ما الجدوى من ان يكون طارق بن زياد او يوسف بن تاشفين مغربيا او جزائريا او موريتانيا؟

خميس, 2022-04-21 20:39

تابعت  تعليقات القراء الكرام على مقال أمس “المهدي المنجرة أفضل من دافع عن القضية الفلسطينية.. وما أحوجنا اليوم لخريطة الطريق التي وضعها لتحقيق النصر والتحرير”، و الملاحظة التي أثارت انتباهي أن البعض يركز على جزيئات لا تغني و لاتسمن في إخراج الأمة من غثائيتها.. فما الجدوى من  أن يكون طارق بن زياد مغربي أو جزائري و ما الفائدة من ان يكون “يوسف بن تاشفين” شنقيطي أو من تلمسان ففي الحقبة التي برز فيها هؤلاء الرجال لم تكن أصلا هذه الحدود المصطنعة ، فكان هؤلاء منتمين للإسلام ..المهم انه مسلم و خدم الأمة من هذا المنطلق ..هذه الصراعات هامشية  و لا قيمة لها هذا يفتخر أنه أمازيغي  و الاخر  فنيقي و ثالثهما فرعوني او قبطي، أيها السادة هذه المنطقة من طنجة إلى جاكرتا لم يكن لها وجود مستقل عن القوى الكبرى فهي في الغالب كانت مهيمن عليها من قبل قوى أجنبية أخرى إما الرومان أو الفرس أو الصينيون…. لكن وجودها المستقل و المتميز بدأ مع الإسلام ، و العرب  قلب الإسلام لم يكن لهم وجود قبل البعثة المحمدية ، لكن بعد البعثة تحولوا إلى أمة تحمل نور الهداية و الإعمار و الصلاح لمشارق الارض و مغاربها …الامة الإسلامية لا يمكن ان تتوحد و يستقر لها حال إلا بتوحد العرب و تجاوزهم هذه القطرية المقيتة، و انسلاخهم من الحدود التي وضعها الاستعمار الأجنبي،  و عودتهم إلى دورهم في نصرة الإسلام و إعلاء كلمة الحق، فعندما يخرج العرب من غثائيتهم سيتغير مصير الأمة الإسلامية و مصير العالم …

و أغتنم الفرصة لأتوجه بالشكر والتقدير لكل قراء “رأي اليوم” اللندنية وكل الأصدقاء الأفاضل على صفحتي الرسمية ومتابعي برنامج “إقتصاد × سياسة” واشكر طلبتي الذين أجد ان صدى مقالاتي حاضر في تحليلاتهم ومواقفهم ..بصدق هدفي من الكتابة هو تنوير الرأي العام و التأسيس لصحافة حرة موضوعية توجه القارئ إلى مكامن الداء وإلى جوهر الأمور لا سفاسفها..

فالتغيير يبدأ من الذات فعندما يرتقي و يكتمل وعينا و تتسع دائرة الوعي، عندما يصبح امثال هؤلاء القراء و المعلقين هم الأغلبية الساحقة حينذاك لن نحتاج للكثير من التضحيات لتحقيق التغيير و الخروج من الغثائية. بل يصعب السيطرة على مقدرات الوطن و ثراوته و إهدارها في سفاسف الأمور و في إفساد البر و البحر..

أيها السادة، حذاري من الانجرار نحو القضايا الثانوية..و من ذلك الموجة التي تعم هذه الأيام صفحات وسائط التواصل الاجتماعي ، و الصراع الدائر بين الشيخ و الشيخة ..بالله عليكم المسألة بسيطة تماما غيروا القنوات و تابعوا المحتوى الهادف، هذا النقاش الهامشي ينقل إهتمام الناس من القضايا المصيرية قضايا العيش الكريم و تقلص الحريات السياسية و المدنية ، العدالة الاجتماعية و عدالة التوزيع ، الفساد و الاستبداد السياسي، نهب الثروات الوطنية و هدر المال العام بدون محاسبة او مراقبة…هذا بالإضافة إلى  محاولة التغطية عن موقف المغرب من قضية الانتهاكات الجسيمة التي تتم في الاقصى و عموم فلسطين، و موقف وسائل الإعلام العمومية التي أصبحت تساوي الجلاد بالضحية في تغطيتها للأحداث..

لابد ان نركز على ما يريدوننا تجاهله و عدم متابعته ، النقاشات الهامشية لا تصنع التغيير ..بنظري الشيخ أو عالم الدين الذي لا يتكلم عن الظلم و نهب الثروات الوطنية و الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و تدمير الانسان و انتهاك كرامته و تضييق خياراته في العيش الكريم، العالم و المثقف الذي لا يتكلم عن البطالة و تفضيل أغلبية الشباب  بل و الأطفال الإرتماء في أحضان البحر للهروب من بلاد الإسلام باتجاه الغربـ ، بالرغم من أن فرص الوصول إلى الضفة الأخرى محفوفة بالمخاطر، الشيخ أو عالم الدين الذي يتجاهل هذه القضايا أكثر ضررا من “الشيخة” او “الراقصة” بلغة المشارقة، فعلى الأقل نعلم جميعا انها “شيخة” أو “راقصة” أو ” بائعة هوى” أو ” فنانة” قل ما شئت من أوصاف و أسماء فهي لن تغير من الحقيقة في شيء، فدورها لن يتعدى الترفيه و التسلية و سرقة وقت و مال من يتابعها او المفتون بها، لكن هذا لن يجعل منها عالمة او مناضلة لدى أغلبية الناس فمن يدافعون عنها قلة عبر كل العصور و حتى من يدافع عنها فهو يدافع في السر و من وراء الستار .. لكن الشيخ أو الفقيه أو رجل الدين  أو العالم ، فهذا عندما ينحرف و ينتقل من الأساسي إلى الهامشي فتلك هي الكارثة حقا..فعبر التاريخ كان لرجال العلم و مواقفهم دور بالغ الأهمية في حماية الاوطان و الدفاع عن بيضة الإسلام ..فالعلماء ضمير الأمة و بوصلتها، لكن عندما يكونون اهلا لهذه الصفة و المهمة السامقة..

 و الواقع أن القضية ليست الاصطفاف بجانب هذا المعسكر أو ذاك ، فالشيخ بنظري ، جانب الصواب عندما إختار تسليط الضوء على هذا الأمر و أهمل قضايا أهم ، و من ذلك إنتهاك حرمة الأقصى و رهن مصير البلاد و مستقبلها بأيدي الصهاينة ، فخير علاج للتفاهة و المحتوى الرديء هو تجاهله، أما تسليط الضوء عليه فذلك يزيد من حجم متابعيه و يوسع دائرة مكاسب صناع التفاهة..

لكن هذا الجدل يحيلنا بإتجاه مسألة في غاية الأهمية، و هي أننا لا زلنا نعاني من غياب إعلام حر موضوعي و نزيه ينحاز لإرادة الشعب  مع حرصه الشديد على ضمان قدر نسبي من التنوع و التعددية في طرح الرأي و الرأي الأخر، تعدد يشمل المعارضة و الأغلبية، يحترم صوت الأقليات العرقية والدينية  و يضمن حقها في التعبير  عن مواقفها و تطلعاتها…

للأسف ليس لدينا إعلاما بهذه المواصفات، و السبب يمكن إرجاعه إلى عدة عوامل،  فمجتمعاتنا العربية لازالت تعاني من أمراض التخلف، كالفقر و الأمية و غياب مفهوم الرأي و الرأي الأخر، فقاعدة المقروئية و التأييد لازالت جد ضعيفة و بالتالي فالصحافة لازالت مرتبطة بأجندات خاصة و لم تنخرط بعد في أداء دورها الأساسي في  توجبه وصناعة الرأي العام، فهي لازالت في الغالب مجرد أداة في يد الأنظمة الحاكمة ومن يدور في فلكها..

كما أن حرية الإعلام وحرية الصحافة لازالت شبه غائبة، فحرية الإعلام لا يمكن فصلها عن الحريات العامة للشعوب و الشعوب لازالت مكبلة بقيود الاستبداد و الطغيان المحلي و الأجنبي ، فالسلطة مازالت تتعامل مع مجال الصحافة والإعلام، كأداة أساسية في تمرير مخططاتها السياسية، وإستراتجيتها في المجتمع، تارة عن طريق التحكم في عدد من الصحف وفي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، وتارة أخرى في التضييق على حرية التعبير وفي العديد من الأحيان، تلجأ إلى افتعال مشاكل ونزاعات، بل وتخلق توترات في المجال السياسي، عبر قمعها لحرية الصحافة وتعريض بعض المؤسسات الصحفية إلى المحاكمة أو الرقابة أو الحجز والمنع.

وتحاول السلطة أن تستعمل عدة مبررات سياسية ودينية وأخلاقية لتمرير هذه الإجراءات. فهناك، من جهة، التركيز على كل ما يمس المؤسسة الملكية أو المؤسسة الحاكمة ، وشخص الملك أو الرئيس في “الجملوكيات العربية” في بعض الحالات، وهناك أيضا ما يسمي بالمس بالأخلاق وبالدين الإسلامي…مع العلم أن المؤسسات السياسية والدستورية القائمة بهذه البلدان هي الأكثر  إساءة للأخلاق و القيم الدينية، نتيجة لتبنيها أساليب الكذب والخداع و التضليل و التضبيع و التسفيه  في إدارة شؤون البلاد والعباد …

اعتقد أنه لا مجال للحديث عن الديمقراطية وباقي مرادفاتها طالما أن سلطة الإعلام لازالت مغتصبة من قبل حكام مستبدين من جهة وأباطرة الفساد من جهة أخرى. وهؤلاء جميعا انتماءهم و أجنداتهم الخاصة في الغالب تكون في ضد مصالح شعوبهم …

ولما كان هذا المقال نتاج للجدل الدائر حول المقال السابق، فكم من المهم الاستعانة بالمهدي المنجرة رحمه و أسكنه فسيح جناته، فقد إهتم كثيرا بقضايا الإعلام والتواصل ودور وسائل الاعلام في  تطويع الشعوب والتأثير في ممانعتها لخدمة أجندات الأنظمة الشمولية عبر أساليب الدعاية والترويج في محاولة لتضليل عقول البشر واتخاذه أداة للقهر … ولنا أن نرى كيف تعامل الإعلام المغربي الرسمي مع بعض الملفات المجتمعية المصيرية وكيف استخدم قضايا أخرى هامشية للتمويه والتعمية كستار من دخان لإخفاء الحقائق عن الرأي العام.

أعتقد أن الإعلام بشكل عام إذا لم يكن عاملا فاعلا في أحداث الواقع، قريبا من نبض المواطن المستضعف، مستشرفا لمستقبله، فالأحرى أن يسمى دعاية أو إشهارا أو شيئا من هذا القبيل. لأنه، في عمقه الرسالي، صلة وصل بين الرأي العام ومختلف مكونات مركز القرار تهدف أساسا إلى لفت أنظار المجتمع قصد القيام بإجراءات للتحري عن واقعه وآفاقه، وتقديم سبل للخروج من أزماته حتى في أدق جزئياتها البنيوية غير الظاهرة…

و تبعا لذلك، فإن الإعلام بنظر المهدي المنجرة رحمه الله ، يشكل عنصرا أساسيا في عملية التغيير، ” لأن التغيير ليس إلا تحولا ناجما عن إسهام جديد في مجال المعلومات المتوفرة.. وهكذا فالإعلام هو السلاح الذي يمكن من حصر رقعة الجهل، و تبرير إعادة طرح معارفنا على بساط البحث….

و خلاصة القول، فإن التخلف قد لا يكون إلا نتيجة العجز عن ابتكار الإعلام المنتج، و خاصة العجز عن معالجته بوجه محكم، و تحديثه و تغييره بانتظام، وتوزيعه بعدالة فالإعلام، هو أبعد من أن يمثل مشكلا بسيطا في نظر التقنيين و الخبراء سار يشكل مسألة سياسية هامة، كما أنه سوف يحدد طليعة المحددات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية التي يقوم عليها كل تصور يتعلق برسم مشروع إقامة أي مجتمع جديد….فإلى أين يتجه الإعلام ؟ إلى حيث تقوده الإرادة السياسية ….” المهدي المنجرة ( سلسة (شراع) ع 1 ص 17 )

و الجدير بالذكر،  أن المنجرة رحمه الله توقع في نهاية ثمانينات القرن الماضي، أن الاقتصاد العالمي المتعلق بالمعلوماتية والاتصال والناتج عنهما سيحتل المرتبة الأولى في أولويات الاقتصاد العالمي قبل عام 2010، وسيتغلب على الاقتصاد الناتج عن تجارة السلاح، ويزاحم إنتاج البترول، و هو من أوائل الباحثين في العالم الذي نشر هذه المعلومات علناً ، وقد لاقت أفكاره تلك، تشكيكاً من قبل قطاعات واسعة من الباحثين و المثقفين، فقد كتب  العديد  من الباحثين بل والعلماء في الصحف العالمية والعربية ، معتبرين أن هذه الأفكار مبالغ فيها، وأصر معظمهم على أن أفكار المهدي المنجرة هي في الواقع أوهام لا يمكن أن تتحقق، ورؤى باحث عالم-ثالثي متعجل، وليس لها مصداقية كافية.. و موقفهم هذا كان نابع من ضيق أفقهم ، فقد كان من الصعب أن يتصور المرء في ذلك الوقت (ثمانينات القرن الماضي)، أن تطور وسائل المعلوماتية والاتصال، سيكون عاملاً حاسماً في قيام اقتصاد جديد، يلعب دوراً رئيساً في الدخل القومي العالمي، إن لم يكن الدور الرئيس، وأن يصبح الأداة الكبرى لاستخدام (التكنولوجيا المتطورة) ومنتجاتها ويهيئ لها ظروفاً تلعب دوراً استثنائياً في بناء الاقتصاد العالمي…بل و دورها البالغ الأهمية  في تشكيل الوعي الفردي والجمعي، و تغيير مفاهيم البشر المتعلقة بالسلطة والدولة والحرية والعدالة والمساواة، والموقف من القيم والتقاليد، وتولدت أنماط سلوك جديدة…

الحصار و التعتيم الذي تمت ممارسته على المهدي المنجرة  و أراءه التنويرية لازال مستمرا، و لكن بشكل أعم و أكبر فهذا التعتيم يشمل رجال العلم و صناع المستقبل و صناع المحتوى الهادف و المنتج لقيمة مضافة، فالإعلام المشبوه يقدم “الراقصة” على انها مهنة شرف و رمز كفاح ونجاح، و أنهم هم القدوة و المثال الذي ينبغي السير على هداه .. و في ذلك رسالة مشفرة هدفها ضرب القيم و القدوات و   الأخلاق النبيلة و التأسيس لثقافة الغاية تبرر الوسيلة و الأخلاق و العلم لا فائدة منهما ..و تناسى هؤلاء أن نهضة الأمم يصنعها رجال العلم و الفكر و أن رجال العلم و التعليم بناة المستقبل … أما صناع اللهو و التفاهة و السفاهة فيضيعون اوقاتهم و اوقات من يتابعمهم و  يدمرون مستقبل من يحاكيهم..

فما أحوجنا اليوم  لمكارم الأخلاق لأنه عندما نرتقي أخلاقيا سنرتقي في كل شيء…يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”

فتحية لأهلنا في فلسطين و للمقدسيين و للمرابطين بالمسجد الأقصى المدافعين حقا عن شرف الأمة و عزتها و رقيها ، و تحية  لكل الاصدقاء و القراء الذين يصنعون التغيير بملاحظاتهم و إضافاتهم القيمة.. نكتب أيها السادة ليس من اجل ملء الفراغ أو للتسلية، لكن لأجل المساهمة و لو بقدر يسير في دق ناقوس الخطر و إنقاذ الأجيال الصاعدة من الضياع ، و لعل ذلك ما يجعلني أحرص على التدريس بالجامعة و الاستثمار في  الاعلام الهادف و الحضور قدر الإمكان على صفحات هذا المنبر الحر و النزيه و الهادف “رأي اليوم” .. فقصدي نشر الوعي و التنبيه إلى مخاطر الانزلاق خلف مجموعة من القيم و السياسات التي حقا ستخرج الناس عن فطرتهم و أخلاقهم بل و دينهم .. أجد أن كثيرا من السياسات و الممارسات التي يتم الترويج لها لا يمكن تصنيفها إلا في خانة العداء لله و رسوله بل و العداء للإنسان و فطرته السليمة و مستقبله على هذه الأرض، و الأمر ليس له صلة بالمغرب او العالم العربي والاسلامي فحسب بل بالإنسانية بالمجمل فما يحدث هو أجندية عالمية عابرة للحدود و صانعها واحد، و لعل ما يحدث هو مقدمة لعصر الدجال   ..

أبناءنا في خطر و  مهمتنا الأولى تحصينهم و تقوية مناعتهم بالثقافة و القيم و المبادئ الإسلامية، لأن الإسلام شاء من شاء و أبى من أبى منهاج رباني و بوصلة ربانية كفيلة   بإنقاذنا من التيه و الانحراف في زمن التيه و إنقلاب و إنحراف  كل الموازين و القيم  ..أيها   الإخوة الكرام حصنوا انفسكم و أبنائكم و ذويكم بالقران و سنة نبيه فهي المنجي و الواقي في عصر الدجال و الله أعلم … والله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون…

د. طارق ليساوي إعلامي وأكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني والشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..