غير ممكنة. لكن حسم العملية الخاصة الروسية بالنصر لا يلوح في الأفق بعد. لذلك، لا تستبعد خيارات مختلفة للخروج من هذا الموقف، بما في ذلك الاتفاق على شروط معينة.

 

قناة السويس

 

تؤكد مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أن واشنطن كثفت ضغوطها على القاهرة لتقدم على خطوة حظر مرور السفن الروسية قناة السويس ولكن دون تحقيق أي نجاح حتى الآن.

ذكر المحلل ألكسندر نازاروف نشهد تصعيدا متسارعا للعقوبات الاقتصادية الغربية ضد روسيا، والغرب في عجلة من أمره، بينما بدأ اقتصاده فعليا في التداعي، لذلك أصبح الغرب بحاجة إلى النصر بأقصى سرعة ممكنة، في لعبة لا تحتمل أن يكون هناك “تعادل”، فالتعادل هنا هو هزيمة للغرب، الذي يحتاج إما نصرا كاملا أو يواجه هزيمة، والثانية أكثر ترجيحا من الأولى بكثير. لهذا يتزايد التصعيد، ويحاول الغرب إشراك أكبر عدد ممكن من الدول في الحصار خاصة في البحر والجو.

أننا نتحدث هنا عن حصار تجاري واقتصادي كامل، حيث تقف القوة العسكرية الروسية وحدها حائلا أمام إعلان الحصار التام رسميا.

في ظل هذه الظروف، تلعب الهند والصين دورا حاسما في قدرة روسيا على المقاومة والاستمرار في التجارة الخارجية على الرغم من الضغوط الغربية.

وفي ضوء ذلك، تصبح القدرة على نقل البضائع الروسية إلى آسيا، خاصة النفط والفحم والغاز، أمرا بالغ الأهمية.

وبينما لا تملك السكك الحديدية إلى الصين، وكذلك الموانئ البحرية الروسية في الشرق الأقصى، القدرة على تصدير مثل هذا الحجم من الموارد، أصبحت موانئ روسيا المطلة على بحر البلطيق والبحر الأسود بوابات روسيا الرئيسية إلى آسيا.

وعلى الرغم من العلاقات المعقدة للغاية بين روسيا وتركيا، إلا أن العلاقات بين تركيا والغرب لا تقل تعقيدا. ناهيك عن سعي تركيا للعب دور عالمي على الساحة الدولية، بالإضافة إلى وضعها الاقتصادي الصعب، والذي يمكن أن يجعل من تعاونها مع روسيا عصا سحرية تخلصها من مشكلاتها، وفي الوقت نفسه يجعل من مواجهتها لروسيا تذكرة لها إلى القبر. لهذا، وباختصار، فمن المستبعد أن تغلق تركيا مضيقها أمام السفن الروسية.

وهنا يطرح السؤال نفسه بشأن انفتاح قناة السويس أمام روسيا.

أعتقد أن تبني الغرب لعقوبات ضد دول ثالثة بغرض منعها من استقبال وعبور وصيانة السفن التجارية الروسية هو مسألة وقت، وسيكون الهدف الرئيسي من هذه العقوبات هو قناة السويس.

وستقف حينها مصر أمام خيارين: فإما الوقوف في عداد دول مثل الصين والهند وتركيا، مستعدة لمقاومة الغرب واتباع سياسة مستقلة، أو الخضوع لإرادة الغرب، بغض النظر عن خطورة تبعات ذلك عليها.

تقدم موسكو فوائد اقتصادية كبيرة للقاهرة، بما في ذلك ببنائها محطة الطاقة النووية في الضبعة بقرض ائتماني كبير، وبإنشاء منطقة صناعية روسية بالقرب من مدينة بورسعيد المصرية، بينما يؤكد المسؤولون من الجانبين استمرار هذه المشاريع. كما أن مصر كانت مشتر رئيسي للأسلحة والقمح الروسيين، ما ضمن أمنها العسكري والغذائي.

وكان تبني مصر لسياسة تعدد المحاور في هذه الظروف اختيارا معقولا وسهلا وضمانا للحفاظ على الاستقرار السياسي الداخلي في البلاد.

لا أقول إن على مصر البصق في وجه الولايات المتحدة الأمريكية والوقوف إلى جانب روسيا والصين. فأنا أعي تماما قدرات الدولة المصرية، التي تعتمد بشكل كبير على الغرب، في القطاع المالي قبل كل شيء.

ولكني أود فقط أن أكرر أن سياسة تعدد المحاور بالنسبة لمصر سمحت لها بالحفاظ على الاستقرار، ومن المرجح أن يقود التخلي عنها الآن إلى زعزعة استقرار الوضع الداخلي. ففي العصر الحالي، لم يعد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية يحصلون على مزايا، وإنما يتعين عليهم تحمل تكاليف تسهيل تحقيق الولايات المتحدة الأمريكية لأهدافها.

أود أن أكون مخطئا، إلا أنني أشك في فرص مصر للخروج من هذا الفخ الجيوسياسي. لكن تسارع انجراف المملكة العربية السعودية والخليج نحو الصين يمكن أن يرفع من قدرة مصر على مقاومة ضغوط واشنطن.

 

الرفض الهندي

 

رفضت الهند الضغوط الغربية وخاصة الأمريكية والبريطانية للتخلي عن سياسة الحياد التي تتبعها تجاه الحرب في أوكرانيا، كما رفضت نيودلهي المشاركة بأي شكل في مقاطعة روسيا تجاريا رغم تهديدها بعقوبات غربية. وبهذا الصدد قالت صحيفة "آسيا تايمز" يوم 28 أبريل إن رفض الهند فرض عقوبات ضد روسيا، وقرارها اعتماد الروبل في التبادل التجاري مع روسيا فاجأ الولايات المتحدة، مشيرة إلى مدى التقارب بين موسكو ونيودلهي.

وأوضحت الصحيفة في تقرير أن الاختلافات بين واشنطن ونيودلهي في تقييم الأحداث وتباين مواقفهما من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا تعكس توجها إقليميا نحو مزيد من التقارب بين روسيا والهند والصين.

وأضافت الصحيفة أن "موقف الهند مثل صدمة للولايات المتحدة"، مشيرة إلى أن "الهند ترفض التخلي عن حليفها القديم روسيا بسبب الأزمة في أوكرانيا، وبدلا من دعم العقوبات الأمريكية، طورت نيودلهي أدوات تحويل واستثمار للعملة المحلية للتجارة مع روسيا بالروبل والروبية".

وذكر كاتب المقال إن البيت الأبيض نفسه دفع البلدان للتعاون مع روسيا من خلال الهروب "المهين" من أفغانستان.

وأوضح الكاتب أن مثل هذه التصرفات من جانب الولايات المتحدة، تدفع القوى الآسيوية الثلاث روسيا والهند والصين إلى التعامل بنفسها لحل المشاكل، مشيرا إلى أن "نيودلهي باتت على قناعة بأن الصداقة مع أمريكا مثل برميل بارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة".

عمر نجيب

[email protected]