قصة أحلام متسول الحلقة 03 / ذ. إسلمو ولد ماناّ

اثنين, 2022-04-04 10:35

الفصل الثاني :النشأة والبدايات الأولى 

بدأ ودون أن ينتظر موافقتي يسحب جسمه الضعيف على كفيه تجاه ( مَوَاعِينْ أتاَيْ )التي يبدو أن الغبارقد صبغها بلونه القاتم، فسبقته إليها وتناولت من أمامه   صينية المواعين وبدأت تنظيفهم بما توفر من ماء قليل حيث خرجت لأعود من الدكان القريب بلفة ورق من الشاي الأخضر ووربطة نعناع وحكة حليب ووعاء ثلج وقطعة خبز، وطفقت أعد الشاي و( الزّرِيقْ ) معا لليبدأ تبديد 

‎عتمة الصمت التي جثمت على المكان منذ لحظات من خلال الصوت الناتج عن ترديد أتاي بين الكؤوس الذي  استمر حتى طلع حبابه النحاسي من فهوة الكأس ، حيث يلاحظ من خلال لونه الداكن المشع بأنه قد أصبح جاهزا للأحتساء ، عندئذ ناولته كأسا مترعة تأكدت من جودتها من خلال ( روزة ) الإختبار التي تسبق عادة توزيع الكؤوس على الحاضرين. فسلمته كأسه الأولى وأمهلته لحظات بعد أن رشف منها المرة الأولى وتركته، يستكين لتأثير مخدرها اللذيذ، حتى لاحظت من خلال تلك الإستكانة  بأن ( آدواخ ) قد بدأ يتبخر من مفرق رأسه ، تجلى ذلك  واضحا من تدليكه لزجاحة الكأس الساخنة بين يديه قصد تشيطهما من الخمول الذي يصيبهما عادة جراء حملهما عروة مخلة التسول الخشنة . وهنا قد أدركت بأن الوقت قد صار ملائما لليرد على الأسئلة التي سبق وأن طرحتها عليه تباعا حيث بادرته بإعادتها أذكره بها . 

‎ وعندئذ اعتدل في جلسته ووضع وسادة تحت ركبته اليمني وبدأ مترددا بين ماهيته ونفسه وكأنه يبحث عن بداية منطقية لحديثه عن سيرته الذاتية ، التي لم يحلم يوما بأنها ستكون موضع اهتمام لإي كان، ثم رشف رشفة مسموعة ثانية وأتبعها ثالثة من كأسه ثم قال بصوت متهدج تكاد تخنق صاحبه العبرات من شدة وطأة عودة الذكريات المفاجئ ، وقال أنا إسمي إطول عمرو ولد لشول من إحدى القبائل التي تمتد مراعيها على طول مساحة الحوضين ،ولعصابة ولدت من أبي الأشول ولد ادومو ،  وأمي (لاله بنت الزمني في سنة تدعى ( عام الورق ) ولي أخوان أكبرا مني سنا هما إدومو  والخيذر توفى والدنا رحمة الله عليه وأنا لم أميز الأمور بعد ، ولحقت به الوالدة بعد سنة رحمة الله عليها ، وبعد ذلك أخذتني أسرة من أقاربي ولا أدري الكثير عن ظروف أخذها لي ولا درجة قرابتها مني ، ولا بداية حياتي معهم ولا الشيئ الكثير عن أخوي ، و كلما أتذكره حالا عن الجميع ، فهو أن تلك الأسرة ، كان أبوها يدعى أعمر ولد محمد ، وامها السالمة بنت احمد ، وقد ادخلتني تلك الأسرة كتابا متنقلا لكي أتعلم فيه القراءة و الكتابة ، ولكن لم أمكث فيه طويلا كي أتمكن من فك رموز الأبجدية الأولى بسبب سوء المعاملة التي كنت أتلقاها من (طالبي ) المعلم من جهة، ومن جهة ثانية ظروفي العائلية الخاصة. أما أخواي فقد سافرا تباعا بعد وفاة والديهما إلى الخارج حيث بقيا فيه تتقاذفهما مصائب السفر لتبتلعهما القرات في نهاية المطاف . ولم أعرف عنهما شيئا منذ أمد بعيد سوى أنهما ظهرا مرة مع بداية استقلال موريتانيا في ساحل العاج ،كما بلغني أن أحدا قد شاهد الخيذر في أسواق (أفريتاون ) بعد ذلك . وأن تلك  العائلة قد حاولت تدريجيا اعتباري راعيا لقطيع غنمهم  ، وما أن كبرت وصرت يافعا ، حتى تركتهم إثرمشاجرة ليلية مع أحد أبنائهم  يدعى يسلك ، وذلك تحت جنح ليلة صيف قائظة وإلى الأبد ، ودون أسفي على فراقهم حتى الساعة. 

فقلت له  فكيف كانت الحياة أن ذاك في تلك المناطق فقال لقد كانت حياة أهل البلد صعبة للغاية خصوصا في مناطق الحوضين ولعصابة وذلك لبعدهم عن الحواضر القليلة يومئذ وكان النشاط الأساسي يكاد ينحصر في تنمية المواشي ، و الفلاحة الموسمية المرتبطة بالأمطار في فصل الخريف، كما يقتصر التبادل التجاري بيننا ودول الجوار على تصديرنا المواشي إليهم مقابل إستراد نا للشاي والسكر والثياب فقلت له وما هي الأنشطة الثقافية لديكم حينها؟ فقال لا أعرف الشيئ الكثيرعنها سوى وجود  بعض المحاظر ومدارس النصارى الذين بدأوا يرغمون بعض الأطفال على دخولها ، تلك المدارس التي لا يرغب العلماء فيها ، بل يكفرون من أدخل ولده فيها طواعية . فقلت له وما هي العلاقات التي كانت قائمة بين القبائل أن ذلك ؟ فقال إن الغالب الأعم بين تلك القبائل من المشترك بينهم يومئذ فهو أمران :

فالأول: هو طيبوبة الشعب بصفة عامة حيث كان شعبا بمختلف قبائله مسلما مضيافا كريما يقرئ الضيف الذي يعتبر الواحد منهم اختياره له منة من الله تعالى خصه بها .أما الضيوف العامون فلا يحتاجون في هذه البلاد إلى حمل الزاد سوى الماء ، لكونهم لديهم نظام خاص يتعلق بتقاسم أعبائهم يسمى ( أظْيَافيِنْ )يشرف عليه إمام  الحي تحت وصاية شيخ القبيلة أو أحد سادة القوم كما يقومون بإيواء  ونجدة المنكوبين كما يتولون إعاشة تلاميذة الغربة من أي قومية كانوا أو جهة جاءوا ، وقد كانوا أمناء مبرزين في معظمهم ، ويتورعون عن الأعمال الغير مناسبة ولوكانت مشروعة ومبادئهم تقوم على الإسلام والعلم والكرم والشجاعة والأمانة ، بحيث أن الرجل منهم لما يجد شاة أوبقرة قد تبقى لديه  عدة سنوات يحرسها وينفق عليها ويضع ميسمها على عقبها، ولما يأتي مالكها ويتعرف عليها فإنه يأخذها وكذا ماخلفت وبدون مقابل.