اطلعت هذه الليلة 17-01- 2022 م، على مقال للاستاذ ابراهيم أبو عواد، في موقع " الصدى" الموريتاني، وكان قد نشر له سابقا مقالا رائعا عن المعرفة ومصادرها، وأما الثاني فعن "بنية المجتمع الانساني والنظام الاجتماعي"، و هذا المقال الأخير، سيكون موضوع هذه المداخلة الأولية،، ولا أخفي على الاستاذ خيبة أملي في توقعي عدم استفادة القارئ العربي من المقال النظري التجريدي رغم جمال لغته، وقيمته المعرفية، وذلك لسبب واضح، وهو أن الاستاذ سعى لتقديم "بناء نظري" في قالب تجريدي، وظف فيه عدة قواميس لغوية في: الفلسفة، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم اللسانيات، وحتى الاستاذ استخدم لغة سريالية احيانا في الجملة الواحدة مستخدما أسلوب " عكس المستوى" على حد تعبيرالمناطقة، وكمثال على ذلك قوله : " وتكثيف لمنهج تحليل الشعور" ولعله كان يقصد " وتحليل المنهج تكثيف الشعور"، وهو الذي ينسجم مع التحليل عند فرويد في تحليله للغة الحلم التكثيفية..
ولعل القراءة الداخلية لبنية النص في المقالة، تحتاج الى توطئة في سبيل اشرك القراء معنا، وذلك للاستفادة المعرفية مما يقرؤون في المواقع الافتراضية، كمجال يوحد القراء العرب، ونتمنى ألا يكون ذلك بديلا عن الكتاب العربي الذي كان ـ ونتمنى أن يبقى حرصا منا على ديمومة دور بيروت وغيرها من عواصمنا العربية الرائدة في النهضة الفكرية للأمة ـ يكتب في بيروت، والقاهرة، ودمشق، وبغداد، وعمان، ويقرأ في كل الوطن العربي،،
ولأننا نكتب للقارئ العربي ـ وليس لأنفسنا ـ من أجل تثقيفه أولا، وللرفع من مستوى وعيه السياسي ثانيا،، وسيبقى الرهان على المثقف العربي، وفي المقدمة أساتذة العلوم الانسانية، ومن الغايات الأولية، تمكين الفرد من معرفته لنفسه، وفهم واقعه، والمشاركة على تغييره،،والكشف عن العوامل التي تتحكم في انظمة مجتمعاتنا خاصة، وأنظمة الاجتماع الانساني عامة، وهذا، وهو الهم الذي وجه علماء الاجتماع الوصفي الذي صاحب أوليات التغيير السياسي والاجتماعي، والحضري في الوطن العربي مع ثورة الثالث والعشرين من يوليو في مصر، وفي العراق، وسوريا، والجزائر وغيرها، وهي الثورات المباركة التي استقلت بانظمتها، وقاد تيارها التحررى الى التغيير العمودي بداية، والافقي بعد التغيرات سيئة التأثير، وفي الأول حصل ادخال الاصلاحات العميقة، والجزئية، ومنها مجانية التعليم، واستصلاح الاراضي الزراعية، والانتقال من المجتمع القروي الى المديني، وتأسيس بنيات صناعية، وتحول ثقافي وتربوي، وتحسين معيشة، وصحة المواطن العربي بنسب متفاوتة نظرا لاختلاف المعطيات الممكنة لذلك من قطر الى آخر.
وبالتزامن مع المتغيرات العميقة أعلاه في أبنية الانظمة في المجتمعات العربية، كان لعلماء الاجتماع مواكبة فكرية، وفي الميادين لرصد التحولات، وأثرها على السلوك والقيم، والثقافة، والحياة العامة، وسلوك الاسرة، والفرد، ومن المفكرين الاجتماعيين، أشير الى دور واحد دون أن تكون هناك خلفية مشتركة في الاختيار ـ ويمكن أن نعرض لغيره من مفكري علم الاجتماع في مداخلة أخرى ـ ف" علي الوردي" قدم في برامجه الإذاعية، العديد من العوامل التي تحكمت في نشاة الظواهر، واستقلال الفرد، والمجتمع عنها، كما رصد الكثير من خصائص نظمي المجتمعي العراقي في القرى، وفي الحضر، ومقارنة بينهما، وكذلك الأمر في ما كتبه حيث شخص الامراض النفسية، والعقلية الموروثة في المجتمع، ومناهج المعرفة التلقينية التي لا تزيد صاحبها إلا خمولا في التفكير، وتناقضا بين الفكر والسلوك لاصحابها، و تعاليمهم التي كانوا يرهبون بها فكر السامع في مواعظهم الصباحية والمسائية، ثم دورهم، كنخبة للسلطان الحاكم ، وما تقوم من تفسير للدين على هوى مصلحة السلطة السياسية، وطنية كانت ، أو استعمارية..
ولعل المثال السابق" عينة" ممثلة، وليس حالة فردية استثنائية،، ومن يطالع البحث الاجتماعي في مختلف الأقطار العربية، يتأكد من دور علماء الاجتماع العرب في وصف الظواهر، ومنها السلوك الاجتماعي العام، والفردي، وتحديد خصائص النظم الاجتماعية في مجتمعي القرية، والمدينة، وصراع القيم بين مجتمع متمسك بقيم متخلفة، وفئات حديثة الثقافة، و تبعية الانظمة، والاختلالات التي تعاني منها، وتداعيات الاحتكاك الثقافي، والاجتماعي على المجتمع العربي حيث سلبته المتغيرات الخارجية من قواه الداعمة، ليكون مستقبلا، مستوردا، أسواق استهلاكية أكثر منها مجتمعات عربية منتجة، وترتفع النسبة في الاستهلاك في المجتمعات "الريعية".
ومن هنا يلاحظ أن الفكر الاجتماعي العربي الحديث ـ وأتحفظ على وصفه بالمعاصر، لأن المجتمع العربي، لم يحقق ثورة سياسية واجتماعية، وصناعية، حتى يواكب هذا التحول بالثورة الثقافية، ويدخل الفكر العربي في مرحلة العصرنة ـ، كان استجابة لمطالب الواقع المحلي في مجتمعات الوطن العربي، ولم يكن الاهتمام منصبا على بناء "النموذج" النظري الموغل في التجريد، كالذي اهتم به علماء الاجتماع من اصحاب الاتجاه الوظيفي ـ البنائي سواء الأقدمون منهم ك " أوجست كومت"، و" ماكس فيبر " و"إميل دوركايم"، أو المعاصرين، ك" هربرت سبينسر" و" تالكوت بارسونز"، والأخير سنقارن بين نموذجه البنائي، ونموذج الاستاذ ابراهيم أبو عواد في التجريد، والنظرية، دون القطع ـ ضرورة ـ بالقول الآن عن تقاسمهما الرؤية التي عند الأمريكي، الذي كان هدفه تقعيد الواقع القائم في المجتمع الامريكي، والغربي عموما،، وهذه الايديولوجيات الليبرالية الجديدة، والصراعية الماركسية في علم الاجتماع،، ابتعد عنهما الى حد ما البحث الاجتماعي العربي في تصورات مفكريه الذين لم يجدوا مثالهم في الصراع الايديولوجي، حيث أن المجتمع العربي في معظمه تحت الاحتلال، والانظمة السياسية تابعة، والاستعمار الجديد، خرج من الباب ودخل من النافذة،، لذلك كان المبحث في التغير الاجتماعي، أكثر الدراسات التي تم التفاعل معها في المنطلقات سواء في البحوث الاجتماعية، أم الدراسات الميدانية، ولم تكن الوظيفية ـ البنيوية من المرجعيات التي تساعد على التأطير النظري،، ولكن يظهر أن زميلنا اختارها ربما للمعارضة على رأي أهل الشعر والأدب، والسؤال، هو: كيف تأثرت قراءته بتلك النظريات المحافظة، والمعبرة عن تقعيد النموذج الفكري للمجتمعات المستقرة، وتعميمه في المقال موضوع المداخلة؟( يتبع)