سؤال يحتاج للاجابة عنه الزميل الذي عبر بلغته الراقية الى ما يمكن اعتباره تنبيها، و اطلق عليه غيره في ساحات المواجهة ب" نيران صديقة"، غير أنه في ميادين الفكر، والنقاش الحر الذي كثيرا ما تواضع أهله في مجال الحوار للاستجابة في التفاعل بين المستقبل، والمرسل لتداول الرسالة الاعلامية التي تفرض الترفع،و التسامي الى الآفاق المشتركة بما يتسم به الفكر في النقاش حول المواضيع العامة التي تتجاوز حدود الخصوصية الذاتية، إذا ما اتسعت صدورأهل الفكر لذلك..
وتقديرنا أن الزميل المحترم، قدم في كتابته تأشيرة للدخول معه في الحوار المنتج، والبناء الذي يأتي للتنويه بما قرأنا في طرحه الواعي عن ندرة الابداع الفكري في مجال التربية، ورعاية الطفولة، كما عن غياب الابداع الذي حل محله الاستعارة الفكرية، وتبنيها للأسف من جهات كافأت الفاعلين بدلا من محاسبتهم..!
وبقدر ما ادركت حساسية لدى البعض خلال التقييم للكتابة من ذكر الاسماء، وهذه ظاهرة غير مشجعة، ولكن أستجيب لهذا الطلب المرغوب اذا دعت الضرورة لذلك.
وكم كان الأمر غير مربك للبعض، ولعلي واحدا منهم حين يتدثر الكاتب الوطني بالحديث عن الرموز، والدولة التي كان يعرفها الدكتور"عصمت سيف الدولة" ـ رحمه الله ـ بأنها: أوامر، ونواهي، فإذا لم تتم الاستجابة، لأوامرها: طلبا، أو نهيا، كان ذلك إيذانا بزوالها، وذلك موجود في كتاباته التي حرض فيها على العصيان المدني في فلسطين المحتلة،، ولكن بعيدا عن التحريض، لانتفاء مبرراته في بلادنا لله الحمد في هذه الظرفية التي نتمنى، ألا تكون استثنائية نظرا للتوافق العام بين قوى الحراك الاجتماعي، وبين النظام السياسي على عهد الرئيس العروبي محمد ولد غزواني، غير أن الرجوع الى خطاب الرئيس في مدينة "وادان" التراثية، وتفسير ما جاء في الخطاب "استثناء" بالنظر الى القراءة المجتزأة ل"جدل الانسان" من تقعيد في مجالات الفكر العربي الحاوية لمفهوم الأمة في التراث، والثقافة، والدين، واللسان، وتشكيلها للوعي، والاذواق، والقيم الجمالية، والاخلاقية ..
والسؤال الذي ينتظر الاجابة من المناطقة، والاصوليين، والنحاة معا، هو: أيهما الأصل للقياس عليه القاعدة، أو الاستثناء؟، وكيف يمكن الربط بينهما، بالاشادة بهذا الاستثناء بالنظر الى ما في القاعدة، الكلية المستغرقة للجزئية في علاقة " التضمن"؟ وهذا يجعل من الاستثناء، جزئية تابعة للقاعدة الكلية، وليس باعتبارها "الثالث المرفوع"، والنحاة يرون أن الاستثناء من تداعيات الظواهر اللغوية السمعية، لا التقعيدية القياسية، وإلا ما كانوا اطلقوا عليه مفهوم " استثناء"، فكيف يلجأ اليه لتكريس القاعدة، بينما هو يشكل خروجا عليها..؟
أما عند الاصولويين، فيعتبر القياس على الاستثناء باطلا، لأنه مفارق للأحكام الشرعية المنصوص عليها في الكتاب، والسنة، وغيرهما لا يحصل عليه القياس، مع حصول ذلك في بعض الاجتهادات..
والاقتباس التالي يوضح هذا الاشكال " قلب خطاب رئيس الجمهورية، في "وادان"، الطاولة على رؤوس أصحاب الاحتكارية الثقافية، ثم أرخ، في استثنائية سيحفظها التاريخ تكريس قاعدة" أن الأمة هوية، والهوية ثقافة، والثقافة دين، ولسان،ووجدان ـ وهكذا فكل شيء يبدأ بالانسان ـ " ، ولعلي من الذين سمعوا الخطاب الرئاسي بكامله، ولا زال في جهازي، ولذلك، فهناك قراءة خارج نص الخطاب حين تؤوله على أن فيه تصويبا للثقافة العربية، واتهامها بالثقافة الاحتكارية، بينما الثقافة العربية انتشرت مع إنتشار الدين الإسلامي الذي هو دعوة ربانية للهداية، وموجهة للكافة، وليس للخاصة حتى تحتكر الثقافة العربية، وكانت المساجد، محارب لتعليم الدين، والثقافة للجميع من مختلف الأوساط الاجتماعية..
أما الذين اشتغلوا عن التعليم في مناشط الحياة اليومية، كالمهن الحرفية، أو الرعي، أو الزراعة، أو التجارة، فتلك القضية تتعلق بالفرد، وهمومه، والمجتمع، وظروفه، وليس لها علاقة باللثقافة، وبالتالي كان خطاب الرئيس موجها للرفع من قيمة العمل، واصحابه، وتقييم دورهم في المعطى الحضاري للمدينة الأثرية، وهذا الذي فمهت من الخطاب الذي كان واضحا، واستوعبته العامة مع الخاصة من المثقفين، قبل هذا التأويل الذي قدم قراءة مستفزة، وربما استثنائية حقا، وحقيقة لما فيها من وصم لثقافتنا بالاحتكارية، وهو أمر مستغرب من كاتب عروبي، ونتمنى عليه تصويب هذه الفقرة من المقال التنويري الذي نتعاطى معه في إطار التنويه به لما فيه من رؤى مشتركة.