في يوم القدس العالمي فلسطين على درب النصر

أربعاء, 2022-04-27 15:53

عندما أعلن الإمام الخميني اعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان يوما عالميا للقدس، لاقت تلك الدعوة المناهضة للصهيونية والداعمة لمشروع التحرير في فلسطين تجاوبا كبيرا في العالم أجمع ناقلا صداه الى كل الاحرار الداعمين لهذا المشروع العظيم، وما أجدر بأبناء الامة اليوم التمسك بكل دعوة داعمة للقضية الفلسطينية ومناهضة للصهيونية التي كرست واقع الاحتلال والتهجير ومارست الانتهاكات ضد أبناء الشعب الفلسطيني متجاهلة لكل الاعراف الانسانية والمواثيق الدولية، إلا أن هذا الشعب بقي صامدا مناضلا في سبيل تحقيق مشروعه الذي كافح من أجله طوال فترة الانتداب وقدم قوائم كبيرة من الشهداء ثم استمر كفاحه بعد الاحتلال عام ١٩٤٨م وحتى اليوم سائر على درب التحرير حتى يبزغ الفجر .

ما أشبه اليوم بالامس في معادلة التحرير الفلسطينية بين أجيال مرت على القضية بدءا بأولئك الرجال الاوائل أمثال الشيخ عز الدين القسام والرعيل الاول من المناضلين الذين حققوا إحدى الحسنيين ثم تواصلت قوائم الشرف في تلبية صوت الحق ونداء الوطن متوكلين على الله في رحاب قضيتهم المقدسة، فحلقت الاجيال تو الأجيال على هامة الشرف وقدمت أسماء لقنت المحتل دروسا في العزة والكرامة والتمسك بمشروع التحرير فنالت شرف الشهادة بعد أن أيقنت أنها من أعظم الكرامات عند الله لتتوالى قوائم الشهداء بين القيادات الفلسطينية وفرسان الميدان أمثال أبا جهاد والمهندس يحيى عياش وغيرهم من قادة وعناصر المقاومة دون حصر، وسجل أبناء الشعب الفلسطيني نماذج عظيمة من الفدائيين أمثال عمر ابو ليلى وأخيرا وليس آخرا رعد حازم وغيرهم من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه .

“فلسطين هي ملك للشعب الفلسطيني والكيان الغاصب لا بد أن يضمحل” كلمات كان لها وقع عظيم تفاعل معها ملايين الاحرار والشرفاء الذين ساروا على طريق واحد هو طريق التحرير الذي بدأت ملامحه تتشكل على أرض فلسطين فطوبى لكل المناضلين في سبيل الحرية والكرامة .

اليوم بحمد الله تمتلك المقاومة خاصية الردع الصاروخي الذي جاء بعد نضال تراكمي طويل، فكانت غزة هاشم على موعد مع النصر ترسم طريق التحرير كقاعدة اسناد قريب للنضال في الضفة، وأراضي ما يسمى ال٤٨ الذين أثبتوا أيضا أن الدم الفلسطيني الذي يجري في عروقهم يحمل نفس الصفات الوراثية لدماء الرعيل الأول من القادة والمناضلين، فشعشعت بوارق الأمل مع كل اعتداء صهيوني منذ انتفاضة الحجارة عام ١٩٨٧م وصولا الى انتفاضة الأقصى عام ٢٠٠٠م، وقد أراد الله لهذه الفئة التقدم في ميادين الشرف على الأرض الفلسطينية، وما أجدر بهذا الشعب العظيم النضال والرباط في سبيل الله دفاعا عن الوطن والقدس والمقدسات .

 رغم المجازر العنيفة التي نفذتها آلة البطش الصهيونية لكبح جماع تلك الانتفاضات الفلسطينية، إلا أن النتائج جاءت مبشرة فتم تحرير قطاع غزة المقاوم بالانسحاب أحادي الجانب بعد استنزاف تعرض له العدو، كما سبقه الانسحاب من جنوب لبنان الذي تحقق بفعل ضربات المقاومة قبل ذلك، فأصبح الكيان المحتل بين نارين إحداها في الشمال (حزب الله) والآخر في الجنوب، وقد حاول العدو وئد مقاومة حزب الله في عدوان صيف ٢٠٠٦م فعاد خائبا لم ينل سوى الخزي والعار، وخرج حزب الله أقوى مما كان، كما برزت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لتؤكد أن المشروع واحد وأن المصير واحد، بعدها حدث عدوان ٢٠٠٨/ ٢٠٠٩م وجاء بنتائج ايجابية لصالح المقاومة التي أيقنت أن طريق التحرير من خلال تطوير قدراتها العسكرية لتصبح اليوم أقوى وأخطر قوة تهدد كيان الاحتلال من جهة الجنوب، وهي مستعدة لكل الاحتمالات والمغامرات، هكذا كانت معركة بدر الكبرى في رمضان السنة الثانية للهجرة وهكذا قدر الله أن تكون معركة سيف القدس في رمضان من العام الماضي أي بعد ١٤٤٠ عام وقد صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما رفع يده مخاطبا ربه: (والله إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ فَلَنْ تَعْبُدَ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا) ، والامة اليوم ترفع أكف الضراعة إليك يالله بأن تنصر هذه الفئة المجاهدة في سبيلك لاستعادة حقوقهم المشروعة في فلسطين، اللهم حقق لهم وعدك الذي وعدت اللهم آمين .

اليوم يضيء هذا الجيل بوارق الأمل ويرسم طريق المستقبل لمشروع التحرير العظيم الذي عمد على أشلاء الشهداء، وما هذه التجاوزات اللاانسانية التي استهدفت الحجر والبشر إلا فسادا في الارض وإيذانا بأن الوعد الإلهي قد اقترب، قال تعالى: ” لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ” واللعن هنا يعبر عن سخط الله، ثم يأتي الوعد الرباني بالزوال الذي اتفقت فيه جميع الكتب السماوية محذرة هذه الفئة الباغية التي أنقذها الله من ظلم فرعون قبل ثلاثة آلاف سنة فعاثوا فسادا في الأرض فتحقق وعد الله الاول فيهم ولا شك أن ملامح الزوال الأخير قد بدأت ظاهرة للعيان.

عندما نشاهد الطفل الفلسطيني يقف أمام دبابات الاحتلال رافعا علم بلاده يلمع من عينيه شعاع الامل، وعندما تقف الطفلة الفلسطينية أمام الجرافة الاسرائيلية غير عابئة بالخطر تذود عن منزل ذويها وتصرخ في وجه جنود الاحتلال، وعندما تقوم طفلة مثل عهد التميمي بصفع ضابط من جيش الاحتلال ويسألها القاضي كيف ضربتي الضابط ترد بمنتهى الثقة أطلق هذه الاغلال من يدي وسأعلمك كيف ضربته، الله أكبر لهذه البسالة والعزة والصمود، الله أكبر وقد أراد الله أن يقترب وعده الحق على يد هذا الجيل من الاطفال من أبناء فلسطين، لم ينسوا حلمهم الاول وأعادوا مشروع التحرير الى الواجهة بعد غياب طويل، اليوم لا نتحدث عن أمنيات بل نتحدث عن وقائع على الأرض بالدقة في الزمان والمكان وحسبما تقرره المقاومة، وكما قال القائد القسامي محمد الضيف أبو خالد الذي هدد اسرائيل بدفع ثمن غال إذا لم تتوقف عن أعمالها العدوانية في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة العام الفائت، وقد صدق وعده فلله دره من مجاهد أبر بقسمه وقدم هو ورفاقه ملحمة النصر .

 عندما غنت الفنانة اللبنانية فيروز: “الغضب الساطع آت وأنا كلي إيمان .. الغضب الساطع آت سأمر على الأحزان .. من كل طريق آت بجياد الرهبة آت .. وستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية .. وستمحو يا  نهر الاردن آثار القدم الهمجية ..” كانت فيروز تعبر عن هذا الايمان العظيم الذي يعتمر قلوب المؤمنين ويثق بالنصر القادم، فما بعد معركة سيف القدس ليس كما قبلها، واليوم نقول قررت المقاومة أن تضع قواعد جديدة للصراع، فهذا الشعب بأكمله بين نصر واستشهاد، فأصبح كيان الاحتلال يبحث عن الامن والامان ولا يعرف من أين ستأتي الضربة القاضية، ولا شك أن طريق النصر يمهد من خلال قوافل الشهداء، هكذا هي قوانين الطبيعة .

لقد وجهت المقاومة انذارها للاحتلال في رمضان من العام الماضي بفك الحصار عن القدس وحي الشيخ جراح وقدرت موقفها العسكري بشكل دقيق، فهي بعد التوكل على الله والايمان بقضيتها ومشروعها هي واثقة بقدراتها وبما تمتلك في مخازنها من صواريخ ومسيرات مستعدة لكل الاحتمالات حتى آخر قطرة دم من دماء شعبها، وبالتالي فإن القرار اليوم هو نفسه القرار مع انطلاق أول صاروخ من قبل فصائل المقاومة زلزل كيان الاحتلال، ليؤكد على أن الخط البياني للمقاومة الفلسطينية في تصاعد مستمر، كلها رسائل جلية لكيان الاحتلال أن التكلفة في المستقبل لن تتوقف على النقاط الرئيسية المعروفة بل بالتحرير الكامل لفلسطين التاريخية، وهو ما سيحدث بعون الله عاجلا أو آجلا وقد أكدته الآيات القرآنية وتجارب التاريخ غنية بالدروس، ويومئذ يفرح المؤمنين بنصر الله .

خميس بن عبيد القطيطي كاتب عُماني

[email protected]