
أصبحت التكنولوجيا خلال السنوات الأخيرة قطباً مؤثراً وفاعلاً هاماً في السياسات المحلية والدولية. وإن كنا نتحدث عن التكنولوجيا، فإنه من البديهي أن يكون عملاق التواصل الاجتماعي (ميتا/فيسبوك) الذي لديه أكثر من 3 مليار مستخدم حول العالم موضع الحديث.
واضطلعت هذه المنصة منذ نشأتها، بدور كبير في توجيه الآراء والتأثير على خيارات المستخدمين في محطات هامة يمرون بها. كما كانت في الوقت ذاته، منصة لترويج شخصيات وأفكار دون غيرهم، وذلك بناء على ما أظهرته تسريبات وتحقيقات استقصائية، على الرغم من زعمها على لسان مسؤوليها بأنها تتيح الفرص لجميع المستخدمين بالتعبير عن نفسهم على قدم المساواة.
فبعد فضيحة القائمة السرية XCheck وسياسات الخصوصية المنحازة، سُلطت الأضواء مؤخراً أيضاً على الأدوار التي لعبها بعض مسؤولي الشركة وأهمهم، فيما أسمته جهات إعلامية وسياسية "دفْع للولايات المتحدة إلى اليمين" وذلك عبر توفير الدعم للمعسكر اليميني في الولايات المتحدة.
مستثمري ومستشاري فيسبوك.. تمويل ضخم لحملات اليمين
بعد مارك زوكربرغ، مؤسس شبكة فيسبوك، سلطت الصحافة الأمريكية مؤخراً الضوء على واحد من أهم أعضاء مجلس إدارة فيسبوك، وأول مستثمر خارجي لها، وهو الميلياردير الأمريكي، بيتر ثيل البالغ من العمر 54 عاماً، والذي أعلن هذا الأسبوع تنحيه عن مجلس إدارة فيسبوك بعد أكثر من 15 عاماً، لعب فيها أدواراً كبيرة بالشركة.
ويعد ثيل من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في وادي السيليكون، بسبب آرائه السياسية اليمينية والمتناقضة، كما أنه لطالما عرف بدعمه للمرشحين اليمينيين والمؤيدين للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب.
ووفق ما أشار إليه تقرير سابق لصحيفة نيويورك تايمز، فقد دعم ملياردير التكنولوجيا، دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية عام 2016، بما لا يقل عن 1.25 مليون دولار، ثم خدم لاحقاً في فريقه الانتقالي، كحلقة وصل بين ترامب ووادي السيليكون. إضافة إلى أنه يعد إلى اليوم من أبرز الممولين لحملات اليمينيين في مجلس الشيوخ، ومن أهم الداعمين للجان العمل السياسية ذات الميول اليمينية.
لم يتوقف ثيل عن ضخ الكثير من الأموال لدعم السياسات اليمينية والدفع بالمرشحين إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، وأصبح في الأثناء من أهم المستثمرين والممولين، في عملاق التكنولوجيا "فيسبوك"، الذي كان يعول عليه في الترويج لهذه الأفكار والشخصيات بطريقة غير مباشرة.
وذكر تقرير سابق لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، أنه "كان لثيل، المستشار في مجلس الإدارة، تأثير كبير على الرئيس التنفيذي لشبكة فيسبوك مارك زوكربيرغ، طوال سنوات، مما دفع هذا الأخير، إلى اتباع نهج عدم التدخل في إدارة المحتوى والإعلانات على تطبيقات الشبكة".
وسمح ذلك بالتالي، بصعود اليمينيين والشعبوين في الولايات المتحدة الأمريكية. ولا يعد ثيل إلا واحداً من بين الكثير من المستثمرين والمسؤولين في شبكة فيسبوك الذين يملكون أفكاراً منحازة للتيار اليميني ويدفعون باتجاهها، ولا تزال الأضواء لم تتجه إليهم بعد، للكشف عن مزيد منهم، وعن أدوارهم في توجيه الولايات المتحدة إلى اليمين، كما وصف ذلك مراقبون ومحللون.
ترويج وتماهي مع خطابات اليمين
على الرغم من تأكيد زوكربيرغ، بأن فيسبوك تسمح لجميع المستخدمين بالتواصل والتوجه إلى الجمهور على قدم المساواة، وأن المعايير تنطبق على الجميع بغض النظر عن شهرتهم أو مكانتهم، فإن العديد من الوثائق المسربة مؤخراً إلى الكونغرس الأمريكي ولجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية، الجهة المنظمة لسوق الأوراق المالية، كشفت أن الشركة طورت نظاماً غير مرئي يعفي بعض المستخدمين البارزين من بعض القواعد أو كلها. وذلك بإدراج بعض المستخدمين ضمن قائمة بيضاء سرية تدعى "XCheck" تمنح المدرجين ضمنها، حصانة من إجراءات التنفيذ، وتمكنهم من نشر مواد رغم أنها تنتهك في الغالب القواعد العامة وذلك دون أي مراجعات أو تحقق، أو سحب سريع للمحتوى.
وهو ما يفسر بالتالي، فسْح فيسبوك المجال لمنشورات وخطابات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب للانتشار رغم انتهاكها للمعايير، قبل حذف حسابه لاحقاً.
وحسبما جاء في تقرير لصحيفة الواشنطن بوست، فقد غير فيسبوك خوارزمياته باستمرار، بطريقة متحيزة تجيز لليمينيين بنشر ادعاءاتهم وأفكارهم السياسية بعيداً عن المحاسبة. وبدأ هذا التماهي فعلياً منذ عام 2015، عندما بدأ ترمب يظهر كمرشح للانتخابات الرئاسية، وتجند آنذاك داعموه من المسؤولين التنفيذيين داخل الشبكة لدعمه وإطلاق استثناءات للخطاب السياسي على المنصة.
ومع نمو سلطة ترمب، دفع الخوف من غضبه فيسبوك إلى سلوك أكثر تغاضياً وتماهياً تجاه العدد المتزايد من المستخدمين ذوي الميول اليمينية، مما أدى إلى تغيير شكل المحتوى الذي يتعامل معه مسؤولو الشبكة.
في النهاية رضخت الشبكة نوعاً ما للضغوطات المفروضة عليها، نتيجة التحقيقات التي أدانتها بالانحياز والتلاعب بأفكار المستخدمين. ولكن ذلك لا ينفي وفق ما أكده خبراء ومختصون وموظفون سابقون بالشبكة، أنها قدمت الدعم المالي عبر مستثمريها ومسؤوليها، كما روجت الحملات والخطابات للمعسكر اليميني في الولايات المتحدة.