مع اقتراب العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا من دخول شهرها الثالث كثرت في الغرب خاصة التوقعات التي رجحت بأن العالم سيشهد ختامها يوم 9 مايو 2022. فهذا اليوم يحتل مكانة بارزة في التاريخ الروسي، إذ يحتفي الروس فيه بذكرى انتصارهم في الحرب العالمية الثانية على ألمانيا النازية، غير أن بعض الخبراء يذهبون إلى أن هذا التوقيت ربما يكون نذيرا يؤذن باستمرار الحرب وتوسع مداها، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.
هذه الاستنتاجات المتضاربة تضاف إلى أخرى كثيرة يقدم الذين يطرحونها معطيات ومؤشرات ترجحهم، ومما يزيد من ضبابية الصورة الأبعاد العالمية للصراع العسكري الواسع الدائر في وسط أوروبا والذي قد يبوب في كتب التاريخ كالحرب العالمية الثالثة المصغرة وذلك إذا أفلتت البشرية من تحولها إلى حرب نووية عالمية.
خلال الأسابيع الأولى من المواجهة العسكرية جرت سلسلة مفاوضات بين موسكو وكييف، آمال كثيرة علقت عليها ولكن النتيجة كانت دائما مزيدا من الانتظار وسط جدل بشأن مخاوف الغرب عامة وواشنطن خاصة من توصل أوكرانيا وروسيا إلى تسوية لا تروق للبيت الأبيض وتقدم موسكو للعالم كمنتصر. هذه الوضعية وفرضياتها دفعت بعض المراقبين إلى استنتاج أن هناك مفاوضات روسية أمريكية سرية تدور في تركيا أو سويسرا لإنهاء الحرب في أوكرانيا وتصفية الحصار الاقتصادي على روسيا.
هؤلاء فسروا عدم حسم مثل هذه المفاوضات المفترضة إلى أن واشنطن تماطل في قضية رفع الحصار الاقتصادي بسرعة وتريد أن يكون خطوة خطوة، مرتبطة بتفاصيل التسوية في شرق أوكرانيا. فرضية المفاوضات السرية انتقدها عدد من المحللين وصنفوها ضمن الخيال وأشاروا إلى أن واشنطن نصبت فخا لروسيا في أوكرانيا وترغب في تحويل أرض هذا البلد إلى ساحة حرب استنزاف تضعف بها الكرملين وتحالفه مع الصين، وتوقف أو تنسف بذلك جهود بكين وموسكو لإقامة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وتفرض استمرار الهيمنة الأمريكية على العالم لقرن إضافي آخر كما تنبأ بذلك بعض قادة تيار المحافظين الجدد.
وسط هذه المتاهة تبقى هناك أمور غامضة وتساؤلات لم يستطع أحد الحسم فيها. عمليات الجيش الروسي في أوكرانيا تبدو بطيئة ولا تتناسب مع قدرة قوة عظمى فالكرملين لم يستخدم سوى نسبة صغيرة جدا من قدراته العسكرية، البعض في الغرب يفسر الأمر بسوء في القيادة ومشاكل في الدعم اللوجستيكي وقوة المقاومة من طرف الجيش الأوكراني، غير أن خبراء عسكريين في ألمانيا وفرنسا يتوجسون من أن يكون الأمر مقصودا من طرف موسكو ويشيرون إلى التأخر الغريب في تحرك الجيش الروسي على جنوب الجبهة على أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبتين. بعض هؤلاء يفسرون الأمر بالحرص على عدم إلحاق أضرار كبيرة بالسكان على الأمل في علاقة أفضل معهم في المستقبل، والعمل على تصفية ممنهجة لقوات وأنصار القوميين اليمينيين داخل الجيش الأوكراني بحيث تضعف قبضتهم على السلطات في كييف وبالتالي تقلص استجابتها للإملاءات التي يضعها البيت الأبيض، ويشير هؤلاء كذلك إلى عملية استنزاف لترسانة أسلحة العديد من دول الناتو نتيجة إرسال كميات ضخمة منها إلى أوكرانيا ونجاح القوات الروسية في تدمير جزء كبير منها، ويضيف هؤلاء إلى أن دولا مثل ألمانيا وفرنسا واليونان وإيطاليا أقرت رسميا أنه لا يمكن التبرع بمزيد من الأسلحة دون الإضرار بأمنها القومي.
محللون في أوروبا وآسيا حذروا من أن تواصل الحرب لأسابيع أو أشهر أخرى سيلحق ضررا أكبر باقتصاديات الغرب والنظام المالي العالمي وسيخنق الحركة التجارية العالمية ويهدد مركز الدولار بل قد يزيد من الخلافات داخل تحالف الناتو وأن هذا هو بالضبط ما سيخدم أهداف الكرملين وحليفته الصين وكل الأطراف الدولية التي تريد التخلص من الهيمنة الأمريكية.
بعيدا عن ساحة المعركة العسكرية والاقتصادية تدور مواجهة على الصعيد الإعلامي هدفها الرأي العام. خلال الأسبوع الأول من شهر أبريل 2022 طلبت الخارجية الأمريكية من سفاراتها عبر العالم شن جهود تحفيزية لوسائل الإعلام في الدول التي توجد بها للإبقاء على الحملة المناهضة لروسيا بشأن الحرب في أوكرانيا في نفس الوقت قررت الخارجية زيادة قدرها 1.62 مليون دولار تضاف إلى مبلغ 3.5 مليون دولار المخصص في شهر مارس 2022 لمواجهة ما أسمته حملة التضليل الروسية.
في نفس الوقت ورغم القيود على الميزانية تدرس حكومة لندن زيادة الإعتمادات المخصصة لنفس الغرض والبالغة حتى الآن 4 ملايين جنيه استرليني. الأجهزة الأمريكية طلبت كذلك من حلفائها في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا والذين لهم شبكات إعلامية كبيرة بزيادة الدعم خاصة المادي لكل التوجهات المؤيدة لأوكرانيا ولسياسة الغرب العقابية ضد روسيا بما في ذلك حوافزمالية نقدية.
المعركة الاقتصادية
كتبت صحيفة “بوليتيكو” الأمريكية يوم 11 أبريل أن روسيا لا تتكبد الخسائر الاقتصادية والسياسية التي توقعها لها الغرب، بل على العكس من ذلك ضاعفت إيراداتها، وعاد القادة الأوربيون لمفاوضتها بعد العقوبات التي فرضوها وذكرت الصحيفة: “فكروا في هذا: تضاعفت عائدات موسكو الشهرية من تصدير الغاز ثلاث مرات عما كانت عليه قبل عام.
وتحت عنوان فرعي “بوتين يفوز بالحرب الاقتصادية”، أشارت “بوليتيكو” إلى أن “العقوبات بدأت تلحق الضرر بروسيا، لكنها صورة مختلطة للغاية… يتوقع البنك الدولي انكماش الاقتصاد الأوكراني بنسبة 45 في المئة في عام 2022، أي خمسة أضعاف انكماش روسيا بنسبة 9 في المئة”، مشيرة إلى أن “السيناريو الأسوأ الذي صاغه البنك يتخيل انخفاضا بنسبة 75 في المئة في الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني”.
يوم الاثنين 18 أبريل وعلى عكس كل توقعات الأوساط الغربية أعلن البنك المركزي الروسي أنه سيتيح مجددا اعتبارا من يوم الاثنين تداول العملات الأجنبية بعد تعليقه مطلع شهر مارس لدراسة أثر العقوبات الغربية ضد موسكو.
وبهذا تحصل البنوك على حق بيع العملات الأجنبية للمواطنين في الفترة من 18 أبريل إلى 9 سبتمبر 2022، على ألا تبيع سوى العملات الأجنبية التي بدأت تتسلمها اعتبارا من الـ9 من أبريل الجاري".
يذكر أن الروبل الروسي انتعش بشكل مفاجئ وسريع، ووصل إلى مستوى ما قبل العقوبات الغربية الأخيرة بمعدل 75 روبلا مقابل الدولار و81 مقابل اليورو، بعد أن انخفض بشكل كبير وغير مسبوق في 10 مارس الماضي وتجاوز حاجز الـ120 روبلا مقابل الدولار.
ويوم الاثنين 18 أبريل أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنسياسة العقوبات التي انتهجها الغرب والتي كانت تهدف إلىتوجيه ضربة خاطفة للاقتصاد الروسي قد فشلت. وأضافالرئيس الروسي في كلمة خلال اجتماع حول القضايا الاجتماعيةوالاقتصادية: "من الواضح أن العامل السلبي الرئيسي للاقتصادفي الآونة الأخيرة هو ضغط العقوبات التي تفرضها الدولالغربية"، مشيرا إلى أن "الهدف كان تقويض الوضع الماليوالاقتصادي في بلدنا بسرعة، وإثارة الذعر في الأسواق، وانهيارالنظام المصرفي، ونقص السلع في المتاجر على نطاق واسع".
وأكد بوتين أن العقوبات الغربية فشلت في تحقيق هدفها،موضحا: "يمكننا بالفعل أن نقول بثقة إن مثل هذه السياسة تجاهروسيا قد فشلت ... وأن استراتيجية الحرب الخاطفة الاقتصاديةفشلت".
وقال الرئيس الروسي: "بالإضافة إلى ذلك، لم تمر العقوبات علىالمبادرين أنفسهم عبثا. وأقصد بذلك نمو التضخم والبطالة،وتدهور الديناميكية الاقتصادية في الولايات المتحدة والدولالأوروبية، وتدهور مستوى معيشة الأوروبيين، وانخفاض قيمةمدخراتهم".
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد وقع مرسوما حول آلية سداد ثمن الغاز الطبيعي المورد لـ"الدول غير الصديقة"، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي، بالروبل الروسي.
في باريس ومع اقتراب آخر أجل لتسديد أسعار الغاز بالروبلوانقسام موقف الدول الأوروبية تجاه هذا الامر، حذر خبيرالشؤون السياسية والاقتصادية الفرنسي، ألكسندر ديل فالي،من أن فرض حظر على الغاز الروسي سيؤدي إلى انخفاضمستويات المعيشة في أوروبا ما سيدفع إلى "أعمال تمرد في كلمكان".
ولفت الخبير الفرنسي في مقال لمجلة "فاليورس أكتويل"، إلىوجود احتمالات بأن تؤدي رغبة الاتحاد الأوروبي في حظر توريدالوقود الأزرق من روسيا إلى "تدمير أوروبا".
وافترض ديل فالي أن "العقوبات الغربية المرتبطة بالعمليةالعسكرية في أوكرانيا ستتحول بسرعة إلى كابوس للناس. وبعدأن يعجزوا عن تدفئة منازلهم وتنخفض قوتهم الشرائية بشكلحاد، ستبدأ أعمال التمرد في كل مكان".
ويعتقد الخبير الاقتصادي أن الدول الأوروبية سترتكب خطأ إذاحرمت نفسها من الغاز الأكثر أمانًا والأرخص سعرا، وكذلك منالصادرات والواردات الروسية.
وخلص الخبير الاقتصادي إلى أن "نقص الغذاء الأساسيسيؤدي إلى أزمات عميقة تذكرنا بالثورات العربية عام 2011،والتي بدأت بارتفاع أسعار القمح. وسترتفع أسعار المواد الغذائيةبشكل حاد بسبب النقص العالمي في الحبوب وزيت عباد الشمسوالأسمدة".
كما توقع ديل فالي أن يؤدي التخلص التدريجي الكامل منمصادر الطاقة الروسية إلى انهيار اليورو وانفجار الأسعار.
انقسام عالمي
نهاية الأسبوع الثاني من شهر أبريل قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن إحجام العديد من الدول عن فرض عقوبات على روسيا، على غرار الغرب، يؤدي إلى حدوث انقسام في العالم، وهو ما قد يمكن موسكو من تجاوز الإجراءات التقييدية.
وبحسب الصحيفة، الأمريكية يحاول قادة القوى الغربية بناء تحالف عالمي لعزل روسيا، لكنهم بالمقابل يواجهون مقاومة من الدول النامية الكبرى مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا.
ولفتت الصحيفة، إلى أن هذا الانقسام يتيح فرصا لروسيا للالتفاف على العقوبات الغربية، وبالتالي يقول كثيرون إن موسكو باتت "مدعومة من غالبية أنحاء العالم".
كما أشارت الصحيفة إلى أن السعودية باعتبارها شريكا استراتيجيا منذ فترة طويلة للولايات المتحدة، رفضت إدانة موسكو ولم تلب دعوة واشنطن لزيادة إنتاج النفط من أجل الحد من ارتفاع الأسعار.
ويرى خبراء، بحسب الصحيفة، أن الصين تعتبر روسيا حليفة في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. كما تسعى بعض الدول إلى تدمير النظام المالي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، وجعل بكين وموسكو وبالتعاون مع دول أخرى تسيير نظاما جديدا.
الأزمة التي يمر بها الاقتصاد العالمي حاليا غير مسبوقة في سماتها ومعقدة في أسبابها بما يجعلها تختلف عما مر به العالم من أزمات منذ الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الـ20، في وقت زادت فيه العقوبات الغربية على موسكو حالة الغموض.
ويرى جاري شيلينغ، المحلل الاقتصادي الأمريكي في تحليل نشرته وكالة "بلومبيرغ" للأنباء، أن أسباب الأزمة الراهنة متعددة ومتشابكة، بعضها يعود إلى أعوام عديدة مضت مثل التوسع في العولمة وبعضها إلى أسابيع قليل مثل الحرب الروسية ضد أوكرانيا، مشيرا إلى أن التغيرات الحالية في القوى المؤثرة على حركة الاقتصاد العالمي ستكون لها عواقب كبيرة.
ويقول شيلينغ، الذي ينشر تحليلاته في صحيفتي "وول ستريت جورنال" و"نيويورك تايمز" ومجلة "فوربس" الاقتصادية إن العولمة ظهرت في البداية على أساس استخدام التكنولوجيا الغربية لإنتاج السلع في الدول الأقل تكلفة ثم إعادة تصديرها إلى أمريكا الشمالية وأوروبا. وكان النموذج الصيني منذ أواخر سبعينيات القرن الـ20 التطبيق الأمثل لهذا التعريف، حيث توسعت الشركات الغربية في إقامة المصانع بالصين للاستفادة من العمالة الرخيصة المنضبطة، قبل أن يتكرر الأمر في دول آسيوية أخرى مثل فيتنام.
وأدى هذا التحول الاقتصادي إلى تراجع الوظائف التصنيعية ذات الأجر المرتفع في الغرب، حيث تراجع عدد هذه الوظائف في الولايات المتحدة من 19.6 مليون وظيفة في 1979 إلى 12.6 مليون وظيفة في شهر فبراير 2022.
ومع الخروج الكبير للوظائف الصناعية من الولايات المتحدة إلى دول جنوب شرق آسيا والصين تقلصت نسبة العمال المنظمين نقابيا في القطاع الخاص الأمريكي من 24 في المائة في 1973، إلى 6.1 في المائة حاليا.
في الوقت نفسه، شجعت العولمة على قيام سلاسل إمداد دولية كثيفة لكنها معقدة بهدف تقليل النفقات، حيث يمكن إنتاج أشباه الموصلات في تايوان ثم يتم إرسالها إلى ماليزيا لتجميعها بصورة ما، ليتم إرسالها بعد ذلك إلى الصين لاستخدامها في الإنتاج النهائي للسلع التي يتم تصديرها إلى الغرب. نهاية العولمة تهدد بتدمير الغرب اقتصاديا وماليا لعشرات السنين.
المناورة
كتب أندريه ياشلافسكي، في "موسكوفسكي كومسوموليتس" يوم 16 أبريل، حول ما إذا كانت الدول الآسيوية ستنضم للعقوبات ضد روسيا.
وجاء في المقال: أهمية الصراع بين روسيا والغرب، حول الأزمة الأوكرانية، تعدت البعد الإقليمي وباتت عالمية. فصدى الأحداث في شرق أوروبا يتردد في الدول الآسيوية.
فهل ستتمكن آسيا من النأي بنفسها عما يحدث؟ شكل هذا السؤال موضوع حوار بين خبراء منتدى فالداي والمركز التحليلي الهندي.Observer Research Foundation.
وفي الإجابة عن سؤال: إلى أي مدى ستصمد الدول الآسيوية الواقعة تحت ضغط الولايات المتحدة للانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا؟ قال خبير منتدى فالداي ومدير مركز الدراسات الأوروآسيوية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية، إيفان سافرانشوك:
"سوف تتجاوب" بدرجات مختلفة. البعض سيرفض بحزم الإملاءات الأمريكية. والبعض سيتهرب بأدب ولكن بثقة. وبعض ثالث سوف يناور.
الولايات المتحدة ليس لديها كعك تقدمه لآسيا. إنها تعيد تشكيل العولمة بشكل عام، وكجزء من هذه العملية، تنتزع فرصا اقتصادية من البلدان النامية، ولا تمنحها شيئا بالمقابل. الحد الأقصى الذي يمكنها تقديمه هو أخذ شيء ما من أحد ما في النظام العالمي وإعطاء هذه الحصة لأحد آخر.
من الواضح أن أول المرشحين للنهب روسيا والصين. ومن حيث المبدأ، سيكون هناك من يرغبون في آسيا في الاستفادة من إعادة توزيع المسروقات. لكن، أولا، في خضم ذلك كله ستكون هناك هزات جدية، والعديد من الدول الآسيوية ضعيفة للغاية، والطريق بين مشاكل التجارة مع العالم الخارجي وانهيار الاستقرار الاجتماعي داخل هذه البلدان قصير للغاية. لذلك، فهم لا يميلون إلى لعب محفوف بالمخاطر. خاصة بالنظر إلى ما يلي: أولا، الجميع معتاد على حقيقة أن الولايات المتحدة في حالة حرب، وتطالب حلفاءها بالتدخل، مع فهمهم أن المواجهة كان يمكن تلافيها. تدفع الولايات المتحدة الآن حلفاءها بالذات إلى خط المواجهة. لذلك سيكون هناك في آسيا عدد قليل من الراغبين في التورط بالألعاب الأمريكية. لكنهم سيحرصون على عدم الوقوع تحت يد غضب أمريكا، متعظين مما جرى للحكومة الباكستانية.
خوض حرب طويلة
جاء في تقرير نشرته وكالة رويترز من لندن: يقول خبراء في مجال الدفاع والاقتصاد إن بإمكان روسيا تحمل خوض حرب طويلة في أوكرانيا رغم العقوبات التي يفرضها الغرب عليها بهدف شل قدرتها على مواصلة الحرب.
وأدى الغزو الروسي إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز والحبوب التي تصدرها مما وفر لها مكاسب كبيرة غير متوقعة لتمويل “عمليتها العسكرية الخاصة” التي بدأت تدخل الآن مرحلة جديدة مع تركيز موسكو على منطقة دونباس الشرقية.
وقال جاكوب كيركيغارد الخبير الاقتصادي في معهد بيترسون للاقتصادات الدولية بواشنطن “يمكن تمويل هذا النوع من الحرب منخفضة التقنية بشكل شبه كامل بالروبل مما يعني أنه يمكنهم الاستمرار في إرسال القوات والمدفعية الثقيلة إلى أوكرانيا على الأقل حتى يحدث انهيار عام بشكل أكبر للاقتصاد”.
وقال يوهان نوربيرغ كبير المحللين في وكالة أبحاث الدفاع السويدية إن “العقوبات لن تؤثر على هذه الحرب على المدى القصير لأن الجيش الروسي يقاتل بالدبابات التي بناها بالفعل والجنود الذين دربهم بالفعل”.
وذكرت وزارة المالية الروسية في الخامس من أبريل إن موسكو تتوقع تحقيق 9.6 مليار دولار من العائدات الإضافية من مبيعات الطاقة في أبريل وحده بفضل ارتفاع أسعار النفط التي لا تزال عند نحو 100 دولار للبرميل.
وقال ماثيو بوليغ المتخصص في شؤون الجيش الروسي لدى مركز دراسات تشاثام هاوس إن موسكو لم تستخدم بعد ما لديها من أسلحة حديثة تخشى فقدها واعتمدت بكثافة على معدات ثقيلة موجودة لديها بوفرة وترجع للعهد السوفيتي.
ريتشارد كونولي الزميل بالمعهد الملكي المتحد للخدمات في لندن ومدير مجموعة إيسترن للاستشارات ذكر إن الإنفاق العسكري الروسي بحاجة للارتفاع بسبب الحرب في أوكرانيا وما نتج عن ذلك من زيادة حادة في التوتر مع حلف شمال الأطلسي.
وأضاف أن الإنفاق الدفاعي كحصة من الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن يرتفع بشكل كبير عن مستواه الحالي البالغ حوالي أربعة في المئة، ومن المحتمل أن يتضاعف في السنوات القليلة المقبلة.
وأضاف كونولي إن المواطنين الروس العاديين سيشعرون بالتأثير لكن الدولة يمكن أن تدفع ثمن المجهود الحربي بدون عناء، حتى لو دخل اقتصادها في حالة ركود. وإذا لزم الأمر، يمكن لروسيا الاستيلاء على موارد من الشركات المملوكة للدولة.
وأشار إلى أن السؤال الأكثر إلحاحا هو مستوى الخسائر البشرية وصعوبة استمرار حرب يشارك فيها ما يصل إلى 150 ألف جندي في وقت واحد.
واعترفت روسيا حتى الآن بمقتل 1351 جنديا فقط وإصابة 3825 آخرين، على الرغم من أن أوكرانيا والحكومات الغربية تعتقد أن العدد أكبر بعدة مرات. ويبلغ قوام جيشها وقواتها المحمولة جوا حوالي 325 ألفا حسب بعض تقديرات غربية، وأكثر من 520 الف جندي حسب مصادر أخرى.
وقال كونولي إن روسيا قد تضطر في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار لا يحظى بشعبية من الناحية السياسية بالاستعانة بقوات الاحتياط، والتي يقدرها المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بمليوني رجل تقل أعمارهم عن 50 عاما في الخدمة العسكرية خلال السنوات الخمس الماضية.
وأضاف كونولي “إذا كان لديك 150 ألفا في أوكرانيا، فإن نصف جيشك مشترك بالفعل في عمليات قتالية، وتعرض الكثير منهم لخسائر كبيرة. “لذلك هم بحاجة للاستبدال والمناوبة. تستخدم روسيا جيشها بالكامل أو سيصبح الأمر كذلك إذا استمرت الحرب لفترة أطول”.
العملة الخضراء في خطر
جاء في تقرير لمجلة فورين أفيرز الأمريكية نهاية شهر مارس 2022:
لعقود طويلة، هيمن الدولار على الاقتصاد العالمي، وكان هو العملة الرئيسية للاحتياط والمبادلات المالية بين الدول. لم يساعد ذلك الولايات المتحدة على الحفاظ على مكانتها بوصفها قوة اقتصادية مهيمنة فقط، لكنه مكنها من توظيف سلاح العقوبات بفعالية بمعاقبة خصومها. لكن مع زيادة عدد المتضررين من هيمنة الدولار، يبحث عدد من القوى على رأسها روسيا والصين وإيران عن نظام مالي جديد يجرد العملة الخضراء من قوتها.
العقوبات الغربية فشلت، حتى الآن، في إجبار روسيا على وقف إطلاق النار أو الانسحاب من أوكرانيا.
استعراض بايدن لعضلات الاقتصاد الأمريكي لن يقوم إلا بتشجيع روسيا وأنداد الولايات المتحدة الأمريكية -وعلى رأسهم الصين- على تجريد الولايات المتحدة من القوة ذاتها التي تجعل العقوبات تدميرية للغاية. فسرعان ما ستنشئ روسيا والصين مبادرات لـ "نزع الدولرة" عن اقتصادهما، منشئين مؤسسات وهياكل مالية بديلة يحمون بها أنفسهم من العقوبات ويهددون حالة الدولار الأمريكي باعتباره العملة المهيمنة على عالمنا. ودون القيام بإجراءات متآزرة، ستصارع الولايات المتحدة لإبطال هذه الحركة وسترى ضعضعة مكانتها العالمية.
الحال أن هيمنة الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي، الذي تدعمه الأسواق الأمريكية الحية وقوتها العسكرية التي لا تضاهى، هي ما تجعل أية عقوبات تفرضها واشنطن ضخمة ومؤثرة. فلم تقترب أي عملة أخرى -بما فيها اليورو واليوان- من زحزحة الدولار عن مكانه المركزي في الاقتصاد العالمي وفي الأسواق المالية العالمية. يمثِّل الدولار العملة الاحتياطية الأوسع انتشارا في أرجاء العالم، وهو عملة الفواتير الأساسية في التجارة العالمية، والعملة الريادية في المؤسسات المالية العالمية. يسيطر الدولار أيضا على الأسواق العالمية للأسهم، وعلى أسواق السلع والودائع البنكية، والتمويل الإنمائي والاقتراض الشركاتي العالمي. ويهرع الناس في أوقات الأزمات إلى الدولار بوصفه خيارهم الأول لعملة المأوى الآمن. وبفعالية، تخضع العقوبات الأمريكية القوة المالية للمعتدي الأجنبي، وتعوقه عن تجميع رأس المال في الأسواق العالمية لتمويل نشاطاته.
لربما تكون روسيا هي النصير الأكثر وضوحا وصراحة للتخلص من نير الدولار، بيد أن أجندتها تحظى بقبول كبير بين القوى العظمى. فالتزام الصين بتنويع احتياطات النقد الأجنبي الخاص بها، بتشجيعها على إجراء المعاملات باليوان بصورة متزايدة، وأيضا بإعادة تشكيلها لنظام العملة العالمي من خلال التغييرات في صندوق النقد الدولي، إنما يعزز من الإستراتيجية الروسية. كما أن العلاقات الأمريكية الصينية المتدهورة تحفز بكين على الانضمام إلى جانب موسكو في بناء نظام مالي عالمي ذي موثوقية يقصي الولايات المتحدة. والحال أن نظاما ماليا كهذا من شأنه أن يجذب الدول الواقعة تحت نير العقوبات الأمريكية، حتى إنه قد يجذب حلفاء الولايات المتحدة الذين يودون تعزيز عملاتهم على حساب الدولار. فعلى إدارة بايدن، حين تفرض العقوبات، أّلاتراعي كيف ستؤثر هذه العقوبات على الحرب في أوكرانيا فحسب، بل أيضا كيف لها أن تحول السوق المالي العالمي.
في قبضة الدولار
كان صناع السياسة الروس، لعقد من الزمان على أقل تقدير، على حذر من هيمنة الدولار. فقد عبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف عام 2012 عن قلق روسيا من هيمنة الدولار في سوق التجارة العالمية. وفي أعقاب ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وسعت إدارة أوباما رقعة العقوبات المفروضة على روسيا، بحيث استهدفت عددا من المصارف الروسية الكبرى، بالإضافة إلى شركات الطاقة وشركات الحماية والأثرياء. وعليه، أطلقت الحكومة الروسية نظامين حاسمين من البنية التحتية المالية لتفادي العقوبات المفروضة عليها وللحفاظ على استقلالها المالي في حال زج بها خارج ما يسمى جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، التي يرمز إليها اختصارا بـ"سويفت"، وهي التي تسمح للمصارف بأن تتواصل بين بعضها. تَمثَّل النظام الأول الذي أطلقته الحكومة الروسية في اعتماد نظام دفع وطني مستقل عمل بوصفه بديلا روسيا لأنظمة الدفع مثل الفيزا والماستر كارد. أما النظام الآخر فكان بمنزلة نظام مالي للمراسلة يدعى نظام تحويل الرسائل المالية (SPFS)، وهو يمثل النسخة الروسية من "سويفت".
وقد غدا نظام المراسلة المالي الروسي (SPFS) يعمل بكامل كفاءته عام 2017، حيث يرسل رسائل المعاملات بأية عملة، وأصبح لديه 38 شريكا أجنبيا من 9 دول في ديسمبر 2021، كما أنه اعتبارا من مارس 2022 صار له ما يربو على 399 مستخدما، بما فيهم أكثر من 20 مصرفا بيلاروسيا، والمصرف الأرميني "أرشيد بنك"، والمصرف الآسيوي "قرغيز". ويحظى التابعون للمصارف الروسية في ألمانيا وسويسرا -وهما مركزا القوة المالية الأهم في أوروبا- بإمكانية الوصول إلى (SPFS)، وتتفاوض روسيا حاليا مع الصين لكي تنضم إلى هذا النظام. تمكن هذه البنية التحتية المالية البديلة الشركاتِ والأفراد الروس من الاستبقاء على شيء من الوصول -وإن كان محدودا- إلى الأسواق العالمية على الرغم من العقوبات المفروضة.
وخفَّض البنك المركزي الروسي بصورة ملحوظة عام 2018 من حصة الدولارات في احتياطات النقد الأجنبي لروسيا، مستعيضا عنها بشراء الذهب واليورو واليوان. وسحب البنك أيضا الكثير من ودائعه من سندات الخزانة الأمريكية. كما خفَّض البنك الروسي بين مارس ومايو 2018 حيازته من 96.1 مليار دولار إلى 14.9 مليار دولار. وقلَّل البنك في أوائل 2019 من حيازته الدولارية بما قدره 101 مليار دولار، أي بأكثر من نصف أصوله الحالية. وعقب العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن في 2021 على موسكو، أعربت روسيا عن قرارها محو الأصول الدولارية كاملة من صندوق الثروة الوطنية البالغة قيمته 186 مليار دولار، وهو صندوق ثروة سيادي وطني أساسي.
احتكار خطير
لقد تعهد بوتين، منذ بدء ولايته للمرة الرابعة عام 2018، بالدفاع عن السيادة الاقتصادية الروسية ضد العقوبات الأمريكية والسياسات ذات الأولوية التي تدفع باقتصاد البلاد بمبعدة عن قبضة الدولار. ودعا بوتين إلى "التحرر" من "أسر" الدولار في تجارة البترول العالمية وفي الاقتصاد الروسي، لأن احتكار الدولار الأمريكي "غدار" و"خطير". ودعمت إدارة بوتين في 2018 خطة صممت للحد من تعرض روسيا للعقوبات الأمريكية المستقبلية، وذلك باستخدام عملات بديلة في المعاملات الدولية. ومذّاك، أوقفت شركات الطاقة الروسية الكبرى استخدامها للدولار.
والحال أن شركة "غازبروم نفت" -وهي ثالث أكبر منتج للنفط في روسيا- قد باعت صادراتها كافة إلى الصين عام 2015 باليوان. وبدلت شركة "روزنفت" -وهي أكبر شركة روسية للغاز والنفط- كل عقود التصدير لديها من الدولار الأمريكي إلى اليورو منذ عام 2019. وفعلا، حل اليورو محل الدولار بصفته الواسطة الأساسية للتبادل التجاري بين الصين وروسيا. وتوضح بيانات من البنك الروسي أن بحلول نهايات 2020، سويت أكثر من 83 في المئة من الصادرات الروسية إلى الصين باليورو. ووقَّعت روسيا والصين شهر فبراير 2022 عقدا مدته ثلاثون عاما قبل البلدان بموجبه استعمال اليورو في مبيعات الغاز المرتبطة بخط أنابيب جديد.
كما تستعد روسيا حاليا لإطلاق عملة مشفرة تدعمها الدولة بإمكانها أن تتفادى الدولار. ويمكن للكيانات الروسية التي فُرضت عليها العقوبات أن تتاجر مباشرة مع أي أحد مستعد أن يقبل بالروبل الرقمي دون تحويله أولا إلى الدولار، ومن ثم تخطي النظام القائم على الدولار برمته. ووفقا لورقة استشارية صدرت عن البنك الروسي في عام 2020 بشأن الروبل الرقمي، فإن الحكومة ستدعو المؤسسات المالية غير المصرفية مثل البورصات والمؤسسات الائتمانية للانضمام إلى شبكة الروبل الرقمي. وبالتالي، يمكن لهذا النظام الجديد أن يزود المصارف الروسية بمصدر بديل للوصول إلى السيولة الدولية (international liquidity) وتقليص تعرضها إلى العقوبات.
تحالف متنام مناوئ للدولار
يمكن أن تكون المبادرات الروسية أحادية الجانب للإفلات من قبضة الدولار دفاعية بحكم طبيعتها، لكنها أيضا مبادرات آتت أُكلها مع دول أخرى للخروج من ربق وهيمنة الدولار. تمثِّل هذه الائتلافات تهديدا ذا أمد طويل للدور المهيمن للدولار في التجارة العالمية، ومن ثم تمثِّل تحديا للريادة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية. وقد عززت الرغبة المشتركة لتقليص الاعتمادية على الدولار العلاقات بين روسيا والصين، فمقايضات العملة الثنائية بين البنكين المركزيين ساعدت روسيا على تخطي العقوبات الأمريكية عام 2014، وسهلت من حركة التجارة والاستثمار بين البلدين. وفي هذا السياق، نادى رئيس الوزراء دميتري ميدفيديف عام 2016 بتحقيق الانسجام بين أنظمة الدفع المحلية بين البلدين، وناقش إمكانية إطلاق نظام دفع روسي-صيني عابر للحدود للتسويات المباشرة بعملتي اليوان والروبل، فيما صرح بوتين عام 2018 قائلا إن روسيا والصين "أكدتا على مصلحتهما باستعمال العملات المحلية على نحو أكثر فعالية في المدفوعات التبادلية".
ومن جانبها، قامت الصين في 2019 بترقية علاقتها مع روسيا إلى رتبة "شراكة إستراتيجية شاملة من التنسيق من أجل حقبة جديدة"، وهو أعلى مستوى من العلاقات الثنائية للصين. واستثمر مذّاكَ البنك المركزي الروسي 44 مليار دولار في اليوان، الأمر الذي رفع مستوى احتياطي النقد الأجنبي لروسيا من العملة الصينية من 5 في المئة إلى 15 في المئة في بواكير عام 2019. إن مدخرات روسيا من اليوان تصل إلى نحو عشرة أضعاف المتوسط العالمي، وهي تمثّل تقريبا ربع الاحتياطي العالمي من اليوان. ووقَّعت كل من الصين وروسيا في 2019 اتفاقية من شأنها أن تزيد من استعمال العملة المحلية للبلدين في التجارة العابرة للحدود إلى 50 في المئة. وقد دعا وزير الخارجية الروسي في 2021 الصين إلى العمل مع روسيا لتقليص اعتمادهما على الدولار وعلى أنظمة الدفع الغربية. وأذنت الحكومة الروسية لصندوق الثروة السيادي الروسي بالاستثمار في احتياطيات اليوان وفي السندات الحكومية الصينية. ويأمل صناع السياسة الصينيون بأن تساعد الشراكة مع روسيا على توسيع البنية التحتية المالية القائمة على اليوان، بما فيها المنافس الصيني لنظام "سويفت" وأنظمة الدفع المصرفية المنافسة، ومن ثم ترسيخ مكانة اليوان بوصفه عملة احتياطية وتعزيز الاستقلالية المالية للصين.
يسعى بوتين حثيثا إلى توسيع بنى تحتية مالية بديلة كهذه من خلال الاتفاقات الروسية مع الدول الأخرى. فقد ربطت روسيا وإيران عام 2019 أنظمة المراسلة المصرفية المالية الخاصة بهما، وبالتالي تجاوزت الدولتان "سويفت" عن طريق السماح للمصارف في كلا البلدين بأن يرسلوا رسائل المعاملات العابرة للحدود بينهما. وناقشت كل من روسيا وتركيا استخدام الروبل والليرة التركية في التجارة العابرة للحدود بينهما. وقدمت روسيا نسختها من "سويفت" للمصارف في الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي (وهو بمنزلة شراكة من خمس دول ما بعد سوفيتية)، وأفصحت عن اهتمامها أن يشمل النظام دولا في العالم العربي وفي أوروبا.
وسعت روسيا إلى حشد مزيد من الدعم من أجل نزع الدولَرة في المنتديات ذات الأطراف المتعددة مثل مجموعة "بريكس" (BRICS) المكونة من البرازيل والصين والهند وروسيا وجنوب أفريقيا، وأيضا في منظمة شنغهاي للتعاون. وجمع بنك التنمية الجديد للبريكس الأموال بالعملات المحلية جزءا من مرماه لـ"الانفكاك من أسر استبدادية العملات الصعبة". وأكد أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون عام 2020 أهمية استعمال العملات الوطنية في التجارة بين بعضهم بعضا، كما ناقشوا تأسيس مصرف تنموي وصندوق للتنمية. ويمكن لروسيا والصين أن توظِّفا هذه المنتديات لخلق ائتلاف مناوئ للدولرة أكثر اتساعا، مشفوعا بوعد باستقلالية مالية أكبر من أجل الجميع عبر تقليص الاعتمادية على الدولار الأمريكي.
كيف سترد واشنطن؟
تقرير فورين افيرز يسترسل ويقدم اقتراحات لواشنطن لتجنبتحول حربها ضد روسيا إلى سلاح يهدد قوة الولايات المتحدةفيقول:
لا بد لإدارة بايدن أن تأخذ هذا السياق الأكثر اتساعا بعينالاعتبار، وذلك لأنه يحدد ما السبل الأمثل للضغط على روسيا منأجل أن تنسحب من أوكرانيا. فلربما تساعد أوكرانيا العقوباتُالإضافيةُ الصارمة على روسيا على الأمد القصير، بيد أنهاتخاطر بتسريع الحركة المضادة للدولرة الأكثر اتساعا التي يمكنلها أن تضعضع على المدى الطويل الريادة الأمريكية العالميةبصورة أساسية. وعلى الولايات المتحدة أن ترسخ من النظامالمالي العالمي القائم على الدولار الأمريكي إذا أرادت أن تبقيعلى أسس الهيمنة الأمريكية، كما عليها الإبقاء على مهمة الدولارباعتباره عملة عامة مستقرة لا مناص عنها للاستقرار الماليالعالمي.
وهنا يمكن لإدارة بايدن أن تحافظ على السيادة العالمية للدولارعن طريق تخفيف التوترات مع الصين، وبتشجيع بكين علىاستعمال "سويفت" عوضا عن اللجوء لاستعمال أنظمة بديلة. وعلى الولايات المتحدة ألا تتمادى في سياساتها التي من شأنهاأن تقود إلى انفصال مالي مع الصين. وبدلا من ذلك، يتعين علىالمنظمين الماليين الأمريكيين أن يستجيبوا لطلبات نظرائهمالصينيين لترسيخ التواصل والتعاون فيما يخص اللوائح التنظيميةالمتعلقة بالسوق. كما على المسوؤلين الأمريكيين أيضا أن يشجعوامزيدا من الشركات الصينية لإدراجها في أسواق الأسهمالأمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يحفِّز الصينيين على تدعيماستقرار الأسواق المالية العالمية القائمة على الدولار.
نهاية القيادة العالمية
على الولايات المتحدة أيضا أن تضعضع القوة المالية الأساسيةلروسيا: أي الإيرادات التي تحصلها من صادرات النفط والغاز. ويعد التعاون الأمريكي مع أوروبا في مجال الطاقة أمرا حاسمالتقليص الاعتمادية الأوروبية على الطاقة الروسية. وعلى إدارةبايدن، من أجل تحقيق ذلك، أن توفر على المدى القصير إمداداتطاقة بديلة للحلفاء في أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ. وعلىواشنطن، على المدى المتوسط إلى المدى البعيد، أن تعمل أيضامع حلفائها من أجل مجابهة صادرات الطاقة النووية لروسيا، إذتسمح الهيمنة المطلقة لروسيا في سوق صادرات الطاقة النوويةالعالمية (حيث تمتلك روسيا ما نسبته 60 في المئة من هذه السوق) بتسليح هيمنتها على تكنولوجيا الطاقة النووية وإمدادات الوقودفي أزمنة التوترات الجيوسياسية. وعلى الكونغرس أن يرسخ منمقدرة مصرف الاستيراد والتوريد الأمريكي على تطوير شراكاتمبتكرة في القطاعين الخاص والعام، وتقديم مزيد من الدعمالمادي للتعاونات الأمريكية في سوق صادرات الطاقة النووية.
كما لا بد أن يمكن الكونغرس أيضا مؤسسة تمويل التنمية -وهيمؤسسة التمويل التنموية التابعة للحكومة الأمريكية- كي تغدومصدرا لرؤوس أموال ذات موثوقية للأسواق الناشئة والدول ذواتالدخول القليلة والمتوسطة. إن التمويل التنموي هو أداة مهمة، بيدأنها غير مستغلة بصورة كافية في تحسين الكفاءة الاقتصادية. لقد سعت روسيا إلى بذل المزيد من الجهد في مساعيها لنزعالدولرة من خلال مؤسسات تنموية ذات أطراف متعددة، وعلىالولايات المتحدة الأميركية أن ترد. فيجب أن تعلي واشنطن منمكانة مؤسسة تمويل التنمية (DFC)، وأن تمد يدها للعمل معمؤسسات تمويل التنمية لحلفاء أمريكا مثل مصرف اليابانللتعاون الدولي، من أجل ترسيخ الدولار والقيادة الأمريكية فيسوق التنمية العالمي.
الحال أن الاقتصاد الأمريكي القوي يُعَدُّ الأداة الأكثر كفاءةوموثوقية لمجابهة الأعداء والخصوم الذين يسعون إلى تقويضالثقة في الدولار الأميركي. فالدول والشركات إنما تمتثل للعقوباتالأمريكية لأنها تسعى إلى الإبقاء على إمكانية الوصول إلىالأسواق الأمريكية، أي إلى الدولار الأمريكي، وإلى النظامالعالمي الأكثر اتساعا الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. يجبأن تكون الحكومة الأمريكية على وعي بالعواقب غير المتعمَّدةلسياسة عقوباتها، وأن توجِد سبلا لتقويض الشراكة الروسية-الصينية المناوئة للدولار. وفي حال فشلت واشنطن في التصرفحيال ذلك، فإنها في الواقع تختار أن تلقي عباءة قيادتها العالميةعن كتفيها.
ما بين استفحال أزمة الاقتصاد العالمي ومخاطر حرب عالمية نووية، وتفاوت التقديرات حول مسار الصراع المسلح وسط شرق أوروبا وتربص القوى العالمية المتنافسة ببعضها في مواجهات على ساحات أفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية تبقى موسكو متمسكة بالشروط التي وضعتها قبل 24 فبراير.
فقد كتب فولودين رئيس مجلس الدوما الروسي، يوم الأحد 17 أبريل، في صفحته على "التلغرام": "إذا كان زيلينسكي يفكر في مواطني أوكرانيا، فعليه اتخاذ القرارات التالية على الفور. أولا، سحب قواته من أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبتين. ثانيا، تسجيل الالتزامات على أساس تعاقدي بالاعتراف باستقلال شبه جزيرة القرم، وعدم مشاركة أوكرانيا في أي أحلاف، بالإضافة عن نزع السلاح وتحرير البلاد من النازية". وأكد رئيس مجلس النواب في روسيا: "لا توجد هناك طريقة أخرى".
عمر نجيب