منعت - بعد خسائر متعددة - من مطاردهم ، وكذا الألغام المنتشرة التي زرعوها في كل مكان من الشمال الشرقي الموريتاني !
رابعا : كون بعض قبائلنا الذين من ضمن أفرادهم من يخدم في جيشنا الوطني ، ربما كانوا يمدون البوليزاريو ببعض نقاط ضعف أمننا . بل و مما يعطي مصداقية لذلك فهو أن واحدا من أولئك الضباط لماصار رئيسا لبلادنا حسب التناوب على الكراسي وتصفية الحسابات داخل اللجنة العسكرية الحاكمة يومئذ ! فقد سلم للبلزاريو الجزء الذي كان متبقيا في حوزتنا من أرض الصحراء الغربية الذي هو (واد الذهب )على طبق من ذهب لليتحول قبل التسليم والتسلم إلى حوزة المغاربة دون أن يحرك البازاريو ساكنا يذكر ولا من يدعمهم يومئذ !
وقد بقوا الصحراويون يندبون حظهم العاثر ، وواقع حالهم يتمنى لو بقى واد الذهب في يد الموريتانيين كوديعة على الأقل مثل قرية (لگويرة ) التي لا يفصلها عن مدينة انواذيبو سوى مائات الأمتار والتي تقع ضمنهم منشآت سكة حديد قطارات المعادن الموريتانية . بل أرى أنهم الآن ربما يتمنون لو كانوا قد انضموا بكامل أرضهم وشعبهم قبل الحرب لأشقا ئهم الموريتانيين !
خامسا : كون أرضنا تعد مفتوحة التضاريس والبلزاريو يعرفونها شبرا شبرا ،كما يعرفون مسالكها ونقاط مياهها ، وذلك لكون قوافل الصحراويين التجارية قد كانت تجوبها شمالا وجنوبا شرقا وغربا ، وكذا انتاجاعهم أيام كانوا لا يزالون جزءا لايتجزأ من مواطنينا ، وربما سوف يبقون كذلك مهما حصل بيننا من عوامل التجزئة والتفرقة ! وخبرتهم تلك جعلتهم يضربون أي مدينة أوقرية شاءوا.
يكفيكم أن ( غزي ) المرحوم الوالي مصطفى ارگيبي الذي غزى انواكشوط العاصمة قاطعا بمفرزته نحوها أكثر من ألف كم ٢ دون أن تكتشفه الدوريات أو المخابرات العسكرية الموريتانية ، اللتان لم تلاما حسب علمي على ذلك التقصير المشين ! وإن كانت تلك الغزوة غير المدروسة جيدا قد أودت بحياة ذلك الزعيم للأسف !
أما العوامل الداخلية فكثيرة ومن أهمها أولا :
رغم شجاعة ضباطنا وجنودنا أمثال المرحوم اسويدات ولد وداد ،وجدو ولد السالك ،والمرحوم احمد ولد بسيف وغيرهم كثير ، من أفراد جيشنا ضبطا وضباط صف وجنودا ، فكلهم قد قاتلوا باستماتة منقطعة النظير رغم ضعف الإمكانيات . إلا أن الحروب الحديثة خصوصا تلك التي منها ضد حرب العصابات شبه النظامية فلابد لها من عدة وعتاد وإيمان كل المواطنين بعدالة قضيتهم التي بررت لهم دخول تلك الحرب أصلا !
كما أن جيشنا الوطني للأسف قد كانت تنقصه العقيدة العسكرية الوطنية المتأتية أصلا من ثقافتنا العربية والإسلامية الإفريقية ، وذلك لكون معظم ضباطه قد كونهم المستعمر الفرنسي في مدارسه الخاصة وبلغته وثقافته وعلى أرضه ودون مستويات علمية تذكر . وكون معظم رتب ضباطه كانت متدنية إلى حد بعيد ، ولم يسبق لهم أن خاضوا حرب العصابات تلك الحرب التي هزمت فيها جيوش الدول العظمى و التي من ضمنها فرنسا ذاتها ، التي انكسرت هيبتها امام ثوارجزائريين محدودي العدد والعتاد !
علما أن الجيش الفرنسي قد ترك جيشنا في الميدان وحده رغم علاقته المتميزة به يخوض حربا ضروسا غير متكافئة وهو يتفرج عليه ! باستثناء بعض الطلعات القليلة لطائرات (جگوار )لصالح جيشنا ، وقد حول شعبنا -وفاء لتلك الطلعات - اسمها إلى رقصة شعبية جميلة تسمى ( جگوار ) تتمايل على إيقاعها فتياتنا في المناسبات الإحتفالية ، رغم قلة تأثير تلك الطلعات على معنو يات شعبنا المتعطش يومئذ للنصر في حرب الوحدة والتي لو تمت بمجرد حصولنا على نصف أرض الصحراء لكانت فرحتنا ناقصة ولا تشفي لنا غليلا على الإطلاق !
ثانيا : نقصان العتاد العسكري من طائرات مقاتلة ودبابات وسيارات نقل ومدفعية وصواريخ وذخيرة. وكذا التموين والظروف الملائمة، التي تجعل معنويات الجنود مرتفعة . ضف إلى كل ذلك عدم العناية الكافية بعائلات الجنود الذين سقطوا في ميدان المعركة رحمة الله عليهم ، وكذا المعوقين جراء تلك الحرب و المتقاعدين أيضا ، ويعود معظم أسباب كل ماذكرت - من نواقص -إلى ضعف امكانيات الدولة يومئذ بصفة عامة ، وكذا انخفاض مزانية الجيش الوطني نتيجة لذلكك !
ثالثا : البئة الإجتماعية للسكانة والحاضنة للجيش والذين يتوزعون على أربع قوميات ولا يتفقون حتى على لغة وطنية واحدة يتواصلون بواسطتها ، مع احتفاظ كل قومية بلغتها الخاصة ، وكذا ، كون كل قومية توجد من ضمنها عدة فئات اجتماعية تتدرج في سلمها الإ جتماعي الذي لا يرضى عنه من منهم ينظر إليه فيه بالدونية ! الشيئ الذي يعد أقل نسبة في قبائل الصحراء الغربية منه لدينا !
والمستغرب عندي أن قادتنا العسكريين والإستراتيجيين لا يدركون بأن من ينظر إليهم بالدونية في مجتمعهم لا يمكنهم تحقيق النصر لهم لكونهم لن يضحوا بأ نفسهم من أجل مجتمع أكثريته تحتقرهم ، فهذا ما يدركه كل ذي بصيرةً ، ولا يخفى إلا على من تنقصه الحكمة والتجربة ! وإخيرا فإن تلك الوقائع التي قد ذكرت لك بعضا منها مثل حداثة نشأة الدولة والجفاف المدمر وحرب الصحراء وكذا الأنقلاب العسكري ، كل ذلك أثر بصفة ما على سوق العمل وضيق هامش المنافسة فيىه بالنسبة لمن هو في مثل ظروفي الخاصة ، وكذا من هو أفضل مني حالا بكثير.
إذا ففي أجواء كتلك التي حدثتك عنها سابقا فقد بدأت يومئذ يساورني الندم الشديد على سفري أصلا إلى مدينة أنواذيبو. والتي أصابني فيها الملل والعزلة الشديدين من مجرد البقاء فيها ولو ليوم واحد ، وذلك لكوني صرت اشمئز حتى من أنماط سلوك أولئك الشباب الوافدين على أهل المدينة ، وكذا ضائقة البطالة المستمرة التي أعاني منها شخصيا ، وكذا اتكالي ولمدة سنة كاملة على الغير مما جعلني كل ذلك أعقد العزم من جديد على الخروج من مدينة أنواذيبو، مهما كلفني ذلك من تكاليف مادية ليست متوفرة لدي يومئذ كما يجب ، ورغم كوني ذاهبا أيضا إلى مدينة انواكشوط التي تعد كمجهول بالنسبة لي !
الجزء الرابع فلسفة الحياة لدى إطول عمرو
(يتبع)