يتقلص هامش المناورة بالنسبة للكثير من الأطراف المتدخلة فيالصراع الدائر وسط القارة الأوروبية ويؤمن البعض بتسارععقارب الساعة بشأن اتجاه مسار الأزمة في أوكرانيا سلما أمحربا في حين يقدر آخرون أن المنطقة دخلت المرحلة الثانية منالمواجهة العسكرية التي تسبق المعارك الكبرى.
منذ بداية شهر فبراير 2022 لم تتوقف واشنطن وبريطانيا خاصةوعلى لسان كل كبار مسئوليهما عن تحديد تواريخ وشكل التدخلالعسكري الروسي في أوكرانيا، مع التلويح بتطبيق أقسى أنواعالعقوبات أو الحصار على روسيا ولكن مع التأكيد في نفس الوقتعلى عدم النية في التدخل عسكريا وبشكل مباشر لدعم حكومةكييف وهو ما اعتبره البعض مظهر ضعف.
مصداقية الأجهزة العسكرية الغربية الأمريكية والبريطانية فيالمقدمة والقادة الذين نشروا تقاريرها تلقت ضربة موجعة بل أثارتأشكالا متنوعة من السخرية. الزخم الذي رغب في تجميعه منالتحذيرات واستخدامه ضد الكرملين تبعثر. أشكال العقوباتوأنواع الحصار أصبحت معلومات عامة وشجعت الكثير من الدولوحتى الشركات الكبرى في الغرب والشرق على كشف الثغراتوإعداد الطرق والمنافذ لتخطي الشبكات التي تريد واشنطن وجزءمن أعضاء الناتو فرضها لحصار روسيا. عشرات ملايير الدولاراتالتي كان يمكن أن تمسها العقوبات الغربية سواء كانت ملكالموسكو أو لأطراف أخرى معرضة للخطر، تم إخراجها من النظامالمالي العالمي الذي يمكن أن تمسه أساليب الحصار.
الرأي العام خاصة في الغرب مسه الملل والإحباط مع تواصل توترالوضع العالمي خاصة بعد أكثر من سنتين من العيش تحت سيفتهديد جائحة كوفيد 19 وما خلفته من أزمة اقتصادية ومعاشيةواجتماعية، وهكذا أخذت نسب متزايدة في الغرب تتساءل عنحكمة المخاطرة بمواجهة عالمية وحرب جديدة لمجرد معاكسة طلبروسي بعدم مد مخالب حلف الناتو إلى بابه.
حالة ألا حرب المستمرة منذ أسابيع طويلة في وسط ما يصطلحعلى تسميته بالقارة العجوز ألحقت أضرارا جسيمة باقتصادواستقرار أوكرانيا، كما كلفت وتكلف الولايات المتحدة وحلفائهاوجزء كبيرا من دول المعمور أثمانا باهظة بسبب تأثيرها علىأسعار النفط والغاز ونشرها حالة من القلق وعدم اليقين فيأسواق المال وحركة النقل الدولية.
يوم الاثنين 21 فبراير وقع الرئيس الروسي على مرسومينيقضيان باعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسكولوغانسك الشعبيتين عن أوكرانيا ووجه أمرا إلى القوات المسلحةالروسية بضمان السلام في الجمهوريتين.
المرسومان اللذان وقعهما بوتين للاعتراف بالجمهوريتين ونشرامساء الاثنين في موقع المعلومات القانونية الحكومية، بـ"تنفيذالقوات المسلحة الروسية مهمات ضمان السلام" في أراضي كلمن دونيتسك ولوغانسك استجابة لطلبات في هذا الشأن من قبلرئيسيهما، دينيس بوشيلين ودينيس باسيتشنيك، وبموجب اتفاقيالصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة المبرمين معهما.
كما وجه بوتين في المرسومين وزارة الخارجية الروسية بـ"إجراءمحادثات" مع كل من سلطات دونيتسك ولوغانسك حول "إقامةعلاقات دبلوماسية" مع الجمهوريتين و"تسجيل الاتفاقات التيسيتم التوصل إليها بهذا الشأن في وثائق مناسبة".
القوات الروسية النظامية عبرت إلى داخل جمهوريتي دونيتسكولوغانسك وسط احتفالات شعبية واسعة من جانب السكان الذينيعانون من هجمات الجيش الأوكراني المتقطعة منذ سنة 2014 عندما قرر سكانهما الروس الأصل الانفصال عن سلطة كييف.
بعيدا عن الضجة التي اثارتها الولايات المتحدة وغالبية حلفائهاتنديدا بقرار الاعتراف الروسي والتهديدات بفرض عقوبات علىموسكو، يرى المراقبون أن فرص تجنب حرب كبرى لا تزال قائمة،حيث يستمر الحديث عن وساطة فرنسية لعقد قمة روسية أمريكية،كما تفيد أخبار من العاصمة الألمانية برلين عن توسط حكومتهالدى موسكو لوقف تدخل الجيش الروسي لطرد الجيش الأوكرانيمن المناطق التي لا يزال يحتلها داخل أراضي جمهوريتيدونيتسك ولوغانسك.
صراخ وعويل
كتبت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية يوم 16 فبراير:
"صراخ وعويل دون محاولة للتصرف"، هكذا حصر الغرب خياراته في مواجهة الحشود الروسية حول أوكرانيا، ولم يحاول قادة أمريكا ودول الناتو اللجوء لخيارات بديلة كان يمكن أن تردع روسيا، والنتيجة أن التعامل الغربي مع أزمة أوكرانيا حقق لبوتين حتى الآن فوزا دون إطلاق رصاصة واحدة.
ومازالت التحذيرات الواردة من الولايات المتحدة بأن القوات الروسية تستعد للهجوم على أوكرانيا تزداد إلحاحا وحدَة.
ويرى الأكاديمي البريطاني كير جايلز، مؤلف كتاب "قواعد روسيا: ما الذي يقود روسيا لمواجهة الغرب" في مقال، أنه لا مجال للتشكيك في قناعة الولايات المتحدة بأن أوكرانيا تواجه خطرا وشيكا، بجانب أن موقف عدد الدول التي تنصح مواطنيها بمغادرة البلاد في أقرب وقت، يوضح أن التحذيرات موثقة في نهاية المطاف.
ولكنه يتساءل: ألم تكن هناك خيارات أخرى للرد على روسيا غير هذه التحذيرات المكثفة دون إجراءات على الأرض، والتي يبدو أنها جاءت لصالح بوتين.
المشكلة أن التأكيد على الحرب شبه الحتمية، وتحديد الأطر الزمنية الضيقة حول التوقيت المتوقع لاندلاعها، يتسبب كذلك في تقليص الخيارات أمام الولايات المتحدة وحلفائها، وفي الوقت ذاته يتيح لروسيا مزيدا من الخيارات.
إذ لا تزال موسكو تحوز المبادرة، والخطر يتزايد بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يتخذ موقفا يحقق فيه نصرا دبلوماسياعبر سحب البساط من أسفل ذعر الحرب الذي أثاره الغرب، ولحظتها ستعتبر الولايات المتحدة وحلفاؤها مجرد زوال خطر الحرب نجاحا لها، وقد تقدم لبوتين ثمنا مقابل إنهاء الأزمة.
لا أحد يعرف إلى متى تستطيع موسكو إبقاء قواتها على حدود أوكرانيا.
هناك شح في التكهنات حول المدة التي تستطيع خلالها روسيا تحمل إبقاء قواتها على الحدود بدون شن هجوم أو سحبها. ولكن في نوفمبر 2021، عندما شرح بوتين لأول مرة الغرض من التهديد الذي تدفع به روسيا من خلال حشد القوات، قال كذلك إنه من الأهمية بمكان بالنسبة لهذه القوات أن تواصل الضغط "لأقصى مدة ممكنة".
وذكر جايلز، وهو زميل استشاري أقدم في برنامج روسيا وأوراسيا لدى معهد تشاتام هاوس، إنه بعد مرور ثلاثة أشهر، فإن التساؤل يجب أن يكون بدلا من ذلك ما هي المدة التي تستطيع خلالها الولايات المتحدة وأقرب حلفائها مواصلة تصعيد التحذيرات من صراع وشيك؟.
في السابق كان أي انسحاب للقوات الروسية قد يوصف بأنه إخفاق مذل لبوتين، لكن الولايات المتحدة الآن هي التي تقف في موقف محرجٍ، وموثوقية الإفصاحات التي تكشفها أجهزتها الإستخباراتية ستتحطم مرة أخرى، وذلك إذا اختارت روسيا خيارا آخر غير الغزو، أو حتى إذا واصلت بكل بساطة حشد قواتها على الحدود وجاءت التواريخ التي حددتها الولايات المتحدة ومرت دون أن تتحرك روسيا.
صحيفة سيدني مورنينغ هيرالد الاسترالية كتبت: مهما كانت أهداف بوتين من الأزمة الأوكرانية- والتي يحاول دبلوماسيون وسياسيون معرفتها- فمن الواضح أن الزعيم الروسي قد نجح بالفعل، دون إطلاق رصاصة واحدة، في أن يظهر أمام شعبه والعالم أنه لا يزال رجلا يحسب له حساب على المسرح العالمي.
حرب بلا رصاصة
هزت مخاوف الحرب الاقتصاد الأوكراني بقطاعاته المختلفة من عقارات وشركات وموانئ حيوية، وذلك منذ أن بدأت روسيا نشر قواتها على طول حدود البلاد، في نوفمبر 2021.
يقول بافلو كاليوك، سمسار عقارات في كييف، لصحيفة نيويورك تايمز إنه سرعان ما ندرت الصفقات منذ ذلك الحين، بعدما اعتاد بيع وتأجير العقارات لعملاء من الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإسرائيل. وأضاف كاليوك "34 عاما" إن سوق العقارات في كييف متوقف حاليا "لأننا لسنا متأكدين مما سيحدث غدا".
ودون الإعلان الصريح عن الحرب أو اتخاذ إجراءات من شأنها أن تؤدي إلى فرض عقوبات قاسية وعد بها الغرب، تقول صحيفة نيويورك تايمز: "نجح الرئيس الروسي بوتين مرة أخرى في زعزعة استقرار أوكرانيا وتوضيح أن روسيا يمكن أن تدمر اقتصاد البلاد".
فقد أدى الإجلاء المعلن لمواطنين أمريكيين وبريطانيين وكنديين إلى حالة من الذعر. وأوقفت العديد من شركات الطيران الدولية الرحلات الجوية إلى البلاد.
وكشفت التدريبات البحرية الروسية في البحر الأسود ضعف موانئ أوكرانيا الحيوية للشحن التجاري. يقول بافلو كوكتا، مستشار وزير الطاقة الأوكراني، إن القلق الذي ينتشر في كييف هو بالضبط ما يأمل بوتين في تحقيقه.
وأضاف كوكتا: "ما يريدون القيام به هو ما يعادل الفوز في الحرب دون إطلاق رصاصة واحدة، من خلال التسبب في حالة من الذعر الشديد هنا".
وذكر تيموفي ميلوفانوف، رئيس جامعة كييف للاقتصاد ووزير سابق للتنمية الاقتصادية، إن مؤسسته قدرت أن الأزمة الحالية قد كلفت أوكرانيا بالفعل "عدة مليارات من الدولارات"، في الأسابيع القليلة الماضية فقط. أما الحرب أو الحصار الطويل فلن يؤدي إلا إلى تفاقم الوضع.
تقول صحيفة نيويورك تايمز إن الضربة الرئيسية الأولى وقعت الاثنين 14 فبراير، عندما قالت شركتا طيران أوكرانيتان إنهما غير قادرتين على الحصول على تأمين لرحلاتهما، مما أجبر الحكومة الأوكرانية على تخصيص ما يعادل 592 مليون دولار لضمان استمرار الرحلات عبر المجال الجوي.
وفي 11 فبراير، حذرت شركات التأمين التي تتخذ من لندن مقرا لها شركات الطيران من أنها لن تكون قادرة على تأمين الرحلات الجوية إلى أوكرانيا أو تلك التي تحلق فوق مجالها الجوي.
وأفادت شركة الطيران الهولندية كيه.إل.إم، الشريكة في شركة إير فرانس كيه.إل.إم، إنها ستوقف خدماتها في أوكرانيا، كما قالت شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا إنها تبحث تعليق رحلاتها.
تقلص قوة
كتب ستيفن كولينسون، من شبكة "سي إن إن" الأمريكية: "تأتي التحديات أمام السلطة الأمريكية في وقت ينتشر فيه تصور واسع النطاق في العالم بأن واشنطن ليست القوة التي كانت عليها في النصف الثاني من القرن العشرين".
وأضاف: "على الرغم من تأكيدات بايدن بأن "أمريكا عادت"، فإن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان عام 2021 أثار تساؤلاتٍ حول كفاءة والتزام الولايات المتحدة.. ويعرف خصوم الولايات المتحدة أن الأمريكيين قد استنفدوا بسبب 20 عاما من الحرب في الخارج، وهو عامل قد يدفع البعض إلى حساب أن واشنطن يمكن أن تتنازل عن التزاماتها الإستراتيجية لأسباب سياسية".
في الوقت نفسه، يرى البعض الآخر أن نهاية حقبة الهيمنة الأمريكية الوشيكة، قد تختلف عن نهاية غيرها من الإمبراطوريات كالاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة، إذ ليست الولايات المتحدة مفلسة ولا مفرطة في التوسع الإمبريالي. وهي لا تزال الدولة الأقوى في العالم، وربما ستظل محتفظة بنفوذ أكبر من أي دولة أخرى، ولكنَها لم تعد تحدد شكل النظام العالمي أو تهيمن عليه كما كانت تفعل ما يقرب من ثلاثة عقود.
الأمر الذي تغافل عنه ستيفن كولينسون هو أن الاقتصاد الأمريكي في حالة مديونية غير مسبوقة سقف دين حكومةواشنطن يقترب من سقف 30 تريليون دولار، وهو يعتمد كذلك بشكل خطير على عملية الاقتراض من كل العالم عير عملته الخضراء الدولار المطبوعة بدون قيود، وكذلك سندات الخزينة الأمريكية التي تشتريها البنوك المركزية في العديد من دول العالم.
في المواجهة بين موسكو وواشنطن لا يتمتع البيت الأبيض بمساندة مطلقة من حلفائه الأوروبيين حيث أن بعضهم لا يرغب في التورط في صراع يكلفهم خسائر فادحة ويعيد سلطة وهيمنة العم سام عليهم، وخارج حلف الناتو واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية لا يسجل دعم للسياسة الأمريكية بل ويعترف دبلوماسيون أمريكيين أن في كثير من دول العالم يأمل الساسة في أن يحقق الكرملين نصرا لأن ذلك سيؤثر على قدرة واشنطن في إملاء إرادتها.
بالنسبة للصين سيكون فوز الكرملين في مواجهته مع واشنطن والناتو في أوكرانيا دعما لها في جهودها لاستعادة وحدة بلادها الترابية واسترجاع جزيرة تايوان التي تسعى الحكومة الأمريكية لتحويلها إلى دولة منفصلة مرتبطة عسكريا بالتحالف الأسترالي الياباني الكوري الجنوبي الهادف إلى تعزيز طوق الحصار على الصين ومنعها من تحدي النظام العالمي للقطب الواحد والوصول باقتصادها إلى تبوء المرتبة الأولى عالميا.
لم تكن تغرب عنها الشمس
داخل حلف الناتو يسجل أن لندن هي من أكثر الحريصين على إتباع سياسة صارمة مع الكرملين، ويعلل البعض ذلك بشعور الساسة في 10 داونغ ستريت "مقر الحكومة" بأنهم وبعد خروجهم من الاتحاد الأوروبي أصبحوا في حاجة لدعم أكبر من واشنطن وكذلك بسبب ما يعتبره البعض العداء التاريخي تجاه موسكو التي ساعدت في تقليص الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس بمساعدة مستعمرات بريطانيا القديمة على الاستقلال.
حذرت وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تروس، في مقابلة مع صحيفة "ديلي ميل"، من أن الرئيس الروسي بوتين "سيواصل شن الحروب على الدول المجاورة إذا سمح له بغزو أوكرانيا". وأصدرت تروس "نداءا أخيرا للمجتمع الدولي لكي يتحد لمواجهة عدوان موسكو"، وفقا للصحيفة.
وقالت تروس في المقابلة، يوم الأحد 20 فبراير، إنه "إذا هاجم بوتين أوكرانيا فسيكون ذلك مقدمة لاستخدام روسيا للقوة لضم المزيد من دول الاتحاد السوفيتي السابق". وأضافت: "نحن بحاجة لوقف بوتين لأنه لن يتوقف عند أوكرانيا".
وتابعت: "بات واضحا للغاية أن طموحه ليس فقط السيطرة على أوكرانيا، إنه يريد إعادة عقارب الساعة إلى منتصف التسعينيات، أو حتى قبل ذلك".
وأكدت أن "دول البلطيق في خطر، وغرب البلقان أيضا".
وتأتي تصريحات وزيرة الخارجية، بعد أن حذر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، من أن الغزو الروسي لأوكرانيا يمكن أن يتسبب في "تدمير دولة ديمقراطية" وأن "الصدمة ستتردد في جميع أنحاء العالم".
المخابرات البريطانية
موازاة مع تلك التحذيرات سلطت الأزمة الضوء على جهاز الاستخبارات البريطاني "mi6" الذي "اعتاد على العمل في الظل"، بعد تصريحات مسئولين بريطانيين اعتمادا على معلومات استخبارية، وفقا لصحيفة "الغارديان".
وألمحت الصحيفة إلى ظهور "مقطع فيديو استثنائي" نشرته وزارة الدفاع ، يوم الخميس 17 فبراير، ووصفته "بأحرف كبيرة" على أنه "تحديث استخباراتي"، ويظهر تفاصيل "خطة غزو روسية محتملة" لأوكرانيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن مقطع الفيديو يستند على معلومات استخبارية تفيد بأن "روسيا تعمل بسرعة على نشر قوات بالقرب من الحدود الأوكرانية"، وأن "الغزو يمكن أن يحدث في غضون أيام".
وذكر مالكولم تشالمرز، البروفيسور في مركز أبحاث "رويال يونايتد" (rusi)، إنه "نهج مختلف تماما عن الماضي، عندما كانت المعلومات الاستخبارية سرية"، في إشارة إلى أنها أصبحت متاحة للعامة الآن.
وأضاف أن "ما تعلمته بريطانيا والغرب من أزمة أوكرانيا الأخيرة عام 2014، هو أنه إذا لم يستخدموا المعلومات الاستخباراتية في التصريحات العامة، فإنهم سيظهرون ضعفاء أمام روسيا".
وتقول الصحيفة إن "سيطرة روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014 ظهر على أنه مفاجأة لحلف الناتو النائم"، فيما "تضررت صورته الحلف أكثر في صيف 2021 أثناء الانسحاب الفوضوي من أفغانستان، وكانت المعلومات حول استيلاء طالبان على السلطة شحيحة، قبل سقوط كابل"، مما أعطى انطباعا بالهزيمة.
ولكن هذه المرة "تغير التفكير"، حيث أن "تسليط الضوء على نوايا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المحتملة تجاه أوكرانيا، يترك مجالا أقل لإنكار الكرملين"، أي أن نشر المعلومات الاستخباراتية يعتبر عنصر قوة في مواجهة ادعاءات روسيا.
وذكرت أنه يمكن أن يحصل في بعض الأحيان "سوء تقدير" من قبل أجهزة الاستخبارات، ويمكن لروسيا أن تستغل ذلك.
ماذا لو انتصرت روسيا ؟
جاء في تحليل لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية نشر يوم الجمعة 18 فبراير:
قد يوحي إعلان موسكو سحب جنودها من الحدود الأوكرانية، بتراجعها عن نية غزو جارتها، و"رضوخها" لضغط الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لكن الظاهر أن روسيا "ربما تسير نحو تحقيق أهدافها بشكل آخر على شاكلة ما فعلته في سوريا".
عندما انضمت روسيا إلى الحرب السورية في صيف 2015، صدمت الولايات المتحدة وشركاءها، حيث استذكر المقال مقولة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، الذي أكد أن سوريا ستصبح "مستنقعا" لروسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد تكون هي فيتنام الروسية أو أفغانستان بوتين، واصفا تدخل روسيا لصالح دمشق، بـ"الخطأ الفادح الذي سيرتد في النهاية ضد المصالح الروسية".
لكن التحليل أشار إلى أن الأمر في سوريا لم ينته إلى أن تصبح مستنقعا لبوتين، "بل غيرت موسكو مسار الحرب، وأنقذت بشار الأسد من هزيمة كانت وشيكة، ثم ترجمت القوة العسكرية إلى نفوذ دبلوماسي".
هذا المعطى، يحيل وفق التحليل إلى أن روسيا ربما تكون بصدد تفعيل ذات الإستراتيجية خلال الأزمة الحالية مع الغرب بخصوص أوكرانيا.
وبخصوص سوريا، يقول التحليل إنه لا يمكن تجاهل دور روسيا في سوريا اليوم، بينما لم تكن هناك تسوية دبلوماسية للحرب، "بدلا من ذلك، جمعت موسكو نفوذا إقليميا أكبر، وخلقت شريكا مخلصا في شخص بشار الأسد"، "لكن ما فشلت إدارة أوباما في توقعه، هو احتمال نجاح التدخل الروسي في سوريا".
هذه السنة، تتوقع الولايات المتحدة وأوروبا مرة أخرى تدخلا عسكريا روسيا كبيرا، في أوروبا نفسها، ومرة أخرى، يحذر العديد من المحللين من عواقب وخيمة على موسكو.
في 11 فبراير، توقع وزير الدولة البريطاني لشؤون أوروبا جيمس كليفرلي أن حربا أوسع في أوكرانيا "ستكون مستنقعا" لروسيا.
مرة أخرى، يتجه التفكير إلى أن ثمن حرب شاملة في أوكرانيا سيكون باهظًا للغاية بالنسبة للكرملين وسيترتب عليه إراقة الكثير من الدماء.
وقدرت الولايات المتحدة ما يصل إلى 50 ألف ضحية، إلى جانب تقويض دعم بوتين بين النخبة الروسية، التي ستعاني من التوترات اللاحقة مع أوروبا، كما يمكن، وفق ذات الطرح، أن تعرض الحرب الاقتصاد الروسي للخطر.
في الوقت نفسه، يمكن أن تقترب قوات الناتو من حدود روسيا، تاركة روسيا تقاتل مقاومة أوكرانية لسنوات قادمة، ووفقا لوجهة النظر هذه، ستقع روسيا في فخ، وضعته لنفسها.
مع ذلك، يبدو أن تحليل التكلفة والعائد لبوتين يؤيد تغيير الوضع الأوروبي الراهن لصالحه، وفق التحليل، الذي يرى أن بوتين يقوم بـ"مهمة تاريخية" لترسيخ نفوذ موسكو في أوكرانيا كما فعل مؤخرا في بيلاروس وكازاخستان.
يبدو أن تحليل التكلفة والعائد لبوتين يؤيد تغيير الوضع الأوروبي الراهن لصالحه وترى موسكو، وفق التحليل أن النصر في أوكرانيا قد يكون في متناول اليد، بإطالة أمد الأزمة "ببساطة".
بإمكان روسيا أن تعمد لتمديد الأزمة الحالية دون أن تغزو أوكرانيا "وإذا كانت حسابات الكرملين صحيحة، كما كانت في سوريا، فيجب أن يكون الغرب والولايات المتحدة مستعدين لاحتمال واقع آخر "غير المستنقع المفترض".
إذا استطاعت روسيا السيطرة على أوكرانيا أو تمكنت من زعزعة استقرارها على نطاق واسع، فستبدأ حقبة جديدة للولايات المتحدة وأوروبا وفق التقرير.
تحد واسع
بموجب هذا الواقع المفترض، سيواجه قادة الولايات المتحدة وأوروبا التحدي المزدوج المتمثل في إعادة التفكير في الأمن الأوروبي وعدم الانجرار إلى حرب أكبر مع روسيا.
سيتعين على جميع الأطراف النظر في إمكانات الخصوم المسلحين نوويا في مواجهة مباشرة.
وقد تجد الولايات المتحدة وحلفاؤها أنفسهم غير مستعدين تماما لمهمة الاضطرار إلى إنشاء نظام أمني أوروبي جديد نتيجة للأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا.
بالنسبة لروسيا، قد يتخذ النصر في أوكرانيا أشكالا مختلفة، كما كان الحال في سوريا، إذ لا يجب أن يترجم النصر دائما بتسوية مستدامة، إذ يمكن أن ينطوي على تنصيب حكومة موالية في كييف أو تقسيم البلاد.
في المقابل، يمكن أن تحول هزيمة الجيش الأوكراني والتفاوض على استسلام البلاد، أوكرانيا إلى دولة فاشلة، كما يمكن لروسيا استخدام هجمات إلكترونية مدمرة وأدوات تضليل، مدعومة بالتهديد باستخدام القوة، لشل البلاد والحث على تغيير النظام.
خلاصة التحليل جاءت في عبارة "مع أي من هذه النتائج ستكون أوكرانيا قد انفصلت فعليا عن الغرب".
المنطقة العربية
تشكل مواقف دول منطقة الشرق الأوسط الكبير عنصرا مؤثرا في ميزان الصراع الدائر وسط أوروبا وذلك لأسباب كثيرة. جاء في تحليل نشر يوم 20 فبراير على موقع "الحرة" بالعاصمة الأمريكية واشنطن:
لم يكن بوسع عواصم الشرق الأوسط تجاهل الأزمة الأوكرانية، وما انفتحت عليه من احتمالات وسيناريوهات، بعد أن بلغت الأطراف "حافة الهاوية"، وكادت أوروبا أن تتحول إلى مسرح لحرب عالمية ثالثة... لكن هذه العواصم، معظمها على الأقل، آثرت الإبقاء على "مسافة أمان" تفصلها عن الأفرقاء المتورطين في لعبة "المكاسرة" وعرض العضلات، وحرصت أشد الحرص على إبقاء أوراقها قريبة من صدور قادتها، ولاذت بالصمت – رسميا – تاركةللإعلام وحده، مهمة الذهاب في كل الاتجاهات، بالمواقف والتحليلات.
لا يعني ذلك أن ليس ثمة من رابحين وخاسرين بنتيجة هذه الأزمة، من بين دول المنطقة ومحاورها... بيد أن الظاهرة تعكس أكثر ما تعكس، حجم التراجع في المكانة الشرق أوسطية للولايات المتحدة، حتى في أوساط حلفائها التقليديين، وتظهر في المقابل، حجم "الاختراق" الذي سجلته علاقات موسكو بدول المنطقة، خلال السنوات العشر أو العشرين الفائتة.
إسرائيل، أقرب حليف وشريك استراتيجي للولايات المتحدة، وبعد أن نأت بنفسها لفترة قصيرة محاولة إرضاء موسكو أكدت يوم الأحد 20 فبراير على لسان وزير خارجيتها يائير لابيد وفي تصريح لقناة 12 الإسرائيلية "إذا اندلعت حرب بين روسيا وأوكرانيا، فمن الطبيعي أن تنحاز إسرائيل إلى حليفتها التقليدية الولايات المتحدة، على الرغم من الاهتمام بالحفاظ على علاقات جيدة مع الروس".
وتابع أن "إسرائيل لديها مشكلتان لا تواجههما الولايات المتحدة وبريطانيا وهي الحدود الشمالية مع روسيا التي تتواجد في جنوب سوريا، فضلا عن الخوف على سلامة مئات الآلاف من اليهود في روسيا وأوكرانيا".
قبل تصريح الوزير الإسرائيلي وضع مراقبون ومحللون كثر في المنطقة، تل أبيب في خانة الخاسرين جراء الأزمة الأوكرانية، لأن واشنطن لم تظهر الصلابة والقدرة الردعية الكافية وبالتالي سينعكس ذلك على الساحة السورية، في حين حبس العالم أنفاسه، بانتظار ما سيخرج من "مدخنة الكرملين"، من دخان أبيض أم أسود.
في المقابل، تصدرت السعودية قائمة "الرابحين" بنتيجة هذه الأزمة، وتحديدا "شخص" ولي عهدها... فواشنطن تحت ضغط الخشية من أزمة طاقة قد تجتاح أوروبا إن اشتملت عقوبتها على موسكو، إمدادات الغاز الروسي للقارة، استنفرت حلفاءها طلبا للعون، وبدا أن شعار "عزل" السعودية تحت قيادة ولي العهد، لم يصمد طويلا أمام الارتفاعات الصاروخية لأسعار النفط، وهو أمر يلحق ضرراً بالغا بالاقتصاد والمستهلك الأمريكي، ويضعف إدارة بايدن، الضعيفة أصلا، وفقا لاستطلاعات الرأي العام الأمريكي.
وفضلا عن إيرادات إضافية بعشرات مليارات الدولارات التي تحتاجها الرياض لتمويل مشاريعها العملاقة والطموحة في الداخل، إلا أن الأزمة الأوكرانية، لم تضعف توجه المملكة لتنويع علاقاتها و"تحالفاتها" الدولية، فالرياض أحجمت عن تحميل الكرملين مسؤولية الأزمة، ولم تنجرف كعادتها طيلة أكثر من سبعين عاما، خلف الخطاب السياسي والإعلامي الأمريكي... يبدو أن ولي العهد السعودي جاد جدا في توجهه شرقا، من دون التفريط بعلاقاته الراسخة مع الغرب. ولكن يجب ملاحظة أن الرياض رفضت طلبا أمريكيا لرفع صادراتها من النفط لخفض الأسعار المرتفعة لأسباب من بينها أزمة أوكرانيا.
ما ينطبق على الموقف السعودي، انطبق على مواقف دول خليجية عدة، إن لجهة ارتياحها لارتفاع أسعار النفط، على أمل التعويض عن عجز متكرر في ميزانياتها خلال السنوات الفائتة، أو لجهة التزام "الحياد" في الأزمة، بالنظر لحجم التقارب والمصالح المشتركة مع روسيا... وحتى الدول "المستهلكة" للنفط، آثرت الصمت و"الحياد" على الرغم من فداحة الأضرار التي نجمت عن ارتفاع فواتيرها النفطية، فالأردن على سبيل المثال، لا يستطيع أن يقامر بعلاقته مع روسيا بالنظر للملف السوري بتشعباته المختلفة، وحاجة عمان لدور بناء تلعبه موسكو على حدودها الشمالية، والأمر كذلك بالنسبة للقاهرة، التي تقيم علاقات وثيقة مع روسيا، وبينهما ملفات وساحات عمل مشترك، ليست ليبيا، أقلها شأنا.
متغيرات
أنقرة التي بدت أقرب إلى كييف منها إلى موسكو، بدلالة موقفها "المندد" بضم روسيا للقرم، وبيعها أكثر من 500 طائرة مسيرة من طراز "بيرقدار" لأوكرانيا، ظلت تحسب ألف حساب لموسكو، واقترحت لنفسها دور "الوسيط" في النزاع، بدل الطرف المصطف في مواجهة روسيا، فهي بلا شك، ستتضرر من نظام العقوبات الذي كان الغرب يلوح بفرضه على روسيا، وتحديدا خطوط الغاز الروسي إلى ألمانيا، وموسكو لديها الكثير من الأوراق في سوريا، التي يمكن تفعيلها ضد تركيا، ومن بينها، وليس أهمها، الورقة الكردية، فضلا عن ملف العلاقات التجارية والسياحية وملفات الطاقة بين البلدين التي تعد حيوية وإستراتيجية لكليهما.
وحدها إيران، جلست متربعة على رأس لائحة الدول "الرابحة" في هذه الأزمة... فهي أدركت مبكرا أن انخراط واشنطن و"الناتو" في جبهة روسيا أوكرانيا، سيخفف الضغط عنها لا محالة، وربما يسرع في مفاوضات فيينا بما تشتهيه سفنها، لتمكين الغرب من التفرغ لمقارعة "الدب الروسي" الذي نجح في تمتين أواصر تحالفه مع "التنين الصيني"... ثم أن إيران، باتت أكثر قناعة بعد أوكرانيا، بأن أجنحة "النسر الأمريكي" لم تعد بالقوة الكافية التي تمكنه من البقاء منفردا بقيادة النظام العالمي، وأن ثمة أقطاب جديدة، باتت مستعدة للمغامرة من أجل صياغة نظام عالمي جديد، قائم على التعددية القطبية.
وإذ أظهر البيت الأبيض إصرارا شديدا على تفادي الانزلاق للحرب والمواجهة، واستنكافا عن القتال إلى جانب أوكرانيا، وتغليب الدبلوماسية المقرونة بنظام صارم للعقوبات على روسيا جال اجتيازها خط الحدود مع جارتها، فإن إيران التي خبرت كل وسائل الضغط الأمريكية هذه، لما يزيد عن أربعة عقود، تكون قد أيقنت أن خيار القوة ضدها، ليس من ضمن التفكير الاستراتيجي الأمريكي، وأن أسوأ السيناريوهات، لن يزيد عما خبرته إيران مطولا، وتحديدا في سنوات ترمب الأربع، الأكثر صعوبة على طهران.
خلاصة القول، أن "الهدوء" الذي ميز مواقف عواصم المنطقة وردود أفعالها حيال الأزمة الأوكرانية، إنما يتكشف عن متغيرين اثنين: الأول، نجاح روسيا في نسج علاقات وشبكات مصالح مع الإقليم، حتى مع أقرب حلفاء واشنطن... والثاني، تراجع ثقل واشنطن ومكانتها في المنطقة، وأن الزمن الذي كانت فيه معظم الدول الحليفة، تصطف تلقائيا خلف واشنطن في حروبها ومعاركها الحربية والدبلوماسية، قد ولّى، وأنها جميعها – باستثناء إسرائيل– تنتظر بفارغ الصبر، ولادة نظام عالمي جديد، قائم على التعددية القطبية في المرحلة المقبلة.
هل هي الحرب ؟
كتب المحلل السياسي الروسي ألكسندر نازاروف يوم الاثنين 21 فبراير:
لقد رفضت موسكو الخضوع لواشنطن في الخريف، فردتالولايات المتحدة بمحاولة فرض حرب أوكرانية عليها، الأمر الذيكان سيعني تكاليف باهظة لروسيا وقطع العلاقات الاقتصادية معأوروبا.
وعلى الرغم من الهستيريا في وسائل الإعلام الغربية، ومزاعمبايدن المتكررة بأن بوتين سوف يغزو أوكرانيا "غدا"، فإن ذلك لميحدث. وأجبر ذلك واشنطن على القيام بالاستفزاز بنفسها،فشنت كييف، بأوامر من واشنطن، الموجة الثالثة، منذ عام 2014،من الإبادة الجماعية ضد شعب الدونباس.
تعرضت البنية التحتية الحيوية في الدونباس لنيران المدفعيةالهائلة، حيث تم تدمير عدد من مرافق إمدادات الكهرباء والغازوالمياه، ما يشكل تهديدا لحياة مئات الآلاف من السكان فيظروف الشتاء الروسي القارس.
بدأ القصف المدفعي المكثّف على المناطق السكنية، وبدأتالجمهوريات في إجلاء سكانها إلى روسيا.
كما بدأت مجموعات التخريب الأوكرانية في اختراق أراضي تلكالجمهوريات والتجهيز لعمليات إرهابية، وعلى ما يبدو أن إحدىهذه المجموعات تاهت وتوغلت في الأراضي الروسية فتم التعاملمعها وتدميرها.
صباح يوم الاثنين 21 فبراير، شن الجيش الأوكراني هجوما علىعدد من قطاعات الجبهة، واندلعت بعض المعارك.
فليس من قبيل المصادفة أن يخرب النظام المتسلط في كييفاتفاقيات مينسك مع سبق الإصرار والترصد. أولا، أوكرانيا هيدولة مصطنعة، مقسمة إلى نصفين، الجزء الغربي يريد الانضمامإلى أوروبا، في حين أن الأجزاء الشرقية والجنوبية ترغب فيالتقارب مع روسيا. وطوال فترة استقلال أوكرانيا كان الرصيدمناصفة بين شقي البلاد، لكن الأغلبية لم يرغبوا الانضمام إلى"الناتو"، بل أرادوا الصداقة مع روسيا.
لكن ممثلي غرب أوكرانيا الآن يستولون على السلطة وهممستعدون للتنازل عن جزء من أراضي الشرق من أجل تقليصنسبة السكان الروس وتعزيز هيمنتهم في البلاد.
يبقى السؤال الوحيد المطروح حول مزيد من تطور الأحداث. منالواضح أن الاعتراف بجمهوريات الدونباس لا يحل مشكلة توسع"الناتو" نحو الشرق. ولن يكتفي الغرب بفرض كل العقوباتالممكنة ضد روسيا فحسب، بل سيسرع كذلك في قبول أوكرانيافي هذه الكتلة. أي أن ذلك لن يكون سوى بداية تصعيد الصراعبين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية.
من الواضح، من خلال اعترافه باستقلال الجمهوريتين، أن بوتينأظهر استعدادا ليس فقط لزيادة المخاطر، ولكن أيضا للعمل معالسيناريو الأمريكي، الذي ينطوي على صراع عسكري بينروسيا وأوكرانيا.
إن هذا السيناريو خطير للغاية على الاستقرار الداخلي لروسياإذا استمرت الحرب في أوكرانيا. يضع هذا السيناريو كذلك حدالإمكانية التكامل السلمي بين روسيا وأوكرانيا في العقود المقبلة،وربما إلى الأبد. لعل ذلك هو السبب الذي جعل بوتين يقاوم التورطفي الصراع الأوكراني منذ 2014، بينما كانت واشنطن تحرصبكل ما أوتيت من قوة جر روسيا إليه.
مشكلة الحدود
هناك أيضا مسألة حدود جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك. فالآنتسيطر هذه الجمهوريات على جزء أصغر من أراضي منطقتيدونيتسك ولوغانسك السابقة في أوكرانيا. في الوقت نفسه، تطالبالجمهوريات بكامل أراضي هذه المناطق. من غير المرجح كذلك أنتتصالح أوكرانيا نفسها مع هذا القرار دون حرب.
وبالتالي، يمكننا أن نتوقع، بدرجة احتمال كبيرة، أن تنشب حرببين أوكرانيا والجمهوريات المستقلة عنها، ثم حرب أخرى مستقبلابين روسيا وأوكرانيا.
أي أنه من الواضح أنه إذا اقتصرت روسيا على الاعترافبجمهوريتين فقط، فستتحمل أثقل التكاليف، دون أن تتمكن منحل مشكلة توسع الغرب إلى الشرق. حينها ستكون الولاياتالمتحدة الأمريكية قد نجحت في تنفيذ السيناريو الخاص بها.
ولا يمكن لروسيا أن تعوض الخسارة في هذه المعركة المحدودةسوى بالانتصار في الحرب بأكملها.
وبالتالي، ففي رأيي المتواضع، من الواضح أن هذا الحل هو حلوسيط. لقد أبدى بوتين استعداده للتصعيد، ومنطق الموقف يجبرهعلى تخطي أوكرانيا إلى مستوى أعلى من المواجهة: مع واشنطن.
أعتقد أنه في المستقبل القريب جداً، سيتخذ فلاديمير بوتينخطوات جديدة، وستضع الولايات المتحدة الأمريكية نفسها فيظروف غير مقبولة بالنسبة لها. لقد عرض بوتين، في إنذاره بشأنالضمانات الأمنية ديسمبر 2021، شروطاً معتدلة وعادلة للجميع– أوكرانيا المحايدة، وأوروبا المستقلة عن الولايات المتحدة، لكن تلكالشروط أصبحت الآن جزءاً من الماضي.
أعتقد أن روسيا والولايات المتحدة الأمريكية تتجهان بسرعة نحوصراع عسكري، أو على الأقل مواجهة على حافة صراع عسكري.
يعلم الله وحده كيف سيكون المخرج من هذه المواجهة: إلى حربأو حرب نووية أو إلى مفاوضات. ومع ذلك، فمن الواضح بالفعلأن شروط التسوية، التي ستكون روسيا مستعدة الآن للموافقةعليها، سوف تكون أسوأ بكثير بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.
على أي حال، لا تستطيع الولايات المتحدة ولا ترغب ولن تدافع عنأي من خدمها وحلفائها. والجيش الأمريكي والبريطاني يفرانالآن من أوكرانيا، ولكن ليس بنفس السرعة التي فرا بها منأفغانستان، فقط لأن القوات الروسية لم تدخل إلى أوكرانيا، ولازال الوقت متاحا أمام الأمريكيين.
لقد دمرت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، بعدتنفيذهما الانقلاب اليميني المتطرف في أوكرانيا عام 2014،اقتصاد البلاد، وأثاروا حربا أهلية هناك، وجعلوا من هذه الدولةأداة في صراعهم مع روسيا. بطبيعة الحال، فمن غير الممكن أنيعيش أي بلد يعاني من مثل هذه المشكلات طويلا.
من وجهة نظري، فإن أوكرانيا معرضة لأن تختفي من الوجودبسبب تلك العمليات الهدامة في الداخل الأوكراني، اللهم إلا إذااختار النظام في كييف مواصلة العدوان على الدونباس، فربماحينها تختفي من الوجود خلال الأشهر أو الأسابيع المقبلة.
لقد حذرت ذات مرة المستثمرين من المملكة العربية السعوديةوالإمارات ودول عربية أخرى من خسارتهم لأموالهم التيسيستثمرونها في أوكرانيا تحت حكم النظام النازي الحالي. اليوم، لا يسعني سوى أن أكرر النصيحة لسحب استثماراتهم منهناك في أسرع وقت ممكن.
بارقة أمل
وسط متاهات الصراع على أوكرانيا وفيما يقدر أنها مرحلة ماقبل نهاية العد العكسي للعمل العسكري الواسع ظهرت بوادر تسوية.
صرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يوم الأحد 20 فبراير، إن الرئيس بايدن مستعد للانخراط مع نظيره الروسي بوتين في الملف الأوكراني، في أي وقت، وبأي صيغة. وأكد بلينكن أن واشنطن تسعى إلى حل دبلوماسي، إلى حين تحرك الدبابات الروسية فعليا. وفي مقابلة مع قناة "NBC" قال وزير الخارجية الأمريكي إنه يعتزم لقاء نظيره الروسي سيرغي لافروف خلال الأيام المقبلة، طالما لم تبدأ الحرب في أوكرانيا.
في المقابل، اعتبر الرئيس الروسي، أمام نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن "الاستفزازات" الأوكرانية تؤدي إلى تصعيد المعارك مع الانفصاليين في شرق أوكرانيا، مشيرا إلى عزمه على "تكثيف" الجهود الدبلوماسية لحل النزاع.
وبحسب الكرملين، فإن بوتين طالب أيضا أثناء هذه المكالمة الهاتفية مع ماكرون، بأن يأخذ حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة المطالب الأمنية الروسية "على محمل الجد".
مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين ذكرت أن باريس تقدمت بحل قبلته واشنطن يقوم على أساس تطبيق اتفاقات مينسك كأساس لإيجاد حل سلمي للنزاع.
وقد ناقش الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يوم الأحد، مع نظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، "الدبلوماسية وجهود الردع" مع روسيا، بعد ساعات من اجتماعه بأعضاء مجلس الأمن القومي، وفق البيت الأبيض.
ومجددا، أجرى ماكرون محادثات مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، لمدة ساعة، مساء الأحد، بشأن أوكرانيا، وذلك للمرة الثانية خلال اليوم نفسه، حسب ما أعلن الإليزيه.
بعد ذلك بساعات قليلة أعلن دميتري بوليانسكي، النائب الأول لممثل روسيا الدائم بالأمم المتحدة، أن موسكو سترحب بنجاح فرنسا في إقناع كييف بالدخول بحوار مباشر مع جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين ذاتيا.
وذكر بوليانسكي في تصريح لراديو "سبوتنيك": "فرنسا تتحمل مسؤولية خاصة حيال سلوك جيراننا الأوكرانيين، لأنها عضو في مجموعة نورماندي".
وأضاف: "لذلك إذا كانت لدى فرنسا أدوات معينة للتأثير عليهم وإقناعهم بضرورة الدخول في حوار مع مواطنيهم في الشرق، فسيكون هذا سيناريو جيدا للغاية".
وتابع أنه "إذا كان بإمكان الفرنسيين التأثير على عقول المسئولين الأوكرانيين وإقناعهم بوجوب الامتثال لاتفاقيات مينسك وعدم فتح النار على المدنيين في دونباس، فلا يمكن إلا الترحيب بذلك".
تطبيق أتفاقات مينسك يعنى امتلاك جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك حق الفيتو على كل قرارات كييف وبالتالي إنهاء فرصانضمامها للناتو، بل وإحياء احتمالات إعادتها إلى الحضن الروسي في المستقبل.
وفي تطور آخر دعا الرئيس الأوكراني زيلينسكي، يوم الأحد، إلى استئناف المفاوضات مع روسيا تحت رعاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وإعلان "وقف إطلاق نار فوري" في شرق بلاده.
ويتهم الغرب روسيا بحشد 150 ألف جندي على الحدود الأوكرانية استعدادا لغزو هذه الجمهورية السوفياتية السابقة. وتؤكد واشنطن من جانبها أن موسكو تبحث عن ذريعة لشن الهجوم وأن العنف في الشرق قد يكون هذه الذريعة.
وتتزايد المواجهات المسلحة على خط المواجهة في شرق أوكرانيا في الأيام الأخيرة، بينما أبلغ مراقبو منظمة الأمن والتعاون في أوروبا عن أكثر من 3000 انتهاك لوقف إطلاق النار بين الخميس17 فبراير والاثنين 21 فبراير، وهو رقم قياسي هذا العام.
عمر نجيب